صدر فيلم “بعث الشر المميت” (Evil Dead Rise) في جزء خامس من سلسلة “Evil Dead” التي ابتكر فكرتها المخرج والكاتب سام ريمي، وقدم الجزء الأول منها في عام 1981. ويأتي الفيلم الخامس من السلسلة، الذي يعرض حاليا في الولايات المتحدة وكندا، ليعيدها إلى الأضواء محققا إنجازات ملحوظة على مستوى الإبداع في العناصر السينمائية المختلفة باستثناء القصة التي تعيد تكرار نفسها والدماء التي زادت حتى فاضت.

تشمل السلسلة 4 أفلام صدرت بين عامي 1981 و2013، وهي: “الشر المميت” (The Evil Dead) الصادر في عام 1981 من بطولة بروس كامبل، ويدور حول مجموعة من الأصدقاء يسافرون إلى كوخ في الغابة ويوقظون بطريق الخطأ الأرواح الشريرة التي تتملكهم واحدا تلو الآخر، وصدر “الشر المميت 2” (Evil Dead II) في عام 1987 وهو عبارة عن إعادة إنتاج للفيلم الأول، ببطله ومخرجه مع لمسة كوميدية وزيادة في معدل تدفق الدماء.

وجاء الفيلم الثالث “جيش الظلام” (Aemy of Darkness) في عام 1992 بروح كوميدية أكثر من الفيلمين السابقين، وتدور أحداثه حول مغامرات آش (بروس كامبل) وهو يسافر عبر الزمن إلى العصور الوسطى ويقاتل جيشًا من الموتى الأحياء. أما “الشر المميت” (Evil Dead) فصدر في عام 2013 ليتخذ الحبكة نفسها ويكرر القصة للمخرج فيدي ألفاريز مع مؤثرات خاصة محدثة نتيجة للتقدم التقني وأحداث أكثر قسوة.

أما الجزء الخامس “بعث الشر المميت” (Evil Dead Rise) للمخرج الأيرلندي لي كرونين فتدور أحداثه في مبنى متهالك وقديم بمدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا الأميركية حيث تعيش فنانة الوشم إيلي (أليسا ساذرلاند) وأطفالها الثلاثة داني (مورغان ديفيز) وبريدجيت (غابرييل إيكولز) وكاسي (نيل فيشر).

تكافح الأسرة للعيش بعد تخلّي الأب عنهم؛ فتصل “بيث” (ليلي سوليفان) شقيقة الأم، والتي تحترف العزف على الغيتار في زيارة. يعثر داني على ما يُطلق عليه اسم “كتاب الموتى” في كهف سري تحت المبنى، فيقرأ الكتاب، ويطلق بلا قصد مخلوقا شيطانيا يعيث قتلا وتقطيعا في الأسرة. كانت الأم أولى ضحاياه، إذ قتلها وحلّ في جسدها، قبل أن يبدأ بالتلاعب بباقي أفراد الأسرة، فيقتل الابن والابنة المراهقين بطرق بشعة، أما الخالة فتحمي الابنة الصغرى لشقيقتها وتفر من المكان.

كوابيس

كتب الناقد الأميركي الأشهر روجر إيبرت في مراجعته لفيلم “البريق” (The Shining)، للمخرج ستانلي كيوبريك وبطولة جاك نيكلسون، “هذا فيلم غريب ومرعب للغاية لدرجة أنه يصنع نوعًا من السحر، من المستحيل التخلص منه”. تحولت هذه المقولة في أعوام قليلة إلى معيار نجاح أي فيلم رعب، حيث يستشهد بها على قوة وقدرة تلك الأفلام على إثارة ردود الفعل العاطفية بين المشاهدين.

وفي أحيان كثيرة، تظهر مشاهد الرعب السينمائية في أحلام المشاهدين فتحولها إلى كوابيس، لكن فيلم “بعث الشر الميت” (Evil Dead Rise) قد يتجاوز كوابيس النوم إلى كوابيس اليقظة أيضا، باعتباره هو نفسه كابوسا، وليس مجرد فيلم.

لم يحدث أن قدم فيلم رعب يحتوي على مثل هذا الكمّ من الدماء التي وصلت إلى حد إغراق البشر كما لو كانوا في بحر، ولم يحدث أن عبر مخرج عن عشقه للدماء للدرجة التي جعل بها كل مشهد في فيلمه محتويا على دماء باستثناء المشهد الأول.

“بعث الشر الميت” في نظر المشاهد هو شلال من الدماء قادم من الشاشة، ورغم ذلك لم يصل العمل إلى حافة السخافة ولم يثر التقزز لدى مشاهديه، لأن مخرجه لي كرونين أبدع في صناعة عمله لدرجة أنه حال دون النفور مما ينبغي النفور منه.

شروط الرعب الناجح

استطاع المخرج ومؤلف السيناريو لي كرونين أن يحقق شروط النجاح لفيلم الرعب ولكن بشكل مبالغ فيه عبر قطع اللحم الآدمي المتطايرة، وجعل الأبطال والمشاهدين يدركون أن الروح الشريرة حضرت في لحظة ظهور أثرها، وبنى منطقا سببيا مقنعا لحضورها، وقام بعزل الضحايا مع الروح الشريرة، حيث دمر سلم العمارة، وقطع التيار الكهربائي ليتوقف المصعد، ولأن المبنى قديم ومنعزل فلا أحد يستطيع سماع صراخهم.

إنها الشروط الثلاثة التي لخصتها بعض الجمل الحوارية لنجاح أفلام الرعب، وأولها وأشهرها “إنهم هنا!”، من فيلم “روح شريرة” (Poltergeist) الصادر في 1982، حيث تتحدث شخصية كارول آن (هيذر أورورك) بهذه الجملة عندما تدرك لأول مرة أن الأرواح التي تطارد منزل عائلتها قد وصلت.

أما في فيلم “Alien” الذي عُرض في عام 1979 فيقول دالاس (توم سكيريت) “في الفضاء، لا أحد يستطيع أن يسمع صراخك”. أصبحت هذه الجملة ملهمة لصناع هذا النوع وانتشرت في الثقافة الشعبية للتخويف.

وفي فيلم الرعب الكلاسيكي “هالويين” (Halloween) الصادر في عام 1978، يصف الدكتور لوميس (دونالد بليسينس) الشرير مايكل مايرز بأنه “شرير محض وبسيط”، وهي الجملة الحوارية التي جعلت من الشرير في الأفلام بسيطا وجعلت من القصة نفسها أكثر بساطة.

بداية غامضة

لا يستهلك المخرج وقتا في تقديم شخصياته بمشاهد تمهيدية، إذ تنطلق الكاميرا في حركة حرة سريعة مخترقة الغابة بأنهارها الضيقة، حتى تصل إلى مرسى صغير للقوارب، تجلس على حافته فتاة، ثم تنحرف قبل الارتطام بوجهها، وبعد أقل من 20 ثانية يظهر أول رأس قُطع، ليتبع ذلك إغراق باقي الجسد، وتنتقل الأحداث إلى منزل الأسرة في لوس أنجلوس.

الأم إيلي وشقيقتها بيث تجمعهما علاقة مركبة، فيها مزيج من الأمومة والأخوة، لذلك كلما واجهت بيث الفنانة النزقة مشكلة لجأت إلى شقيقتها لتساعدها في الحل، وفي تلك الزيارة المشؤومة كانت بيث قد اكتشفت حملا لا ترغب في استمراره.

تكتشف الزائرة أن الأسرة على وشك الانتقال إلى منزل جديد بعد صدور قرار بإخلاء المنزل الذي يعيشون فيه لأنه يوشك على الانهيار، لكن المنزل يتهدم جزء منه بعد ذلك الحوار مباشرة، بينما يقف الابن في مرآب المبنى وتظهر حفرة في الأرض، فيخاطر الابن المراهق داني بالنزول فيها، لتقوده إلى كهف سري.

يعثر “داني” على ما يُطلق عليه اسم “كتاب الموتى” الذي كتب على جلد بشري بالدماء، ثم يشرع في قراءته، لنكتشف معه أن قسيسا حاول التواصل مع الجانب الآخر من العالم، وهناك التقى كائنات الشر المطلق التي لا يجدي قتالها أو قتلها أو تقطيعا أو حرقها، بل الهرب وحده هو الحل.

لا يبدو لي كرونين مهتما بالبناء المنطقي للسيناريو الذي يحوي خطايا درامية لا تليق حتى بفيلم رعب تجاري، فلا يمكن لطفلة تبلغ من العمر 8 أعوام أن تشهد قتل أمها وشقيقيها وتملك كل هذا التماسك والهدوء، بل القدرة على مواجهتم كأشرار تلبّسهم الشيطان، غير أن الفيلم نفسه ينتمي إلى عالم له منطقه الخاص ويملك هو وحده تبرير سلوك أبطاله، لكن يبقى احتفاظ الكاركتر/الشخصية بالصفة الآدمية مبررا للسؤال.

تقتل الروح الشريرة الأم وجميع الجيران، ثم “داني” وشقيقته الكبرى، ولا تبقى سوى الابنة الصغرى والخالة التي تقاتل بكل ما فيها من قوة في مواجهة جسد يشبه أختها، لكن الروح تنتمي لشيطان لا هدف له سوى قتل البراءة التي تتمثل في الطفلة وهي الابنة الصغرى، لكن الخالة تحميها وتفر بها من المكان.

لا ينافس شريط الصورة في الفيلم سوى شريط الصوت الذي قدم مؤثرات سمعية استطاعت أن تتكامل مع المؤثرات البصرية والصورة لتخلق أجواء الرعب والتخويف، لكن العناصر الثلاثة (صوت وصورة ومؤثرات) لم تستطع التماسك للاحتفاظ بالحالة الفنية في العديد من المشاهد، وأفلتت من الاهتمام لمصلحة مزيد من الرعب، والتفنن في اختراع طرق القتل والتقطيع.

لعل قراءة الفيلم على أنه مجاز سينمائي يختبر صورة أخرى ونسخا أخرى متخيلة من الأختين في مواجهة بعضهما هو الحل لمنح العمل قيمة فنية، ذلك أن الرعب وحده ليس كافيا ليكون رسالة مع كثرة الدماء وضعف السيناريو.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version