مع ارتفاع حدة القتال في مدينة باخموت الأوكرانية، تتضارب الأنباء بين كييف وموسكو بشأن اليد العليا فيها، في حين اعترفت واشنطن بتعرض منظومة “باتريوت” في أوكرانيا للضرر نتيجة القصف الروسي، وفي الأثناء أكدت أوكرانيا للمبعوث الصيني الذي يزورها حاليا تمسكها باحترام سيادة أراضيها كاملة.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه أوكرانيا عن أول اختراق كبير لها في جبهة باخموت المحتدمة منذ شهور، يقول الجانب الروسي إن هناك مربعا سكنيا واحدا يفصله عن السيطرة الكاملة على المدينة.
وفي وقت سابق، أكدت نائبة وزير الدفاع الأوكراني أن قوات بلادها تواصل التقدم في باخموت، في حين تستمر المعارك مع القوات الروسية، وقالت “استعدنا من القوات الروسية في ضواحي باخموت مساحة قدرها 20 كيلومترا مربعا”.
وخلال الساعات الماضية، شهدت الحرب الروسية على أوكرانيا، تطورات ميدانية متسارعة، حيث قصفت روسيا مدنا أوكرانية عدة، جنوبي البلاد وشرقيها، في حين قصفت أوكرانيا عدة مناطق في مقاطعة دونيتسك.
وفي ميكولايف، تم تفعيل الدفاعات الجوية الأوكرانية، وإعلان حالة التأهب الجوي، بعدما أعلن عمدة المقاطعة أن قصفا صاروخيا روسيًا من البحر الأسود استهدف مناطق مدنية وشبكات بنية تحتية.
وفي خيرسون، قالت سلطات المقاطعة إن القوات الروسية شنت 80 هجوما، استهدفت مناطق مأهولة، وأدت إلى إصابة أطفال. وقال حاكم المقاطعة إن القوات الروسية قصفت صباح اليوم الأربعاء مستشفى بمدينة بيريسلاف في المقاطعة.
وتحدثت السلطات الأوكرانية في زاباروجيا عن تعرض 16 منطقة وبلدة لأكثر من 80 هجوما روسيًا بمختلف أنواع الذخيرة، وأوضحت أن القصف استهدف نحو 50 منزلا ومنشأة خاصة، وألحق أضرارا بمركبات مدنية.
أما في مقاطعة دونيتسك، فقالت سلطاتها الموالية لروسيا إن القوات الأوكرانية قصفتها 63 مرة، وإن قذائفها أصابت مناطق سكنية، وألحقت أضرارا بعدد من المنازل، وكذلك أدت إلى مقتل 4 أشخاص، وإصابة 8، حسب وسائل إعلام محلية.
ومنطقة دونيتسك -التي يتحدث سكانها اللغة الروسية بشكل أساسي- هي واحدة من 4 مناطق تقول روسيا إنها ضمتها من أوكرانيا العام الماضي، في أعقاب ما وصفتها كييف وحلفاؤها الغربيون بأنها استفتاءات صورية.
في السياق نفسه، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إسقاط 19 مسيرة أوكرانية واعتراض 9 صواريخ من طراز هيمارس، كما أشارت إلى أن وحدات الهجوم تواصل تقدمها في الأحياء الغربية لمدينة باخموت.
منظومة باتريوت
في غضون ذلك، أكد مسؤول أميركي اليوم الأربعاء أن أحد أنظمة الدفاع الجوي من طراز “باتريوت” التي تمّ تزويد أوكرانيا بها، تعرّض لأضرار لكنه لا يزال يعمل.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المسؤول الذي طلب عدم كشف اسمه أن “نظام باتريوت ما زال يعمل”، وأن حجم الضرر الذي تعرّض له جراء سقوط مقذوف غير محدد على مسافة قريبة منه، لا يزال موضع تقييم.
وكان المتحدث باسم القوات الجوية الأوكرانية يوري إيغنات أكد في وقت سابق أنه من المستحيل تدمير منظومة باتريوت للدفاع الجوي بصاروخ “كينجال” (Kinzhal) الروسي. وأضاف أن المنظومة مكونة من أجزاء عدة، على مسافات متباعدة، ولا داعي للقلق بشأنها.
وقال “تدمير المنظومة بكينجال! هذا مستحيل. كل ما يقولونه هناك يمكن أن يبقى في أرشيف الدعاية الخاص بهم”.
وكانت مصادر روسية أعلنت أن منظومة الصواريخ الأميركية للدفاع الجوي باتريوت في كييف دُمرت بواسطة صواريخ كينجال أُطلقت من طائرات “ميغ-31” في كمين جوي محكم.
ونقلت وكالة نوفوستي -عن مصدر لم تسمه- أن خصائص سرعة صواريخ كينجال تسمح لها بالوصول إلى أهداف عسكرية في أوكرانيا في غضون دقائق.
وفي واشنطن، رفض منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي تأكيد صحة التقارير التي تحدثت عن “تعرض نظام باتريوت للتلف” نتيجة قصف روسي على كييف، لكنه أشار إلى أن إصلاح المنظومة من طرف الأوكرانيين يعتمد على مدى الضرر الذي قد تكون تعرضت له.
من جهتها، قالت كييف إنها أسقطت 6 صواريخ كينجال -أمس الثلاثاء- لكن روسيا نفت ذلك. ولم يتضح السلاح الغربي الذي استخدمته أوكرانيا ولم تصدر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) تعليقا بعد.
وقبل اندلاع الحرب، كانت كييف تعتمد بالأساس على منظومات دفاعية روسية الصنع، لكن في الشهور الأخيرة دخلت منظومات الدفاع الجوي التي حصلت عليها من الغرب الخدمة، وبينها نظام باتريوت الشهير.
تحرك صيني
سياسيا، يتحرك الموفد الصيني “لي هوي” في العاصمة الأوكرانية كييف بحثا عن أفق لتسوية سياسية لا تبدو قريبة المنال، حيث شدد وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا أمام المبعوث الصيني في كييف اليوم الأربعاء على ضرورة “احترام وحدة أراضي” أوكرانيا مشيدا بدور الصين “المهم” في جهود إنهاء الحرب مع روسيا.
وقالت وزارة الخارجية في بيان إن كوليبا شرح “بالتفصيل إلى الممثل الصيني الخاص مبادئ إرساء سلام دائم وعادل يستند إلى احترام سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها”.
ووصل المبعوث الصيني إلى كييف أمس الثلاثاء لإجراء محادثات تستمر يومين في إطار جولة أوروبية لعرض خطة بكين لتسوية النزاع بين روسيا وأوكرانيا.
وسعى الزعيم الصيني شي جين بينغ إلى جعل بكين وسيطا محايدا، وزار موسكو في مارس/آذار الماضي، لكنه لم يزر كييف وتعرض لانتقادات من الدول الغربية لامتناعه عن التنديد بحرب موسكو على جارتها.
وشدد كوليبا خلال الاجتماع مع “لي” على أن أوكرانيا “لا تقبل أي اقتراحات قد تتضمن خسارة أراض أو تجميد النزاع”.
وأشاد “بأهمية” الوساطة الصينية بما يشمل مبادرة البحر الأسود التي سمحت باستئناف صادرات الحبوب عبر البحر الأسود، والسلامة النووية.
دعم أوروبي
أوروبيا، عبر قادة الدول الـ46 الأعضاء في مجلس أوروبا خلال اجتماعهم في ريكيافيك، عاصمة آيسلندا، عن تضامنهم مع أوكرانيا، ووحدتهم في مواجهة روسيا.
وبحث الاجتماع -الذي جاء بعد عام من طرد روسيا من مجلس أوروبا- على مدار يومين، الدعم السياسي والحقوقي لكييف، في مسعى لإنشاء محكمة خاصة لملاحقة المسؤولين عن انتهاكات جرائم الحرب هناك.
وكشف اجتماع ريكيافيك النقاب عن سجل جديد للأضرار، وهو آلية لتسجيل وتوثيق الأدلة والمطالبات المتعلقة بالأضرار أو الخسائر أو الإصابات الناتجة عن الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا.
وفي الشأن نفسه، أكد رئيس وزراء بلجيكا ألكساندر دي كرو أن الدعم الأوروبي لكييف سيتواصل عسكريا وسياسيا.
وأضاف، في تصريحات خاصة للجزيرة، أن توقيع الدول الأعضاء في مجلس أوروبا على الاتفاقية المؤسسة لإنشاء سجل لحصر الدمار الذي تسببت به روسيا في أوكرانيا خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة.
كما أعلن وزير الدفاع البريطاني بن والاس -اليوم الأربعاء- في برلين أنه يعود إلى “البيت الأبيض” اتخاذ قرار بشأن تسليم مقاتلات “إف-16” (F-16) إلى كييف.
وقال خلال مؤتمر صحفي ردا على سؤال بشأن “التحالف الدولي” الذي اقترحت لندن تشكيله لتزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة ذات تكنولوجيا غربية “لا نملك إف-16 ولن نسلّم (طائرات) تايفون، ولكننا طبعًا قادرون على المساهمة في التدريب والدعم، في حدود أن ليس لدينا طيارون (لطائرات) إف-16”.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في تصريحات إن الحرب في أوكرانيا ستستمر ما دام ذلك يصب في مصلحة واشنطن، وأضاف أن الدول الغربية تسعى جاهدة لزعزعة العلاقات بين موسكو وبلدان الاتحاد السوفياتي السابق.