قالت صحيفة “إزفستيا” إن عددا من دول آسيا الوسطى بدأت تقيم علاقات مع حركة طالبان الأفغانية وتوقفت عن عدّها حركة “إرهابية”.
ونشرت الصحيفة تقريرا قال فيه كاتبه إيغور كارمازين إن مواقف هذه الدول من السلطات الأفغانية تحسنت تحسنا ملحوظا.
وأوضح التقرير أن قرغيزستان توقفت عن تصنيف طالبان منظمة “إرهابية”، وأن كابل أشادت بذلك، وأن كازاخستان أزالت طالبان من قائمتها للمنظمات “الإرهابية”، بينما تعمل أوزبكستان على زيادة التجارة الثنائية بسرعة.
يُذكر أنه حتى وقت قريب لم يكن لقرغيزستان أي اتصال مع أفغانستان باستثناء الإمدادات الدورية للمساعدات الإنسانية؛ فقد أرسلت قرغيزستان شحنات من البضائع منذ عام 2021 إلى القرغيزيين الذين يعيشون في المقاطعات الشمالية من أفغانستان.
خطوة للأمام
أشادت وزارة الخارجية الأفغانية بقرغيزستان، ووصفت المبادرة بأنها “خطوة إلى الأمام”. وقالت في بيان لها “إننا نرحب بقرار قرغيزستان الذي ينسجم مع الإجراءات الودية لعدد من الدول الأخرى. إن ما يحدث يدل على الاعتراف المتزايد بحكومتنا على المستويين الإقليمي والدولي، ويزيل حاجز تعزيز العلاقات الثنائية”.
وأوضح الكاتب أنه حتى وقت قريب، كانت كازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان ترى أن طالبان حركة “إرهابية” ومحظورة لديها، ولا تجري معها أي مفاوضات رسمية، بينما تعاملت أوزبكستان وتركمانستان مع طالبان بشكل أكثر ليونة، إذ لم تعدّها “إرهابية” أصلا.
وفي الأيام الأخيرة، ظهرت مؤشرات على تغير الوضع على خلفية شروع أوزبكستان في إقامة حوار تدريجي، فقد أخذت تتبادل مع أفغانستان الوفود التمثيلية بانتظام. وفي نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، زار رئيس وزراء أوزبكستان عبد الله أريبوف العاصمة الأفغانية مصحوبا ببعض الوزراء.
تعاون تجاري
وخلال الزيارة، وقع الطرفان على 35 اتفاقية بقيمة إجمالية تعادل 2.5 مليار دولار، واتفقا على إلغاء الرسوم الجمركية على بعض السلع، وأشار المفاوضون إلى النمو المطرد للتجارة المتبادلة. وفي النصف الأول من العام الجاري بلغ حجم التبادل التجاري بين أوزبكستان وأفغانستان 572 مليون دولار؛ بزيادة بنسبة 18% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. وفي بداية سبتمبر/أيلول، بدأ الناس في أوزبكستان يتحدثون عن ضرورة مساعدة طالبان في حربها على “الإرهاب”.
كذلك وسعت تركمانستان اتصالاتها بأفغانستان؛ ففي نهاية العام الماضي بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 481 مليون دولار. ويتجلى اهتمام تركمانستان الرئيسي في الاتجاه الأفغاني بإطلاق مشروع خط أنابيب الغاز “تابي” (تركمانستان- أفغانستان- باكستان– الهند)، ويعقد الطرفان مفاوضات منتظمة حول هذه المسألة، وفي نهاية أغسطس/آب التقى وزراء الخارجية على حدود الدولة.
وفي أوائل يونيو/حزيران، أعلن الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف أن بلاده أزالت الحركة الأفغانية من قائمة “الإرهاب” وتعتزم إقامة تعاون اقتصادي معها. وقال نائب رئيس وزراء كازاخستان، سيريك جومانجارين، إن الخطة تهدف إلى زيادة حجم التجارة إلى 3 مليارات دولار سنويا، ولهذا الغرض ستنظم معارض خاصة ومنتديات أعمال.
الطاجيك
ووفقا للكاتب، ظلت طاجيكستان وحدها في موقف معارضة شديدة لطالبان، فقد أكد رئيس البلاد إمام علي رحمون في العديد من المناسبات أن بلاده تطالب جيرانها بتشكيل حكومة شاملة، أي ضم الطاجيك العرقيين، الذين يشكلون ما يقرب من ثلث سكان أفغانستان، إلى المجموعة الحاكمة. وفي الوقت نفسه، تظل بعض الاتصالات الاقتصادية قائمة، وتظل النقطة الرئيسة هي تصدير الكهرباء الطاجيكية.
أما طالبان فأكدت في العديد من المناسبات أنه ليس لديها أي مطالبات ضد الدول المجاورة، ولا تنوي مهاجمة أي شخص، ولا يوجد دليل ملموس على تورطها في الهجمات “الإرهابية”.
وذكر التقرير أن أفغانستان ذاتها تعاني اليوم من “الإرهاب”. فعلى سبيل المثال، في الثاني من سبتمبر/أيلول الجاري فجّر انتحاري عبوة ناسفة، أسفرت عن مقتل 6 أشخاص.
مشاريع مهمة
وأشار التقرير إلى أنه من دون مشاركة أفغانستان، سيكون من المستحيل تنفيذ مشاريع تجارية واقتصادية ولوجستية مهمة، لذلك تعكف أوزبكستان على طرح فكرة خط السكة الحديد العابر لأفغانستان، الذي سيربط أفغانستان وكل آسيا الوسطى بالموانئ الباكستانية على بحر العرب، ومن ثم يسمح لها بدخول أسواق جنوب آسيا. وتبدي تركمانستان اهتماما بإنشاء خط أنابيب “تابي” لتزويد الهند بالغاز، بينما تشارك قرغيزستان وطاجيكستان في مبادرة “كازا 1000” التي ترغبان في إطارها بتصدير الكهرباء إلى الجنوب. ومن الواضح أنه من دون إقامة علاقات طبيعية مع أفغانستان تظل جميع هذه الأفكار حبرا على ورق.
وينقل الكاتب عن الخبير السياسي رستم بورناشيف أن تقارب دول المنطقة مع أفغانستان أمر منطقي تماما. ويرى المحلل السياسي أزدار كورتوف أن تطبيع العلاقات مع كابل عملية طبيعية، مشيرا إلى أن أفغانستان من أفقر البلدان، وتهتم حركة طالبان بتوسيع الاتصالات الدولية وإقامة نوع من التعاون. ومن جانبها، تعتقد دول آسيا الوسطى أن أفغانستان يمكن أن تصبح سوقا جيدة لمنتجاتها. إضافة إلى ذلك، تهتم المنطقة بسلوك القوى العظمى، فقد استقبلت الصين في بداية العام سفيرا عينته طالبان.