تونس- يعتقد بعض السياسيين أن إقالة الرئيس قيس سعيد رئيس الحكومة أحمد الحشاني محاولة للتنصل من مسؤولية تدهور الأوضاع، في حين يرى محللون أن الهدف من تعيين وزير الشؤون الاجتماعية خلفا للحشاني على رأس الحكومة هو سعي الرئيس إلى تحقيق إنجازات قد يستميل بها التونسيين.
وقد أقال الرئيس قيس سعيد مساء أمس الأربعاء رئيس الحكومة الحشاني، وهو متقاعد من البنك المركزي التونسي، وعيّن بدلا منه وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري رجل الإدارة الذي تقلد مناصب عدة في الصناديق الاجتماعية، وله دراية بالتسيير الإداري.
ويأتي هذا التغيير في وقت تمر به البلاد بظروف صعبة، ولا سيما على مستوى الأوضاع المعيشية، إذ تواترت انقطاعات المياه والكهرباء، وتفاقم ارتفاع الأسعار وانقطاع المواد الأساسية، في حين على صعيد الوضع الاقتصادي تناهز نسبة النمو الصفر حسب مؤشرات رسمية.
كما تأتي إقالة الحشاني بعد نشره خطابا مصورا أمس على صفحة رئاسة الحكومة بدا فيه مرتبكا ينظر بعينين تائهتين، متحدثا عن إنجازاته، دون أن يكون خطابه منسجما مع الرئيس سعيد الذي يظهر غاضبا في جولاته الميدانية من تدهور الأوضاع وتواتر انقطاعات الماء والكهرباء.
وبينما يتهم الرئيس سعيد من يعتبرهم لوبيات فساد وعصابات إجرامية تسعى لتعطيل مرافق الدولة سعيا لخلق الفتنة والفوضى في البلاد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية بدا رئيس الحكومة يغرد خارج السرب متحدثا عن إنجازات حكومته في واقع معيشي لا يطاق.
محاولة للتغطية
بدوره، يرى القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني أن إقالة الحشاني “محاولة فاشلة من سعيد للتغطية على فشله في إدارة البلاد، وتحقيق أي إنجازات منذ انتخابه قبل سنوات، وبعد 3 سنوات من الحكم المطلق”، أي بعد اتخاذه التدابير الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021.
ويقول العجبوني للجزيرة نت إن من يحكم البلاد بصلاحيات “تكاد تكون فرعونية” هو الرئيس سعيد المسؤول عن السياسات العامة للدولة وفق الدستور الذي صاغه عام 2022 “ومع ذلك فشل في تحقيق إنجازات تذكر ما عدا ضرب حرية التعبير، المكسب الوحيد بعد الثورة”، كما يؤكد.
كما يرى أن الإقالات المتكررة لرؤساء الحكومات والوزراء والمسؤولين الذين عينهم سعيد منذ توليه السلطة تنم عن “حالة تخبط وسوء اختيار لديه”، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من التونسيين لم يتذكروا رئيس الحكومة المقال إلا بعد إقالته، بسبب عدم كفاءته وعدم أهليته للمنصب.
وبشأن دلالات تعيين وزير الشؤون الاجتماعية كمال المدوري رئيسا جديدا للحكومة، يقول العجبوني إنه رجل إدارة وكفء في مجاله “لكن يُفهم من خلال التعيينات السابقة التي اختارها الرئيس سعيد أنه يسعى لتعيين شخص لا يملك طموحا سياسيا ويصغي لكلامه”.
غياب البرامج
من جانبه، أرجع الأمين العام لحزب التيار الشعبي زهير حمدي -وهو الداعم لمسار التدابير الاستثنائية- إقالة رئيس الحكومة إلى ضعف أدائه وعدم أهليته لتولي هذا المنصب، لكنه يقول إنه “لا يمكن تحميله مسؤولية تدهور الأوضاع، لأن سياسات الدولة يتحملها الرئيس”.
ويقول حمدي للجزيرة نت إن تغيير الأشخاص -على أهميته- يبقى بلا قيمة إذا لم يكن مشفوعا برؤية وطنية متكاملة وخطط وبرامج تنفذ على أرض الواقع لتحسين الأوضاع، معتبرا أن تعيين المدوري على رأس الحكومة مهم خلال هذه الفترة بالذات.
واستبعد حمدي أن يكون الهدف من تعيين رئيس جديد للحكومة تحقيق إنجازات خلال هذه الفترة التي تسبق موعد الانتخابات الرئاسية بأقل من 3 أشهر، معتبرا أن البلاد دخلت في الزمن الانتخابي، وأن الوقت لا يسمح بتحقيق أي إنجازات لتوظيفها في الحملة الانتخابية للرئيس.
رهان انتخابي
لكن من وجهة نظر المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي فإن هناك احتمالا واردا أن يكون هذا التعيين يهدف إلى تحقيق بعض الإنجازات الفعلية خلال ما تبقى من عهدة الرئيس، باعتبار أنه لم يحقق أشياء كثيرة في حصيلة نشاطه.
ويقول الجورشي للجزيرة نت إن الرئيس وجد نفسه لا يستطيع أن يكمل عهدته مع رئيس حكومة أثبت بكل وضوح أنه ليس مؤهلا لذلك المنصب، خاصة وهو يقترب من محطة الانتخابات الرئاسية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل ويسعى لتجديد ولايته مرة ثانية.
ويضيف “ربما قرر الرئيس سعيد أن يراهن على وزير الشؤون الاجتماعية حتى يعدل الأوضاع، ولا سيما أنها تتجه إلى مزيد من التصعيد والتوتر”، في إشارة إلى حالة الاحتقان بسبب الانقطاعات المتكررة في المياه والكهرباء، وارتفاع الأسعار والبطالة وغياب التنمية.
وكان الرئيس سعيد قد قدم ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية مع عدد من المرشحين لهيئة الانتخابات، لكن بعض المرشحين اشتكوا من حصول تضييقات عليهم، كحرمانهم من الحصول على وثائق من وزارة الداخلية، بهدف إزاحتهم من السابق وترك الرئيس سعيد في طريق مفتوح.