دمشق- مئات العائلات تتحلق حول أمتعتها جلوسا ووقوفا وتمددا لساعات في ظل حر الظهيرة أو برد الليل، ومن دون أسقف أو فَرشات أو لُحف، وفي الغالب من دون طعام، بانتظار دورهم على “طابور الحافلات” المخصصة لنقلهم إلى مكان نزوحهم الجديد.

بهذا الوصف، يختزل بشار (53 عاما) معاناة مئات العائلات السورية واللبنانية النازحة إلى سوريا عند المعابر الحدودية على الجانب السوري، وسط محدودية وسائل النقل التي خصصتها الجهات الرسمية لنقلهم إلى مراكز الإيواء أو مراكز المُدن، والارتفاع غير المسبوق في تكلفة النقل الخاص، مما يجعل الانتظار لساعات أو لأيام في تلك المناطق غير المؤهلة خيارا اضطراريا لكثير من العائلات النازحة.

ويقول بشار، سائق سيارة الأجرة الخمسيني في حديث للجزيرة نت “كنا نعاني أصلا من أزمة بنزين حتى قبل بدء الحرب على لبنان، أما بعدها فاشتدت الأزمة، وذلك لأن معظم البنزين المتوفر في السوق السوداء كان يأتينا عبر لبنان، قبل أن يتوقف التهريب مع بداية الحرب”.

ويشير بشار إلى أن سعر لتر مادة البنزين قد ارتفع بمقدار الضعف مقارنة بسعره قبل العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، وهو ما دفع سائقي سيارات الأجرة إلى مضاعفة أجورهم داخل المدن، في حين استغل آخرون موجة النزوح وحاجة العائلات النازحة إلى وسائل نقل لتقلها إلى وجهاتها في سوريا، ليرفعوا تسعيرة الرحلة إلى “حدود غير معقولة” تحول دون استطاعة معظم العائلات النازحة على تحملها.

معاناة إضافية

ويقول جابر (34 عاما)، وهو نازح سوري من لبنان إلى طرطوس مؤخرا، إنه أمضى وعائلته (4 أفراد) يومين كاملين في العراء على الحدود بانتظار دورهم في الحافلات التي خصصتها محافظة دمشق وبعض المنظمات غير الحكومية لنقل النازحين إلى وجهاتهم التالية.

ويضيف “نزحنا وليس في جيبي سوى مليوني ليرة اللبنانية (نحو 23 دولارا)، ولم يكفِ المبلغ سوى لإطعامنا في مرتين، في وقت طلب فيه سائقو سيارات الأجرة السوريون بين مليون و200 ألف ليرة سورية (80 دولارا) ومليون و600 ألف (110 دولارات) أجرة نقلنا إلى طرطوس”.

وتراوحت تكلفة نقل الراكب الواحد، من المناطق الحدودية السورية إلى محطته التالية، بين 350 ألفا و600 ألف ليرة سورية (23-40 دولارا) بحسب وجهته، وقربها أو بعدها عن المنطقة الحدودية.

هذا الواقع اضطر عائلة جابر، مع كثير من العائلات النازحة، إلى انتظار دورهم في الرحلات التي تسيرها المحافظة والمنظمات مجانا، الذي قد يستغرق حلوله أياما، نظرا لتفاقم أزمة شح المحروقات التي تعاني منها مناطق سيطرة النظام، وتزايد أعداد النازحين تصاعديا خلال الأسبوع الماضي.

 

وكان نائب محافظ دمشق محمد كريشاتي قد أعلن لوسائل إعلام محلية -تزامنا مع توافد النازحين إلى المناطق الحدودية قبل أيام- عن تجهيز المحافظة “عدة حافلات” لنقل القادمين إلى دمشق من معبر جديدة يابوس، وذلك في إطار خطة الاستجابة الحكومية لموجة النزوح من لبنان على خلفية العدوان الإسرائيلي الأخير.

ومن جهتها، أعلنت منظمة الهلال الأحمر السوري، أول أمس الجمعة، عن توفيرها نقلا آمنا للنازحين عند معبر جديدة يابوس، دون أن تذكر عدد الحافلات أو الباصات المخصصة لنقلهم، وذلك في أعقاب القصف الإسرائيلي لمحيط معبر المصنع في لبنان الذي يقابله معبر جديدة يابوس من الجهة السورية.

وقدر رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي قبل أيام عدد النازحين جراء الضربات الإسرائيلية المتواصلة في لبنان بنحو “مليون شخص”، معتبرا أن هذا النزوح قد يكون “الأكبر” في تاريخ البلاد.

أزمة خانقة

ولا تعدو معاناة النازحين أن تكون صورة من صور المعاناة الكثيرة التي تتسبب بها أزمة المحروقات للسوريين في مناطق سيطرة النظام، التي تفاقمت إلى حد غير مسبوق منذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، وذلك في ظل تقلص المخصصات الحكومية من مادتي البنزين والمازوت للقطاعين العام والخاص.

وهو ما أدى إلى شلل النقل العام في معظم المحافظات والمدن الكبرى، وغلاء أسعار معظم السلع، ودفع بالطلاب والموظفين إلى التغيب عن جامعاتهم وأعمالهم ووظائفهم لعدم قدرتهم على دفع تكاليف تنقلهم عبر سيارات الأجرة التي ضاعفت من أجورها في الآونة الأخيرة.

تقول نسرين (41 عاما)، موظفة في إحدى المديريات العامة في دمشق، عن سبب تغيبها عن وظيفتها للجزيرة نت “لم يعد مقبولا وضع المواصلات في البلد، ننتظر أحيانا ساعة كاملة على الموقف ولا نجد ميكروباص ليقلنا إلى أعمالنا، وفي حال استقللنا سيارة أجرة فإن تكلفتها اليومية ستفوق المرتب بضعفين”.

ومع تقلص المخصصات الحكومية من المحروقات بشكل كبير، وانقطاع تهريب مادة “البنزين” من لبنان إلى سوريا بسبب العدوان الإسرائيلي، تشهد أسعار المحروقات في السوق السوداء ارتفاعا كبيرا وصل معه سعر لتر البنزين في دمشق وريفها إلى 27 ألف ليرة (نحو دولارين) بدلا من 13 ألفا (نحو دولار) في مطلع العام، في حين رفعت حكومة النظام سعر لتر مادة المازوت، قبل أيام، بنسبة 150% ليبلغ 5 آلاف ليرة بدلا من ألفين.

وتعج معظم المواقف العامة، في العاصمة دمشق وريفها خلال ساعة الذروة، بالركاب المنتظرين في الحر قدوم أي وسيلة نقل لتقلهم إلى بيوتهم، ومع مجيئها يتزاحمون على بابها أملا في الحصول على مقعد يوفر وقتهم الذي بات يُحرق على موقد هذه المواقف.

كما اضطرت بعض شركات النقل الخاصة إلى إلغاء رحلاتها بين المحافظات، لعدم حصولها على كامل مخصصاتها من المحروقات، كشركتي “طروادة” و”عدرة”، وهو ما تسبب بأضرار متباينة للمواطنين الذين علقوا خارج محافظاتهم، ولم يتمكنوا من الوصول إليها إلا بعد أيام.

غلاء ومكابدة مستمرة

ومن جهته، أشار رئيس لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه محمد العقاد، لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية في سبتمبر/أيلول الماضي، إلى أن أزمة المحروقات أدت إلى رفع أجور نقل الخضار والفواكه من المحافظات المنتجة إلى سوق الهال بدمشق بنسبة تقارب 100%.

وهو ما أدى إلى زيادة أسعار مختلف الخضار والفواكه التي تعتبر العماد الرئيسي في النظام الغذائي لملايين السوريين في مناطق سيطرة النظام.

كما انعكست هذه الأزمة بنسب متفاوتة على أسعار ما تبقى من السلع الرئيسية في دمشق وريفها، التي غالبا ما يتم استجلابها من المحافظات الأخرى.

ويكابد ملايين السوريين في مناطق سيطرة النظام للتنقل، وشراء الحاجات الأساسية، والحصول على الخدمات الرئيسية في ظل تدني الأجور والرواتب الشهرية التي لا تتجاوز 25 دولارا في القطاع العام، و80 دولارا في القطاع الخاص.

ويرزح 90% منهم تحت خط الفقر، في حين أن حوالي 12.1 مليون شخص في سوريا، أي أكثر من نصف عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي وفقا لبرنامج الأغذية العالمي.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version