موسكو- جاء إعلان دول مجموعة السبع الكبرى في بيانها المشترك مع ختام أعمالها في هيروشيما باليابان، عن “ضرورة تسريع التخلص التدريجي من الاعتماد على الطاقة الروسية”، متوافقا مع قراءات أغلب المراقبين الروس التي استبقت القمة وقالت إن ملف الطاقة هو “بيضة القبان” في أية خطوة يمكن أن تتخذها المنظومة الغربية في مسلسل العقوبات المتواصل ضد موسكو.
فقبل إطلاق أعمال القمة بأيام قليلة، تم الكشف أن الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع يخططان لحظر استيراد الغاز عبر خطوط الأنابيب من روسيا عبر تلك الممرات التي خفضت موسكو نفسها الإمدادات من خلالها.
وبالإضافة إلى الإجراءات السابقة، أعلنت دول مجموعة السبع أنها ستفرض عقوبات على جميع الصادرات “التي تستخدمها روسيا لإعادة بناء معداتها العسكرية”.
وركزت القيود الجديدة بشكل أساسي على إزالة جميع الثغرات التي سمحت لموسكو بتجاوز العقوبات المفروضة، وهو ما برز بوضوح خلال إعداد الحزمة الحادية عشرة من العقوبات، وترجمه بيان القمة في الانتقال لتطبيق التدابير “خارج الحدود الإقليمية”، أي ضد بلدان ثالثة تساعد موسكو في عملية “الإفلات” هذه على نطاق واسع.
وكتدبير يهدف إلى التقليل أكثر من الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، شدد بيان القمة على ضرورة تعزيز الاستثمارات المالية في مجال الغاز الطبيعي المسال، وزيادة استخدام الطاقة النووية، والتي اعتبرها إجراءات يمكن أن تكون مفيدة في هذا الاتجاه.
سيف ذو حدين
ويرى مراقبون روس أن ما بعد القرارات الجديدة في قمة هيروشيما لن يكون كما قبلها، وأكدوا أن القرارات الجديدة جاءت بمثابة “نصف ضربة” لقطاع الطاقة الروسي، إلا أن ارتدادات القرار ستكون ملموسة ومؤثرة كذلك على اقتصاد البلدان الأوروبية، ولو بأشكال متفاوتة.
ويذهب بعض هؤلاء إلى التهكم على “الحزمة 11” من العقوبات التي أدرجت في بيان هيروشيما فيما يخص وقف الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، ويعيدون إلى الأذهان أن هذه الوعود انطلقت في مايو/أيار من العام الماضي، سواء بالتخلي عن الفحم الروسي في الصيف، أو عن النفط الروسي في الخريف، أو عن الغاز الروسي بحلول نهاية العام الماضي.
ويوضح الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون، للجزيرة نت، أن “قرارات هيروشيما” جاءت -رغم لكنتها العدائية- محسوبة ومدروسة بعناية، فقد أبقت على خط رجعة دقيق مع روسيا، كما يظهر من نص القرار الذي ربط -وإن بشكل غير مباشر- بين مواصلة “خنق” أنابيب الغاز والنفط الروسية وانتهاء الحرب في أوكرانيا.
وبحسب قوله، فإن قرارات القمة هي إجراء سياسي بحت، لا يمكن أن يتسبب للاقتصاد الروسي بالأضرار التي يسعى إليها الغرب من جهة، وفي الوقت نفسه يراعي مصالح العملاء الأوروبيين الذين ما زالوا يستوردون كلا من الغاز والغاز الطبيعي المسال من روسيا.
“فشل” العقوبات
وعليه، إذا توقفت هذه الكمية من الغاز عن التدفق إلى أوروبا، فهناك احتمال كبير بأن ترتفع أسعار الغاز الطبيعي في السوق الأوروبية، بحسب قول لاشون.
بموازاة ذلك، يشير المتحدث نفسه إلى أن مجموعة السبع تريد وضع حد لموضوع “التهرب” من القيود على قطاعي الغاز والنفط في روسيا، بحيث يقيد من وصول الأخيرة إلى النظام المالي الدولي، ويمنع استخدام فروع البنوك الروسية في دول ثالثة للالتفاف على العقوبات، وهو ما يمكن أن تكون له تأثيرات ولو جانبية على مداخيل مبيعات النفط والغاز.
من جهته، يشير الكاتب في شؤون الطاقة ألكسندر سافاروف، إلى أن اتفاق الدول “السبع الكبرى” في قمة هيروشيما على فرض عقوبات جديدة على روسيا، لا يعني وجود وحدة كاملة بين هؤلاء الحلفاء، ويرى أن ذلك واضح في رفض اقتراح واشنطن فرض حظر شامل على الصادرات الروسية، مفسرا ذلك بأن عددا من الدول الأوروبية تفضل “العمل عن كثب” مع موسكو.
وإلى جانب تقليله من شأن القرارات الأخيرة لمجموعة السبع، يعتبر سافاروف أن “الغرب يفتقر إلى الشجاعة للاعتراف بفشل العقوبات على روسيا، فضلًا عن اعتراف عدد من المراقبين الأوروبيين بعدم فعاليتها”.
عبودية الطاقة
وبرأيه فإن الغرب -ولاعتبارات سياسية- ارتكب خطأ كبيرا بالتوقف عن شراء مواد الطاقة من روسيا، مما سيدخل دوله مع مرور الوقت في “عبودية” أقوى من خلال شرائها بأسعار مرتفعة.
ويضيف أن الذين توقفوا عن شراء الغاز الروسي مباشرة سيضطرون لشرائه من خلال الوسطاء، لكن بسعر أعلى. وتابع أن الغرب من خلال العقوبات الجديدة وسابقتها، “اقترب أكثر من حلم التخلي عن التبعية لمصادر الطاقة الروسية، لكنه في واقع الأمر اقترب من القضاء تماما على ضمانة رفاهية الأوروبيين وأضرّ بمستواهم المعيشي”.
ويشير سافاروف إلى أن تعليق إمدادات الغاز الروسي شكل -على عكس تصريحات مسؤولي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة- كارثة اقتصادية حقيقية للدول الأوروبية، مذكرا في هذا السياق بتصريحات عضو البرلمان الفرنسي تييري مارياني، الذي قال إن الاتحاد الأوروبي أصبح أكثر اعتمادا على “شركاء غير مناسبين”، مثل الولايات المتحدة التي تبيع غازها الطبيعي المسال بثمن باهظ.
ويختم أنه لن يكون للقيود الجديدة تأثير خطير على قطاع الطاقة في روسيا، لأن الحجب “التدريجي” لخطوط الأنابيب الروسية في مناطق معينة سيكون رمزيا، بينما كان أعلى مستوى للضرر يمكن الوصول إليه، هو الإجراءات العقابية التي تم تبنيها خلال عام 2022 ولم تصل مع ذلك إلى مآلها، بحسب تعبيره.