يعاني العديد من الأشخاص من مشاعر القلق والاكتئاب والتوتر في مراحل مختلفة من حياتهم، وعادة ما تكون هذه المشاعر مؤقتة وتزول دون أن تؤثر بشكل كبير على جودة حياتهم.
ومع ذلك، قد تطول هذه الفترات لدى البعض، مما يؤدي إلى مشاعر سلبية عميقة تصل بهم إلى حالة من اليأس التام من الحياة، وتجعلهم يتساءلون عن جدوى وجودهم.
هذا التحول في المشاعر يمكن أن يؤدي إلى أزمات وجودية عميقة تؤثر في قدرتهم على الاستمرار في الحياة والعمل والعلاقات الاجتماعية.
وتزايدت الأزمات الوجودية في العصر الحديث مع تزايد تنوع مسارات الحياة، إذ لم تعد الحياة تسير على نمط ثابت كما كان في السابق، وتعدد الخيارات المتاحة يضع الناس في حالة تفكير مستمر بشأن الأنسب لهم، وقد يؤدي الإفراط في التفكير إلى الوقوع في أزمات وجودية.
يظهر القلق الوجودي خلال الفترات الانتقالية في حياة الأفراد حين يشعرون بتزعزع الأسس التي تقوم عليها حياتهم، ويبدؤون في التساؤل عن معنى وجودهم.
وتترافق هذه الأزمات عادة مع فقدان الإحساس بالأمان، مثل حالات الانفصال الزوجي أو ابتعاد طالب جامعي عن منزله أو وفاة شخص مقرب.
ويمكن أن تظهر الأزمات الوجودية أيضا مع التقدم في العمر ودخول مراحل جديدة، مثل الأربعينيات أو الخمسينيات أو الستينيات، إذ يبدأ الناس في تقييم إنجازاتهم ويتساءلون عن مدى جدوى حياتهم.
وفي هذه الفترات قد يشعر البعض بالتباين بين ما يقومون به وما كانوا يأملون تحقيقه، وهذه الأزمات قد تدفع الأفراد إلى إعادة توجيه حياتهم نحو مسار يعزز التوافق بين طموحاتهم وأفعالهم ويحقق انسجاما أكبر بين ما يقولونه وما يفعلونه.
أعراض القلق الوجودي
يختلف القلق الوجودي عن الاكتئاب والقلق المرضي، فهو يشير إلى أفكار ومشاعر لا تصنف حالة طبية بحاجة إلى العلاج، وعلى عكس الاكتئاب والقلق المرضي الذي يحدث بدون مؤثر خارجي يحدث القلق الوجودي غالبا بسبب أحد المؤثرات الخارجية التي ذكرت سابقا.
أما أهم أعراض القلق الوجودي فهي الشعور بالوحدة طوال الوقت، وعدم وجود معنى في الحياة اليومية، والشعور بعدم القدرة على تغيير أي شيء في الحياة، وهناك أيضا بعض الأعراض الجسدية التي تصاحب الشعور بالقلق الوجودي، مثل اضطرابات النوم وانخفاض الشهية وعدم الاستمتاع بالأنشطة اليومية ونقص الطاقة وعدم الرغبة في الحركة، بالإضافة إلى انخفاض الدوافع التي تدفع الشخص للحياة أو إنجاز الأهداف المختلفة.
قد يظهر القلق الوجودي أحيانا بالتزامن مع مشكلات عقلية ونفسية أخرى، مثل الاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب واضطراب الوسواس القهري واضطراب الشخصية الحدية، مما يعمق الأزمة الوجودية.
وفي هذه الحالات تصبح الأزمات الوجودية جزءا من أعراض اضطراب عقلي أو نفسي، وقد تتطور إلى ما يعرف بالاكتئاب الوجودي.
وتشمل أبرز أعراض هذا النوع من الاكتئاب الشعور المستمر باليأس وصعوبة في إيجاد معنى للحياة والانشغال الدائم بأسئلة لا إجابات واضحة لها تتعلق بالموت وهدف الحياة.
تجاوز الأزمات الوجودية
يمكن أن تكون الأزمات الوجودية فرصة للتحول في حياة الأفراد، إذ تساعدهم على إعادة تقييم أهدافهم ومعنى الحياة الذي يسعون إليه.
وفي بعض الأحيان تدفع هذه الأزمات الشخص إلى إجراء تغييرات جذرية ليصبح أكثر انسجاما مع نفسه وقيمه، وتساهم في تجديد أهدافه.
الوعي بضرورة خلق المعنى في الحياة يمثل تحولا كبيرا لأولئك الذين يعانون من أزمات وجودية، والتركيز على الأشياء البسيطة التي تجعل الحياة تستحق العيش والشعور بالامتنان لها يعتبران من أهم وسائل التعافي.
كذلك، البحث عن هدف محدد للعمل عليه -سواء كان اجتماعيا أو عمليا أو ماديا- يعد وسيلة فعالة لتجاوز الأزمات الوجودية، إذ إن وجود هدف يحفز الشخص ويمنحه دافعا حقيقيا للحياة.
ومن الأساليب الأخرى لتجاوز الأزمات الوجودية عدم الإفراط في التفكير، وتحليل الأمور، والقبول بأن بعض الأسئلة في الحياة قد لا تكون لها إجابات نهائية.
مشاهير مروا بأزمات وجودية
من بين المشاهير الذين عانوا من الأزمات الوجودية الممثل الأميركي جيم كاري، وذلك بعد انتحار صديقته كاثريونا وايت.
وأحد مظاهر تلك الأزمة تجلى في مقطع صوتي خلال أسبوع الموضة، فقد رد على سؤال من مراسل قناة “آي نيوز” عن أحواله قائلا “لا معنى لكل هذا، لم أرتدِ ملابس أنيقة، وأنا لا وجود لي، هذه ليست حياتنا، نحن لا نهم”.
ورغم أن الفيديو قد يبدو مضحكا في البداية فإنه كان يعكس بوضوح الأزمة التي كان يعيشها كاري، خاصة مع اعترافه العلني بصراعه مع الاكتئاب لسنوات.