توفي اليوم الخميس عن 89 عاما الشاعر اللبناني شوقي أبي شقرا، الذي كان من رواد الشعر السريّالي في لبنان ومن أوائل من كتب قصيدة النثر العربية.

وكتب صديقه الشاعر عقل العويط، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي اليوم، “وقع الشاعر الكبير شوقي أبي شقرا من البرج. الشعر في حزن عميم”.

في بداياته كتب قصائد عمودية بالفرنسية، وسرعان ما انتقل إلى كتابة قصائد التفعيلة، قبل أن ينتقل إلى قصيدة النثر في ديوانه الثالث “ماء إلى حصان العائلة”.

وتطبع أجواء الريف قصائده، إذ يستوحي مشاهده الشعرية من النبتات والأزهار والحيوانات الأليفة. وحاز ديوانه “حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة” جائزة مجلة “شعر” في العام 1962.

وأسس “أبي شقرا” أول صفحة ثقافية يومية في الصحافة اللبنانية، وتسلّم منذ 1964 وطوال 35 عاما إدارة الصفحة الثقافية في صحيفة “النهار”. وكتب مقالات نقدية في المسرح والأدب والفن التشكيلي.

وبقي أبي شقرا حتى آخر أيامه منهمكا في الكتابة والنقد، وصدر له أخيرا “سائق الأمس ينزل من العربة”.

أطلق الشاعر محمد الماغوط على شوقي أبي شقرا لقب “المرشد الجمالي واللغوي لجماعة شعر”، ومع ذلك تحدث أبي شقرا بتواضع عن تجربته الطويلة سواء في الشعر أو في الصحافة، ويعترف بأنه غير راض عن المصير الذي آلت إليه قصيدة النثر وخاصة في الفترة الأخيرة.

ويقول عن ذلك “هناك خلط يشوب الكثير من نتاج الأجيال الجديدة حول مفهومها للشعر خاصة والكتابة عامة، حيث تكبو كتابات اللاحقين في المفاهيم، كما تكبو في أساليب التعبير”.

وربما يحصل ذلك -حسب أبي شقرا- لأن النهضات التجديدية غالبا ما تعقبها حالة استرخاء، ويحل التقليد محل الإبداع، ولكن ذلك لا يمنع من ضرورة استنهاض النقد ليعود إلى الاضطلاع بدور الحارس والمعلم والمقيّم.

شاعر السيريالية الريفية

يعد شوقي أبي شقرا أحد أهم رواد قصيدة النثر، ومن أبرز أركان مجلة “شعر” التي جمعت أنسي الحاج ومحمد الماغوط وأدونيس ويوسف الخال.

ترجم نصوصا شعرية لشعراء كبار أمثال رامبو وريفيردي وأبولينير ولوتريامون. ورغم الحداثة التي تميزت بها مجلة شعر، فإن شعر أبي شقرا بقي محافظا على نكهته المحلية، حتى إنه لقِّب بشاعر السيريالية الريفية.

بدأ بكتابة قصائد التفعيلة، ثم ما لبث أن تحرر منها معتمدا قصيدة النثر في ديوانه الثالث “ماء إلى حصان العائلة” (1962) الذي حصل بفضله على جائزة مجلة شعر. لكن رغم تحرر شعر أبي شقرا من الأوزان والقافية، فإن رائحة الجبل والطبيعة والريف اللبناني بقيت حاضرة في قصائده.

بيد أن مفردات الجبل عند أبي شقرا انزاحت عن مسارها التقليدي لتلحق بنبرة سريالية، كما تمتزج في قصائده الفكاهة مع تقنيات الخيال الكبيرة.

شوقي أبي شقرا من مواليد بيروت 1935، لكنه قضى طفولته في مزرعة الشوف ورشميّا حيث كان والده موظفا في سلك الدرك. من هناك يأتي تأثر شعره بالطبيعة لأن طفولته كانت حافلة بمشاهدها وإيحاءاتها.

ومن الأحزان التي صادفها أبي شقرا في حياته فقدان والده في حادث سيارة وهو لا يزال في سن العاشرة، لكنه وجد في الشعر مؤنسا لوحدته، فبدأت تظهر موهبته في الكتابة في مدرسة “الحكمة” وكان متفوقا في الإنشاء. ويقول “الكتابة ساعدتني للخروج من عزلتي”.

أغنى شوقي أبي شقرا موهبته بقراءاته المتعددة من روايات وشعر لكتاب فرنسيين وعرب، وكان يتردد كثيرا إلى مكتبة المدرسة وإلى المكتبات العامة من أجل المطالعة. وبدأ بنشر أولى قصائده في مجلة “الحكمة” بعد إنهائه البكالوريا عام 1952، ونال تشجيعا وإعجابا من مسؤول المجلة آنذاك فؤاد كنعان.

شاعر مثابر

ومن جملة الحركات الشعرية والثقافية التي شهدتها خمسينيات القرن الماضي، تأسيس شوقي أبي شقرا “حلقة الثريا” مع ثلاثة من أصدقائه هم: إدمون رزقق، وجورج غانم، وميشال نعمة.

عمل أبي شقرا سكرتيرا لتحرير مجلة “شعر”، كما عمل مع أنسي الحاج في المحلق الثقافي. ثم اقترح على إدارة جريدة النهار مشروع إنشاء صفحة مخصصة للأحداث الثقافية. وبذلك يكون قد أنشأ أول صفحة ثقافية في الصحافة في لبنان. ويرى “أبي شقرا” أن تجربته كانت جميلة ومرهقة في الوقت نفسه، حيث عمل محررا ومعنونا للمواد.

من دواوينه التي استُقبلت بحفاوة من قبل النقاد والشعراء ديوان “حيرتي جالسة تفاحة على الطاولة”. ومن دواوينه الأخرى “سنجاب يقع من البرج” 1971، و”يتبع الساحر ويكسر السنابل راكضًا” 1979، “لا تأخذ تاج فتى الهيكل” 1992، و”صلاة الاشتياق على سرير الوحدة” 1995، و”ثياب سهرة الواحة والعشبة” 1998، و”سائق الأمس ينزل من العربة” 2000 وغيرها.

ومنذ العام 2008، عاد شوقي أبي شقرا إلى الكتابة الصحافية من خلال زاوية شهرية في جريدة الغاوون البيروتية. يشعر أبي شقرا أن تجربته لم تأخذ حقها الكامل، لكنه رغم ذلك بقي الشاعر المثابر على الكتابة وقد عرّج على النثر، حيث عكف على كتابة مذكراته.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version