طهران – بين الفينة والأخرى، تعلن الأجهزة الأمنية في إيران تفكيك خلايا تجسسية مرتبطة بإسرائيل، لكن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية يوم 31 يوليو/تموز الماضي بقلب العاصمة طهران عزّز فرضية الاختراق الإسرائيلي للجمهورية الإسلامية بعد أن كانت تتكرر عقب الاغتيالات والعمليات التخريبية التي تشهدها منشآتها الحيوية.
وعقب تفجيرات أجهزة التنبيه (البيجر) والاتصالات اللاسلكية في لبنان، عاد الحديث عن الاختراق الأمني الإسرائيلي للفصائل المتحالفة مع طهران إلى الواجهة، بيد أن التطورات المتسارعة في الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله يرفعان منسوب القلق لدى الأوساط الإيرانية من مخاطر هذا الاختراق لبلدهم.
يأتي ذلك بعد مرور أسبوع فقط على اعتقال الحرس الثوري الإيراني 12 فردا بتهمة “التعاون مع الكيان الصهيوني”، إذ أوضحت طهران أن الخلية كانت تعمل ضمن خطة إقليمية تسعى إسرائيل من خلالها -بالتعاون مع حلفائها الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة– إلى زعزعة استقرار إيران إثر فشلها في تحقيق أهدافها العسكرية والسياسية في غزة ولبنان.
مخاطر الاختراق
وعلاوة على التقارير التي نشرتها وكالة أنباء فارس المقربة من الحرس الثوري نهاية أغسطس/آب الماضي حول زيادة النشاط الاستخباري الإسرائيلي داخل إيران، رفعت التصريحات التلفزية للسياسي المحافظ محمد جواد لاريجاني -الذي أرجع سبب اغتيال نصر الله إلى “الاختراق الأمني”- من منسوب القلق لدى الإيرانيين الذين فقدوا عددا من علمائهم النوويين والقادة العسكريين في عمليات اغتيال وسط طهران.
وللوقوف على مخاطر الاختراق التي تواجهها إيران في الفترة المقبلة، توجهت الجزيرة نت بالسؤال إلى الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية مهدي بختياري، الذي أكد “وجود تلك المخاطر بشكل طبيعي واعتيادي”، مستدركا أنه لا تغيير في واقع هذه المخاطر ومنسوبها عقب الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان.
ويعتبر الباحث الإيراني أن “التقارير الإعلامية الغربية التي تتحدث عن نقل بعض قيادات طهران إلى أماكن آمنة أو تلك التي تزعم تعاون جاسوس إيراني مع الكيان الصهيوني في اغتيال نصر الله، جزء من الحرب النفسية التي تستهدف معنويات جمهور المقاومة الإسلامية”.
وأكد أنه لا صحة لمثل هذه المعطيات في بلاده، وأن العناصر الإيرانية المتواصلة مع فصائل المقاومة محدودة جدا، وأنها معرضة مباشرة للتهديدات التي تطال حلفاء طهران بين الحين والآخر.
واقع المخاطر
وحسب الباحث بختياري، تعمل طهران باستمرار على معالجة الثغرات الأمنية المحتملة على شتى المستويات لكنها شددت من تدابيرها الأمنية خلال الآونة الأخيرة بما يتناسب وخطورة المرحلة الراهنة، رافضا التطرق إلى الإجراءات الأمنية الاحتياطية التي تتخذها بلاده لمواجهة أي محاولة اختراق محتملة كونها من أسرار الدولة.
ورأى المتحدث نفسه أن واقع المخاطر الأمنية الذي تواجهه بلاده لا يختلف كثيرا عما تتعرض له فصائل المقاومة المتحالفة مع طهران وعلى رأسها حزب الله، موضحا أن جانبا بسيطا من الاختراق الأمني يعود للعامل الإنساني، وأن “العدو” يعتمد على الذكاء الاصطناعي وسائر الأنظمة الرقمية للوصول إلى الأماكن السرية.
وأكد بختياري أن ما يعرفه عامة الناس عن الذكاء الاصطناعي والشبكة العنكبوتية وأجهزة الاتصالات لا يوازي أقل القليل مما تستخدمه القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من هذه التقنيات.
ووفقا له، لا تعتمد الأجهزة الأمنية على عوامل محدودة لجمع البيانات المطلوبة عن أهدافها وتتبعها، بل تستخدم الأقمار الاصطناعية والمسيرات الاستكشافية ومنصات التواصل الاجتماعي وأجهزة الاتصالات والتنصت وشتى أنواع التكنولوجيا الأخرى مثل برمجيات التجسس كبرنامج “بيغاسوس”، ثم تجمّعها وتحللها عبر الذكاء الاصطناعي.
إجراءات وقائية
من ناحيته، يرى الباحث السياسي مهدي عزيزي أن موضوع الاختراق الأمني الإسرائيلي لإيران وارد جدا في المرحلة الراهنة، وأنه فضلا عن التحريات المتواصلة بشأن اغتيال هنية ومسلسل الاغتيالات في جنوب لبنان، فإن عمليات مكافحة التجسس تمضي على قدم وساق داخل إيران بغية اكتشاف الخلايا الأمنية والتجسسية المعادية.
وعلى النقيض مما ذهب إليه بختياري، يقول عزيزي إن العامل الإنساني يلعب دورا أساسيا ومفصليا في اتخاذ الأجهزة المخابراتية قرارات دقيقة ومصيرية مثل اغتيال الشخصيات البارزة. وأضاف -في حديث للجزيرة نت- أن ما حصل في الضاحية الجنوبية لبيروت كان بجهود الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والغربية وعلى رأسها الموساد الإسرائيلي ووكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) على مدى عقود.
ويحذر الباحث عزيزي من إمكانية وجود عناصر وأجهزة تجسس لم تستخدمها إسرائيل بعد، ويشدد على ضرورة العمل على اكتشافها سواء داخل إيران أو لدى فصائل المقاومة. ويؤكد أن ما تعلنه بلاده حول تفكيك خلايا التجسس “قد لا يساوي الربع أو الخمس من مجموع اكتشافات أجهزة مكافحة التجسس لديها، وأنها تستخدم جزءا من تلك الخلايا لإرسال بيانات مغلوطة لتضليل العدو”.
وبرأي عزيزي، فإن إيران اتخذت إجراءات وقائية منذ سنوات لسد الثغرات الأمنية على مختلف المستويات منها:
- تطوير برامج وطنية لمنصات التواصل الاجتماعي.
- حظر استخدام الهواتف الذكية على بعض موظفيها العاملين في قطاعات حساسة مثل القوات المسلحة.
- عدم ربط كاميرات المراقبة بالشبكة العنكبوتية.
- تشديد التدابير الأمنية حول منشآتها الحيوية بما فيها المفاعلات النووية والقواعد العسكرية.
- توطين تكنولوجيا أنظمة الاتصالات مثل البيجر واللاسلكي وغيرها.
وخلص الباحث إلى أن سياسة الغموض التي تنتهجها إيران بشأن عمليات الثأر لدماء هنية، تؤكد نجاح تدابيرها الأمنية حتى الآن، وأن الاختراق الأمني لم يتمكن من الحصول على أدنى معلومات عن القضايا التي تعتبرها طهران سرية.