يحتفي محرك البحث “غوغل” اليوم بالذكرى الـ190 لميلاد الموسيقي الألماني الشهير يوهانس برامز، ليفتح الباب على إعادة التعريف بالموسيقار الذي ألف العديد من السيمفونيات وموسيقى “الحجرة” ومعزوفات خصيصا للبيانو والأرغن، وكان كذلك عازف بيانو موهوب وعمل مع كبار فنانين عصره.

وحتى اليوم يُحيّر برامز محبيه ومؤرخيه على حد سواء لفنه الذي يمثل خليطا من التقليدية والابتكار، حيث تتجذر في موسيقاه التقنيات والقواعد التي وضعها أسلافه الكلاسيكيين، ولكن له لمساته التجديدية التي ألهمت الكثير من اللاحقين له وأصبحت نقطة انطلاق لجيل جديد من الملحنين.

 

يوهانس برامز.. موسيقي ترك العزف وتفرغ للتأليف

وُلد برامز في السابع من مايو/أيار عام 1833 بمدينة هامبورغ في ألمانيا، لوالد عشق الموسيقى في شبابه وثار ضد إرادة أسرته فترك البلدة التي تسكن فيها عائلته وانتقل إلى هامبورغ وفيها عمل موسيقيّا وعازفا وترقى في مهنته حتى أصبح عازفا في مسرح هامبورغ وجمعية هامبورغ الفيلهارمونية.

حصل برامز على أول تدريب موسيقي من والده، ثم بدأ في تعلم العزف على الكمان وأساسيات عزف التشيلو، ودرس البيانو ولكن أستاذه اشتكى منه قائلا “يمكن أن يكون عازفا جيدا، لكنه لا يتوقف عن تأليف الموسيقى”.

في العاشرة عزف الموسيقى في الحفلات الموسيقية بما فيها مقطوعات بيتهوفن الصعبة، ورباعية البيانو لموتسارت وبحلول عام 1845 عندما كان فقط في الـ12 من عمره كتب “سوناتا” بمفرده، ولكن والديه رفضا جهوده المبكرة في التأليف الموسيقي، ودفعاه للتركيز في مهنته كعازف فقط.

استمر برامز في التأليف الموسيقي تحت اسم مستعار هو “جي دبليو ماركس”، وتضمنت مقطوعاته في هذه الفقرة استخدام البيانو والجوقة من أصوات الذكور، ونشرت شركة “هامبورغ كرانز” بعض أعماله في العام 1849، ولكن لاحقا حاول القضاء على أي أثر لهذه الأعمال المبكرة، وكاتب أصدقاءه الذين يمتلكون مخطوطاته الموسيقية القديمة حتى يستطيع تدميرها لأنها محبطة بالنسبة لأعماله الأكثر نضجا.

عام 1850، قابل برامز عازف الكمان المجري “إيدي ريميني” ورافقه في عدد من الحفلات على مدى السنوات التالية ليتعرف بفضل هذه الخبرة على الموسيقى “الغجرية” التي ظهرت آثارها لاحقا في مؤلفاته الأكثر ربحا وشعبية منها مجموعتا الرقصات المجرية (1869 و1880).

في عام 1853 ذهب برامز في جولة موسيقية مع ريميني وتعرف على الملحن جوزيف يواكيم في هانوفر وكانت هذه بداية صداقة استمرت مدى الحياة، وأثرت على مؤلفاته الموسيقية التالية.

في العقد التالي، استمر الفنان الألماني في التأليف الموسيقي، مع أُمنية سريّة هي حصوله على فرصة قيادة أوركسترا “هامبورغ” ولكن في عام 1862 تم منح المنصب لموسيقي آخر، وظل يحمل هذا الحلم حتى عُرض عليه عام 1893 ثم رفض المنصب الذي أتى له متأخرا للغاية.

وبسبب إحباطه انتقل إلى فيينا عام 1862 وقابل هناك خلال فصل الشتاء اثنين من الدائرة المقربة للموسيقار “فاغنر” الذي تعرف عليه بشكل شخصي في يناير/كانون الثاني 1863 وكان لقاء وديا وعزف له برامز خلاله “اختلافات هاندل أو بي 24” ( Handel Variations Op. 24)، ولكن خلال السنوات التالية تراجعت ودية هذه العلاقة وأدلى فاغنر بالكثير من التعليقات النقدية المهينة على موسيقى برامز، ولكن ذلك لم يقلل من الاستقبال الجماهيري والنقدي الإيجابي لموسيقى برامز.

 

لمسة برامز السحرية

ما يميز برامز قدرته على البقاء في هذا البرزخ السحري بين التقليدية والتجديد، حيث حافظ على إحساس كلاسيكي بالشكل والنظام في مؤلفاته الموسيقية، وابتعد عن “البذخ” الموسيقي لمعاصريه، واتجه لأشكال أكثر بساطة وحساسية.

وتأثرت أعمال برامز -خاصة الأولى- كذلك بالموسيقار الأشهر بيتهوفن، فتحمل سيمفونيته الأولى قوة تأثير السيمفونية الخامسة لبيتهوفن ويقدمان نفس المعنى “النضال للوصول لانتصار كبير” كذلك تتشابه خاتمة سيمفونية برامز الأولى مع ختام السيمفونية التاسعة لبيتهوفن الأمر الذي اعترف به برامز بنفسه عندما عُزف العمل أول مرة، وأُطلق على هذه السيمفونية “السيمفونية العاشرة لبيتهوفن” لتعتبر امتدادا لأعماله.

أحب برامز الملحنين الكلاسيكيين “موتسارت” و”هايدن” وأعلن في سنواته الأخيرة أن موتسارت هو أعظم ملحن في التاريخ، بل أعظم من بيتهوفن نفسه لظهور التناقض في ألحانه على عكس الأخير.

ودرس كذلك موسيقى الملحنين ما قبل الكلاسيكيين مثل جيوفاني بيرلويجي دا باليسترينا، وجيوفاني غابرييلي، وجورج فريدريك هاندل، وخاصة يوهان سيباستيان باخ.

واستخدم بعض مؤرخي الموسيقى مصطلح “حرب الرومانسيين” لوصف الانقسام بين الموسيقيين البارزين في النصف الثاني من القرن الـ19، وكانت البنية الموسيقية، والتناغم اللوني مجالات الخلاف الرئيسية، وتبلورت الأحزاب المتعارضة خلال خمسينيات القرن الـ19.

وكان أبرز أعضاء الدائرة المحافظة يوهانس برامز، وجوزيف يواكيم، وكلارا شومان، ومعهد لايبزيغ الموسيقي، الذي أسسه فيليكس مندلسون، بينما خصومهم التقدميون الراديكاليون بشكل رئيسي هم أعضاء ما يسمى المدرسة الألمانية الجديدة، وريتشارد فاغنر.

وبدأ الجدل بين التيار المحافظ والآخر التقدمي في الأصل ألمانيّا ولم يشارك به موسيقيون من فرنسا وإيطاليا وروسيا إلا بشكل هامشي، ونظر الملحنون من كلا الجانبين إلى بيتهوفن على أنه بطلهم الروحي والفني، إذ اعتبره المحافظون ذروة لا يمكن تجاوزها، فيما نظر إليه التقدميون على أنه بداية جديدة في الموسيقى.

وفي صيف عام 1896 تم تشخيص يوهانس برامز بـ”اليرقان”، وفي وقت لاحق من ذات العام شخّص طبيبه الفييني إصابته بسرطان الكبد، وكان آخر ظهور علني له في السابع من مارس/آذار 1897 وبذل جهدا قبل 3 أسابيع من وفاته لحضور العرض الأول لأوبريت يوهان شتراوس (إلهة العقل) وساءت حالته تدريجيا وتوفي في الثالث من أبريل/نيسان 1897، في فيينا عن عمر يناهز 63 عاما، تاركا خلفه مجموعة من أعظم الألحان.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version