لفترة طويلة كان فلاديسلاف سوركوف بمثابة المستشار ورجل الظل خلف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حيث كان يمارس سلطاته وراء الكواليس، ويعرف سوركوف بأنه مساعد موهوب والعقل المدبر للأحداث الجيوسياسية، حتى أن البعض وصفه بـ “راسبوتين بوتين” لكن لقبه الأشهر كان “ساحر الكرملين”.
ويرجع إلى فلاديسلاف سوركوف الذي يعد المنظر الرئيسي “للبوتينية” اختراع هجين السياسة والحرب، الذي أصبح السمة الرئيسية لأسلوب حكم بوتين. وكان سوركوف في السابق مهندس سياسة روسيا بشأن أوكرانيا. ومع ذلك، خلال عام 2020، تم فصله بصورة مفاجئة من منصبه كمستشار رئاسي واختفى بعدها من المشهد السياسي، مثيرا موجة كبيرة من التساؤلات.
والآن تشهد هذه الشخصية التي ربما تعتبر الأكثر إبهارا في عالم بوتين تجسيدا لها من خلال شخصية فاديم بارانوف في رواية “ساحر الكرملين” للكاتب والصحفي والسياسي الإيطالي-السويسري جوليانو دا إمبولي، الذي لم يكن روائيا في الأصل.
ويفيد النص التعريفي للترجمة العربية للرواية -التي صدرت حديثا عن المركز الثقافي العربي- بأن الرواية تغرق قراءها في قلب قصة القوة الروسية “حيث كل شيء يجري بشكل جيد، لكن عندما تسوء الأمور، فإنها تسوء بشكل كبير حقا”، وتصف المقدمة موسكو بأنها “أجمل عاصمة إمبريالية كبرى وأشدها حزنا” حيث الناس “مغمورون دائما بالضوء. ليس لأحد ما يخفيه عن الآخرين. لا يوجد مقهى يمكن التعليق فيه على الصحف. أما الأخبار فتتغير دائما بحسب المعلّق خافت الصوت”.
ولكن “مهما كانت هذه الإمبراطورية واسعة، هي ليست سوى سجن كبير، والإمبراطور الذي يملك المفاتيح هو الحارس. لكن الحراس لا يعيشون أحسن كثيرا من السجناء. الروس يملكون من الكياسة أقل بكثير مما يعتقدون أن لديهم منها”.
تحليل للبوتينية
ويتناول الكاتب في ثنايا الرواية مشاهد تاريخية للتدخل الروسي مثل قصف غروزني الشيشانية وقصف حلب السورية بأسلحة وحشية، وتناقش الرواية أيضا بعض جوانب التعاسة في الحياة داخل روسيا المعاصرة.
وجاء في الرواية التي كتبت قبل الحرب في أوكرانيا “ولدت إمبراطورية القيصر من رحم الحرب، وكان من الطبيعي أن تعود في النهاية للحرب”. ويشار في الرواية لبوتين على أنه القيصر، السياسي الذي يستكمل التقاليد الإمبراطورية الروسية.
وتعد رواية “ساحر الكرملين” أول عمل قصصي لدا إمبولي، وهو عالم في مجال السياسة، وكان يشغل منصب مستشار رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماتيو رينزي، كما أنه يترأس مركز أبحاث مواليا لأوروبا.
ولا يرى دا إمبولي نفسه كمتخصص في الشأن الروسي، ولكن كمحلل لهيكل السلطة. وخلال شخصية بارانوف، أوجد دا إمبولي شخصية تخيلية ومعقدة لمفكر ساخر، ساعدته مهارته وحظه في تخطي أعوام ما بعد السوفيات الفوضوية لينضم إلى الدائرة المقربة من بوتين.
تحولات البوتينية
وبالنسبة للقراء العرب، فإن الرواية تثقيفية وتروي بصورة ممتعة رحلة عبر تاريخ روسيا على مدار الـ30 عاما الماضية. تظهر شخصيات تاريخية مختلفة تتضمن رفقاء في الجيش وخصوما لبوتين مثل بوريس بيريزوفسكي و ميخائيل خودوركوفسكي، اللذين تم الإطاحة بهما مثل قطع الشطرنج.
ويتشابك مصيرهما في الرواية بمصير بارانوف. مع ذلك، يختفيان من القصة بمجرد أن يتقدما في مسيرتهما. وتضم الرواية بعض المشاهد المكتوبة بصورة جميلة. ويصف الكاتب في الرواية سقوط بوريس يلتسن (أول رئيس لروسيا بعد انهيار الإتحاد السوفياتي) بطريقة ساخرة في مواجهة مع الرئيس الأميركي حين ذاك بيل كلينتون.
ويوثق مشهد تاريخي آخر في الرواية تحول بوتين البارد، وهى اللحظة التي يواجه فيها المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، التي تُعرف بخوفها من الكلاب الكبيرة، بكلبه لابرادور. وجاء في الرواية “هذه هي اللحظة التي يقرر فيها القيصر خلع قفازيه وبدء لعب اللعبة التي تعلمها في لينينغراد”.
ومن المثير للسخرية، بعد مغادرة بارانوف، يبقى كلب لابرادور المستشار الوحيد للرئيس “الذي يثق فيه بوتين بصورة كاملة”. ولا تعد فكرة دا إمبولي في الخوض في عالم وأفكار شخصية قوية من خلال شخصية مستشار مبتكرة، لكن تطبيقها على حالة الرئيس الروسي ربما تكون جديدة نوعا ما.
يذكر أن كتاب “ساحر الكرملين” كان خامس أكثر الكتب مبيعًا في فرنسا في عام 2022. وحصل على جائزة من الأكاديمية الفرنسية. وحظيت الرواية بالإشادة من عدد كبير من السياسيين والدبلوماسيين.