تونس ـ بعد طول انتظار في طابور طويل أمام أحد المخابز الواقعة في حي الخضراء أحد الأحياء الشعبية المتاخمة للعاصمة تونس، تمكّن المواطن محمود المطوي بمشقة من الظفر ببعض أرغفة الخبز لإطعام أطفاله، في ظل أزمة نقص الخبز في بعض المناطق بسبب فقدان بعض المواد الأساسية الذي خلق حالة احتقان وتوتر.
وقد شهدت المخابز التونسية منذ بضعة أيام نقصا في التزود بمادة الدقيق الأبيض أحدث اضطرابا وتذبذبا في إنتاج الخبز الذي يعتمد عليه التونسيون في وجباتهم وغذائهم، وقد ظهرت طوابير طويلة أمام العديد من المخابز بحثا عن الخبز المفقود بينما أغلقت بعض المخابز أبوابها بسبب فقدان الدقيق.
يقول محمود المطوي -للجزيرة نت- إن شراء الخبز الذي هو أحد أبسط ضروريات الحياة أصبح صعب المنال بسبب ما سماه تخبطا من السلطة في إدارة شؤون البلاد، مؤكدا أن معاناة العثور على الخبز أصبحت أزمة يومية للتونسيين الذين ضاقوا ذرعا بتواتر فقدان المواد الأساسية والغلاء، حسب تعبيره.
أزمة مفتعلة
ورغم بلوغه سن التقاعد، ما زال محمود يعمل في قطاع النسيج بقصد توفير قوت عائلته، لكنه يقول إنه يعيش ظروفا صعبة كغيره من التونسيين بسبب الارتفاع المستمر لجميع أسعار المواد الاستهلاكية، مضيفا أن السلطة لم تنجح لا في الحدّ من ارتفاع الأسعار ولا في التحكم في مسالك التوزيع.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيد قد تطرق إلى أزمة نقص الخبز خلال لقائه يوم السبت الماضي وزيرة التجارة كلثوم بن رجب، مرجعا فقدان الخبز ببعض المناطق إلى سعي البعض دون تسميتهم إلى اختلاق الأزمات بهدف تأجيج الأوضاع، لافتا إلى أنه من غير المقبول أن يتوفر الخبز في مناطق ويختفي بمناطق أخرى.
ودعا قيس سعيد مؤسسات الدولة إلى تحمل مسؤوليتها لوضع حد للاحتكار والتلاعب، علما بأنه كان قد أقال وزيرة التجارة السابقة فضيلة الرابحي في مطلع يونيو/حزيران الماضي؛ وذلك على خلفية أزمة اقتصادية خانقة ومعدلات تضخم بلغت أرقاما قياسية في البلاد.
سوء إدارة
لكن محمود المطوي يقول إن قيس سعيد “لم ينجح منذ بلوغه سدة الحكم سوى في بيع الكلام والأوهام للتونسيين”، لافتا إلى أنه “لم ينجح حتى في توفير أبسط متطلبات الحياة للناس”، ويؤكد أن الأوضاع المعيشية “زادت سوءا” في البلاد.
بدوره، يقول النائب السابق بحركة النهضة الإسلامية حسين اليحياوي إن الرئيس قيس سعيد يعيش في حالة إنكار لما سماه فشلا في إدارة شؤون الدولة، مؤكدا أنه “بسبب فشل إجراءاته في احتواء الأزمة الاقتصادية، زاد في تغذية الاحتكار وغلاء الأسعار وفي خلق حالة من الاحتقان والتوتر الاجتماعي”.
ويضيف اليحياوي -للجزيرة نت- أن أزمة نقص الخبز في تونس ناتجة عن أسباب موضوعية مرتبطة بالحرب في أوكرانيا، فضلا عن أزمة داخلية تتعلق بأزمة المالية العمومية وتراجع مخزون العملة الصعبة لتوريد القمح، مبرزا أن كثيرا من المزودين “فقدوا الثقة بالدولة التونسية بسبب ما تعانيه من أزمة مالية خانقة”.
سياسة تجويع
في المقابل، يقول المواطن عبد الرؤوف الغربي -للجزيرة نت- إن خصوم الرئيس لا يفوّتون أي فرصة لشن هجمة شعواء عليه، مرجعا أزمة فقدان الخبز إلى سيطرة المحتكرين على مسالك التوزيع سعيا للربح، معتبرا أن “الرئيس يقف في صف الشعب وأنه لا يدّخر جهدا في محاربة من يسعون إلى تجويع التونسيين”.
ورغم إقراره بضعف الرقابة الاقتصادية وانفلات الأسعار وتدهور القوة الشرائية، فإنه يعبر عن استيائه مما سماه لهفة كبيرة لدى التونسيين لشراء مختلف السلع الاستهلاكية، كما يعيب على جزء منهم إفراطهم في تبذير الخبز وإلقاء كميات من الخبز في الفضلات على الرغم من أنه مدعم من موازنة الدولة.
ويرجع الناشط السياسي أحمد الكحلاوي تواتر نقص المواد كالدقيق الأبيض والسكر والقهوة من السوق التونسية إلى “تعمّد أطراف حكمت خلال العشرية الماضية لزعزعة الاستقرار”، قائلا للجزيرة نت “للأسف إنهم يريدوننا أن نعتاد ما يفرضونه علينا من أسعار مرتفعة ونقص بالمواد الأساسية”.
ويرى الكحلاوي أن “الهدف من إخفاء المواد الأساسية هو إرباك حياة الناس وإنهاكهم لدفعهم إلى الغضب على السلطة وزعزعة الاستقرار، وهذه الحيل لا تنطلي على التونسيين”، مذكّرا بحجز كميات كبيرة من المواد الأساسية المخفية عند بعض المحتكرين في مخازن متفرقة بالبلاد من قبل الأمن.
أزمة مالية
ومن وجهة نظر الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، فإن أزمة نقص الخبز في بعض المناطق تعود بالأساس إلى الصعوبات المالية التي تعاني منها تونس لا سيما مع تراجع مخزون العملة الصعبة، ويقول إن البنك المركزي التونسي كشف عن تراجع احتياطي العملية إلى 95 يوما بتاريخ 20 أبريل/نيسان الماضي.
ويوضح أن مخزون العملة الصعبة في الفترة ذاتها في العام الماضي بلغ 125 يوما، وذلك يعني تراجع رصيد العملة الصعبة بـ30 يوما إلى حدود ذلك التاريخ.
وفي المقابل، يؤكد الشكندالي -للجزيرة نت- أنه لا توجد آفاق لحصول تونس على عملة صعبة بسبب عدم حصول اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وفي ظل تراجع العملة الصعبة وعدم حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي حتى الآن بسبب رفض الرئيس قيس سعيد شروط الصندوق المرتبطة برفع الدعم، أصبحت الحكومة تواجه مصاعب في توريد بعض المواد الأساسية على غرار القمح، فأدى ذلك إلى الأزمة في الخبز، وفق الشكندالي.