واشنطن- انتهت الجولة الأولى في الانتخابات التركية التي أجريت أول أمس الأحد دون حصول أي مرشح للرئاسة على أغلبية مطلقة، مما يعني أن أعلى متنافسيْن سيتواجهان مرة أخرى في جولة الإعادة الرئاسية المقرر إجراؤها يوم 28 مايو/أيار الجاري.
وسيتنافس الرئيس رجب طيب أردوغان وزعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو على منصب الرئيس، في وقت تبدي فيه واشنطن موقفا محايدا وعلى مسافة واحدة من كلا المرشحين.
علاقات صعبة بين الدولتين
تجمع واشنطن وأنقرة علاقات صعبة أكثر تعقيدا من العلاقات التقليدية التي تجمع بين دولة كبرى لها مصالح حول العالم ودولة كبرى إقليميا تبحث عن النفوذ في مجالها الجغرافي.
وتعد الولايات المتحدة قائدة فعلية لحلف شمال الأطلسي “ناتو” (NATO)، في حين تمتلك تركيا ثاني أكبر جيش مشارك في الحلف بعد الأميركي، وتعتبر من حلفاء الولايات المتحدة بصفة عامة، لكن ملفات عدة ساهمت في توتر علاقات الدولتين خلال السنوات الماضية.
ومن أبرز هذه القضايا شراء تركيا صواريخ روسية من طراز “إس-400” (S-400) المضادة للطائرات، والخلافات بشأن الوجود العسكري التركي داخل سوريا، إلى جانب ملف حقوق الإنسان و”مذبحة الأرمن”، وتوترات شرق البحر المتوسط، وملف انضمام السويد إلى حلف الناتو، ناهيك عن علاقة تركيا المتضخمة مع روسيا.
توترات.. ولكن
وتمثل استضافة الولايات المتحدة المنشق التركي فتح الله غولن عاملا آخر يصعّب العلاقات بين الدولتين.
ويرى خبير الشؤون التركية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي ألبير كوشكون أن واشنطن تشعر بالقلق إزاء تعميق علاقات أنقرة مع موسكو، كما لم تتم دعوة الرئيس بايدن لأردوغان لحضور قمتي الديمقراطية اللتين ترأسهما الولايات المتحدة بسبب ما تراه واشنطن من تراجع سيادة القانون والحريات في تركيا.
وتبقى تركيا بدورها غاضبة من سياسة واشنطن المتمثلة في دعم العناصر الكردية بسوريا والتابعة لحزب العمال الكردستاني، وتشعر أنقرة بالقلق أيضا من تعميق العلاقات السياسية والتعاون الدفاعي بين خصمها اللدود اليونان والولايات المتحدة.
من جانبه، يقول تشارلز كوبشان -وهو مسؤول كبير سابق في مجلس الأمن القومي الأميركي- إن العلاقة بين واشنطن وأنقرة قد تحسنت إلى حد كبير، وقبل أسابيع أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لبيع برمجيات عسكرية إلى تركيا لمساعدتها على تحديث طائراتها المقاتلة من طراز “إف-16” (F-16).
وارتفع حجم التبادل التجاري بين الدولتين العام الماضي ليصل إلى ما يقارب 34 مليار دولار، منها 19 مليار دولار صادرات أميركية مقابل 15 مليارا صادرات تركية.
حذر واشنطن
وخلال حملته الانتخابية عام 2020 وصف الرئيس جو بايدن الزعيم التركي رجب طيب أردوغان بأنه “مستبد”، وقال إن الولايات المتحدة يجب أن تدعم معارضي أردوغان.
وتحسنت علاقات الدولتين كثيرا عقب وصول بايدن إلى الحكم، والتقى الرئيسان عدة مرات على هامش قمم حلف الناتو أو اجتماعات مجموعة الدول العشرين.
وضاعفت الحرب الروسية في أوكرانيا أهمية تركيا لواشنطن، خاصة بسبب موقفها من إمداد أوكرانيا بطائرات تركيا المسيّرة، ودورها المحوري في اتفاقية تصدير الحبوب الأوكرانية.
وعند سؤاله أول أمس الأحد عن الجولة الأولى من الانتخابات التركية رد بايدن بالقول “آمل فقط.. من يفوز يفوز”، وهكذا تتبنى إدارته موقفا محايدا بين المرشحين.
وعاد المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي وأكد على موقف بايدن قائلا “نهنئ الشعب التركي على التعبير عن رغباته في صناديق الاقتراع بطريقة سلمية، وعلى الشعب التركي أن يقرر كيف تبدو حكومته”.
وخلقت نتائج الجولة الأولى من الانتخابات موقفا محرجا لإدارة بايدن، فالكثير من أركان إدارته يرون أردوغان حاكما غير ليبرالي أضر بالديمقراطية في بلاده، لكنهم يدركون في الوقت ذاته أن تركيا هي أيضا حليف إستراتيجي في حلف الناتو وفي حرب روسيا على أوكرانيا، وفي ظل التوترات المستمرة في الشرق الأوسط لا يمكن أن تدير واشنطن ببساطة ظهرها لحاكم تركيا القوي.
والتزم أركان إدارة بايدن الصمت بشأن تفضيلاتهم في الأشهر الأخيرة على الرغم من أن أغلبية مسؤولي الإدارة يفضلون خسارة أردوغان الذي لا يتمتع بالكثير من التعاطف بين الدوائر النافذة في واشنطن، ويرجع ذلك بالأساس إلى توجهاته الإسلامية والقومية، وأنه في النهاية ممثل لتيار الإسلام السياسي الذي لا تفضل واشنطن وأغلب العواصم الغربية وصوله إلى سدة الحكم في دول الشرق الأوسط.
وينبع حذر إدارة بايدن عند التحدث علنا عن الانتخابات التركية من ناحية أن تظهر واشنطن أنها تتدخل في الانتخابات الأجنبية بخلاف دعوتها إلى أن تكون حرة ونزيهة وغير عنيفة.
وفي الوقت ذاته، لا ترغب إدارة بايدن في توفير مواد يمكن لحملة الرئيس أردوغان استغلالها للحصول على المزيد من الأصوات.
وقد اتهم الرئيس التركي معارضته بالعمل مع واشنطن، كما انتقد السفير الأميركي جيف فليك لاجتماعه مع منافسه كليجدار أوغلو.
واشنطن ووعود كليجدار
وخلال مقابلة له مع صحيفة “وول ستريت جورنال” (The Wall Street Journal) أشار مرشح المعارضة التركية كليجدار أوغلو إلى أن أنقرة ستمتثل للقرارات الغربية بشأن العقوبات على روسيا، كما تعهد بالموافقة على انضمام السويد إلى حلف “الناتو” قبل قمته في يوليو/تموز القادم.
وعلى الرغم من وعود زعيم المعارضة فإن خبير الشؤون التركية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى سونر جاغابتاي يرى أن المسؤولين الأميركيين تعاملوا بحذر خلال الجولة الأولى، ومن المرجح أن يستمروا في ذلك طوال جولة الإعادة.
وقال جاغابتاي في ورقة نشرها المعهد “كانت سياسة واشنطن محايدة على أمل أن يفوز كليجدار أوغلو، ولكن ربما لا يحدث ذلك”.
ويرجح خبير الشؤون التركية في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك ألا تختلف السياسة الخارجية في عهد أردوغان -في حال فوزه- عما هي عليه الآن، مع السعي إلى إعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة.
لكن كوك قال إن “أولويات السياسة الخارجية لكليجدار أوغلو أصعب بكثير، فقد ظل صامتا بشأن طبيعة العلاقات المستقبلية مع الولايات المتحدة”.