في العام 2114 سوف يتم نشر مخطوطة كتاب من تأليف الكاتبة الكندية مارغريت أتوود التي ولدت في نوفمبر/تشرين الثاني 1939، والتي تبلغ الـ83 من عمرها قريبا.

كانت أتوود قد أودعت يوم 3 يونيو/حزيران 2015 مخطوطة كتاب من تأليفها في مكتبة ديشمانسكي بالعاصمة النرويجية أوسلو، ليتم الاحتفاظ بها في طي الكتمان حتى تنشر بعد 100 عام في إطار مشروع فني “تفاؤلي”، وجاءت هذه الخطوة بدعوة من المكتبة للكاتبة الحائزة على جائزة بوكر، لكن إسهامها لن ينشر حتى عام 2114.

أعجبت مارغريت أتوود بتلك الفكرة، وراحت تؤكد أنها “تروق لجانب منا، إذ كنا كأطفال ندفن أشياء هنا وهناك، قطع حليّ وصناديق صغيرة على أمل أن يجدها شخص ما في وقت لاحق”.

وأشارت إلى أنه “أمر يدعو إلى التفاؤل أن يتم تنفيذ مشروع يؤسس على أنه سيكون هناك أشخاص بعد 100 عام يهتمون بالقراءة، وأننا سنتمكن من التواصل عبر الزمن، ولقد وافقت في إطار الاتفاق على عدم الإفصاح عما كتبته”.

أفضل المبيعات

لم تكن أتوود الكاتبة الكندية والشاعرة والناقدة الأدبية والناشطة في المجال النسوي والاجتماعي كاتبة عادية، فهي من أهم كتّاب الرواية والقصص القصيرة في العصر الحديث.

وما إن صدرت روايتها “حكاية الجارية” في عام 2016 حتى احتلت قوائم أفضل المبيعات لأسابيع عدة، وحين طلبت إحدى الصحف من أتوود تفسيرا سارعت إلى القول إن ذلك كان نتيجة المخاوف واسعة النطاق بشأن قضايا المرأة، والتي سرت في أعقاب الانتخابات الأميركية التي فاز فيها دونالد ترامب.

وفي تلك الرواية تشهد الولايات المتحدة انقلابا تسيطر بعده على البلاد مجموعة سياسية متشددة تنتمي إلى “جاكوب” وتسمي نفسها “جلعادا”، في حين تستمد معايير حكمها من مقاطع من “العهد القديم” كأساس للحكم السامي، ليعيش بعدها العالم في ظلمات كبيرة تكون المرأة هي ضحيتها.

حاولت أتوود في هذه الرواية إعادة تصنيع الدستوبيا التي كان جورج أورويل قد ابتكرها في روايته “1984” من خلال كتابتها رواية نسائية تنطلق من مشاعر ورؤية المرأة، وترتكز على تأثير الأحداث عليها من خلال رؤية امرأة لا من خلال تصور الرجل، وتبدو فيها الأحداث أكثر رعبا في تفاصيلها، من الحكم الدكتاتوري المطلق الذي كان أورويل قد وصفه في رصده القمع والتحكم في كل حركة وكل شهيق للبشر في مدينته، وهو الأمر الذي أدى إلى تحويل الناس لآلات بشرية يتحكم فيها “الأخ الكبير”.

وخلال مشاركتها في أحد المعارض الدولية للكتاب ردت أتوود على وصف البعض روايتها التي صدرت عام 1985 بأنها ليست سوى ضرب من الخيال المبالغ فيه، قائلة “عندما كتبتها كنت متأكدة أنني لا أتحدث عن شيء لم يفعله البشر بالفعل في مكان ما وفي وقت ما، لكنكم ترون الآن مؤشرات على ما تحتويه”.

وأشارت إلى أن البعض قد لجأ إلى كندا منذ انتخاب ترامب، تماما مثل بطلة الرواية التي حاولت الفرار من الولايات المتحدة إلى كندا.

رحلة الكتابة

في العام 1983 بدأت أتوود رحلتها مع الكتابة بإصدار دراسة عن الكتّاب الكنديين، ثم جاءت روايتها الشهيرة “حكاية الجارية” بعد ذلك بـ3 سنوات، ومنذ ذلك العام وحتى الآن تواظب أتوود على إصدار أكثر من كتاب أحيانا خلال العام الواحد.

وتؤكد هنا أنه “بمرور الوقت تناثرت أحلامي العظيمة بل الغائمة تاركة وراءها نوعا من الخواء المخيف، وبدا الأمر كأنني شاب وجد نفسه في مكتبة كبيرة فراح يحملق حوله في آلاف الكتب ويتساءل عما إذا كان لديه شيء ذو قيمة يضيفه”.

لأجل ذلك راحت تطرح تساؤلاتها عن الكتابة، هل هي نشاط إنساني؟ أم تكليف إلهي أم مهنة؟ أم عمل مضجر نؤديه من أجل المال؟ أو لعلها فن، ولماذا يشعر كثير من الناس بأنهم مجبرون على أدائها؟ وكيف تختلف الكتابة عن الرسم مثلا أو التأليف الموسيقي أو الغناء والتمثيل؟ ما الذي نعنيه بالضبط عندما نصف شخصا بأنه كاتب؟ هل الكاتب هو من يضع الشرائع للبشر ولا يعترف العالم بفضله، أم أنه ذلك الشخص العصابي عديم الجدوى الذي يحبه كتّاب سيرته المعاصرون؟

كانت أتوود قد بدأ حلمها باحتراف الكتابة منذ الطفولة، وكانت نشأتها بين غابات موطنها في مقاطعة كيبيك هي التي حفزت خيالها، في حين كان لغياب وسائل الترفيه في وقتها من تلفاز أو راديو أو مسارح ودور للسينما وحتى للكهرباء دور أساسي في جعلها قارئة نهمة للكتب والروايات، حتى أنها وقت أن بلغت السادسة من عمرها كانت تكتب مسرحيات وقصائد وكتبا مصورة.

وعندما باتت في المرحلة الثانوية عادت إلى كتابة القصائد، وكان كاتبها المفضل في سنوات المراهقة هو الشاعر الأميركي إدجار آلان بو الذي عُرف فيما بعد بقصصه المُلغّزة.

جوائز وروايات

تترك أتوود علامات استفهام بشأن نتاجها الأدبي، لأن رواياتها تندرج تحت قائمة أكثر الكتب مبيعا، مما يدفع بعض النقاد إلى اعتبار كتبها تجارية، لكن علامات الاستفهام هذه لا تثير حفيظتها لأنها تعتبر أن “هناك 4 سبل للتنسيق بين القيمة الأدبية والمال: الكتب الجيدة التي تدر ربحا جيدا، والكتب الجيدة التي لا تدر ربحا، ثم الكتب الرديئة التي تدر ربحا، وأخيرا الكتب الرديئة التي لا تدر ربحا”، وكل هذه الحالات وارد حدوثها في رأي أتوود، لأن للقارئ المتخفي في مكان ما ذائقة لا يمكن التنبؤ بها، لأنها تختلف من شخص إلى آخر.

كانت أتوود قد نالت جوائز عدة، بدءا برواية “حكاية الجارية” التي حازت على جائزة آرثر سي كلارك في الأدب سنة 1987، قبل أن تنال جائزة البوكر سنة 2000 بفضل رواية أخرى هي “القاتل الأعمى”.

وهي رواية متعددة الطبقات تسترجع فيها بطلة القصة “إيريس تشاس” ذكرياتها عن حادثة سقوط أختها لورا من فوق الجسر، وفيها تُتَضَمَّن رواية أخرى بعنوان الرواية الرئيسي من نوع الخيال العلمي.

ويتخلل أحداث الرواية فترة الحربين العالميتين، مما يجعلها رواية تزخر بتفاصيل تاريخية لهذا العصر، وهي أحد الأحداث التي تؤكد على أن الكثير مما يختبئ خلف الروايات التي تكتبها أتوود هي حكايات كانت قد مرت بها أو استفزتها للكتابة عنها، فالفكرة التي دارت حولها روايتها “أوريكس وكريك” أتت من قراءتها عن تجربة جينية وانقراض الحيوانات المجترة، كما أن تسمية رواية “العروس السارقة” أتت من تأنيث الحكاية القديمة التي يطلق عليها “العريس السارق”، وجاءت تنفيسا لشعورها بالاستياء من شخص كان قد أخبرها أنه لا يوجد بين النساء من هن مخادعات.

أما روايتها “حكاية الجارية” فتشير أتوود إلى أسباب كتابتها، قائلة “كتبت هذه الرواية في عام 1984 بألمانيا الغربية لكي أرد على سؤال إن كانت الولايات المتحدة قد وقعت تحت حكم نظام شمولي، فأي نوع من الأنظمة سيكون ذلك الذي يحكمها؟ وقد كتبت هذه الرواية لكي أجيب عن سؤال آخر هو: بما أن النساء الآن انطلقن إلى الخارج وتحررن فهل يمكن إعادة المرأة للبيت مجددا كما كان ينادي بعض من المنتمين إلى اليمين المسيحي في الثمانينيات؟ وما الوسيلة التي يمكن بها فعل ذلك؟ وكانت الإجابة العبودية الإنجابية”.

دهشة الفوز

عقب حصولها على جائزة البوكر لعام 2019 عن روايتها “الوصايا” مناصفة مع بيرناردين أفاريستو قالت مارغريت أتوود “أعتقد أن أيا منا لم يتوقع هذا الفوز، أنا مندهشة جدا، اعتقدت أنني كبيرة في السن، ونوعا ما لست بحاجة إلى الاهتمام، لكني ممتنة جدا لأنكم أهديتموني إياه، أنا سعيدة للغاية”.

هذا الفوز بتلك الجائزة كان هو الثاني في مسيرة أتوود الأدبية، فقد فازت بها في عام 2000 عن روايتها “القاتل الأعمى”، وهي رابع كاتبة تفوز بالجائزة مرتين منذ إنشائها، وكانت قد وصلت إلى القائمة القصيرة 4 مرات أخرى عن رواياتها “حكاية الجارية” عام 1986، و”عين القط” عام 1989، و”إلياس جراس” عام 1996، و”أريكي وكراك” عام 2003.

وبعد رواية “الوصايا” عادت أتوود بمجموعة تحتوي على 15 قصة قصيرة تتناول فيها العلاقات الأسرية والزواج والخسارة والذاكرة، وما يعنيه قضاء حياة طويلة بين زوجين أو صديقين أو أختين.

وفي تلك المجموعة القصصية تتخيل الكاتبة لقاء بينها وبين جورج أورويل خلال جلسة لتحضير الأرواح ورثاء حيوان ميت، كما تتعرض بعض القصص لتساؤلات مثل: ما التاريخ؟ هل الآثار تحكي التاريخ كما ينبغي؟ إنها قصص تحمل -حسب تصريحات ناشر المجموعة- طابعا “شخصيا”.

وكانت رواية “المرأة الصالحة للأكل” هي أولى روايات أتوود، وقد نشرت في عام 1969، وهي رواية ساخرة عن حكاية امرأة تعمل في أبحاث السوق وترى نفسها مثل المنتجات.

أما رواية “أوريكس وكريك” -وهي الرواية الأولى في سلسلة “ماد آدم” الخيالية- فتدور حول سنومان وعالم ما بعد الكارثة الذي يعيش فيه، وتلمس هذه الرواية مواضيع عدة، مثل التجارب الجينية والكوارث البيئية، ولكن ما يميزها أنها مغامرة رومانسية.

إضافات للسيرة

مارغريت أتوود هي أحد أبرز الكتّاب الكنديين، مارست كل أشكال الكتابة، فهي شاعرة وقاصة وروائية، ترجمت أعمالها إلى ما يزيد على 35 لغة، وشغلت منصب رئيسة اتحاد الكتاب الكنديين، ومارست تدريس الكتابة الإبداعية في عدد من الجامعات الأوروبية والأميركية والكندية.

أما نصائح أتوود فهي: لا تتوقف عن الكتابة، إذ تؤكد على ضرورة تواصل الكتّاب والقراء مع التراث والأدب القديم بمختلف أنواعه، وتقدم العديد من النصائح، أهمها وأبرزها متعلق بالمرونة في الكتابة، لذا لا تتوقف عن الكتابة، وتذهب إلى التفريق بين الراوي والكاتب، فالأول تتعلق ممارسته بالجمهور مباشرة، أما الكاتب فالأمر مختلف لأن جمهوره من أشخاص لا يعرفهم، فقد يعثر قارئ لكتاب بعد رحيل كاتبة بزمن طويل، لذا يصبح فعل الكتابة مثقلا بالهموم، ذلك لأن الكلمة المكتوبة يمكن أن تستخدم ضدك بعد ذلك، فهي دليل عليك.

وهنا يبدو حرص أتوود على تقديم الكثير من الإجابات عن أسئلة الكتابة التي تدور حول: لماذا أكتب؟ فتأتي بالعديد من الأجوبة التي منها مثلا: كي أدافع عن الروح الإنسانية، أو كي أكسب نقودا أشتري بها أحذية لأولادي، أو تؤكد قائلة: كي ألقن الأوغاد درسا، أو تتشبث بقولها: لأن الإبداع شيء إنساني، ولأنني أكره العمل في وظيفة، وأيضا لكي أفعل شيئا جديدا، أو حتى لكي أجعل نفسي أكثر جذبا للآخرين، أو حتى لكي أصنع اسما بعد الموت، وأتغلب أيضا على انقباض نفسي وحزنها، وحتى لكي أسجل العصر الذي أعيشه، وأشهد على الأحداث المرعبة التي عشت بعدها.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version