هل مللت الابتسام والتظاهر بأن كل شيء على ما يرام؟ وهل صرت تعجز عن السيطرة على نوبات غضبك المتكررة التي تنتابك عند كل إحباط بسبب صعوبات الحياة التي لا تنتهي؟ قد تشعر ببعض الطمأنينة إذا علمت أنك لست وحدك، إذ إن أبطال مسلسل “غضب على الطريق” (Beef) يشاركونك الشعور ذاته.

مسلسل “غضب على الطريق” ، أحد أفضل الأعمال الدرامية التي طُرحت هذا العام، والذي ننصحك بمشاهدته إذا أردت أن ترى ما يمكن أن تؤول إليه الأمور حين يستسلم الفرد للقرارات المصيرية المتهوّرة التي تجول في رأسه.

المسلسل الأميركي مكون من 10 حلقات، وهو كوميديا سوداء من أعمال “نتفليكس” الأصلية، صدر في أبريل/نيسان الماضي، تأليف وإخراج الكوري لي سونغ جين، وبطولة ستيفن يون وآلي وونغ في دور داني شو وإيمي لو على التوالي.

تُبنى قصة العمل بأكملها على مصادفة تقلب حياة الأبطال تماما، بسبب لقاء مصيري وغير متوقّع بين رجل وامرأة وضعهما القدر على موعد مع ألد أعدائهما، ما غيّر حياتهما نحو الأسوأ.

لعبة القط والفأر

تبدأ أحداث المسلسل في أحد المراكز التجارية الكبرى حيث يظهر داني، وهو مقاول كوري يحاول شق حياته المهنية بصعوبة، لكن الحياة تُمنيه بالفشل والخيبة مرة تلو أخرى على الرغم من إصراره ومثابرته. وللأسف لا سبيل لديه إلى الاستسلام، فهو مسؤول عن والديه ويسعى إلى إعادتهما من كوريا إلى أميركا، وشقيقه الكسول الذي يعرقله عن النمو والتطوّر.

وهناك يحاول داني إرجاع بعض السلع الاستهلاكية، غير أن عدم عثوره على فاتورة الشراء يَحول دون إتمام مهمته، فيخرج غاضبا ومنكسرا، فيلتقي إيمي، سيدة أعمال صينية طموحة وعصامية، صاحبة مشروع يعنى بالنباتات تحاول تسويقه وبيعه مقابل ملايين الدولارات، وفي الوقت ذاته زوجة وأم تشعر بالإنهاك الشديد بسبب الكَدّ المتواصل لسنوات من دون استراحة أو تقدير.

يتقاطع طريق الاثنين بالصدفة، وخلال لحظة شديدة التوتر في ساحة انتظار السيارات، يصُب الاثنان غضبهما الدفين على بعضهما بعضا. لكن إيمي تكون لها الكلمة الأخيرة، فيقرر داني العثور على تلك المرأة البغيضة التي هزمته للانتقام، وهو ما يأخذنا على مدار الحلقات في معارك متتالية بينهما وسلسلة من محاولات الأخذ بالثأر، تماما كالقط والفأر.

الأكثر مشاهدة على “نتفليكس”

بمجرد عرضه، احتل المسلسل المرتبة الأولى ضمن الأعمال الأكثر مشاهدة على “نتفليكس”، وهو ما أرجعه الجمهور والنقاد إلى الأداء التمثيلي الجيد من أبطاله، سواء آلي وونغ التي وصف النقاد أداءها هنا بالأفضل خلال مسيرتها الفنية، مؤكدين أنه لن يلبث أن يفتح أمامها عشرات الأبواب للتعاون مع كبار النجوم أو ستيفن يون، البطل الآخر.

وكان يون ترشّح سابقا لجائزة أوسكار أفضل ممثل عن دوره في فيلم “ميناري” (Minari) عام 2021، والمصنّف ضمن أفضل ممثلي جيله وأحسنهم اختيارا للأدوار التي يلعبها، إذ عادة ما يغرّد خارج السرب ويبتعد عن الأدوار النمطية.

كما أثنى النقاد على الإخراج والكادرات، على الرغم من أن المسلسل هو العمل الإخراجي الأول لصاحبه، لكن السبب الأهم والأكبر للنجاح، كان من دون شك السيناريو المخيف والمُثير للقلق، الذي نستكشف من خلاله كيف يمكن للغضب أن يسيطر على صاحبه ويذهب به إلى حد التفرّغ لإيذاء الآخر، حتى وإن كان ذلك سيجعله يخسر أقرب الناس إليه، كما لو أن مشاعر الكره كافية وحدها لإبقاء الإنسان على قيد الحياة.

الجانب الخفي من حياة الأميركيين الآسيويين

لم تكن تلك المميزات الوحيدة للعمل الذي اتسم بالذكاء والمعاصرة أيضا، إذ نجح المؤلف في ربط الغضب بين الأبطال بأشياء أثَّرت في قطاع كبير من الجمهور، مثل الوباء والأزمة الاقتصادية، والشعور بالوحدة والاغتراب والصراعات الطبقية الناتجة عن اختلاف الثقافات.

وشكّل اختيار جميع الشخصيات الرئيسة في المسلسل من الآسيويين حجرا أساسيا في العمل. وهذا ما أكدته ميشيل تشو، الأستاذة المساعدة في دراسات شرق آسيا بجامعة تورنتو، والمتخصصة في الأفلام الكورية والإعلام والثقافة الشعبية، مُشيرة إلى أن المسلسل يستعرض جانبا واقعيا ومخفيا من حياة النساء الأميركيات الآسيويات.

وترى تشو أن المسلسل يسلط الضوء على الفارق الشاسع بين الغضب الأنثوي الدفين الحقيقي وأسلوب العيش السطحي الذي تفرضه القيود المجتمعية الأميركية، تلك التي تُحتّم على الأقليات، خصوصا من النساء، الانقياد وإظهار الهدوء الدائم ولو ادعاء، وإلا تم نبذهم أو اتهامهم بالجنون.

ومن مميزات العمل أيضا، تركيز صانعيه على إظهار تأثير طفولة الأبطال وماضيهم على سلوكهم، وصراعهم الدائم والقاسي بين ما يحملونه من ندبات بسبب نشأتهم في أسر مفكّكة أو غير سوية ورغبتهم في الترفّع عن عيوبهم ومحاولاتهم المستميتة لعدم تمريرها إلى الأجيال الجديدة.

هل ننتظر موسما ثانيا؟

بعد النجاح الكبير الذي حققه العمل، وحصوله على تقييمات مرتفعة، بلغت 8.2 نقاط على موقع “آي إم دي بي” (IMDb) الفني، و98% على موقع “الطماطم الفاسدة” (Rotten Tomatoes)، بدأ الكثيرون يتساءلون: هل يمكن أن تُجدّد المنصة المسلسل لموسم ثان؟

على الرغم من أن “نتفليكس” لم تُعلن عن ذلك حتى الآن، فإن التوقعات العامة تُشير إلى أن النجاح الملموس لن يلبث أن يُغري المنصة بإنتاج موسم آخر كعادتها مع الأعمال المشابهة، وهو الاحتمال الذي قابله قطاع من الجمهور بالرفض، لشدة ما أحبّوا العمل ووجدوا نهايته مثالية ومُرضية، لا تتطلب أي تحديثات قد تُغيّر موقفهم ومشاعرهم تجاهه.

وأكد المؤلف، وفق مجلة “إسكواير” (Esquire) أن قصة داني وإيمي وصلت إلى نهايتها، وإذا ما قُدّر للعمل أن يصدر عنه موسم جديد، فإنه سيتضمن “غضبا على طريق آخر” وقصة أخرى بشخصيات مختلفة.

لكنه في الوقت ذاته، لا ينفي حقيقة أنه ما زال لديه مادة خصبة في رأسه تسمح له بالتطرق إلى أوجه جديدة من حياة داني وإيمي على مدار موسمين أو 3 آخرين مستقبلا، إذا لزم الأمر أو رأى فعل ذلك.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version