مع تسارع تطور التهديدات الرقمية وازدياد اعتماد المؤسسات على البنية الشبكية في أعمالها، بدأت الحاجة تتجه نحو حلول أمنية لا تكتفي برد الفعل، بل تبادر إلى الحماية قبل وقوع الخطر. وفي هذا السياق، قدّم الطالبان سيف خالد من تخصص علوم الحاسوب، وزميلته ريزكون فيفو من تخصص هندسة البرمجيات من معهد ديمونت للإدارة و التكنولوجيا ابتكاراً يحمل اسم سكيورا، وهو جهاز توجيه يعمل بالذكاء الاصطناعي ويعيد تعريف أمن الشبكات من الداخل بدلاً من الاعتماد على أنظمة خارجية أو أجهزة متفرقة.
تقوم فكرة سكيورا على توحيد وظائف الاتصال والحماية في جهاز واحد، بحيث يصبح الراوتر نفسه قادراً على مراقبة البيانات أثناء مرورها، وتحليل سلوكها، والتعرف على التهديدات غير المعلنة، ثم اتخاذ الإجراء الفوري دون انتظار تحديثات أو تدخل متخصصين. وبهذه الآلية، يتحول الجهاز من أداة لعبور البيانات إلى وحدة إنذار واستجابة مستقلة، تمنع الهجوم قبل أن يتحول إلى اختراق أو تعطيل تشغيلي.
ويعتمد سكيورا على خوارزميات متقدمة قادرة على قراءة الأنماط داخل الشبكة، وملاحظة أي تغير غير طبيعي في سرعة البيانات، طريقة انتقالها، أو مصدرها، مما يمنحه القدرة على كشف التهديدات المستجدة التي لا تزال خارج قواعد البيانات التقليدية. ويتم تنفيذ القرار الأمني داخلياً، سواء عبر العزل أو المنع أو إعادة توجيه البيانات، دون الحاجة إلى أنظمة دفاع خارجية أو جدران نارية منفصلة.
ويمتد الابتكار إلى ما يسميه فريق البحث “التنسيق الأمني الداخلي”، حيث تتبادل أجهزة سكيورا المتصلة فيما بينها معلومات التهديد عبر قنوات مشفّرة، لتنتقل المناعة تلقائياً من جهاز إلى آخر. وهذا يعني أن أي اختراق يتم كشفه في بيئة ما لن يبقى معلومة محصورة، بل يتحول إلى قاعدة دفاعية تنتشر فوراً داخل منظومة سكيورا فقط، دون ارتباط بأي جهات أو شبكات خارجية.
ويستهدف الجهاز المؤسسات، الشركات، والقطاعات التي تتطلب استقراراً أمنياً دائماً دون تكاليف عالية أو أنظمة معقدة يصعب إدارتها. ويؤكد الفريق المطوّر أن سكيورا لا يهدف إلى استبدال فرق الأمن التقني، بل إلى تقليل الضغط الواقع عليها، عبر توفير “طبقة حماية ذاتية” تقلل من الحاجة إلى التدخل البشري المستمر.
ويعمل الباحثان حالياً على إدخال الجهاز في مرحلة اختبارات واسعة تشمل بيئات متعددة، مثل الشركات التقنية، مزودي الخدمات، والجهات التي تعتمد على الاتصال الشبكي الحسّاس، بهدف قياس قدرته على الصمود أمام هجمات متقدمة في الزمن الحقيقي.
ولا يقدّم سكيورا جهازاً جديداً فحسب، بل رؤية مختلفة لطبيعة الشبكات نفسها، باعتبارها بيئات قادرة على حماية ذاتها داخلياً بدلاً من انتظار أدوات أمنية خارجية. فالسؤال لم يعد: “ما النظام الذي نحمي به الشبكة؟” بل: “متى تصبح الشبكة نفسها قادرة على الحماية؟”.
وبينما ما يزال المشروع في مرحلته التطويرية، فإن فكرته تفتح الباب أمام جيل جديد من البنى الشبكية التي لا تكتفي بنقل المعلومات، بل تتعلم من أخطارها، وتشارك دفاعها، وتحافظ على استمراريتها دون اعتماد على عناصر خارجية.

