ترسم الرواية السائدة لتاريخ مصر الحديث معالم حقبة تاريخية تزعم أن حوادثها معروفة ومعالمها واضحة، حيث يُنسب تأسيس مصر الحديثة إلى “الباشا” محمد علي، الذي أقام جيشا حديثا وشيد البنية التحتية والمباني والطرق التي أعادت لمصر مكانتها بين الأمم بعد قرون من الركود. أما القاهرة، فهي في هذه الرواية المبتدأ والمنتهى، تمثل مركز النضال ضد مختلف أشكال الاحتلال التي مرت على البلاد.

ويظهر الصعيد في هذه السردية التاريخية خلسة أحيانا، إذ تُستحضر مقاومة مدنه وقراه للحملة الفرنسية، كما أشار إليها المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعي في تأريخه للحركة القومية، ويُذكر دوره في ثورة 1919. ومع ذلك، يظل الصعيد مهمشا في السردية التاريخية المصرية، وتُغفل الفترة التي بلغ فيها ذروة النفوذ السياسي والاقتصادي تحت حكم الأمير همام في خمسينيات القرن الـ18 وستينياته.

وعلى خلاف الرائج، تقدم الأكاديمية والباحثة المصرية ذات الأصول القناوية، زينب أبو المجد، نقدا لهذه النظرة التاريخية السائدة، وتصفها بأنها رواية انتقائية خطتها البورجوازية القاهرية، متأثرة بروايات المؤرخين الاستعماريين. وتركز هذه السردية على القاهرة بوصفها مركز الدولة ونهضتها، والسياسة والاقتصاد والثقافة، بل حتى العصيان.

وصدر الكتاب باللغة الإنجليزية عن دار نشر جامعة كاليفورنيا عام 2014، بعنوان “إمبراطوريات متخيلة.. تاريخ الثورة في صعيد مصر” (Imagined Empires, A History of Revolt in Egypt)، وهو في الأصل أطروحة الدكتوراه التي قدمتها أبو المجد لجامعة جورج تاون الأميركية، ويستند هذا العرض في كثير من أجزائه لمقدمة النسخة العربية من الكتاب للصحفي والمترجم المصري أحمد زكي عثمان.

ويتناول الكتاب موضوعا نادر الطرح في الدراسات التاريخية المصرية، سواء المكتوبة بالعربية أو باللغات الأجنبية، حيث تجادل أستاذة التاريخ في كلية أوبرلين بولاية أوهايو بأن للصعيد سردية مختلفة مع الإمبراطوريات المتعاقبة التي حكمت مصر منذ القرن الـ16: العثمانية، الفرنسية، إمبراطورية محمد علي، الهيمنة البريطانية غير الرسمية، وصولا إلى الاحتلال البريطاني الرسمي عام 1882.

وتمضي الباحثة في تقديم رواية تاريخية بديلة للصعيد، معتمدة على التنقيب في مئات الوثائق منذ القرن الـ16، مثل المكاتبات الرسمية، وقضايا المحاكم الشرعية، وسجلات الأحكام. وتُظهر قراءة المؤلفة لهذه الوثائق أن الإمبراطوريات التي مرت بجنوب مصر عملت على تهميشه عمدا. ودعمت تلك الإمبراطوريات فكرة مركزية القاهرة، وسعت لإخضاع الصعيد بالقوة تحت هيمنة “النخب الشمالية” التي استفادت من رضا الإمبراطوريات عنها. وأسفرت هذه السياسات عن تدهور متلاحق لمجتمعات الصعيد، تمثل في إهمال الزراعة والري، وظهور أزمات بيئية متكررة مثل تفشي الطاعون والكوليرا، بحسب مقدمة الكتاب.

الإمبراطورية كوحدة تحليلية

ينقسم الكتاب إلى 5 فصول، مقدمة عامة، وخاتمة. تنطلق الكاتبة من وحدة التحليل الخاصة بالإمبراطورية، أي القوى الاستعمارية التي شدت رحالها إلى الصعيد عنوة رغم إرادة أهله، وتركز على السياسات الفاشلة التي طبقتها في الصعيد.

وتتناول مقدمة الكتاب رؤية المؤلفة لتطبيق مفهوم “الإمبراطورية” على الصعيد، حيث ترى أن الإمبراطوريات المتعاقبة جاءت إلى جنوب مصر تحمل مزاعم بالكفاءة والقدرة على تحويله إلى منطقة نفعية، لكن الوقائع أثبتت العكس. وفشلت هذه الإمبراطوريات في تحقيق أهدافها، وأدى هذا الفشل إلى تدمير بيئي كبير تمثل في العبث بنظم الري والزراعة المستقرة، وخلّف وراءه أوبئة فتاكة مثل الطاعون والكوليرا. علاوة على ذلك، أدى فشل الإمبراطوريات إلى نشوب حركات تمرد واحتجاجات واسعة في قنا، قادها المهمشون من الفلاحين والنساء والعمال، بالإضافة إلى مطاريد الجبل.

وتخصص المؤلفة الفصول اللاحقة لتحليل تاريخ الصعيد تحت سيطرة 5 إمبراطوريات متعاقبة، رسمية وغير رسمية، منذ القرن الـ16. ففي الفصل الأول، تستعرض “نظام الدولتين” الذي ظهر خلال بعض سنوات العصر العثماني، مع تركيز خاص على دور الأمير همام وعلاقته بالمماليك والسلطان العثماني. أما الفصل الثاني، فيتناول الاحتلال الفرنسي لمصر والصعيد على وجه الخصوص، مسلطا الضوء على الدمار البيئي والعلاقات المتوترة بين الفرنسيين وسكان الصعيد من قبائل وأقباط.

ويتناول الفصل الثالث سياسات محمد علي تجاه الصعيد، وظهور أشكال المقاومة، سواء عبر الانتفاضات الشعبية الكبرى مثل تلك التي حدثت في قنا عام 1820، أو من خلال عنف “مطاريد الجبل”. ويكشف الفصل الرابع النقاب عن الثورة الصعيدية الكبرى في قنا عام 1865 خلال حكم الخديوي إسماعيل، وهي حادثة لم تحظ بالاهتمام الكافي في الدراسات التاريخية، كما تقول الكاتبة.

أما الفصل الخامس، فيناقش الاحتلال البريطاني وتفاقم السخط الشعبي ضد سياساته، التي أدت إلى انتشار وباء الكوليرا في الصعيد. وتختتم المؤلفة الكتاب بخاتمة تربط بين الولايات المتحدة كآخر الإمبراطوريات “المتخيلة”، وحضورها الفاشل في الصعيد، معتبرة أن ذلك ساهم، إلى جانب عوامل أخرى، في إشعال شرارة ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، بحسب الكتاب.

دولة القبيلة والأمير همام

يحلل الفصل الأول الصعود الكبير للفاعل الاجتماعي الأبرز في الصعيد، وهو “القبيلة”. ودورها في تأسيس دولة حكم ذاتي بقيادة الأمير همام في القرن الـ18. وفي هذا الفصل، تستقصي أبو المجد استنادا لمجموعة واسعة من المصادر -لم يسبقها أحد إليها- طبيعة دولة الأمير همام، والأحلاف السياسية التي عقدها، وطبيعة علاقاتها مع العثمانيين.

ويُقدم الفصل صورة متعمقة لدولة الحكم الذاتي التي أسسها شيخ العرب الأمير همام، إحدى الشخصيات التي لم تنل حظها الكافي من الدراسة والبحث في التاريخ المصري، رغم الأثر البالغ الذي تركه. وظل الأمير همام مجهولا لفترة طويلة، على الرغم من أن تاريخه حافل بالأحداث والإنجازات التي يصعب تجاهلها.

وأسس الأمير همام نظاما أوليا لدولة “عادلة”، تمتع فيها الفلاحون بقدر من الرفاهية الاقتصادية، وحقق الأقباط فيها درجة عالية من المساواة، وخلصهم من بطش عسكر المماليك واستبدادهم. ويظهر التحليل أن الأمير همام استطاع بسط نفوذه على إقليم الصعيد بأكمله، وبنى شبكة تحالفات سياسية ذكية شملت السلطان العثماني في الأستانة.

ويُبرز المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي في “عجائب الآثار في التراجم والأخبار” تفاصيل دقيقة عن حياة شيخ العرب “عظيم بلاد الصعيد”، مسجلا أفعاله وتحالفاته، مثل تحالفه مع أمير الحج “الأمير الكبير صالح بك القاسمي”، وصراعاته مع طوائف المماليك المنافسة، وعلى رأسها علي بك الكبير. ولم يغفل الجبرتي جوانب أخرى من حياة الأمير همام، مثل دعمه للعلماء ورعايته لهم، حيث ذكر على سبيل المثال عنايته الخاصة بالشيخ علي بن صالح بن موسى المالكي، مفتي فرشوط (مدينة بقنا). كما وصف الأمير بأنه كان ملاذا للفقراء ووجهة للفضلاء والكبراء، مؤكدا على أخلاقه الكريمة وصفاته القيادية، بحسب المقدمة.

ولا تكتفي المؤلفة بقراءة ما كتبه الجبرتي، بل توسع نطاق تحليلها باستخدام مصادر حديثة، مثل مؤلف ليلى أحمد عبد اللطيف “الصعيد في عهد شيخ العرب همام” (1987)، الذي يُعد من الأعمال الرائدة حول هذه الشخصية. كما تعتمد على شهادات الرحالة الأجانب الذين قابلوا الأمير شخصيا، مثل جيمس بروس في كتابه “رحلات لاستكشاف منابع النيل”، وريتشارد بوكوك في مؤلفه “وصف بلاد الشرق وبلاد أخرى”. وتسلط هذه المصادر الضوء على النفوذ الاقتصادي والتجاري للأمير همام، مما يقدم صورة شاملة عن عصره ودوره في التاريخ المصري.

وحتى بعد سقوط دولة الهوارة، ظل حضور الأمير همام طاغيا في الذاكرة التاريخية. وعندما دخل الفرنسيون مصر، كما يناقش الفصل الثاني، كانت لديهم صورة راسخة عن هذا الرجل الأسطوري. وسجّل دومينيك فيفانت دينون، الرسام والنحات والكاتب الذي رافق حملة نابليون بونابرت إلى مصر، ملاحظاته عن الأمير همام في كتابه المرجعي “رحلة إلى مصر العليا (الصعيد) والسفلى (الدلتا)”.

وبعد انسحاب الفرنسيين من مصر عام 1801، حاول المعلم يعقوب، قائد “الفيلق القبطي” الذي حارب إلى جانب الفرنسيين، الترويج لفكرة استقلال مصر عن السلطنة العثمانية. ورغم أن يعقوب لم يتمكن من الوصول إلى أوروبا، حيث توفي على متن السفينة الإنجليزية “بالاس” أثناء مغادرته مصر، واصل مرافقه تيودور لاسكاريس المهمة. وأشار لاسكاريس إلى حكومة مستقلة “عادلة ووطنية” في القاهرة، مُشبّها إياها بحكومة الشيخ همام في الصعيد.

وفي ثلاثينيات القرن الـ19، جاء ذكر آخر لدولة همام من قبل رفاعة الطهطاوي، الذي استشهد بـ”الجمهورية الهمامية الالتزامية” كمثال مقرب لفهم النظام السياسي الجمهوري الفرنسي، في إشارة إلى العدالة التي كانت تتسم بها حكومة الأمير همام.

وشكلت دولة الأمير همام ذروة نهضة الصعيد التجارية والثقافية في العصور الوسطى. ويكمن سر صعود نظام الهوارة، منذ عصر المماليك وحتى العهد العثماني، في الموقع الجغرافي الإستراتيجي للصعيد. ولعبت مدينة قنا دورا بارزا في النظام الاقتصادي العالمي للمحيط الهندي، حيث ربطت طرق التجارة بين البحر الأحمر، شرق أفريقيا، وشبه الجزيرة العربية. وكانت موانئ مثل عيذاب والقصير بوابات للتجارة التي وصلت إلى مدن مثل قوص وإسنا.

ولكن أمراء المماليك لم يتركوا هذه الدولة على حالها. وأدى التآمر والخيانة إلى سقوط الحكم الذاتي للأمير همام. ويلخص المؤرخ الجبرتي هذه النهاية المؤسفة في جملة مؤثرة:

“زالت دولة شيخ العرب همام من بلاد الصعيد من ذلك التاريخ كأنها لم تكن”

 

أصول تهميش الصعيد

وشكلت نهاية دولة الأمير لحظة مفصلية في التاريخ الحديث للصعيد. فبعد انهيارها، دخل الصعيد في مرحلة طويلة من التهميش والإقصاء والقمع بلا حدود. وما الصورة التي رسمها الجبرتي مع إبراهيم باشا إلا نسخة للتعامل اللاحق مع الصعيد، تهميش يصاحبه القمع، ثم تهميش بأمر القانون والمؤسسات.

ويمكن القول بناء على قراءة الكتاب إن اللحظة التاريخية الممتدة لتهميش الصعيد تجد جذورها في أوائل القرن الـ19 من خلال سياسات دولة محمد علي وبناء الدولة القومية ومحاولة إدماج الصعيد بالقوة ليخدم الدولة القومية (محور الفصول الثالث والرابع والخامس).

ثم جاء “الباشا”

يستعرض الفصل الثالث العلاقة المعقدة بين دولة محمد علي باشا والصعيد، مسلطًا الضوء على التحديات التي واجهها الباشا في بسط سيطرته على المنطقة. ورغم صعود محمد علي إلى الحكم في القاهرة عام 1805، استغرقت حملته العسكرية سبع سنوات لإخضاع الصعيد، وهي المهمة التي أوكلها إلى ابنه إبراهيم باشا، الذي كان في العشرين من عمره آنذاك. كان الصعيد نقطة الانطلاق لمسيرة إبراهيم العسكرية، التي واصلت فتوحاتها في السودان والحجاز والشام.

تعامل محمد علي مع الصعيد باعتباره مستعمرة داخلية، مستنزفًا موارده لخدمة مشاريعه الطموحة. استعان بخبراء أجانب لتطوير مشروعات صناعية مثل التنقيب عن الفحم والكبريت، معتمدا على نظام السخرة الذي فرض على أهالي الصعيد. وزاد الأمر سوءًا باستيطان نخبة تركية في قنا، استحوذت على الأراضي الزراعية الكبرى، ما أدى إلى تفاقم التهميش واستغلال السكان المحليين.

لكن الصعيد لم يستسلم لهذه السياسات؛ فقد شهدت قنا احتجاجات شعبية، أبرزها ثورة الشيخ أحمد عام 1824 ضد حكم محمد علي، رغم أن هذه الحادثة نادرًا ما نالت اهتمام المؤرخين. ومع خلفاء الباشا، ازداد تهميش الصعيد نتيجة التحولات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، خاصة انهيار النظام التجاري للمحيط الهندي الذي كان الصعيد جزءًا حيويًا منه، وانتقال مركز الثقل الاقتصادي إلى أوروبا.

مع بروز بريطانيا كقوة إمبريالية غير رسمية، فرضت هيمنتها الاقتصادية على مصر دون احتلال مباشر، تحت ذريعة “التحديث” وسياسات السوق الحرة. أدت هذه السياسات إلى فتح الأسواق المصرية أمام السلع البريطانية، مما عمّق تبعية الاقتصاد المحلي. وتركزت الزراعة على محصول القطن طويل التيلة في الدلتا، على حساب بقية المحاصيل والمناطق، ما أسهم في تهميش الصعيد بشكل أكبر.

ساهمت هذه السياسات في ظهور طبقة زراعية ثرية من المصريين والأتراك، خاصة خلال إصلاحات سعيد باشا وإسماعيل باشا. ومع ذلك، زادت عُزلة الصعيد بسبب السكك الحديدية، التي صُممت لخدمة نقل القطن من الدلتا إلى موانئ البحر المتوسط، بينما بقي الصعيد محرومًا من هذه البنية التحتية حتى أواخر القرن التاسع عشر.

تخلص المؤلفة إلى أن هذه التحولات، التي يحتفى بها من قبل المؤرخين كإنجازات تنموية، كانت في الواقع أدوات لتكريس الفجوة بين الوجه البحري والصعيد، مما جعل الأخير مهمشًا في السياسات الاقتصادية للدولة.

 

عصر الخديوي إسماعيل

وتُبرز المؤلفة كيف لعبت إصلاحات الخديوي إسماعيل القانونية دورا محوريا في تعميق تهميش الصعيد سياسيا. فمنذ تشكيل مجلس شورى النواب عام 1866، هيمن كبار ملاك الأراضي الزراعية في الدلتا على تركيبته، مما منح الشمال ميزة إضافية في فرض رؤيته على الأجندة التشريعية. ومن خلال مسح شامل لأعضاء البرلمان ومضابط جلساته، ترصد أبو المجد كيف كان القطن حاضرا دائما في المناقشات، بينما تجاهل البرلمان احتياجات الصعيد. وجاء تطوير شبكات السكك الحديد نموذجا آخر لهذا التجاهل، حيث توسعت الشبكات في الدلتا والإسكندرية لنقل القطن إلى الموانئ، في حين ظل الصعيد محروما من هذه التقنيات الحديثة لسنوات طويلة، مما عزز عزلته عن الدولة المركزية، وجعله يبدو وكأنه “مكان بعيد لا ينتمي للعالم الآخر”.

وتقدم المؤلفة مقارنة بين حادثتين عكستا عمق التهميش الذي عانى منه الصعيد. ففي الوباء الأول للكوليرا خلال عهد محمد علي (1831-1846)، نجا الصعيد، بل استقبل سكان العاصمة الهاربين من المرض. أما في الوباء الثاني أواخر القرن الـ19، فقد انتشر المرض في الصعيد، وأدى إلى فناء قرى بأكملها، بسبب انشغال “الإمبراطورية غير الرسمية” بعملها في الشمال وتجاهلها للجنوب.

لكن الصعيد، رغم معاناته الطويلة، لم يقف مكتوف الأيدي. ودفعت سياسات التهميش أهله إلى التمرد، حيث أشعلت احتجاجات الفلاحين على سلب أراضيهم، ورفض العمال لنظام السخرة، وكفاح النساء للحفاظ على حيازاتهن الزراعية، جذوة العصيان. وفي هذا السياق، تبرز الثورة الكبرى التي قادها الشيخ أحمد الطيب عام 1865، حيث نجح في حشد آلاف الفلاحين ضد حكم إسماعيل باشا، كنموذج بارز للمقاومة الشعبية.

ويلقي الكتاب الضوء على نمط آخر من العصيان، تمثل في الجرائم ذات الطابع السياسي. وتتناول المؤلفة قضايا العصابات التي تحدت الحكومة وهددت الأمن، سواء من خلال استهداف الأجانب أو مواجهة موظفي البيروقراطية والنخبة المحلية. وعلى مدار 5 قرون، سجلت الوثائق الرسمية حضور هذه العصابات التي عُرفت بأسماء متعددة، مثل “الفلاتية”، و”الأشقياء”، و”مطاريد الجبل”، والتي أضفت طابعا متواصلا من التمرد في الصعيد.

وما يميز الكتاب هو اعتماده على وحدة التحليل “الإمبراطورية” لفهم تاريخ الصعيد خلال القرون الأخيرة. من خلال تناول الحوادث التي لم تحظ بتغطية كافية، يعيد الكتاب قراءة تاريخ الصعيد بوصفه جزءا مهمشا من المشروع الوطني. ورغم ذلك، لا يدّعي الكتاب وجود “هوية صعيدية” متمايزة تماما عن بقية مصر. القضية المركزية هي الكشف عن الأصول التاريخية لتهميش الصعيد، ومحاولة الإجابة عن أسئلة محورية: لماذا يُعد الصعيد أفقر بقاع مصر؟ لماذا لم ينمُ بالتوازي مع القاهرة والدلتا؟ ولماذا تحمل الصعيد العبء الأكبر لبناء الدولة القومية المصرية منذ عهد محمد علي باشا؟

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version