برعاية كريمة من سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك “أم الإمارات”، رئيسة الاتحاد النسائي العام، رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية، افتتح الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، اليوم في العاصمة أبوظبي، أعمال المؤتمر العالمي الثالث لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الذي يُعقد تحت عنوان: “الأسرة في سياق فقه الواقع: هوية وطنية ومجتمع متماسك”، وذلك بمشاركة شخصيات رفيعة المستوى من داخل الدولة وخارجها، إلى جانب نخبة من العلماء والخبراء والمتخصصين.
وقد شهدت الجلسة الافتتاحية حضور عدد من المسؤولين ورؤساء الهيئات والمؤسسات المعنية بالشأن الأسري والديني، إلى جانب ممثلي الجهات الوطنية والدولية، ومشاركة فاعلة من وسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية.
واستُهلّت أعمال المؤتمر بالجلسة الافتتاحية الرسمية حيث عُزف السلام الوطني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وتلاوة آياتٍ من الذكر الحكيم، أعقبها عرض مقطع مرئي استعرض قصة المؤتمر ورؤيته وأبعاده القيمية والمجتمعية، ثم تضمّنت الجلسة كلمات رئيسة ألقاها عدد من كبار المسؤولين وضيوف المؤتمر.
وفي كلمته خلال افتتاح المؤتمر قال الشيخ نهيان بن مبارك في مستهل كلمته: أحييكم ، ويسعدني كثيرا، أن أكون معكم اليوم، في هذا المؤتمر العالمي الثالث، لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، وهو المؤتمر الذي يتناول قضايا الأسرة، في سياق فقه الواقع، ويكتسب أهمية كبرى، بفضل الرعاية الكريمة لسمو، أم الإمارات، الوالدة الفاضلة سموالشيخة فاطمة بنت مبارك، أعزها الله، وذلك بما تمثله سموها، من نموذجٍ رائد، وقدوةٍ حسنة، في حب الوطن، وفي بناء مجتمعٍ عزيزٍ ومتماسك، تتحقق لكل أسرة فيه، كل ما وهبه الله لأفرادها، من طاقاتٍ وإمكانات.
وأضاف الشيخ نهيان بن مبارك: إن هذا المؤتمر، من وجهة نظري، إنما هو تجسيد حي، للعزم والتصميم، لدى أبناء وبنات الإمارات جميعاً، على السير على هَدْي التوجيهات الحكيمة لسمو الوالدة الفاضلة أم الإمارات، وهو كذلك، تعبير قوي، عن التزامنا الكامل، بتحقيق رؤيتها الشاملة، التي تركز على خدمة الإنسان والمجتمع، في كل مكان.
وأكد الشيخ نهيان بن مبارك: إننا نهنئ أنفسنا ، أن المولى عز وجل ، قد وهب لنا هذه السيدة العظيمة ، التي نتعلم من إنجازاتها باستمرار، أن تنمية الأسرة، هو عمل وطني نبيل، وأن الأخذ بكافة المبادرات الجادة، في هذا السبيل، هو الطريق إلى النهوض بالوطن، والإسهام الجاد في مسيرة العالم – إنه يشرفني بالغ الشرف ، أن أتقدم بعظيم الشكر، ووافر الاحترام والامتنان ، إلى سمو الوالدة الفاضلة أم الإمارات : نعتز ونفتخر ، بأنها منبع خيرٍ وعطاءٍ متواصل، في كافة مجالات العمل الوطني، وبأن جهود وأعمال سموها المستمرة، وبحمد الله، توقظ العقول، وتلامس الوجدان والقلوب، وتسهم بجلاء، في تمكين الإمارات العزيزة، من مواجهة تحديات العصر ، بكل ثقةٍ واقتدار.
وأكد الشيخ نهيان بن مبارك قائلاً: إن هذا المؤتمر كذلك، أيها الحفل الكريم ، إنما يتراسل تماماً، مع ما أعلنه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، من أن عام 2026 ، هو عام الأسرة في الإمارات ، وذلك تأكيداً على رؤية سموه الثاقبة ، بأن تكون الأسرة في هذه الدولة الحبيبة، مثالاً وقدوة، للأسرة الملتزمة والناجحة : تلك القادرة دوماً، على العطاء والإنجاز، يتعلم أفرادها على أعلى مستوى، يطورون طاقاتهم وإمكاناتهم، إلى الحد الأقصى، يتواصلون معاً، بمودةٍ ورحمة، يساهمون في مسيرة المجتمع ، بنشاطٍ وبدون عوائق، وينفتحون على كافة إنجازات التطور والتقدم : يشاركون فيها بثقةٍ كاملة بالنفس، وإيمانٍ عميق، بالمكانة المرموقة لدولتهم، بين دول العالم أجمع – إنه يشرفني في هذا المؤتمر، أن أتقدم إلى صاحب السمو رئيس الدولة ،حفظه الله ، ببالغ الشكر والتقدير والاحترام، لجهوده المتواصلة، من أجل إطلاق الطاقات الكامنة للأسرة، على طريق تحقيق الخير للفرد، والتقدم للمجتمع، والعزة والرخاء للوطن.
وأوضح الشيخ نهيان بن مبارك: إن الاهتمام في هذا المؤتمر، بالأسرة في سياق فقه الواقع ، إنما ينبع من المكانة الأساسية للشريعة الإسلامية ، في مسيرة الدولة، كما أنه في الوقت نفسه، دعوة إلى إدراك أهمية ارتباط الفقه، بالواقع الذي نعيشه، وما يتسم به هذا الواقع، من تطوراتٍ وتغييراتٍ متلاحقة . إنه لمما يدعو للسعادة والسرور حقاً ، ما نشهده من إسهاماتٍ مهمة ، في فقه الواقع ، للشيخ عبدالله بن بيه ، ولمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي – إن المجلس ، برئاسته ، إنما يأخذ بمنهج منضبط للإفتاء ، يعتمد على الأحكام الواردة في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية الشريفة، وعلى اجتهادات العلماء والمفسرين . إنه وبحمد الله ، منهج يعتمد على الاجتهاد وإعمال العقل ، ويسعى إلى تحقيق جوهر الدين الحنيف، في المواكبة المستمرة، لظروف الزمان والمكان ، وفي الابتعاد عن الجمود أو الإنغلاق، وكذلك في نبذ كل ما يثير الفتن، أو يعرقل مسيرة المجتمع .
وأشار الشيخ نهيان بن مبارك: إن هذا المنهج القويم في الإفتاء، الذي يأخذ بالاجتهاد وإدراك الواقع، إنما ينطلق من تفكير صائب، حول مقاصد الشريعة، ويهدف بكل جدٍ وإخلاص ، إلى تحقيق دعوة الإسلام ، إلى مجتمع يسوده العدل والتكافل والسلام ، وتتحقق في ربوعه مصالح الفرد والمجتمع، وينتشر فيه الأمن والأمان ، للوطن والمواطن على حدٍ سواء.
وأضاف الشيخ نهيان بن مبارك موضحاً: إنه في إطار ذلك كله ، أيها الإخوة الأعزاء ، يأتي الحديث في هذا المؤتمر، عن الأسرة في عالم متغير، ويتأكد دور فقه الواقع ، في بلورة دور الأسرة في هذا العصر، وفي تعميق روابط المحبة وصلات الدم والقرابة، التي تربط بين أفرادها، وكذلك في إرساء المبادئ وقواعد السلوك، التي تجعل الأسرة ، أكثر كفاءة وفاعلية، في تربية الأبناء، والتمكين الاقتصادي والاجتماعي لهم ، وفي توفير الدعم الروحي والعقائدي، الذي ينير الطريق أمامهم ، ويؤدي إلى تعميق مكانة الدين الحنيف، ودوره في غرس قيم حب الوطن ، والافتخار بالهوية، والتمسك بالأخلاق الحميدة ، والاعتزاز بالمبادئ الإنسانية النبيلة، لدى الجميع، وذلك دونما إنقياد وراء مؤثرات عقائدية، أو سلوكية، هدامة وغير سليمة.
وقال الشيخ نهيان بن مبارك: أيها الإخوة الأعزاء : إنني إذ أتطلع إلى نتائج مناقشاتكم في هذا المؤتمر ، فإنني أضع أمامكم ، وباختصارٍ شديد ، بعض الأمور التي جالت بخاطري، عند الحديث عن الأسرة في سياق فقه الواقع:
أولاً: كيف نتأكد من خلال فقه الواقع ، أن لدى كل أسرة ، بجميع أفرادها، رؤية واضحة لدورها في مسيرة المجتمع ، وكيف ينشأ نتيجة لذلك ، مناخ وطني، يحفز إلى التفوق ، وعمارة الأرض ، والتغيير الدائم نحو الأفضل – كيف يكون لفقه الواقع ، دور في تزويد الأسرة ، بالطاقة والرغبة ، بل والقدرة ، على الإسهام النشط ، في حركة التطور والنماء ، في الوطن والعالم ؟.
ثانياً: كيف يسهم فقه الواقع ، في أن تكون الأسرة في الإمارات دائماً ، نموذجاً وقدوة ، في الأخذ بالطرق الآمنة، لتربية الأبناء ، ولتعزيز الثقة بالنفس، والثقة في الوطن، والانتماء والولاء لقادته ورموزه وأهدافه – كيف يسهم فقه الواقع ، في تعزيز منهج الوسطية في السلوك، إلى جانب الالتزام بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وارتباط أفراد الأسرة ببعضهم البعض، وبمن حولهم في المجتمع، بروابط الأخوة ووحدة المصير ؟ كيف يكون للأسرة دور مهم ، في تنمية المعرفة بالبشر أجمعين ، والانفتاح عليهم ، والعمل معهم بإيجابية ، وبروح التسامح والتعايش والأخوة الإنسانية ؟.
ثالثاً: كيف يمكن لفقه الواقع، أن يسهم في أن تكون الأسرة ، قادرةً تماماً، على الإفادة الكاملة من معطيات العصر الرقمي : كيف يمكن أن تكون التقنيات الحديثة ، ومنها تقنيات الذكاء الاصطناعي، وسيلةً فعالة ، لتحقيق الترابط بين أفراد الأسرة، وتمكينهم من الحياة النشطة والثرية معاً ، بل وكذلك كيف تكون هذه التقنيات ، أداةً مهمة لتحقيق التواصل القوي ، بين الأجيال داخل الأسرة الواحدة ، في ظل واقعٍ يتغير دائماً ؟ كلنا يعلم ، أن هذه كلها ، أمور مهمة ، لابد وأن تبدأ في الأسرة ، ثم تنتقل إلى المجتمع ، وذلك تجسيداً للرسالة السامية للأسرة ، باعتبارها أساس تقدم الوطن ، ومصدر عِزّته وقوته.
رابعاً: كيف تكون تعاليم الإسلام الحنيف ، وما يتبعها من فقه الواقع ، طريقاً لبناء قناعة كاملة ، لدى كل أسرة ، بأن العمل الأسري الناجح ، وما يترتب عليه من عملٍ مجتمعي مثمر ، إنما يستلزم التوكل على الله ، والمثابرة والاستمرارية في تحقيق الهدف ، وذلك في إطار الأخذ بنظرةٍ طويلة المدى ، تتسم بالإيمان والصبر والحكمة ، والالتزام بطموحات الوطن وآماله ، في تحقيق حاضرٍ ناجح ، ومستقبلٍ مزدهر.
وقال الشيخ نهيان بن مبارك في ختام كلمته: أيها الحفل الكريم : أعبر لكم مرة أخرى ، عن سعادتي لحضور هذا المؤتمر المهم معكم ، راجياً بعون الله، أن تسهم مناقشاتكم ، في بحث سبل تمكين الأسرة ، من تطوير طاقاتها وإمكاناتها ، إلى أقصى حدٍ ممكن ، وفي أن يكون لها دور مرموق ، في تحقيق الخير والسلام ، في المجتمع والعالم : أسرة قادرة تماماً ، على التعامل الذكي والواعي ، مع كافة متطلبات العصر وتحدياته – أعبر لكم كذلك ، مرة أخرى ، عن اعتزازي بعمل وإنجازات مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي ، وبمكانته المتنامية ، كمرجعية صادقة ومرموقة للإفتاء ، ومصدر أمانٍ وإطمئنان ، للوطن والعالم.
أشكركم ، وأتمنى لكم مؤتمراً ناجحاً ، بإذن الله .
وقد ألقى العلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه – رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، كلمةً تحدث فيها حول الأبعاد المنهجية والفقهية لقضايا الأسرة في ظل التحولات المتسارعة، مؤكدًا أنَّ تسارع التحولات الاجتماعية، وتجدد الأطر التشريعية، وتبدّل الأنماط القيمية، أوجد واقعًا أسريًا جديدًا يستدعي اجتهادا منضبطًا مرتبطًا بسياقه، وقائمًا على المواءمة بين النص الشرعي ومقاصده والواقع المتغير. وأوضح أنَّ الأسرة تمثل النواة الجوهرية التي يتأسس عليها السلم المجتمعي، وتتشكّل في نطاقها القيم، وتُصان بها الهوية، مشددًا على أن الفتوى المؤسسية تؤدي دورًا محوريًا في التحصين الحضاري، من خلال إرساء القيم الكبرى، وتعزيز الاستقرار الأسري، ومواكبة التحولات الرقمية بروح مقاصدية متوازنة.
وأشار مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي إلى أنَّ كلمة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه ستُنشر كاملةً نظرًا لما تتضمنه من مضامين علمية ومنهجية ذات فائدة واسعة للباحثين والمتخصصين.
وفي كلمته، أعرب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية الشقيقة الدكتور أحمد التوفيق – عن شكره العميق لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، على تنظيم هذا المؤتمر العالمي المهم، مشيدًا بالمستوى العلمي والتنظيمي الرفيع الذي يعكس مكانة الإمارات في رعاية قضايا الأسرة وتعزيز الحوار الفقهي الرصين. وأكد أنَّ الأسرة تمثل خلية المجتمع الإنساني ومنبته الرئيس، والحاضنة الأولى للقيم، وحافظة أمانة الدين، وميدان تنشئة الأجيال على السمو الأخلاقي والإنساني، مشيرًا إلى أنَّ فقه الواقع يقتضي إدراك أثر التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية في بنية الأسرة، بما يستدعي إعمال الوازع الديني والأخلاقي للحفاظ على تماسكها وقوتها. كما استعرض ملامح التجربة المغربية في الاجتهاد الأسري، بوصفها مسعى يجمع بين فقه الواقع، ومراعاة القوانين الاجتماعية، والحفاظ على القيم الراسخة للأسرة كأساس للتوازن الإنساني والاجتماعي.
كما أكّد الدكتور عمر حبتور الدرعي – رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف والزكاة، نائب رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، أنَّ الأسرة تمثل الركيزة المركزية في المشروع الوطني، مشيرا إلى أنَّ الأسرة في دولة الإمارات تُعد مشروعًا وطنيًا ذا أولوية، ومسرّعًا رئيسًا للنمو المجتمعي. وسلّط الضوء على أنَّ الاجتهاد في قضايا الأسرة عمل تشاركي مؤسسي، لا ينفرد به طرف واحد، ويتطلب قراءة واعية للواقع، ولا سيما في ظل تأثير التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في أنماط الحياة والعلاقات الأسرية، مؤكدا أهمية إدراج هذه المستجدات ضمن الاعتبارات الفقهية المعاصرة بما يخدم مصلحة الأسرة ونمو الوطن.
وأشار مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي إلى أن كلمة معالي الدكتور عمر حبتور الدرعي ستُنشر كاملةً لما تتضمنه من رؤى تأصيلية وتطبيقية تسهم في تطوير الفقه الأسري المعاصر.
ويبحث المؤتمر على مدار يومين: قضايا الأسرة في سياق فقه الواقع من خلال برنامج علمي متكامل، يتناول جملة من المحاور المرتبطة بالاستقرار الأسري، والهوية الوطنية، والتحولات الرقمية، وتأثير الذكاء الاصطناعي، إلى جانب عرض نماذج وتجارب وطنية ودولية رائدة في تمكين الأسرة ودعم أدوارها المجتمعية.
كما يستعرض المؤتمر جهود دولة الإمارات في بناء منظومة متكاملة لصون الأسرة، انطلاقًا من إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – الذي رسّخ قيم التماسك الأسري، والتكافل الاجتماعي، والاعتدال، وجعل الأسرة حجر الأساس في بناء الإنسان والمجتمع.
ويأتي تنظيم المؤتمر منسجمًا مع “عام المجتمع 2025″، ومتوافقًا مع إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، “حفظه الله”، – بأن يكون عام 2026 عامًا للأسرة، بما يعكس رؤية استشرافية تجعل من الفتوى الأسرية أداةً فاعلةً في دعم الاستراتيجيات الوطنية، وتعزيز جودة الحياة، وبناء مجتمع متماسك قادر على مواكبة تحديات المستقبل.
ويؤكد مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي أنَّ المؤتمر يمثّل محطةً علميةً مهمّةً في مسار تطوير العمل الإفتائي الأسري، وترسيخ نموذج إماراتي حضاري يجمع بين الوعي بالواقع، والانفتاح المسؤول على مستجدات العصر.

