واشنطن- انتهى اجتماع شديد الأهمية أمس في البيت الأبيض بين الرئيس الأميركي جو بايدن وكبار قادة الكونغرس دون إظهار تحقيق أي تقدم يشير لاقترابهم من حل مأزق سقف الديون، وما يترتب على ذلك من تخلف عن سداد الالتزامات المالية للمرة الأولى في التاريخ الأميركي. واتفق الطرفان على الاجتماع مرة أخرى -يوم الجمعة- قبل أقل من شهر على نفاد أموال الحكومة الفدرالية، في حين يستمر التفاوض بين مساعديهم.
وشارك في الاجتماع إضافة لبايدن، الجمهوريان رئيس مجلس النواب كيفن مكارثي وزعيم الأقلية بمجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل، والديمقراطيان زعيم الأقلية الديمقراطية بمجلس النواب حكيم جيفريز وزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ السيناتور تشاك شومر.
وفور انتهاء الاجتماع، خرج بايدن ليتحدث للشعب الأميركي عن نتائجه، ودافع عن سجله وسجل إدارته، وقال إن الديون الفدرالية “ارتفعت بنسبة 40% في عهد سلفي، والمشكلة التي نتعامل معها اليوم نتاج ذلك”.
وأضاف بايدن “أول عامين لي خفضت الدين بمقدار 1.7 تريليون دولار، ولم يفعل أي رئيس ذلك من قبل، والميزانية التي قدمت للتو إلى الكونغرس تخفض 3 تريليونات دولار أخرى من الديون على مدى السنوات العشر المقبلة”.
في حين قال مكارثي إنه لا يرى “أي تحرك جديد في التفاوض على المواقف بشأن سقف الدين خلال الاجتماع”، وقال إن “الجميع في هذا الاجتماع كرروا مواقفهم السابقة”.
وكانت وزارة الخزانة قد حذرت في وقت سابق من هذا الشهر من أن الحكومة الأميركية قد تصبح غير قادرة على دفع جميع فواتيرها في الوقت المحدد بعد الأول من الشهر المقبل إذا لم يتخذ الكونغرس إجراء.
وقد يؤدي فشل الحكومة في دفع فواتيرها في الوقت المحدد إلى تداعيات مالية واقتصادية واسعة النطاق، بما في ذلك تعليق بعض مدفوعات المعاشات التقاعدية وحجب أو خفض رواتب أفراد الجيش والموظفين الفدراليين.
ويطالب الجمهوريون في مجلس النواب بتخفيضات كبيرة في الإنفاق مقابل رفع سقف الديون، وانتقدوا بايدن لعدم بدء المحادثات في وقت مبكر، لكن بايدن والديمقراطيين في الكونغرس يؤكدون أنه يجب رفع حد الاقتراض الفدرالي دون شروط مسبقة، ووصفوا موقف الحزب الجمهوري بأنه “غير مسؤول”.
ويلعب كيفين مكارثي الدور الأكبر في هذه الأزمة، حيث يتعين عليه موازنة طلبات زملائه الجمهوريين في مجلس النواب، خاصة المعارضين لأي زيادة في سقف الديون دون تخفيضات صارمة في الإنفاق، مع اقتراب الموعد النهائي لسقف الديون ومخاطر التخلف عن السداد، من ناحية أخرى، قال الجمهوريون في مجلس الشيوخ إنهم يدعمون مكارثي في المحادثات.
حل مؤقت يلوح في الأفق
يرى بعض مسؤولي إدارة بايدن بشكل متزايد أن التمديد القصير الأجل لحد الدين حتى وقت لاحق من الصيف هو الخيار الأكثر ترجيحا للتوصل إلى اتفاق مع الجمهوريين في مجلس النواب، وهو ما قد يسمح بإجراء مزيد من المحادثات بشأن الإنفاق.
ويمكن أن يؤدي التمديد القصير الأجل إلى مواءمة الموعد النهائي الجديد لرفع حد الدين مع موعد منفصل في 30 سبتمبر/أيلول للموافقة على الميزانية العام المالي الجديد.
ومثل هذا الالتقاء من الممكن أن يخلق فوائد سياسية لكل من الحزبين، فقد يزعم الجمهوريون أن زيادة سقف الدين كانت مشروطة بخفض الإنفاق، في حين لا يزال بوسع الديمقراطيين أن يصروا على أن المحادثات بشأن خفض الإنفاق منفصلة عن رفع سقف الديون.
وقلل مكارثي من فرص تمرير تمديد قصير الأجل لسقف الديون، وهي فكرة ناقشتها كل من إدارة بايدن ومساعدي الكونغرس كخيار لمنح المفاوضين مزيدا من الوقت لحل خلافاتهم ومواءمة أي اتفاق مع عملية الإنفاق السنوية، وقال بايدن إنه لم يستبعد تمديدا قصير الأجل.
كما أشار بايدن إلى التعديل الدستوري رقم 14، الذي يمكن الرئيس من رفع حد الاقتراض العام دون الرجوع للكونغرس. لكنه قال إنه لا يرى في هذا الخيار حلا سريعا للتخلف المحتمل عن السداد، لأن شرعية مثل هذه الخطوة متنازع عليها وسيتم التقاضي بشأنها في المحكمة.
نتائج وخيمة لفشل التسديد
ويشدد البيت الأبيض على أنه منفتح لمناقشة خفض الإنفاق، لكنه لن يتفاوض مع الجمهوريين بشأن سقف الديون، ويكرر أركان الإدارة أن الحزب الجمهوري يتحمل مسؤولية دستورية لرفع حد الاقتراض.
ويعتبر البيت الأبيض أن هاتين القضيتين غير مرتبطتين على الإطلاق، فرفع حد الاقتراض الفدرالي ليس له علاقة بمخصصات الميزانية.
وبدأت وزارة الخزانة في اتخاذ خطوات غير عادية لمواصلة دفع فواتير الحكومة، وتتوقع أن تكون قادرة على تجنب التخلف عن السداد لأول مرة على الأقل حتى أوائل يونيو/حزيران.
وحذرت وزيرة الخزانة جانيت يلين يوم الاثنين من أن الفشل في رفع سقف الديون سيؤدي إلى “كارثة اقتصادية”.
ومن شأن التخلف عن سداد الديون الحكومية أن يعكر صفو الأسواق في الولايات المتحدة وجميع أنحاء العالم، وقال تقرير لوكالة “موديز” العام الماضي إن التخلف عن سداد سندات الخزانة قد يلقي بالاقتصاد الأميركي في حالة من الفوضى لا تقل سوءا عن الركود الكبير في ثلاثينيات القرن الماضي.
وتوقعت مؤسسة موديز أنه في حال عجزت الولايات المتحدة عن سداد ديونها، فإن الناتج المحلي الإجمالي سينخفض بنسبة 4% وسيفقد 6 ملايين عامل وظائفهم، وحتى التخلف عن السداد لفترة وجيزة سيؤدي إلى فقدان مليوني وظيفة.
في حين أشار معهد “بروكينغز” إلى أن التخلف عن سداد الديون قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الفدرالية بمقدار 750 مليار دولار على مدى العقد المقبل.
والأكثر من ذلك، أن التخلف عن السداد من شأنه أن يهز مكانة الولايات المتحدة على المسرح العالمي. وقالت مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية أفريل هينز أمام لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأسبوع الماضي إن روسيا والصين ستستفيدان من احتمال تخلف الولايات المتحدة عن سداد ديونها.
وحذر هينز من أن موسكو وبكين ستحاولان تسليط الضوء على “الفوضى داخل الولايات المتحدة، وأننا لسنا قادرين على العمل كدولة ديمقراطية”.