منذ الدقائق الأولى التي أعلن فيها سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، سارع عدد كبير من نجوم الدراما السورية إلى تغيير مواقفهم بطريقة جذرية وبشكل مباشر دون أي توطئة مسبقة!

الانحرافات الحادة في وجهات النظر السياسية لم يمهّد لها أحد حتى خلال معركة “ردع العدوان” التي أطاحت بنظام الأسد في 11 يومًا، إنما انتظر كل هؤلاء حتى تحررت دمشق من سلطة البعث، وانهالت تصريحاتهم على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم تبعتها سلسلة اللقاءات الإعلامية.

أول هؤلاء كان الممثل أيمن زيدان الذي كتب على صفحته بفيسبوك عقب تحرير دمشق “أقولها بالفم الملآن، كم كنت واهمًا… ربما كنا أسرى لثقافة الخوف.. أو ربما خشينا من التغيير لأننا كنا نتصور أن ذلك سيقود إلى الدم والفوضى… لكن ها نحن ندخل مرحلة جديدة برجال أدهشنا نبلهم في نشر ثقافة التسامح والرغبة في إعادة لحمة الشعب السوري. شكرًا لأنني أحس أنني شيّعت خوفي وأوهامي، بشجاعة أعتذر مما كنت أراه وأفكر فيه”.

تلاه مجموعة كبيرة من النجوم، على رأسهم الممثل الكوميدي دريد لحّام الذي برر سكوته سابقًا بسبب الخوف، وتذرع بأنه لو حكى “كنا انتشلنا عظامه من سجن صيدنايا”، ورأى أن موقفه كان واضحًا في أعماله الفنية المسرحية منها على وجه الخصوص.

أما الممثلة سلاف فواخرجي فعبرت عن موقفها ورأيها بطريقة ذكية إلى حد كبير، كونها لم تتنكر للمواقف السابقة، ومع ذلك قوبلت بحملات نقدية لاذعة من رواد شبكات التواصل الاجتماعي.

كذلك الحال مع الممثلة سوزان نجم الدين التي أطلّت عبر التلفاز بفستان أخضر كنوع من الغزل المفترض بعلم الثورة السورية، وقالت إنها لم تكن تعرف بكل هذا الظلم الذي يقع على عاتق شعبها خاصة على معتقلي الرأي والسجناء السياسيين. ثم جربت عبثًا أن تبكي دون جدوى! الأمر الذي جعل أغلب المتابعين ينتقدونها بقسوة.

استمرّت الحالة حتى وصلت سريعًا إلى المخرج سيف الدين السبيعي الذي دخل موجة من التصريحات، بعضها كان خلال فيديوهات متلاحقة على حسابه الخاص بموقع إنستغرام، توجه فيها بسلسلة شتائم طالت الرئيس المخلوع بشار الأسد الذي عرف عن مخرج “الحصرم الشامي” موالاته له.

ثم بعد أن جاءته الردود الحاسمة على لسان عدد كبير من متابعيه، قرر أن يحوّل ظهوره إلى لقاءات إعلامية قال فيها إن خلافه مع شقيقه الراحل عامر سبيعي كان عائليا وليس سياسيا، بالإضافة إلى اتهامه المخرجة رشا شربتجي لامتناعها عن إكمال إخراج مسلسل “الولادة من الخاصرة 3” بسبب زواجها آنذاك من ضابط سابق، وأن النص “كتبه سامر رضوان في أقبية المخابرات” فنشب ما يشبه المعركة الافتراضية تراشق فيها الطرفان الانتقادات لكن ظلّت تغلب على سبيعي لغة الشتائم!

الحالة ذاتها انسحبت على المشهد العام، تزامن معها إطلاق مصطلح “التكويع” على كلّ فنان غيّر موقفه لمصلحة الثورة السورية، الكلمة التي تسيّدت المشهد الافتراضي السوري خلال الشهر الماضي، حتى قيل إن الإدارة الجديدة حذّرت من تناول الأشخاص الذين كانوا موالين للسلطة السابقة كنوع من التطبيق الفعلي لتصريح قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع بأن الثورة انتقلت إلى منطق الدولة.

مع ذلك، لم يجد القرار آذانًا صاغية لدى بعض فئات الشارع السوري، وظلّ المصطلح رائجًا بوفرة!

أجريت جولة على عيّنة من الشارع السوري لاستطلاع آراء مجموعة من الجمهور حول هذا الموضوع مع الأخذ بالاعتبار التباين في مهنهم وتوجهاتهم. لقاؤنا الأول كان مع الممثل الشاب وئام إسماعيل الذي قال إن “هناك شريحة كبيرة من الناس، وليس فقط الفنانين، كانوا يتبعون مصالحهم. كما أن البعض غيّر مواقفه خوفًا من المصير الذي قد يواجهه، خاصة إذا كان من المؤيدين المتشددين للنظام السابق. هؤلاء أشخاص لا يملكون مبدأ من الأساس. نحن لا نمتلك وعيا سياسيا حقيقيا، فأصبح الإعلام مصدر الوعي الوحيد لكثيرين في سوريا”.

أما المغني الشاب محمود حداد فيجد في الحالة ترجمة فعلية لجزء من الحقيقة ويقول إن “مصطلح التكويع يليق بهؤلاء لأنهم فنانون ومؤثرون، فيفترض أن يعارضوا الخطأ، وهم مدينون بشهرتهم للناس الذين يتوقّعون منهم التعبير عن أوجاعهم، أو على الأقل ليكن الصمت حلًّا في أضعف الإيمان”.

ويضيف “لا بأس في تغيير الرأي، لكن النفاق والتمثيل مرفوضان لأن الجمهور قادر على كشف الحقيقة. هناك فرق بين أن تكون فنانًا أو (فتّانًا). النقد اليوم أصبح ممكنًا للجميع بفضل الحرية المكتسبة، لكن يجب أن يكون الحديث موضوعيا، لا أن يناقض مواقف سابقة تجاه الناس وقضاياهم”.

كذلك يقول علي رضا الذي يعمل مدير ترويج “شهدت الساحة الفنية في السنوات الأخيرة بروز شخصيات دعمت النظام السابق، مثل الممثل مصطفى الخاني الذي أثارت منشوراته وصوره مع المخلوع بشار الأسد استياء كثيرين. ورغم نجوميتهم، أثبت هؤلاء انفصالهم عن معاناة الشعب السوري، مما يبرر الدعوة لاتخاذ إجراءات حازمة كطردهم من النقابة”.

ويستدرك “في المقابل، يستحق الفنانون الذين وقفوا بجانب الشعب، مثل عبد الحكيم قطيفان وجهاد عبده ويارا صبري، التكريم لتضحياتهم ومواقفهم الصامدة رغم التحديات. أما المؤيدون للنظام فينبغي أن يقدموا اعتذارًا صادقًا للشعب وزملائهم المعارضين، كخطوة لاستعادة الحد الأدنى من الثقة المفقودة”.

من جانبه، ينسجم رأي المراسل الصحفي مهدي العثمان مع الرأي السابق ويدعو الفنانين “المكوّعين” -على حد قوله- إلى الاعتذار، “فأغلبهم كانوا واجهات ثقافية، لكن دعمهم للنظام السابق وأساليبهم الانتهازية جعلتهم يسقطون من أعيننا. هم بلا مبدأ، غيّروا مواقفهم لتجنب المساءلة، دون ترك مجال للعودة أو الاعتراف بالخطأ. من موقعهم كمؤثرين، ندعوهم للصمت والاعتذار بصدق، لأن الاعتراف بالاقتراف سمة الأشراف، وهو ما فشلوا في تحقيقه”.

بدوره، ربما يبالغ فني المونتاج مؤيد جانودي في رأيه عندما يدعو “المكوّعين المجرمين” للرحيل عن سوريا، “فبعضهم أجبروا على التطبيل لقضاء حاجاتهم، لكن آخرين بالغوا في تأييد النظام وتجميله على حساب الحقيقة، ولا مكان لهؤلاء في سوريا. يجب أن يعتذروا للشعب، وإن تلطّخت أيديهم بالدماء فالمحاسبة واجبة. السوريون يميزون بين المخلصين والمعارضين الحقيقيين، ومن أخطأ وصمت فليبتعد أو يرحل”.

لكنّ للموظف المتقاعد عمر عارف موقفا أشّد ضراوة يجد له مبررات وافية ويفصح عنه بالقول “لقد تعرضت لظلم وتحجيم كبير لأن ابني كان أحد المقاتلين في الجيش الحر، وبعد أن استشهد بدؤوا بملاحقتي وسجني لأكثر من مرة وتعرضت للتعذيب من النظام المخلوع، وكله بسبب المخبرين المدنيين في حي الميدان الذي أسكن فيه. هذه النوعية من المكوّعين لن أغفر لهم وأسامحهم هم ومن تلطخت يدهم بالدماء”.

ويصل الموقف إلى ذروة الغضب عند محمد سمير، صاحب محل أعشاب في العاصمة دمشق، إذ يرفض وصف هؤلاء الفنانين “بالمكوعين” ويذهب أبعد من ذلك، والسبب من وجهة نظره أن “كل من تلطخت يده بالدم وكان يعمل مع النظام السابق لا تليق به كلمة مكوّع، فقط إنما المناسب تسميته بالمذنب ولا مجال لمسامحته أبدًا.  لكن هناك من وقف مع النظام لمصالح شخصية دون أذية أحد، ومنهم من كان مجبرًا لعدم خسارة وظيفته وهؤلاء لا يمكن تحميلهم أكثر من ذنبهم ذاك”.

في السياق ذاته، يرفض خالد عبد الستار خطاب المسامحة ويقول “يجب محاسبة المكوعين كلهم، لا أعني نجوم الوسط الفني بل بشكل عام، لأننا تعرضنا بسببهم للعديد من الانتهاكات وقام بعضهم بكتابة تقارير مخابراتية كاذبة عنا وتعرضنا للظلم بسببهم. فكيف نسامح من لم يرحمنا؟”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version