وصل قطار الأنفاق متأخرا 20 عاما إلى مدينة سلانيك التاريخية، ثاني أكبر مركز اقتصادي، صناعي، تجاري وسياسي في اليونان إذ إن تدشين المترو أخيرا يأتي بعد عقدين على بدء العمل لإنشائه. وهو مشروع تأخر بشكل كبير بسبب الاكتشافات الأثرية المهمة التي تم العثور عليها، والتي تشهد على التاريخ الطويل لهذه المنطقة، بدءا من الفترة الهلنستية وصولًا إلى الإمبراطوريتين الرومانية والبيزنطية.
حضر هذا التدشين وزير النقل اليوناني “خريستوس ستيكوراس”، الذي قال أثناء تجربة قيادة المترو: “بعد سنوات كثيرة، نسلّم المواطنين خط مترو سلانيك الرئيسي”.
وأقرّ الوزير بأن المترو هو مشروع طال انتظاره، رغم أنه واجه عقبات وصعوبات عدة. إذ كان يفترض أن ينتهي العمل بالمشروع عام 2012 بعدما تقرر عام 2003. لكن الشركات المشاركة في المشروع أعلنت إفلاسها خلال الأزمة المالية التي شهدتها اليونان. كما كانت إدارة الآثار المكتشفة أثناء الحفريات محور دعاوى عدة أمام المحاكم، مما أدى إلى تعطيل العمل فترات طويلة.
ويتوقع أن ينقل خط المترو الآلي الذي وفره الفرع الإيطالي لشركة “هيتاشي” اليابانية لسكك الحديد نحو 250 ألف راكب يوميا في هذه المدينة الواقعة في شمال اليونان والتي يزيد عدد سكانها عن مليون نسمة.
وتبلغ الكلفة الإجمالية لهذا الخط، بالإضافة إلى امتداده الذي لا يزال قيد الإنشاء إلى الشرق من المدينة، نحو 3.2 مليارات دولار. وهذا المترو هو الثاني الذي يقام في اليونان بعد مترو أثينا عام 2000، وتتولى تشغيله وصيانته شركة “ثيما” التي تضم شركة “إيه تي إم” الإيطالية (شركة النقل العام في ميلانو) وشركة “إيجيس” الفرنسية للهندسة. وأقيم الخط الأول البالغ طوله 9.6 كيلومترات على الطريق الرومانية القديمة التي كانت تعبر المدينة في الماضي والتي اكتُشفت عليها آثار.
أكبر عملية تنقيب في اليونان
اكتُشِفَت “كنوز” أثناء عمليات الحفر والبناء، وهي عبارة عن 50 ألف قطعة نقدية وساحتين من الرخام ونافورة بارتفاع 15 مترا وكنيسة من القرون الأولى. كذلك عُثِر على تيجان ومجوهرات ذهبية في أكثر من 5 آلاف قبر، لدرجة أن وزارة الثقافة اليونانية رأت أن بناء هذا المترو هو أكبر عملية تنقيب إنقاذية تنفّذ على الإطلاق في اليونان.
وفي بعض المحطات، ستعرض وراء واجهات زجاجية مجموعة مختارة من 300 ألف قطعة اكتُشِفت أثناء الأشغال. أما في محطة آيا صوفيا، فسوف تُعرض طبقات من شظايا القطع الأثرية من العصر الهلنستي إلى العصر الحديث.
بلغت كلفة استخراج الآثار نحو 215 مليون دولار، وأعيد بعضها لاحقا لدمجها في المحطات الجديدة. وقال نائب مدير شركة “مترو إلينيكو” العامة التي طورت وسيلة النقل العام هذه، نيكوس دينيس: “هذا الجدار يمكن أن يسرد فترة تاريخ سلانيك بأكملها”.
فسلانيك التي نشأت في القرن الرابع قبل الميلاد وسميت على اسم الأخت غير الشقيقة للإسكندر المقدوني، كانت مركزا مهما للإمبراطورية الرومانية قبل أن تصبح المدينة الثانية في الإمبراطورية البيزنطية بعد القسطنطينية. وواصلت المدينة النمو في ظل الإمبراطورية العثمانية التي حكمتها ما بين عامي 1867 إلى عام 1913 وكانت مكونة من 4 سناجق.
ولا يخلو المشروع من بعض الانتقادات؛ إذ رغم الترحيب به، فإن هذا المترو يثير بعض المخاوف لدى السكان الذين تأثر عدد كبير منهم بالأشغال الطويلة في مدينتهم. فقد قالت أناستاسيا بوليخرونيدو (36 عاما)، وهي موظفة في متجر: “بعد سنوات، أغلقت متاجر عدة أبوابها على طول شارع إغناتيا الرئيسي، وانخفضت الحركة التجارية بسبب مواقع البناء”.
وأضافت “كلما كنا نسمع عن موعد جديد متوقع لإنجاز المشروع، لم نكن نصدقه (…) فقد أصبح هذا المشروع مزحة في المدينة!”.
جدير بالذكر أنه يجري العمل حاليا على تمديد مترو الأنفاق إلى مطار مقدونيا، وهو الثالث في اليونان، ويقع على مسافة 13 كيلومترا من وسط المدينة، لكنه لن يُفتتح قبل سنة 2040.