كشف فريق من جامعة جنيف السويسرية أن الخلايا التي تنتج الإنسولين (خلايا بيتا) يمكنها وحدها تنظيم نسبة السكر في الدم والتحكم بحساسية الإنسولين، وهذا يخالف الاعتقاد السائد في المجتمع العلمي منذ زمن طويل المتعلق بأن خلايا بيتا بحاجة لخلايا أخرى داخل البنكرياس حتى تقوم بعملها في إفراز الإنسولين بالشكل المناسب.
تدعم نتائج الدراسة التي نشرت في مجلة “نيتشر ميتابولوزم” في 21 أغسطس/آب الماضي الجهود الرامية إلى تطوير علاجات لمرض السكري من خلال توليد تجمعات من خلايا شبيهة لخلايا بيتا دون وجود خلايا أخرى، مثل تلك الناتجة عن الخلايا الجذعية المتعددة القدرات التي تتمايز في المختبر أو من خلال إعادة برمجة الخلايا الأخرى لتصبح خلايا منتجة للإنسولين في الجسم.
من يضبط سكر الدم؟
لتلبية الاحتياجات الأيضية المتغيرة للجسم، يجب الحفاظ على مستويات سكر الدم ضمن نطاق ضيق. ويتطلب التعديل السريع والدقيق لمستويات سكر الدم تفاعلا معقدا بين الهرمونات والنواقل العصبية التي تفرزها في الدم أعضاء متعددة كالدماغ، والكبد، والأمعاء، والأنسجة الدهنية، والعضلات، والبنكرياس.
تلعب خلايا البنكرياس دورا أساسيا في استقرار سكر الدم من خلال إفراز هرمونات متنوعة، لا سيما الإنسولين الذي يحفز امتصاص السكر من الأنسجة المحيطية. تنظم إفراز الإنسولين خلايا بيتا تنظيما دقيقا استجابة لمستويات السكر في الدم، ولكنه يتأثر أيضا بمؤثرات تنشأ من خلايا ألفا، وخلايا دلتا، وخلايا غاما في البنكرياس.
الدراسة الجديدة تخبرك أن الخلايا الأخرى ليست ضرورية
اكتشف الفريق الذي يقوده بيدرو هيريرا -الأستاذ في قسم الطب الجيني وفي مركز السكري بكلية الطب في جامعة جنيف- قدرة خلايا البنكرياس المذهلة على تغيير وظيفتها. فإذا ماتت خلايا بيتا قبل موعدها، فإن الخلايا المسؤولة عادة عن إنتاج هرمونات أخرى مثل الجلوكاجون أو السوماتوستاتين يمكنها أن تبدأ في إنتاج الإنسولين.
وكان من المقبول أن خلايا بيتا لا يمكنها أن تؤدي وظيفتها بشكل صحيح إلا بوجود خلايا هرمونية أخرى مثل خلايا ألفا ودلتا وغاما التي تكون مجتمعة معا داخل البنكرياس.
تشرح مارتا بيريز فرانسيس، الباحثة في مختبر بيدرو هيريرا والمؤلفة الرئيسية لهذا العمل، فتقول “للتحقق من هذا، قمنا بإنتاج فئران يمكنها عند بلوغها سن الرشد التخلص من جميع الخلايا غير بيتا في البنكرياس بشكل انتقائي لمراقبة كيفية قدرة خلايا بيتا على تنظيم مستوى السكر في الدم. وفي نتيجة مدهشة، لم تكن فئراننا قادرة فقط على إدارة مستويات السكر في الدم بشكل فعال، بل كانت حتى أكثر صحة من الفئران الأخرى”.
أظهرت هذه الفئران حساسية محسّنة للإنسولين في جميع الأنسجة المستهدفة، حتى عند إطعامها نظامًا غذائيا عالي الدهون أو اختبارها لمقاومة الإنسولين وهو أحد المؤشرات الرئيسة لمرض السكري، وبالأخص في الأنسجة الدهنية. ولكن لماذا؟
يوضح بيدرو هيريرا، وفقا لموقع يوريك أليرت، أن “هناك عملية تكيف يتم فيها استقطاب الجسم لخلايا هرمونية أخرى من خارج البنكرياس للتكيف مع الانخفاض المفاجئ في الجلوكاجون والهرمونات الأخرى للبنكرياس، ولكن هذا يوضح أن الخلايا غير خلايا بيتا في البنكرياس ليست ضرورية للحفاظ على التوازن السكري”. هذه النتائج مفاجئة وتتحدى الفكرة السائدة حتى الآن.
العلاجات الجديدة الناشئة
تغير نحو 2% من خلايا البنكرياس وظيفتها في حالة نقص الإنسولين. والتحدي الآن هو تحديد جزيء قادر على تحفيز هذا التحول وتوسيعه، ولذا فإن إستراتيجية أخرى ستكون تمايز الخلايا الجذعية في المختبر لإنتاج خلايا بيتا جديدة قبل زراعتها في المرضى.
يعبر بيدرو هيريرا عما اكتشفوه بحماسة، فيقول إن “نتائجنا تثبت أن الإستراتيجيات التي تركز على خلايا الإنسولين يمكن أن تؤتي ثمارها حقا. والمرحلة التالية من عملنا ستشمل تحديد الملف الجزيئي والوراثي للخلايا غير بيتا من أفراد مصابين وغير مصابين بالسكري، على أمل تحديد العناصر التي قد تجعل من الممكن تحفيز تحويل هذه الخلايا في السياق المرضي للسكري”.