كوالالمبور- تواصل ماليزيا إثبات نفسها كقطبٍ مناصرٍ للقضية الفلسطينية بتفاعلها مع ما يستجدّ من أحوال الفلسطينيين وأوضاعهم الإنسانية، وتقلبات الميدان المحيطة بهم، دون أن تهدأ شوارعها أو يتقاعس مسؤولوها عن تأكيد تضامنهم معها ومع حق أصحابها في الحرية وتقرير المصير.
آخر هذه التحركات كان مهرجان “الحرية لفلسطين” الذي دعت له الحكومة، الأحد الماضي، لإيصال رسالة للمجتمع الدولي بأن موقف ماليزيا من القضية الفلسطينية مستمر. وشهد المهرجان مشاركة نحو 12 ألف شخص، وعشرات المسؤولين على رأسهم رئيس الوزراء أنور إبراهيم ونائبه أحمد زاهد حميدي، ونحو 40 دبلوماسيا، وممثلون عن منظمات غير حكومية.
وفي كلمته خلال الحفل، أعلن إبراهيم أن الحكومة ستتواصل مع نظيرتها المصرية لتسهيل علاج الجرحى الفلسطينيين وخاصة النساء والأطفال من خلال نقلهم إلى ماليزيا، مؤكدا أن بلاده ستبذل قصارى جهدها “بغض النظر عمن أمامها”.
مواقف لافتة
وكانت الحكومة الماليزية قد أرسلت وفدا رسميا إلى العاصمة القطرية الدوحة للمشاركة في جنازة رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية، يضم نائب وزير الداخلية شمس الأنور بن نصارة والسيناتور مجاهد يوسف ومسؤولين من الوزارة.
وأدى إبراهيم صلاة الغائب على هنية مع نحو 3 آلاف من المصلين في المسجد الوطني بالعاصمة كوالالمبور، والتي أقيمت عقب صلاة الجمعة مباشرة.
وتواصل الحكومة الماليزية وشعبها تقديم مبادرات داعمة، من بينها إطلاق رئيس الوزراء صندوقا إنسانيا لدعم الشعب الفلسطيني في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث جمع أكثر من 97 مليون رينجت ماليزي ( 21.5 مليون دولار) مخصصة لدعم الأوضاع الإنسانية والمعيشية للفلسطينيين.
وفي تصريحٍ للجزيرة نت، قال رئيس هيئة المساعدات الإنسانية والإغاثة الماليزية (مهار) جسمي جوهري إن الحكومة والشعب يواصلان الوقوف مع القضية الفلسطينية وتنظيم الفعاليات والنشر عبر مواقع التواصل.
كما تزامن ذلك مع زيارة وفد نيابي ماليزي الحدود المصرية الفلسطينية، في فبراير/شباط الماضي، اطلع على عملية تنظيم المساعدات.
ولفت جوهري إلى اضطلاع “إحسان” بدور كبير في الجهود الإغاثية الماليزية في غزة، رغم استهداف عناصرها “المتعمد” من قِبَل طائرات الاحتلال، حيث استشهد 7 متطوعين وأصيب العشرات خلال قصف مركز توزيعٍ للمساعدات في مخيم النصيرات.
حراك
ومع تواصل الحرب الإسرائيلية على غزة، استمر وزراء الحكومة الماليزية في المشاركة بمختلف المحافل العربية والإسلامية لتأكيد مواقفهم. وفي بيانٍ لها، عبّرت الخارجية الماليزية عن إدانة المذبحة في غزة واغتيال هنية.
وكان أنور إبراهيم قد أشار، في مقابلة صحفية في أعقاب منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ لعام 2023، إلى ما سماه “النفاق الدولي” الذي يستنكر ما يجري في أوكرانيا لكنه يظل صامتا تجاه الفظائع في غزة، داعيا إلى “الثبات على الموقف في دعم العدالة”.
تبع ذلك قرار حكومي بمنع السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى تل أبيب من دخول موانئ ماليزيا بأثر فوري، كما فَرضت على أي سفينة متجهة إلى إسرائيل منع تحميل البضائع في موانئ البلاد، ومنعت شركة الشحن الإسرائيلية “زيم” من الرسو في أي ميناء ماليزي.
ميدان المقاطعة
يأتي ذلك فيما تحصد المقاطعة الاقتصادية الماليزية للشركات الداعمة للاحتلال نجاحا، حيث رصدت التقارير السنوية ونصف السنوية لعدد منها خسائر كبيرة وانخفاضا في الإيرادات تجاوز في بعض الشركات 38%.
كما أغلقت شركات أخرى فروعا وسلاسل بيع لها، وامتدت المقاطعة لتشمل رفضا شعبيا لعرض خصخصة شركة مطارات ماليزيا القابضة شمل شركة “بلاك روك” الأميركية، في إطار حملات مقاطعة الشركات الأميركية المرتبطة بالاحتلال والداعمة له.
وحظيت الخطوات الحكومية والشعبية بدعم المسؤولين الدينيين البارزين، حيث أشاد بالمقاطعة عدد من شيوخ ماليزيا والمفتين بالولايات، مع تأكيدهم على “أهمية الالتزام بالخُلق الإسلامي وعدم تخريب الممتلكات”، كما حظيت بدعم رسمي واضح من الساسة والمسؤولين.
واعتبر رئيس هيئة المساعدات الإنسانية والإغاثة الماليزية جوهري أن المقاطعة الاقتصادية و”لا شك أغضبت الدول الغربية وحلفاء إسرائيل، لكنها في الوقت ذاته عززت من اتجاه الحكومة في البحث عن بدائل اقتصادية، وفتح أبواب تجارية جديدة”.
وجوبه الحراك الماليزي بمحاولة “خنقٍ” من أدوات الدعاية الغربية وعلى رأسها شركة “ميتا” المالكة لمنصتي فيسبوك وإنستغرام، التي حذفت -خلال الأيام الأخيرة- منشور رئيس الوزراء بشأن اغتيال هنية.
وتوجهت الحكومة الماليزية بطلب توضيح أسباب هذا الحذف الذي تنفذه الشركة للمرة الثالثة، بعدما حذفت منشورا سابقا لرئيس الوزراء حول لقائه مع الشهيد هنية يوم 14 مايو/أيار الماضي، وخطابا مصورا له في مهرجان “ماليزيا مع فلسطين” يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وهو ما دفع الشركة للتأكيد -للحكومة الماليزية- على عدم إزالة البث المباشر للمهرجان، ليس فقط على صفحة رئيس الوزراء عبر فيسبوك، بل وأيضا مواصلة البث المباشر من قِبَل شركات الإعلام دون انقطاع طوال الحدث، مُتبعة ذلك بتقديم اعتذار رسمي للحكومة.