بعد مرور عام كامل من الحرب على قطاع غزة، يقدم الخبير العسكري فايز الدويري تصورا لما آلت إليه المعارك، والمراحل التي مرت بها، وإستراتيجية المقاومة في مجابهة جيش الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى التصعيد مع حزب الله.
فقد قال الدويري -في مقابلة مع الجزيرة نت- إن عملية “طوفان الأقصى كانت ضرورة حتمية وقادمة لا محالة، ولو لم يحدث “السابع من أكتوبر” لافتعلت إسرائيل حدثا لمواجهة حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عسكريا.
وأضاف اللواء المتقاعد إن حزب الله كان مخترقا، ورغم تكرار مشاهد الاغتيال في قياداته فإنه لم يستفد من هذه التجارب، ولم يستطع إغلاق الثغرات الموجودة في صفوفه، ولا يزال الاختراق موجودا.
وأشار أيضا إلى المراحل التي مرت بها الحرب على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصولا إلى المرحلة الحالية التي لم تشهد إلا هدنة وحيدة لم تستمر إلا 7 أيام.
وإلى تفاصيل الحوار..
-
بعد مرور عام كامل من الحرب على قطاع غزة، هل حققت المقاومة الفلسطينية مكاسب من “طوفان الأقصى”؟
هذه المرة الأولى التي تستنزف إسرائيل في حرب كل هذه المدة، وبما أن المقاومة الآن تمثل الجانب العربي، فإن كل الحروب بين العرب وجيش الاحتلال كانت قصيرة الأمد، لذلك تعد هذه المعركة سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، كما أنها تعد علامة فارقة.
وهذه المفارقة تأتي من طبيعة المقاومة الفلسطينية التي تتموضع في شريط ساحلي ضيق، ووقع عليها حصار منذ عام 2007، وكانت الرئة التي تتنفس بها عبر الأنفاق مع الجانب المصري، ومع ذلك استطاعت بين عامي 2006 و2023 بناء تنظيمات مقاتلة تستند إلى موروث ديني أخلاقي قيمي، وهدفها الأساسي استعادة الأراضي المحتلة وإعادة الحرية والكرامة للشعب الفلسطيني.
-
فهل كان “السابع من أكتوبر” ضرورة في ظل هذه الظروف؟
هنا يجب أن نوضح عدة نقاط أساسية:
- الأولى: هل نحن نتحدث عن قطعة أرض اسمها “فلسطين” قابلة للمساومة، وبالتالي تخضع لعملية البيع والشراء ولغة التجارة؟ أو أننا نتحدث عن وطن يحتاج تحريره إلى التضحية؟
- الثانية: ما أخبار القضية الفلسطينية قبل عملية طوفان الأقصى؟ لقد تراجعت في جدول الأولويات لدى معظم الحكومات العربية، وهناك مشاريع التطبيع، وكان الاستيطان الإسرائيلي يأكل كل المساحة الفلسطينية في ظل حكومة يمينية متطرفة، وبعد قليل كان الفلسطينيون سيجدون أنفسهم خارج أرضهم كما خرج المسلمون من الأندلس بلا رجعة.
- الثالثة: هل كنا نتوقع هذا الخذلان وهذا النكران؟ إن القراءة المشهدية الأشد تشاؤما كانت تتوقع نهاية الحرب خلال 3 أشهر، حتى أن يحيى السنوار نفسه قال في بداية المعركة “لدينا القدرة على القتال 9 أشهر”. لكننا الآن نتحدث عن مرور عام.
والسبب واضح، لأن العالم الغربي لا يدعم إسرائيل فقط، بل يدافع عنها؛ فالأساطيل الأميركية موجودة لحماية إسرائيل، وأستراليا البعيدة وكذلك فرنسا وبريطانيا وألمانيا كلها رأس حربة في هذا الصراع.
إن تاريخنا علّمنا أن الإرادة العربية الإسلامية عندما كانت موجودة تمكنا من هزيمة المغول وكسر الصليبيين على أسوار عكا، لكننا خسرنا الأندلس عندما غابت هذه الإرادة. وكما يقال “كلما ازدادت العروس جمالا زاد مهرها”، فإن فلسطين عروس جميلة تستحق التضحية.
-
ما أبرز المحطات التي مرت بها الحرب خلال عام؟
إن كل يوم في هذه الحرب يمثل مرحلة مستقلة، لكن المراحل المفصلية بدأت في “السابع من أكتوبر”، واستمرت حتى بدأ الكيان الإسرائيلي يستعيد توازنه، وبدأ سلاح الجو القصف على قطاع غزة، واستمر هذا الوضع 20 يوما، ويمكن أن نطلق على ذلك المرحلة الأولى.
وانطلقت المرحلة الثانية في 27 أكتوبر/تشرين الثاني، عندما بدأت العملية البرية نحو مدينة غزة عبر الهجوم من شارع الرشيد من الزاوية الشمالية الغربية مع طريق الساحل، وهذا المسار أخذ أكثر من شهر حتى جاءت مرحلة وقف إطلاق النار والهدنة الوحيدة التي حدث فيها تبادل لبعض الأسرى.
ثم جاءت المرحلة الثالثة بعد ذلك، وكانت أشد ضراوة، إذ بدأ الهجوم باتجاه مخيمات الوسط ثم الانطلاق نحو خان يونس، وأخذت هذه المرحلة نحو 4 أشهر.
والمرحلة الرابعة كانت باقتحام مدينة رفح التي بدأت منذ 4 أشهر، وما زالت مستمرة حتى الآن.
-
هل كانت إستراتيجية حماس في إدارة المعركة سليمة عسكريا؟
الآن نحن ندخل في مصطلح الحرب غير المتناظرة، فالحرب في غزة بين فصائل المقاومة وجيش الاحتلال بمنظور الحرب التقليدية يصبح من العبث أن تكون هناك حرب من الأساس، لأنه لا توجد مقارنة القوى التي تكون بين دولتين، أي بين قوتين متناظرتين من حيث نوعية الأسلحة والطيران والمدرعات والعوامل التقنية والكفاءة القيادية وغيرها من صور التفوق العسكري.
أما ما يحدث في غزة فيتمحور حول أن هناك دولة تقاتل فكرة ومبدأ قبل أن تقاتل مقاتلا، والأفكار لا تموت ولا تهزم، ربما تحقق القوى الكبيرة النصر العسكري، لكنها لا تستطيع أن توقف الحراك المجتمعي وطموح الأجيال القادمة، فالفكرة تنتقل من جيل إلى جيل.
وبما أننا نتحدث عن حرب غير متناظرة، فإنه يجب أن نطوّع الإمكانات الموجودة لتناسب التحديات، وهذا تم عبر بناء القدرات القتالية لدى فصائل المقاومة، لأن الحرب كانت قادمة لا محالة، ولو لم يحدث “السابع من أكتوبر” لافتعلت إسرائيل حدثا لمواجهة حماس عسكريا.
وكان هناك أيضا بناء منظومة أسلحة يمكنها التعامل مع توغل الدبابات داخل القطاع، وبناء شبكة أنفاق تمكّن المقاتل من حرية الحركة ومواجهة القوة النارية، بالإضافة إلى إعداد كافة الاحتياجات اللوجيستية التي تخدم هذا الوضع.
والنقطة الأهم هنا أن المقاومة بكل فصائلها لم تكن تتوقع استمرار الحرب كل هذه الفترة، ولم تكن تتوقع هذا التخلي العربي عن هذه المقاومة لمدة عام.
-
في الفترة الأخيرة، حققت إسرائيل اختراقا كبيرا في جنوب لبنان، فما تأثير ذلك في الحرب على غزة؟
حجر الزاوية في الصراع هو غزة، والجبهة الشمالية منذ الثامن من أكتوبر/تشرين الأول دخلت ميدان الصراع كجبهة مساندة، ولا يمكن إغفال دورها، وقد يختلف المحللون على هذا الدور وحجمه وطبيعة المشاركة، لكن يبقى من شارك أفضل ممن لم يشارك، وما قدمه حزب الله كان وفق قراءاته ومعطياته.
والآن أنا أتحدث بألم بسبب ما حدث، فقد تبين أن حزب الله مخترق، بدليل تكرار مشاهد الاغتيال مثل صالح العاروري وإسماعيل هنية وفؤاد شكر وغير ذلك من قيادات الحزب، ومن دون الاستفادة من هذه التجارب، ثم جاءت موقعة البيجر واللاسلكي، فحجم التعامل وإمكانية إغلاق هذه الثغرات لم يكونا كما ينبغي، ولا يزال الاختراق موجودا.
ثم جاء اغتيال الأمين العام للحزب حسن نصر الله برمزيته ومعه 20 من كوادر الحزب كما تقول إسرائيل، فماذا كان الرد؟ لقد كنت أتوقع أن يكون الرد في الليلة نفسها أو صباح اليوم التالي، وبما لا يقل عن 800 إلى 1000 صاروخ من الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى باليستية وكروز ضد الأهداف الحاسمة في الكيان الإسرائيلي.
حزب الله كان قبل اغتيال حسن نصر الله مثل الذي يسير على حبل مشدود، وهو ملزم بالسير على أمرين متناقضين: معادلة الردع مقابل الردع، وعدم الذهاب إلى حرب مفتوحة، ومن ثم فإن العمل على التوفيق بين متناقضات صعب جدا.
لكن المهم كيف فُسر السير على الحبل المشدود من الجانب الآخر؟ وكيف فسرت إسرائيل رد حزب الله؟ إنها فسرته بأن الحزب ما زال يدور ضمن دائرة الاحتواء وعدم الرغبة في التصعيد، فقامت هي بالتصعيد وبعمليات الاغتيال التي كانت شبه يومية، أما لو كان الرد منذ الاغتيال الأول قاسيا لأعاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حساباته.
-
هل ما زلت تتذكر عبارة “حلل يا دوري”؟ وهل ما زال لها التأثير نفسه؟
هذه الصرخة لم أكن أتوقعها، وعليّ أن أضعها في إطارها المشهدي واللحظة التي قيلت فيها؛ مقاتل يحمل سلاحا في موقع ما ويراقب مبنى فيه قوات لجيش الاحتلال ويقتنص الفرصة ويطلق ويصيب الهدف ويصرخ “في قلبه يا ولاد.. حلل يا دويري”.
فروعة المشهد كانت في أن العبارة جاءت عقب إطلاقة الصاروخ مباشرة، ولما أصاب الصاروخ الهدف طلب من الدويري أن يحلل ذلك، لأنه كان مشهد عز وكرامة، لذلك أنا أفتخر به.