تعز- بدلا من الصحو على أصوات أذان المساجد، استيقظ العديد من اليمنيين في العاصمة صنعاء ومحافظة الحديدة غربي البلاد على صدى الانفجارات الناجمة عن غارات إسرائيلية عنيفة استهدفت مواقع اقتصادية حيوية فجر الخميس.
فقد شنت مقاتلات إسرائيلية 16 غارة جوية منها 6 استهدفت محطتي كهرباء حزيز وذهبان بالعاصمة، بينما استهدفت 10 غارات أخرى مواقع حيوية في محافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر غربي البلاد.
وفي الوقت الذي لم يتم الإعلان عن وقوع خسائر بشرية جراء الغارات على صنعاء، أفادت قناة المسيرة الفضائية التابعة للحوثيين بأن الهجمات الإسرائيلية على الحديدة “أسفرت عن سقوط 9 قتلى و3 جرحى في المواقع المستهدفة”.
وأوضحت “المسيرة” أن غارات إسرائيل في هذه المحافظة الساحلية “استهدفت ميناء الحديدة وميناء الصليف ومنشأة رأس عيسى النفطية”.
وفي المقابل، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أن 14 طائرة حربية تابعة له هاجمت بعشرات القنابل 5 أهداف في اليمن.
أضرار كبيرة
وقد أدت الغارات الإسرائيلية إلى أضرار مادية كبيرة في محطتي كهرباء صنعاء وموانئ الحديدة.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش -في بيان مساء الخميس- إنه يتابع “بقلق بالغ” التقارير الواردة بشأن غارات جوية إسرائيلية على موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى والمناطق المحيطة بها في محافظة الحديدة ومحطات كهرباء في صنعاء.
وأضاف غوتيريش أن “التقارير الأولية تشير إلى سقوط ضحايا مدنيين، من بينهم 9 قتلى و3 جرحى، بالإضافة إلى أضرار كبيرة لحقت بموانئ البحر الأحمر مما سيؤدي إلى الحد من قدرات الموانئ بشكل فوري وملحوظ”.
بدوره، أفاد مصدر عامل في ميناء الحديدة أن” غارات العدوان الإسرائيلي أدت إلى تضرر الرافعات الخاصة بنقل البضائع في الميناء الأهم باليمن”.
وفي حديث مقتضب، أضاف المصدر ذاته -للجزيرة نت- مفضلا عدم ذكر اسمه “هناك أيضا أضرار في البنية التحتية للميناء الذي استمر في العمل رغم أضرار الغارات”.
أما وزير النقل في حكومة الحوثيين محمد قحيم فقد أعلن مساء الخميس أن” ميناء الحديدة يواصل عمله بشكل طبيعي دون توقف، بعد استهدافه من قبل العدوان الإسرائيلي”.
وأضاف قحيم في بيان تابعته الجزيرة نت أن “محاولات تعطيل موانئ الحديدة واستمرار استهدافها لن تنجح لإحكام الحصار الاقتصادي على الشعب اليمني”.
وذكرت جماعة الحوثي -في تقرير تابعته الجزيرة نت- أن الغارات الإسرائيلية “أدت إلى إخراج محطة ذهبان الكهربائية شمالي صنعاء عن الخدمة وتدمير خطوط التبريد المركزية وإعطاب الكثير من ممتلكاتها وتضرر المرافق الخاصة بها”.
وأضاف التقرير الذي بثته وسائل إعلام تابعة للجماعة أن الغارات أدت إلى انقطاع التيار الكهربائي عن أكثر من 30% من احتياج صنعاء، بما في ذلك المستشفيات والمصانع ومراكز الخدمات الضرورية.
ضربات كبيرة للاقتصاد
تعد المواقع المستهدفة بالغارات الإسرائيلية من أهم المنشآت الاقتصادية على مستوى اليمن، مما يجعل لهذه الضربات تأثيرات فعلية على اقتصاد البلد الذي يعيش واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم.
وفي السياق، يقول الدكتور محمد قحطان أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز إن الضربات الإسرائيلية استهدفت منشآت اقتصادية حيوية، وألحقت أضرارا كبيرة بالبنية التحتية للاقتصاد الوطني بالإضافة للأضرار البشرية المعلن عنها من القتلى والجرحى.
وأضاف للجزيرة نت أن الغارات الإسرائيلية ستخلف تداعيات اقتصادية كبيرة على اليمن، إذ إنها استهدفت منشآت اقتصادية مهمة للطاقة، بالإضافة إلى إلحاق أضرار بالغة بموانئ البحر الأحمر اليمنية وهي المنافذ البحرية الأساسية للبلد والمستخدمة للنقل البحري حالياً.
وتابع “بالنظر إلى أن الاقتصاد اليمني يعتبر منهارا بفعل الحرب الدائرة منذ أكثر من 10 سنوات متواصلة فلا شك أن هذه الضربات ستكون لها آثار سلبية كبيرة على بنية الاقتصاد، ومن الصعب على البلاد وهي تمر بظروف الحرب والانهيار إعادة بنائها، الأمر الذي سيضاعف من سوء الأوضاع الاقتصادية والإنسانية التي يعيشها اليمنيون، خصوصا سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين.
وأشار إلى أن إسرائيل استهدفت تلك المواقع نظرا لأهميتها الاقتصادية والاجتماعية، ولما تشكله من روافد هامة للحوثيين في الموارد المالية، وكذلك تيسير تهريب السلاح من موانئ البحر الأحمر، وبنفس الوقت تعزيز قدراتهم للمجهود الحربي.
وتوقع الأكاديمي اليمني بأن هذه الضربات قد تعزز من تدهور الأوضاع الإنسانية ورفع مستوى السخط الشعبي على الحوثيين، مما يضعف حججهم فيما يرفعونه من شعارات، وبالتالي مزيدا من استهداف البنى التحتية للاقتصاد المنهك.
وفيما يتعلق بمستقبل الصراع بين الحوثيين وإسرائيل ومآلاته الاقتصادية، ختم قحطان “إذا استمر التصعيد والتصعيد المضاد، فإن نشاط النقل البحري عبر موانئ الحديدة ستتراجع بصورة حادة، الأمر الذي سيكون له انعكاسات سيئة على ما تبقى من الأنشطة الاقتصادية وبالتالي سيكون هناك المزيد من مظاهر التدهور الاجتماعي والإنساني.
عقاب جماعي
تعد هذه المرة الثالثة التي تنفذ فيها إسرائيل هجمات على اليمن، حيث سبق لها تنفيذ غارات في يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول الماضيين.
وفي يوليو/تموز، أعلنت جماعة الحوثي أن حجم الأضرار المادية للضربات الإسرائيلية حينها على ميناء الحديدة بلغت نحو 20 مليون دولار، من دون احتساب الخسائر النفطية.
وفي سياق الغارات الجديدة، يرى الخبير الاقتصادي عبد السلام الشجاع أن “الضربات الإسرائيلية على المنشآت الحيوية والاقتصادية لليمن تؤثر تأثيرا كبيرا على السكان بشكل عام وليس على جماعة الحوثيين فقط، وهو ما يعد بمثابة عقاب جماعي”.
وأضاف الشجاع للجزيرة نت أن التعرض لهذه المنشآت المدنية في الأصل يعتبر جريمة حرب، كون إسرائيل تعاقب شعبا بتهمة محاربتها جماعة صغيرة.
وأشار الخبير اليمني إلى أن الغاية من استهداف إسرائيل موانئ الحديدة ومحطتي الطاقة في صنعاء باعتبار أنها تمثل دعما لوجستيا تستفيد منه جماعة الحوثي في الجانب العسكري، وعقابها للجماعة بحرمانها من هذا الدعم.
ويعتقد أن الضربات الإسرائيلية تؤثر بشكل كبير على حركة تدفق السلع عبر ميناء الحديدة، وبالتالي سوف يعاني الشعب من نقص حاد في الاحتياجات الأساسية والضرورية، بالإضافة إلى ارتفاع معدل التضخم وأسعار السلع وانخفاض القوة الشرائية بسبب ندرة السلع في السوق المحلي.
ضربات تعمق الركود الاقتصادي
وتأتي الضربات الإسرائيلية في وقت يعاني الاقتصاد اليمني من تدهور حاد جراء استمرار الصراع بين الحكومة والحوثيين، وعدم التوافق حول آلية لاستئناف تصدير النفط المتوقف منذ عامين، بحسب الصحفي رهيب هائل.
وأضاف هائل للجزيرة نت” هذه الضربات الجديدة تأتي في وقت حرج، حيث تعاني المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين من ركود اقتصادي كبير، فضلا عن استمرار توقف صرف رواتب الموظفين بالقطاع العام منذ سنة 2016، مما يجعل أي هجمات جديدة على البلد تعمق من معاناة المواطنين الذين يتحملون الثمن الأكبر لأي نزاع”.
وتابع “سيكون لهذه الضربات تأثير مباشر على الوضع الاقتصادي، حيث إن هذه التطورات تبث المخاوف في صفوف التجار والمواطنين، مما يؤدي إلى مزيد من المعاناة”.
وأردف “حتى وإن قلل الحوثيون من تأثيرات هذه الضربات، إلا أن الواقع يشير إلى تأثر معيشة المواطنين بأي تصعيد عسكري في اليمن”.
بدوره، يقول -للجزيرة نت- الصحفي والناشط الاجتماعي مختار شداد إن “الضربات الإسرائيلية تسبب خسائر اقتصادية كبيرة للداخل اليمني، لأنها استهدفت مواقع حيوية من شأنها أن تؤثر على البنية التحتية والحيوية التي يعتمد عليها المواطنون في الحصول على الخدمات الأساسية”.
ويضيف “هذه الضربات قد تشكل مخاوف كبيرة للمواطنين من حيث قدرتهم على تغطية احتياجاتهم من الإمدادات الغذائية والخدمات الأساسية. ومن الممكن أن تؤثر على الحالة المعيشية حيث يعتمد 80-90% من المواطنين في توفير احتياجاتهم من الوقود والمواد الغذائية من هذه المناطق والمنافذ البحرية”.
ولفت شداد إلى أن تكرار الضربات على هذه المواقع قد يؤدي إلى كارثة إنسانية يتحمل عبئها المواطنون.