نقدم في “الجزيرة صحة” تغطية معمقة حول واقع القطاع الصحي والرعاية الطبية في الأردن، سبرنا فيها المنظومة الصحية الأردنية، وواقع الأمراض المزمنة والتدخين والسمنة، وقضايا التأمين الصحية والأخطاء الطبية والمساءلة القانونية في القطاع الطبي، وواقع المستشفيات والمراكز الصحية، وأعدادها، وأعداد الكوادر الصحية.

توصلنا في هذه التغطية إلى جوانب يتميز بها القطاع الصحي في الأردن، مثل تميز الكوادر الطبية، وتوافر شبكة واسعة من الخدمات الحكومية، وامتداد مظلة التأمين الصحي لتشمل غالبية السكان، وسهولة الحصول على تغطية طبية حتى لمن لا يمتلكون التأمين الصحي الحكومي.

بالمقابل، كشفت التغطية عن العديد من المشاكل والتحديات التي تواجه القطاع الصحي الأردني، مثل ضعف الحوكمة، والضغط الكبير على المنشآت الصحية، وتباعد المواعيد، ووجود تجارب سلبية لدى بعض المراجعين، وعدم وضوح آليات حماية المريض من الأخطاء الطبية، والانتشار المرعب لوباء التدخين، والشكاوى من أن الطب في الأردن تحول إلى تجارة.

هذه القضايا وغيرها تقصيناها في هذه التغطية الإخبارية الموسعة، التي امتدت على عدة أشهر، وتضمنت مراحل من جمع المعلومات وتدقيقها، والزيارات الميدانية، والمقابلات مع متلقي الرعاية الصحية ومقدميها، ومع مسؤولين حاليين وسابقين في النظام الصحي، إلى جانب نقابيين ومتخصصين.

الأردن.. معلومات عامة

يقع الأردن في قلب منطقة الشرق الأوسط إلى الشمال الغربي من السعودية وجنوب سوريا، وإلى الغرب من العراق وإلى الشرق من فلسطين. وللأردن منفذ على البحر الأحمر، من خلال مدينة العقبة الواقعة على الطرف الشمالي لخليج العقبة.

تبلغ مساحة المملكة الأردنية الهاشمية الإجمالية نحو 89.3 ألف كلم2، منها 7.8% أراض زراعية، بينما بلغ عدد سكانها 11 مليونا مع نهاية عام 2021.

مناخ الأردن حار وجاف في الصيف، ولطيف ورطب في الشتاء، فهو مزيج من مناخي حوض البحر الأبيض المتوسط والصحراء القاحلة.

بلغت موازنة وزارة الصحة الأردنية حوالي 711 مليون دينار لعام 2023، في حين بلغ مجموع عدد المستشفيات في المملكة 119، بمجموع عدد أسرّة يقارب 16.2 ألف سرير.

وفي 22 أغسطس/آب 2024 أعلن وزير الصحة فراس الهواري، بدء تنفيذ المرحلة الأولى من خطة التغطية الصحية الشاملة التي أقرتها الحكومة الأردنية في يونيو/حزيران الماضي.

وأكد الوزير أن خطة التغطية الصحية الشاملة تهدف إلى توفير الرعاية الصحية الأولية كمرحلة أولى، وتركز على إصلاحات هيكلية وتشريعية واستدامة مالية، لافتا إلى إغلاق ودمج 34 مركزا صحيا فرعيا لتصبح “أوّلية وشاملة” وتركز على “النوع على حساب الكم”.

وشدد الدكتور الهواري على أهمية الرعاية الصحية الأولية التي تقدمها المراكز الصحية في جميع أنحاء المملكة، باعتبارها بوابة المريض إلى العلاج، ومحطة مهمة في التشخيص اللازم لوضعه الصحي، وفقا لما نقلته وكالة الأنباء الأردنية. وأشار إلى افتتاح 12 مركزا صحيا في 8 محافظات، وتوسعة وإعادة تأهيل 3 مراكز، وتوسعة مستشفى الأمير الحسين بن عبد الله الثاني، ووضع حجر الأساس لتوسعة مستشفى معان الحكومي، ومركز “غور المزرعة” الصحي.

وفي 2023 كانت وزارة الصحة الأردنية قد أطلقت إستراتيجيتها للأعوام (2023 – 2025)، والتي تقوم على توفير منظومة صحية متكاملة تعزز صحة الفرد والمجتمع وتقدم الخدمات الصحية الوقائية والعلاجية والتأهيلية والتلطيفية الآمنة بعدالة وجودة وكفاءة.

وشملت الإستراتيجية الجديدة 8 محاور رئيسية تتواءم مع البرنامج التنفيذي لرؤية التحديث الاقتصادي، التي تهدف إلى تحسين مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والعدالة في توزيعها، وفقا لقناة المملكة.

وتتمثل المحاور الرئيسية التي تقوم عليها الإستراتيجية في:

  • تحسين مستوى خدمات الرعاية الصحية الأولية (المراكز الصحية).
  • تحسين مستوى خدمات الرعاية الثانوية (المستشفيات) والثالثية (المستشفيات الكبرى التخصصية في القلب أو الأورام مثلا).
  • زيادة كفاءة وفاعلية الموارد البشرية.تطوير وزيادة كفاءة وفاعلية إدارة البنية التحتية والتزويد وضمان استدامتها.التوسع في التغطية التأمينية وزيادة كفاءة وفاعلية إدارة الموارد المالية.
  • زيادة كفاءة وفاعلية التحول الرقمي وتكنولوجيا المعلومات.
  • تحسين الجاهزية والاستجابة لإدارة الأزمات والكوارث وآثار اللجوء والتغير المناخي.
  • تعظيم الحوكمة الرشيدة والدور الرقابي لوزارة الصحة.

مشاكل وتحديات

وفقا لتقرير صادر عن منتدى الإستراتيجيات الأردني في عام 2022، يسجل نظام الرعاية الصحية الأردني العديد من المؤشرات الجيدة التي تقيسها المنظمات الوطنية والدولية، مثل معدلات الوفيات والخصوبة والحصول على الرعاية الصحية الأولية وتوافر الأطباء والتطعيمات وغيرها.

وعلى مدى سنوات، كان نظام الرعاية الصحية الأردني رائدا في تقديم الخدمات، وفي التعليم الطبي، مع نتائج جيدة في مجال الرعاية الصحية. ولسوء الحظ، توقفت هذه النجاحات لأسباب عديدة، منها الأعباء السياسية الإقليمية، وغياب الرؤية والنمو الموجه، وقيود الميزانية.

ويقول التقرير إنه “على الرغم من التفوق الفردي والأداء الجيد، فإن قطاع الرعاية الصحية ككل يعاني بشكل كبير في الآونة الأخيرة من عدة زوايا. والأهم من ذلك، أنه يعمل بدون حوكمة: لا مسارات سريرية، ولا عمليات تدقيق سريرية، ولا مساءلة، ولا قياس لنتائج الرعاية الصحية، ونوعية الحياة، والحوادث الوشيكة، والأخطاء الطبية، والتشخيص الخاطئ، والأخطاء الدوائية، وعدوى المستشفيات، وتجربة المريض، من بين أمور أخرى”.

ويضيف التقرير أن “هذا الفراغ في البيانات الحقيقية يخفي النتائج، والتكاليف المتكبدة ماليًا وعلى المستوى الإنساني، والمجالات المحددة للتحسين. ومما يؤدي إلى تفاقم الوضع، قطاع التعليم الطبي المثقل بالأعباء، إلى جانب برامج الإقامة الضعيفة التي لا يتم مراقبتها أو اعتمادها بشكل صحيح، ناهيك عن عدم إنفاذ التعليم المستمر والتقييم المستمر للمهارات ومراقبتها”.

ويتابع بالقول “إن قطاع الرعاية الصحية الأولية، رغم اتساعه، ليس له عمق، وغير متمكن، ويفتقر إلى الكفاءة والفعالية، في حين أن الرعاية الثالثية (المستشفيات المتخصصة الكبيرة) تتم إدارتها بشكل سيئ، فليس لديها قيادة أو أهداف لتحسين الأداء وخفض التكلفة. ويزداد هذا الأمر تعقيدًا بالطبع مع وجود نظام تأمين صحي وتغطية متناثر، على الرغم من كل الجهود المبذولة لتحقيق التغطية الصحية الشاملة. إن الاستثمارات في قطاع الصحة غير منظمة، وتركز على البنية التحتية ولا تتبع خريطة طريق، وحتى السياحة العلاجية كانت مبنية على اتفاقيات بين الحكومات وخدمة الدول التي تضرر قطاعها الصحي في حد ذاته”.

ويضيف التقرير أنه “فيما يتعلق بجودة خدمات الرعاية الصحية، تواجه المملكة تحديًا مزدوجًا يتمثل في توسيع خدماتها الصحية المثقلة بالأعباء لتلبية الطلب المتزايد، مع الاستمرار في تعزيز مرونة وجودة هذه الخدمات. بالإضافة إلى ذلك، تواجه البلاد تحديات في الاحتفاظ بقوة عاملة ماهرة في مجال الرعاية الصحية ونشرها بشكل مناسب، وإدخال إرشادات وبروتوكولات العلاج عبر القطاعات المختلفة، كل ذلك في ظل فراغ من البيانات”.

وفي عام 2007، تم إنشاء هيئة اعتماد صحية وطنية غير ربحية تقود جهود تحسين جودة الرعاية الصحية في الأردن والمنطقة من خلال تصميم وتوفير خطط الاعتماد وخدمات استشارات إدارة الجودة وبرامج بناء القدرات. وكان مجلس اعتماد الرعاية الصحية (HCAC) أول كيان في منطقة شرق البحر المتوسط ​​​​يحصل على الاعتمادات الخارجية الثلاثة للجمعية الدولية لجودة الرعاية الصحية (ISQua).

بعد مرور نحو 15 عامًا على إنشاء هيئة اعتماد المؤسسات الصحية، يفتخر الأردن اليوم بعدد كبير من المنظمات المعتمدة، وخبرةٍ جيدة في مكافحة العدوى والجودة وسلامة المرضى، بالإضافة إلى إدارة المخاطر والعديد من البرامج في إدارة الجودة على المستويات التنظيمية والخاصة بالأمراض. ورغم الجهود المبذولة، فقد كان الاعتماد يتزايد بوتيرة بطيئة، ولم يتم اعتماد غالبية مؤسسات الرعاية الصحية حتى الآن.

في الوقت الحالي، لا يتوفر سوى عدد قليل من البيانات لتقييم وعكس جودة الخدمات المقدمة في جميع أنحاء البلاد. لذلك من الضروري إنشاء هيكل للمساءلة، وبناء برنامج قوي للرصد والتقييم، لتزويد مقدمي الرعاية الصحية وصناع القرار بنتائج مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs) مقابل المؤشرات الوطنية والإقليمية والدولية، وفقا لتقرير منتدى الإستراتيجيات الأردني في عام 2022.

ويقول التقرير إنه رغم الكثافة العالية للقوى الصحية العاملة في الأردن، فإن هناك اختلالات في توزيع العاملين بين القطاعات الصحية المختلفة، ومستويات الرعاية الصحية الأولية والثانوية، والمحافظات المختلفة.

وبينما يُعد القطاع غير الحكومي (قطاع المنظمات المدنية والخاصة) المشغلَ الرئيسي للكوادر الصحية في الأردن (وخاصة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة)، يستقطب القطاع الخاص الكفاءات من القطاع العام بسبب العائد المالي المرتفع، مع العلم أنه يحظر على أطباء القطاع العام وغيرهم من العاملين الصحيين العملُ في القطاع الخاص. كما أن هناك زيادة مستمرة في الهجرة الخارجية للكوادر الصحية والفنيين، خاصة إلى دول الخليج. لذلك يعاني القطاع العام من هجرة الكوادر إلى الخارج وإلى القطاع الخاص، مما يشكل تحديا كبيرا فيما يتعلق بتوفر الكوادر المؤهلة والتخصصات المطلوبة في القطاع الصحي العام.

بالإضافة إلى ذلك، هناك نقص في بعض التخصصات الطبية، مثل الطب النفسي وطب الأسرة والأمراض المعدية وطب الطوارئ والتخدير وجراحة الأعصاب وجراحة القلب والأوعية الدموية وغيرها. ومع أن معدل الكوادر العاملة في مهنة التمريض بالأردن أعلى من المعدل الموجود في معظم الدول العربية، فإن هناك نقصا في عدد الممرضات في بعض التخصصات  .

علاوة على ذلك، فإن سوء التوزيع الجغرافي للقوى العاملة في مجال الصحة يسبب نقصًا في المناطق الريفية والأجزاء الجنوبية والشرقية من البلاد، حيث تتركز غالبية القوى العاملة في المنطقة الوسطى، مع تباين جغرافي في توزيع العاملين الصحيين بين المحافظات، وخاصة فئة الأطباء.

ويقول التقرير إنه على الرغم من أن الأردن يتميز بارتفاع نسبي في الإنفاق الصحي وكثافة العاملين في مجال الصحة، فإن نظامه الصحي هش ويتعرض للإرهاق بسهولة، مع توفر أسرّة المستشفيات بنسبة 1.4 سرير فقط لكل 1000 نسمة، وتوزيع غير سليم للقوى العاملة الصحية. وبالتالي، قد يجد نظام الصحة صعوبة في التعامل مع العدد الكبير من الحالات التي قد تصاحب -مثلا- الارتفاع الحاد في حالات كوفيد-19. ويعزى هذا أيضًا إلى حقيقة أن الأردن بلد فقير نسبيًا يعاني من عجز كبير في الميزانية واعتماد كبير نسبيًا على خدمات الصحة العامة.

مقومات النظام الصحي في الأردن

يلخص المستشار الأول للأنظمة الصحية في الأردن، الدكتور موسى طه العجلوني، في تصريحات خاصة “للجزيرة صحة”، المقومات التي يرتكز عليها النظام الصحي الأردني في النقاط التالية:

  • توفر الكفاءات الطبية والتمريضية والمساندة المتدربة والكفُؤة، إذ يبلغ معدل الأطباء والصيادلة والممرضين 32 و20 و38 على التوالي، لكل 10 آلاف مواطن.
  • الاهتمام بالتخصصات الطبية الدقيقة كأمراض وجراحة القلب والأوعية الدموية وأمراض وجراحة الدماغ والأعصاب وأمراض وجراحة الأورام وجراحة العظام وأمراض وجراحة الأطفال ونقل وزراعة الأعضاء وغيرها.
  • مواكبة التكنولوجيا الطبية المتطورة، فالأردن كان سباقا إلى استقدام أحدث الأجهزة في مجال التشخيص، كأجهزة التصوير الطبقي (Scan CT) والرنين المغناطيسي (MRI) وأجهزة الانبعاث الإلكتروني (PET Scan) وأجهزة التداخلات العلاجية والجراحية الحديثة، مثل الكلية الاصطناعية والرئة الاصطناعية و”سكين غاما” (Gamma Knife) وأجهزة الجراحة الميكروسكوبية وغيرها.
  • وجود مراكز تميّز طبية متخصصة على مستوى الإقليم، مثل مركز الملكة علياء لأمراض وجراحة القلب، والمركز الملكي للتأهيل، ومركز الحسين للسرطان، والمركز الوطني للسكري والغدد الصماء والوراثة، والمركز العربي للعلاج بالخلايا الجذعية.
  • تعليم طبي وصحي متقدم على مستوى الدرجة العلمية الأولى وبرامج الإقامة والتخصص والزمالة المعترف بها دوليا، والتي تغطي كافة التخصصات الطبية ويديرها ويشرف عليها المجلس الطبي الأردني.
  • وجود شبكة من المستشفيات الحكومية والعسكرية والخاصة تغطي كافة المناطق الحضرية والريفية، إذ يوجد حاليا في الأردن 120 مستشفى تقدم خدماتها للمرضى الأردنيين وغير الأردنيين، منها 70 مستشفى خاصا، و31 مستشفى حكوميا، و17 مستشفى عسكريا، ومستشفيان جامعيان، وبسعة سريرية إجمالية تقارب 16.2 ألف سرير، بمعدل 14 سريرا لكل 10 آلاف شخص.
  • وجود شبكة واسعة من المراكز الصحية التي تقدم الرعاية الصحية الأولية لجميع السكان، دون حواجز جغرافية أو مالية. وجود شبكة أمان صحي تقدمها وزارة الصحة للسكان من خلال مراكزها الصحية ومستشفياتها، حيث تقدم خدمات رعاية صحية متكاملة ومجانية للمؤمّنين، وبرسوم علاج بسيطة تغطي 20% فقط من تكلفة العلاج لغير المؤمنين، سواء أكانوا أردنيين أو غير أردنيين.
  • وجود برنامج وطني متقدم للتطعيمات يغطي أكثر من 90% من الأطفال، ويقدم مجانا لجميع السكان. توفر سياسات حكومية داعمة للقطاع الصحي تشجع على الاستثمار والتطوير في القطاع الصحي، وباهتمام ومتابعة من الملك عبد الله الثاني، بما انعكس على ارتفاع نسبة الإنفاق على الصحة لتبلغ حوالي 8% من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة عالية مقارنة بالدول ذات الدخل المتوسط كالأردن.
  • وجود صناعات دوائية متقدمة تحظى بمكانة دولية مرموقة وصلت إلى معظم الدول، بما فيها أوروبا وأميركا، إذ يبلغ عدد شركات الأدوية في المملكة 23 شركة، وبذلك تساهم الصناعة الدوائية الأردنية بشكل إيجابي في دعم الاقتصاد الوطني، حيث تعتبر مشغلا رئيسيا وصناعة تصديرية رائدة ورافدا أساسيا للاقتصاد. كما يتميز الدواء الأردني بمطابقته للمواصفات العالمية من حيث الجودة والأمان والفاعلية، فضلا عن سعره المنافس. وتنتج شركات الأدوية الأردنية كافة الأشكال الصيدلانية، وتغطي معظم الزمر العلاجية.
  • يعتبر الأردن من الدول الجاذبة للسياحة العلاجية في المنطقة، حيث احتلت المملكة خلال العقد الماضي المرتبة الخامسة دوليا في مجال السياحة العلاجية، إلا أن هذه المرتبة أخذت تتراجع في السنوات الأخيرة بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة في دول الإقليم، واشتداد المنافسة في هذا القطاع.

مشاكل وتحديات القطاع الصحي

يضيف الدكتور العجلوني أنه رغم النجاح الذي حققه النظام الصحي الأردني في مجال مكافحة الأمراض المعدية والمزمنة، وانخفاض معدلات الوفيات، وارتفاع معدل العمر المتوقع للفرد، واحتلال المملكة مواقع متقدمة في الطب المتخصص والسياحة العلاجية، وارتفاع نسبة المؤمنين صحيا، ووجود نظام وطني لاعتماد المؤسسات الصحية، فإن هذا القطاع يعاني من مشاكل وتحديات كثيرة أهمها:

  • تعدد وتشظي الجهات الحكومية التي تدير وتقدم الخدمات الصحية، وغياب أو ضعف التنسيق بينها.
  • غياب مرجعية وطنية موحدة لحوكمة وقيادة النظام الصحي. التأخر في الوصول إلى التغطية الصحية الشاملة والعادلة للسكان.
  • ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية، وارتفاع نسبة الإنفاق على الصحة من جيب المواطن (حوالي 30% من إجمالي الإنفاق الصحي).
  • تعدد صناديق التأمين الصحي الحكومي (وزارة صحة وخدمات طبية عسكرية وجامعات حكومية)، والازدواجية في برامج التأمين الصحي الحكومي.
  • الاستخدام غير الفعال للموارد المتاحة نتيجة الهدر وعدم التنسيق بين البرامج الحكومية.
  • صعوبة الاحتفاظ بالكوادر البشرية المدربة وهجرتهم. تركيز النظام الصحي على الرعاية الصحية الثانوية والثالثية على حساب الرعاية الصحية الأولية وبرامج الصحة العامة.
  • ضعف تنفيذ مشاريع وبرامج الخطط الصحية الإستراتيجية. ضعف أذرع الرقابة على جودة الرعاية الصحية في القطاعين العام والخاص.
  • ضعف إدارة المؤسسات الصحية وغياب القيادات المتخصصة في الإدارة الصحية.
  • ضعف الرقابة على القطاع الصحي الخاص، وقصور الآليات والروافع الحكومية المحفزة له.
  • عدم وجود نظام معلومات صحي شامل ومتكامل.
  • تراجع سوق السياحة العلاجية
  • هناك كثير من المحددات الاجتماعية (Social Determinants of Health) من خارج النظام الصحي أثرت سلبا على القطاع الصحي في الأردن، وثبّطت نموه في الاتجاه المطلوب، مثل زيادة النمو السكاني الطبيعي، والهجرة القسرية نتيجة لتردي الأحوال الأمنية في بعض دول الجوار، والنمو العشوائي للمدن، وتباطؤ النمو الاقتصادي، وارتفاع الأسعار، وارتفاع نسبة الدين العام، وارتفاع نسب البطالة والفقر، وهجرة الكوادر الصحية المدربة، والتحول النمطي للأمراض من الأمراض المعدية التقليدية إلى الأمراض المزمنة المكلفة، نتيجة شيوع السلوك المجتمعي غير الصحي، خاصة في الغذاء والنشاط البدني وزيادة معدلات التدخين وحوادث السيارات.

لماذا لم نصل إلى التأمين الصحي الشامل لكل السكان؟

ردا على هذا السؤال، قال الدكتور العجلوني إن نسبة المؤمّنين من الأردنيين بالتأمين الصحي ارتفعت إلى نحو 67% في عام 2018، حيث تم تأمين المواطنين المسنين (60 سنة فما فوق)، وتأمين العائلات التي لا يزيد دخلها الشهري عن 300 دينار، وشمول 300 ألف مواطن من المشمولين في شبكة الأمان الاجتماعي التي تقل حصة دخل الفرد في الأسرة عن 1000 دينار سنوياً، إضافة إلى شمول الأطفال (أقل من 6 سنوات) والحوامل بالتأمين الصحي، واعتبار جميع مرضى السرطان (غير المؤمنين) مشمولين بالتأمين الصحي المدني، وبعض الأمراض المزمنة ذات العلاجات المكلفة (هرمون النمو، التصلب اللويحي، وبعض الأجهزة الطبية كجهاز التنفس). ومؤخراً تم تأمين 138 ألف مواطن ممن شملهم برنامج الدعم التكميلي، ومن المتوقع أن تكون نسبة المؤمّنين من الأردنيين قد ارتفعت حاليا إلى نحو 70%، وذلك رغم تضاعف عدد السكان وموجات اللجوء إلى المملكة.

وفي الوقت الراهن، تعمل الحكومة باتجاه التوسع في التأمين الصحي للوصول إلى التأمين الصحي الشامل لجميع المواطنين، وقد أعدت وزارة الصحة خلال العام الماضي، وبالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، خارطة طريق لتحقيق التغطية الصحية الشاملة بحلول عام 2030، ولكن الحكومة لم تعتمدها رسميا لغاية الآن.

وأضاف العجلوني أنه توجد تحديات وأسباب كثيرة تحول دون تحقيق التغطية الصحية الشاملة لكافة السكان في الأردن، ويجب التغلب عليها أو السيطرة على آثارها، ومنها:

ارتفاع تكاليف الرعاية الصحية وتباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع المديونية .تعدد القطاعات الصحية الحكومية وازدواجية الخدمات المقدمة وعدم التنسيق أو التكامل فيما بينها لوجود عدة رؤوس لهذا القطاع تعمل باستقلال مالي وإداري وبرامجي ورقابي، وتتنافس على الموارد الحكومية المحدودة.غياب الآليات التي ترشّد الاستهلاك وتقلل من الهدر والطلب غير المبرر.تعدد الجهات التأمينية في القطاع العام وتباين الأقساط التأمينية وازدواجية التأمين الصحي الحكومي.ضعف الاستثمار في خدمات الرعاية الصحية الأولية التي تعتبر الركيزة الأساسية للوصول إلى التغطية الصحية الشاملة.عدم وجود نظام فعال لتحويل المرضى من المراكز الصحية إلى المستشفيات.ارتفاع نسبة الإنفاق على الدواء وارتفاع أسعار الأدوية الأساسية.التوسع غير المنضبط وغير المخطط له للخدمات الصحية.ضعف أنظمة المعلومات الصحية وغياب أنظمة الربط المعلوماتي.ضعف الإدارة الصحية وغياب تطبيق الأدوات والأساليب الإدارية والمالية والاقتصادية الحديثة.عدم قيام مؤسسة الضمان الاجتماعي بدورها في شمول متقاعديها بالتأمين الصحي.

الأمراض المزمنة تهدد صحة الأردنيين

ويضيف العجلوني أن الأمراض المزمنة هي السبب الرئيسي للمرض والوفيات في الأردن، حيث تشكل 78% من إجمالي الوفيات، وهي في المقام الأول أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان والسكري وأمراض الجهاز التنفسي المزمنة.

وأظهرت دراسة حديثة أجراها المركز الوطني للسكري والغدد الصماء في الأردن، أن 45% من الأردنيين مصابون بداء السكري من النوعين الأول والثاني والسكري الكامن (مقدمات السكري)، في حين بلغت نسبة السمنة 80%، وهو ما يفتح الباب أمام زيادة في أعداد مرضى السكري.

ما أسباب ارتفاع معدلات الضغط والسكري والسمنة بين المواطنين الأردنيين؟

وفقا للعجلوني تشمل الأسباب ما يلي:

  • زيادة الوزن والسمنة.قلة النشاط البدني (40 % من السكان لديهم خمول بدني).
  • ارتفاع نسبة الكوليسترول في الدم، إذ يعاني 20% من الأردنيين البالغين من مستويات مرتفعة للكوليسترول الكلي.
  • العادات الغذائية غير الصحية والإقبال المتزايد على الوجبات السريعة، إذ بينت إحدى الدراسات المسحية الوطنية التي أجريت عام 2020 أن 83% من الأردنيين يتناولون أقل من خمس حصص من الخضروات والفواكه يوميا، وهذا أقل بكثير من التوصيات التغذوية العالمية.
  • ارتفاع معدلات التدخين حيث تبلغ حوالي 70% بين الذكور و20% بين الإناث. وتُصنف المملكة ضمن أعلى 3 بلدان في العالم من حيث نسبة التدخين، كما زادت فيها نسبة استخدام المنتجات الناشئة/الحديثة، بما فيها السجائر الإلكترونية وأجهزة الفيب (Vape) الأخرى، مثل منتجات التبغ الساخنة (Heated Tobacco Products).
  • استخدام الأردنيين للملح ضعف الموصى به عالمياً، إذ توصي منظمة الصحة العالمية البالغين بتخفيض استهلاك الملح إلى أقل من 5 غرامات للشخص الواحد في اليوم.ارتفاع معدلات القلق والضغط النفسي، (قرابة 20% من الأردنيين يعانون من اكتئاب وقلق نفسي).
  • عدم توفر برنامج وطني للفحص الشامل الدوري للفئات المعرضة للإصابة بالأمراض المزمنة.

واقع التأمين الصحي في الأردن

في حوار خاص مع “الجزيرة صحة”، يقول الدكتور منذر الحوارات، نائب المدير العام لمركز الحسين للسرطان لشؤون المرضى، ومدير قسم الطوارئ بالمركز، ومدير مركز سميح دروزة للأورام، إن التأمين الصحي الحكومي يغطي جزءا مهما من الأردنيين، وهم العاملون في الدولة، ولا يقل عددهم مع عائلاتهم عن 3 ملايين، يشكلون تقريباً 45 إلى 50% من نسبة المؤمّنين.

ويضيف الدكتور منذر أن لدى الدولة الأردنية تأمينا آخر هو التأمين العسكري، ويشمل العاملين في الجيش والقوات المسلحة والأجهزة الشرطية، إلى جانب التأمين الجامعي الذي يشكل نسبة 3% تقريبا من حجم التأمينات.

ويتابع “عموما أستطيع القول إن المؤمّنين الأردنيين بشكل عام سواء أكانوا في قطاع وزارة الصحة، أو القطاع العسكري أو القطاع الجامعي أو القطاع الخاص، تصل نسبتهم إلى 72% من السكان، في مقابل 28% لغير المؤمنين”.

ومع ذلك، يعتبر الدكتور منذر أن جميع الأردنيين مؤمنون من الناحية العملية، بمعنى أنهم يمكنهم الحصول على تغطية للعلاج، وذلك بالنظر إلى أن غير المؤمنين رسميا يمكنهم الحصول على الإعفاء من الديوان الملكي أو رئاسة الوزراء، كما أن كل مواطن غير مؤمن إذا بلغ من العمر 61 سنة فسيحصل تلقائيا على تأمين صحي، بل حتى أصحاب الجوازات المؤقتة يمكنهم الحصول على إعفاء من مكتب الأمير غازي. هذا بالإضافة إلى أن المرضى المزمنين من غير المؤمنين يمكن تغطية علاجاتهم عبر بطاقة “شفاء”.

تأثير أزمات اللجوء على وضع القطاع الصحي

يقول الدكتور منذر الحوارات إن أزمات اللجوء التي يعيشها الأردن أثرت سلبًا على قطاعه الصحي، وراكمت الضغط عليه، مما أدى إلى تأخر المواعيد وتراجع الكفاءة الطبية، ومن ثم إلى نقص الحوكمة.

ويوضح “أنا كمخطط للسياسات الطبية أعتمد على النمو السكاني الطبيعي، وأحسب على مدًى استراتيجي من 10 إلى 15 سنة، وأبني المراكز الطبية والمستشفيات وأوفر الكادر الطبي والتمريضي وكل الأدوات اللازمة لصيرورة العملية الطبية، لكن عندما أخطط لزيادة سنوية في عدد السكان بمقدار 200 ألف نسمة مثلا، ثم تحدث زيادة مفاجئة بمقدار 1.5 مليون (لاجئ) فسيؤثر ذلك سلبا على القطاع الصحي بأكمله”.

دعم مرضى السرطان

سألنا الدكتور الحوارات عن مرضى السرطان المتعافين أو الذين يتلقون رعاية تلطيفية، وهي رعاية للمراحل المتأخرة من المرض: هل يمتلكون شبكة حماية سواء على الصعيد الاجتماعي أو النفسي أو الاقتصادي، خاصة أن الكثير منهم عندما يبدؤون مرحلة العلاج قد يتوقفون عن العمل أو يفقدون وظائفهم؟ فأجاب بالنفي، لكنه استدرك بالقول إنه “مع بداية تطور المجتمع وتطور نظرته لمريض السرطان، بدأت تتشكل جمعيات تساعد هؤلاء المرضى في شؤون حياتهم، فمثلا، عندنا في مركز الحسين للسرطان يحصل المرضى الفقراء أثناء علاجهم على السكن ووجبات الطعام، كما يحصل الفقراء القاطنون في أماكن بعيدة على تذاكر للتنقل إلى المركز”.

ما التغيرات التي شهدها القطاع الصحي الحكومي خلال 25 عاما؟

قالت وزارة الصحة الأردنية في تصريحات خاصة “للجزيرة صحة”، إنه منذ عام 1999 ولغاية أغسطس/آب 2024 تحققت الأمور التالية:

  • توسع الخدمات الصحية خلال هذه المرحلة لتشمل أنحاء البلاد كافة من أجل تحقيق العدالة وتسهيل وصول المواطنين إلى الخدمات الصحية، فأنشئت 8 مستشفيات حكومية جديدة ليرتفع عددها إلى 31 مستشفى عام 2023، وزاد عدد الأسرّة في المستشفيات الحكومية من 3222 سريرا عام 1999 إلى 5884 سريرا عام 2023.
  • بهدف تحسين جودة الخدمات الصحية نفّذت وزارة الصحة برامج متخصصة لتطوير الجودة وتحسين الأداء العام، إذ حصل على الاعتماد العام من مجلس اعتماد المؤسسات الصحية 18 مستشفى حكومياً في وزارة الصحة و100 مركز صحي و18 وحدة لتصوير الثدي.
  • في العام 2023، تم التوسع في تقديم الخدمات الصحية من خلال توسعة وصيانة 53 مركزا صحيا شاملا وأوليا، وافتتاح 6 مراكز أخرى.
  • انتشار المراكز الصحية حتى بلغ عددها في وزارة الصحة 642 مركزا، بعد دمج بعض المراكز الأولية وإلغاء بعض المراكز الفرعية بهدف تقديم خدمات نوعية، حيث أصبح عدد المراكز الصحية الشاملة 128 مركزا، وعدد المراكز الأولية 370 مركزا، بينما أصبح عدد المراكز الصحية الفرعية 144 مركزا.
  • ارتفاع عدد الخدمات العلاجية التي تقدمها وزارة الصحة ضمن منشآتها المختلفة والمنتشرة في كافة أنحاء المملكة، من 21 مليون خدمة علاجية في العام 1999 إلى نحو 70 مليونا في العام 2023.

المستشفيات التي تم إنشاؤها بين عامي 1999 و2024:

  • مستشفى الدكتور جميل التوتنجي، تم افتتاحه عام 2001 بسعة 151 سريرا.
  • مستشفى الملكة رانيا العبد الله، تم افتتاحه عام 2002 بسعة 86 سريرا.
  • مستشفى الأميرة سلمى، تم افتتاحه عام 2003 بسعة 38 سريرا.
  • مستشفى الأمير حمزة، تم افتتاحه عام 2006 بسعة 459 سريرا.
  • مستشفى الرمثا، تم افتتاحه عام 2007 بسعة 110 أسرة.
  • مستشفى الأمير حسين بن عبد الله، تم افتتاحه عام 2010 بسعة 114 سريرا.
  • مستشفى البادية الشمالية، تم افتتاحه عام 2016 بسعة 92 سريرا.
  • مستشفى الطفيلة، تم افتتاحه عام 2022 بسعة 124 سريرا.

زيادة عدد الأطباء في وزارة لصحة

تقول وزارة الصحة الأردنية إنه في مجال بناء القدرات البشرية، حقّقت الوزارة قفزة كبيرة في تأهيل القدرات البشرية بالقطاعات الطبية والصحية خلال الفترة 1999-2023، فقد تضاعفَ على سبيل المثال عدد الأطباء في الوزارة بمختلف فئاتهم، حيث زاد عدد الأطباء العامين من 1028 طبيبا عام 1999 إلى 1736 طبيبا عام 2022، وارتفع عدد الأطباء المقيمين من 711 طبيبا عام 1999 إلى 3142 طبيبا عام 2023، كما زاد عدد أطباء الاختصاص ليصل إلى 1656 طبيبا عام 2022 بعدما كان عددهم 899 طبيبا عام 1999.

كذلك، ارتفع عدد الأطباء المبتَعثين للتخصصات الأساسية والتخصصات الفرعية، والأطباء المقبولين في برامج الإقامة والبعثات والزمالات لزيادة أعداد الاختصاصيين منهم. وتم خلال العام 2023 ابتعاث 60 من أطباء التخصصات الأساسية والفرعية، وقبول 493 طبيبا ضمن برامج الإقامة المختلفة للأطباء. كما تم تدريب أكثر من 2020 من الكوادر الصحية خلال العام 2023 في مركز تدريب الإنعاش القلبي الرئوي، وتدريب 112 موظفا من الكوادر الطبية المتخصصة من خلال دورة الرعاية التأسيسية.

التطورات التشريعية

تقول وزارة الصحة إنه في عام 2018 تم إصدار قانون المسؤولية الطبية والصحية، الذي شكّل خطوة مهمة في سبيل تعزيز ممارسات المساءلة الطبية ونشر ثقافتها، وحماية حقوق المرضى وحقوق الأطباء والعاملين. كما عمل القطاع الصحي على وضع أدلّة إجراءات وبروتوكولات معيارية على المستوى الوطني تعالج العديد من المسائل في الرعاية الطبية.

وشهدت الفترة 1999-2023 إقرار 355 تشريعاً طبياً وصحياً أبرزها: تعديل قانون الصحة العامة رقم (47) لسنة 2008، وإصدار قانون المسؤولية الطبية والصحية رقم (45) لسنة 2018، وإقرار نظام التطوير المهني المستمر رقم (46) لسنة 2018، وإصدار نظام معدل لنظام المستشفيات الخاصة.

كما تم إصدار وتعديل 55 تشريعا ناظما للرعاية الصحية خلال الأعوام 2021-2023، من أبرزها: إصدار قانون جديد للمجلس الطبي الأردني، ونظام الرعاية الصحية والطبية المقدمة عن بعد.

في مستشفى البشير بالعاصمة عمان

زرنا مستشفى البشير الواقع في حي الأشرفية بالعاصمة الأردنية عمان.. حينما يصل المرضى إلى مستشفى البشير تقابلهم الكثير من الأبنية المتناثرة داخل حدود مجمع المستشفى، والمتواجدة بين مربع سكني مكتظ وحركة مرورية عالية.

يحتوي المستشفى على العديد من الأقسام الطبية، مثل الباطنية وجراحة العظام والأعصاب والأطفال والنسائية والتوليد والأنف والأذن والحنجرة والتخدير والعيون وعلاج وجراحة الأسنان. كما يحتوي على مختبر متطور وصيدلية تتوفر فيها معظم أنواع الأدوية التي يحتاجها المرضى.

ويعتبر قسم الإسعاف والطوارئ بمستشفى البشير أحدَ أكبر أقسام الإسعاف والطوارئ في المملكة من حيث العمل وعدد المراجعين يوميا .

ويُعرف مستشفى البشير بالمستشفى الحكومي الذي يلجأ إليه الكثير من المرضى الذين لا يستطيعون ارتياد المستشفيات الخاصة، نظرا لعدم قدرتهم على تحمل التكاليف المالية للعلاج، ويقوم بمهام علاج التحويلات الطبية من المراكز والمستشفيات الأخرى في المملكة.

تأسس مستشفى البشير عام 1954، وتم تطويره عام 2020، وإنشاء مبنى كبير للإسعاف والطوارئ، وبذلك أصبحت المساحة الإجمالية للمستشفى تبلغ 156 دونما.

ووفقا لوزارة الصحة الأردنية، نال مستشفى البشير سمة الاعتمادية من قِبل مجلس اعتماد المؤسسات الصحية في عام 2024، وبدأ تطبيق برنامج حكيم لحوسبة ورقمنة شؤون المرضى منذ عام 2016. وفي عام 2023، أصبح المستشفى يستقبل يومياً أكثر من 12 ألف مراجع، ويصرف ما يزيد عن 9000 وصفة علاجية، ويجري أكثر من 100 عملية مبرمجة، كما تبلغ طاقته الاستيعابية 1152 سريرا. ويعمل في المستشفى كادر طبي يضم 3300 شخص، منهم نحو 1000 طبيب.

يواجه مستشفى البشير عدة صعوبات، منها أن “عدد المراجعين اليومي أكثر بكثير من طاقته الاستيعابية، كما أن مستوى الخدمات الصحية التي يقدمها يتذبذب من قسم إلى آخر”، وفقا لما يقوله مرضى اعتادوا مراجعة أقسامه الطبية.

تأخر مواعيد العمليات الجراحية

من الشكاوى التي سمعناها من بعض المراجعين لمستشفى البشير؛ التأخر في مواعيد العمليات الجراحية والذي قد يصل لعدة أشهر، نظرا للعدد الكبير للعمليات المحولة إلى المستشفى.

وبينما اشتكت سيدة كانت ترافق قريبتها في أحد أقسام المستشفى من سوء الخدمة المقدمة، مما أدى إلى شعورها بالتعب النفسي من تجربتها خلال فترة إقامتها، قال مراجع آخر إن الأطباء في مستشفى البشير يتميزون بالجدارة الطبية.

مراجع ثالث سألناه عن جودة الخدمات المتوفرة، ليجيب أن هناك التزاما جيدا بمواعيد تقديم وجبات الطعام للمرضى، وزيارة الطبيب لهم تتم كل صباح في موعد محدد، لكنه لفت إلى أن هناك تأخيرا في قدوم بعض الممرضات إلى غرف المرضى. كما تحدث بعض المراجعين عن اكتظاظ في غرف بعض الأقسام، مثل قسم الحروق بالمستشفى.

خصوصية المريض

وعن موضوع الخصوصية، جمعنا تعليقات من بعض المراجعين تفيد بأن المريض لا تُحترم خصوصيته، إذ يقوم الكادر الطبي والتمريضي وحتى الزوار بفتح ستائر أسرّة المرضى من دون سابق إنذار، ولعدة مرات في اليوم.

وأفادت مرافقة لمريض في قسم العمليات الجراحية بقسم الطوارئ أن هناك تأخرًا في تشخيص الحالة المرضية وفي إجراء العملية الجراحية لابنها الشاب الذي تعرض لظرف صحي معين.

بالمقابل وجهت مرافقة لزوجها المريض في أحد الأقسام شكرها للكادر الطبي من حيث المعاملة والترحيب وتقديم العلاجات اللازمة خلال إقامته بالمستشفى لمدة أسبوع. كما أفاد أحد المرضى بتسهيل إجراءات عملية نقل الدم إليه من خلال الموظفين المختصين بتقديم الخدمة.

هذه الملاحظات سألنا عنها أطباء -نمتنع عن ذكر أسمائهم- يعملون في وزارة الصحة الأردنية، فلفتوا إلى أنه من الممكن حدوث تأخير في مواعيد العمليات الجراحية، لكن ذلك يعتمد على الحالة، فجميع المرضى يَعتبرون أن حالتهم طارئة وتحتاج إلى عملية فورية، بينما نظام مواعيد العمليات يعطي الأولوية للحالات الطارئة، أما الحالات غير الخطيرة فيمكن تأجيلها طالما أن ذلك لا يؤثر على صحة المريض.

وبالنسبة لموضوع الخصوصية، أكد أحد الأطباء أن مهنة الطب تحترم خصوصية المرضى، وهذا ينطبق على كادر مستشفى البشير ووزارة الصحة، وإذا ما رأى المريض انتهاكا لخصوصيته فعليه التوجه إلى مدير المستشفى أو وزارة الصحة وتقديم ملاحظته بهذا الشأن.

هل يوجد تراجع في مستوى الخدمات الصحية؟

طرحنا هذا السؤال على الدكتور زياد الزعبي، نقيب الأطباء الأردنيين ونائب رئيس اتحاد الأطباء العرب، فأجاب قائلا: “دعنا نقسم الخدمات الصحية إلى القطاع العام والقطاع الخاص، القطاع العام تمثله وزارة الصحة بشكل رئيسي، وهذا يشكل ما يقارب 35% من المؤمنين لدى الدولة، وإذا ما أضفنا إليهم التأمين الصحي للأطفال دون سن 6 سنوات أو كبار السن، فتكون الوزارة بذلك تغطي 40-45% من السكان، وهناك ما يقرب من 20-25% مؤمّنون في مستشفيات ومراكز القوات المسلحة، و5% تؤمنهم منظمات دولية مثل وكالة الأونروا وغيرها.. الآن في القطاع الحكومي هناك تزايد في أعداد المراجعين نظرا لسببين رئيسيين: أولهما؛ الزيادة المطردة في عدد السكان والتي لا توازيها زيادة في تعيينات الأطباء العامين منهم أو الاختصاصيين، ولذلك أصبح هناك ازدحام وتراكم على مراكز الرعاية الصحية الأولية وعيادات الاختصاص والمستشفيات في القطاع العام وفي المستشفيات العسكرية.

السبب الثاني هو الطفرة السكانية التي حدثت بسبب اللاجئين من الدول العربية المجاورة، بصفة رئيسية من سوريا واليمن والسودان والعراق، وهؤلاء أيضا تؤمن لهم الوزارة الخدمات الصحية، وبالتالي أصبح عدد المراجعين لا يتناسب مع عدد الأطباء”.

وأضاف الدكتور الزعبي أنه “في القطاع الخاص، الأمر معكوس تماما، إذ لا يوجد إطلاقا تراجع في مستوى الخدمات، بل ازداد تقدما وازدهارا وتم افتتاح مستشفيات كثيرة، ولكن هناك تراجع في السياحة العلاجية لسببين رئيسيين هما: القيود الأمنية على دخول المرضى من بعض الدول التي كانت تورد المرضى، مثل السودان وليبيا واليمن. والسبب الثاني هو جائحة كورونا وما فرضته من أزمة في قيود الدخول والخروج”.

وتابع بالقول “أصبحنا نرى ما يمكن تسميته بالبطالة المقنّعة في القطاع الخاص، والدليل على ذلك أن بعض المستشفيات تواجه نقصا شديدا في عدد المرضى المراجعين، وبالتالي تعاني من أزمة مالية، حتى إن بعضها أغلق أبوابه، لأن هذه الاستثمارات بنيت في التسعينيات والعقدِ الأول من القرن الحالي اعتمادا على المرضى القادمين من الخارج، فخلال الأعوام 2010-2012 مثلا كان نحو 50% من المرضى في القطاع الخاص من جنسيات عربية”.

كما أشار الدكتور الزعبي إلى أمر آخر يرى أن يؤخذ في الاعتبار، وهو أن “الوضع الاقتصادي جعل معظم المرضى الذين يعالجون في المستشفيات الخاصة هم من المرضى المؤمنين في شركات التأمين التي تغطي تقريبا 20% من المرضى، فإذا حسبنا 65% من المؤمنين في وزارة الصحة والخدمات الطبية الملكية يتبقى تقريبا 15% هي نسبة غير المؤمنين، وهؤلاء إذا احتاج أحدهم إلى عملية جراحية كبرى ولا يستطيع الدفع فإنه يلجأ إلى ما يسمى الإعفاءات الملكية أو إعفاءات الديوان الملكي ورئاسة الوزراء، ويذهب إلى مستشفيات الوزارة والمستشفيات الجامعية والعسكرية”.

هل يشهد الأردن هجرة للأطباء إلى الخارج؟

قال الزعبي “يوجد حاليا 6 كليات طب في الجامعات الحكومية وكليتان في جامعات خاصة، وعدد الذين يدرسون الطب الآن في الأردن يبلغ 22 ألفا مقسمين على 6 سنوات، ومثل هذا العدد يدرس الطب في الخارج، وهذا يعني أنه سيتخرج خلال السنوات الست القادمة حوالي 40 ألف طبيب، وهذا العدد يوازي عدد الأطباء في النقابة منذ تأسيسها عام 1954 حتى الآن، وبالتالي أصبح لدينا بطالة في الأطباء حديثي التخرج والاختصاصيين الجدد، وبطالة مقنعة بين أطباء القطاع الخاص. الآن مثلا، أكبر عدد تم توظيفه في القطاع العام ما بين الصحة والمستشفيات الجامعية كان 1000 طبيب، فعندما يكون عدد الخريجين بين 2000 و3000 طبيب، سيكون حتما لدينا بطالة، وهؤلاء سيهاجرون أو يبقون في البلد”.

وأضاف أن “الهجرة تقسم إلى نوعين: في الأول، يذهب الطبيب إلى أميركا وبريطانيا وألمانيا، ليحصل على الاختصاص، وفي الثاني، يهاجر الطبيب إلى الخارج للعمل”. ويشير إلى أنه “حاليا لا يوجد عندنا نقص في القطاع الخاص ولا في الخدمات الطبية الملكية، ولكن يوجد نقص في وزارة الصحة، فالوزارة عندها مشكلتان: قلة التعيينات، وعدم قدرتها على الاحتفاظ بالأطباء لفترة الطويلة، وذلك لتدني الرواتب مقارنة مع الجامعات والقطاع العسكري”.

هل تحول الطب في الأردن إلى تجارة؟

سألنا نقيب الأطباء عن مدى صحة ما يقوله البعض من أن الطب في الأردن تحول إلى تجارة، فأجاب بالقول إن “أي طبيب في القطاع الخاص هو مستثمر، ولو استعرضنا المستشفيات القائمة في الأردن لكان المؤسس لأغلبها أطباء بذلوا جهودا كبيرة، وبنوا مستشفيات متقدمة جدا واستقطبوا مرضى من خارج الأردن. هناك حالات فردية من الأطباء أو المستشفيات قد تتم المبالغة في تحديد أجورهم وفواتيرهم، وهذه خاضعة لرقابة جهتين، الأولى هي نقابة الأطباء، إذ لديها لائحة أجور معتمدة، وستصدر في الأيام القليلة القادمة لائحة جديدة، هذه اللائحة منصفة للأطباء، فكل من يتقاضى دينارا واحدا زيادة عن لائحة الأجور، يُمكن للمريض أن يشتكي لدى النقابة وهي تتعهد بإعادة أي مبلغ إضافي للمريض”.

وأضاف أن “الجهة الثانية التي تراقب المستشفيات وأسعارها وفواتيرها هي وزارة الصحة، فهناك تسعيرة من الوزارة للإقامة في الغرفة، وتسعيرة للفحوصات ولكل الخدمات.. المشكلة أن المريض يرى الاستغلال، ولكنه لا يشتكي، علما بأن النقابة لديها لجنة شكاوى مختصة بالأجور والأتعاب”.

التدخين في الأردن.. المواطن يحرق صحته

يسجل الأردن نسبا عالية في التدخين، وهو أمر يمكن ملاحظته في كل مكان. ويرى مسؤولون وخبراء أن هناك حاجة إلى مزيد من الإجراءات للتعامل مع وباء التبغ، لأن استمراره سيؤدي إلى تفاقم الأمراض المزمنة، وزيادة كلفة الرعاية الصحية على المواطن وخزينة الدولة.

تقول الأميرة دينا مرعد، الرئيسة الفخرية للمؤسسة الأوروبية لأبحاث وعلاج السرطان، والمديرة التنفيذية السابقة لمؤسسة الحسين للسرطان، والرئيسة السابقة للاتحاد الدولي لمكافحة السرطان، في حوار خاص مع “الجزيرة صحة”، إن نسبة التدخين بين الذكور من سن الثامنة عشرة فما فوق، تبلغ قرابة 67%، و17% لدى الإناث، وهي في تزايد، مضيفة أن الأخطر من ذلك أن هذه النسبة لدى الشباب بين 13 و15 سنة، وصلت إلى 33%.

وردا على سؤال عن المتقدم حتى الآن في الحرب بين مكافحي التبغ وشركات التدخين في الأردن، أجابت الأميرة دينا وبدون تفكير “شركات التدخين”.

وأضافت أن هذه الشركات “شركات ربحية لها هدف واحد، أن تستحوذ على رئات شبابنا، وتفضل أن يبدأ الشاب التدخين في سن مبكرة، أي ما بين العاشرة والسادسة والعشرين، لأن هذه الشركات اكتشفت أن الشخص إذا لم يبدأ بتدخين السجائر مبكرًا فلن يصل إلى مرحلة الإدمان، أي عندما يبلغ الشخص السادسة والعشرين من العمر دون أن يدخن، فلن يصل إلى مرحلة الإدمان”.

وتابعت “لذلك يكثفون جهودهم وكل ميزانياتهم الضخمة، التي يجب علي أن أقول إنها ميزانيات تفوق ميزانيات دول، ويستخدمون أحدث الأسس العلمية والتسويقية ليحمل الشباب السيجارة، حتى إن لديهم استراتيجيات تم اكتشافها بوثائق سرية في إحدى المرات.. هذه الاستراتيجيات لها أسماء، منها ما يسمى المرحلة التمهيدية، وأسلوبها أنهم يبدؤون من المدارس، ويحاولون دخول حياة الشباب والإحاطة بها من كل الجوانب، ثم المرحلة التجريبية، والمرحلة الاستهلاكية، ومن ثم مرحلة الإدمان التام، فهم يصلون بالشباب من المرحلة الأولى وهي تجربة التدخين للمرة الأولى، إلى مرحلة تدخين علبة كاملة من السجائر يوميا، وبعد ذلك إلى مرحلة الإدمان”.

تواصل الأميرة دينا حديثها وتقول “نحن من أولى الدول التي وقعت على اتفاقية منظمة الصحة العالمية لمكافحة التبغ عام 2001، وعندنا قانون صحة رائع، وتم تعديله عدة مرات لمكافحة التبع، لكن للأسف لم يكن هناك أي تطبيق حتى الآن.. الأردن مع الأسف يتصدر قوائم الدول لأعلى نسب التدخين في العالم، وهذا شيء مؤسف للغاية؛ لأنه في الحقيقة أنت لا تريد أن تحول شَعبَك إلى شعب مريض، وخصوصًا الشباب، فعندما يكبرون لن يكون لديك في هذه الحالة شعب مريض فقط، بل شعب ذليل للسجائر ومنتجات التبغ، شعب يحرق جيوبه ويخسر صحته لتمويل هذه الشركات الضخمة.. للأسف نحن الآن في وضع صعب للغاية”.

هل هناك تقصير حكومي في مواجهة التدخين؟

أجابت الأميرة دينا “في السابق نعم، لأنه لم يكن هناك تطبيق لقانون حظر التدخين في الأماكن العامة، ولكن نأمل كثيرا بعد توجيهات الملك عبد الله الثاني؛ أن تكون هناك جدية كبيرة، وسنبدأ العمل بقرار سياسي جاد بضرورة مكافحة التبغ، وإلا سنصل إلى الهاوية”.

وأضافت “هناك ضرائب على السجائر، ولكنها غير كافية.. لدينا مثلا تجربة الفلبين بهذا الخصوص، حيث فرض المسؤولون ضريبة عالية على السجائر ليخففوا الطلب، وخصصوا موارد هذه الضرائب لصندوق خاص لعلاج مرضى السرطان مجانا، وسموها ضريبة مكافحة السرطان”.

من جهته، قال الدكتور محمد حسن الطراونة، استشاري الأمراض الصدرية، والأمين العام لأطباء الصدرية العرب، في حوار مع “الجزيرة صحة”، إن “هناك مجموعة أمراض منتشرة في المجتمع الأردني ترتبط بارتفاع نسبة استخدام التبغ، مثل تهيج القصبات الهوائية، والالتهابات الرئوية المتكررة، والربو القصبي، وأكثر هذه الأمراض: الانسداد الرئوي المزمن الناتج عن التدخين، وتليّف الرئة.

وهناك أمراض أخرى تزيد احتمالات الإصابة بها مع استعمال التدخين أو التبغ، وهي الأمراض المتعلقة بالجهاز الوعائي الدوراني وتصلب شرايين القلب، والجلطات الرئوية، وتصلب الشرايين في الأطراف، كالأطراف السفلية. كما أن التدخين يزيد من خطر سرطانات الرئة، والمريء، والشفاه، والجلد، والجهاز الهضمي، والمسالك البولية، علما بأن تشخيص هذه الأمراض وعلاجها مكلف للغاية”.

وأضاف الطراونة “يجب أن يكون هناك توازن بين الاقتصاد والصحة.. نحن نعلم أن السجائر أو بيع التبغ يدر أموالا كبيرة على الحكومات من حيث الضرائب والجمارك والتصنيع وغير ذلك، ولكن معالجة الأمراض الناتجة عن التبغ أعلى بكثير من الأموال التي ستحصّلها الدولة من بيع مشتقاته”.

بدورها، تقول الدكتورة لاريسا الور، أمينة سر جمعية “لا للتدخين في الأردن” ومن مؤسسيها، في تصريحات خاصة “للجزيرة صحة” حول واقع استخدام التبغ في المملكة بين فئة المراهقين ومن هم تحت سن الثامنة عشرة، إن “الوضع لدينا سيئ جدا في الوقت الحالي، وأهم نقطة يجب أن نتذكرها هي أن المجتمع الأردني مجتمع يافع، فعندما يكون لدينا نسبة عالية من التدخين بين اليافعين فهذا يعني وجود مشكلة كبيرة.. لسنا مجتمعا متقدما في العمر، إذ 50% من سكان الأردن تحت عمر 19 عاما، وهذا يعني أننا مجتمع يافع، فعندما يكون لدينا 34% من الذكور و14% من الإناث، أي 24% من الفئة العمرية بين 13 و15 سنة؛ من المدخنين للسجائر أو الأراجيل، وهذه إحصائية من عام 2013، فإن هذا يعني أن لدينا مشكلة كبيرة”.

ووفقا لدراسة كان التدخين ضمن المحاور التي جُمعت فيها أرقام، للفئة العمرية بين 12 و18 سنة، بلغت نسبة تدخين السجائر بين الذكور 12.2% وبين الإناث 8%، وتدخين الأرجيلة 21.5% بين الذكور و17.3% بين الإناث، وتدخين السجائر الإلكترونية 18.5% بين الذكور و12.5% بين الإناث، مما يعني أن لدينا أكثر من 50% من الذكور يتعاطون أحد هذه الأنواع، بينما تقترب النسبة لدى الإناث من 38%.

وأضافت أنه “في الدراسة التي نشرتها منظمة الصحة العالمية حديثا، كان الأردن ضمن الدول الست الأولى في العالم من حيث ارتفاع نسب التدخين، من بين أكثر من 190 دولة، بما يعني أننا للأسف من أكثر الدول التي تشهد ارتفاعًا في نسب انتشار التدخين”.

تطبيع للتدخين

وتابعت الدكتورة لاريسا “عندما يكون التدخين أمرا معتادًا لدينا فهذا يعني أن لدينا تطبيعا للتدخين.. الطفل لدينا يشاهد التدخين في كل مكان”.

وقالت “تظهر الدراسات العالمية التي بحثت في الشباب أن 90% من مدخني السيجارة الإلكترونية بدؤوا تدخينهم عن طريق النكهات، وأنه لو لم تتوفر تلك النكهات لما دخنت تلك النسبة. وفيما يتعلق بالنكهات المفضلة لديهم، طبعًا هذه الدراسات للأسف موجودة لدينا، وأظهرت في أغلبها أن نكهة الفاكهة هي النكهة المفضلة، تليها نكهة السكاكر، ومن ثم نكهة النعناع والمنثول، فهذه النكهات موجودة في السجائر الإلكترونية وفي المعسّل، وهذه عوامل تساعد على انتشار هذه المواد بين اليافعين والشباب، وفي ذات الوقت تزيد من إدمانها. كما أن ثلث المدخنين للسجائر الإلكترونية في مرحلة البداية تحولوا لاحقا إلى تدخين السجائر التقليدية، ويجب أن نكون أيضا مدركين، وهذا حسب دراسات عالمية، وهي في مرحلة معينة”، مضيفة أنه حاليا “يوجد 16 ألف نكهة للسجائر الإلكترونية”.

الأبحاث السريرية في الأردن

قالت الأميرة دينا، إن الأردن يتبوأ موقعا متميزا في الأبحاث السريرية (الدراسات الطبية التي تجرى على البشر)، وأضافت “نحن من أولى الدول التي وقعت أو أنجزت قانونا خاصا للأبحاث السريرية في عام 2001، وتم بعدها إدخال تعديلات عليه وتنقيحه من قبل خبراء، وصدر بشكله النهائي في عام 2011″، مشيرة إلى أنه يتم إجراء أبحاث سريرية في مؤسسة الحسين للسرطان.

التجارب السريرية على علاجات السرطان.. هل تحول الأردنيين إلى فئران تجارب؟

سألنا الأميرة دينا “البعض قد يقول إنكم بذلك تحولون الأردنيين إلى فئران تجارب عبر إشراكهم في هذه التجارب السريرية”، فأجابت أن هذه الأدوية لا تصل إلى التجارب السريرية إلا بعد تسجيلها درجة عالية من الأمان والسلامة للمريض، وهذه التجارب منظمة بقوانين محلية دولية وعالمية”.

وقالت “في السابق لم يكن لدينا أصلا فرصة للمشاركة في هذه الأبحاث، وكانت تخضع لاحتكار الدول المتقدمة”، مؤكدة على “الفوائد التي تقدمها هذه التجارب للمرضى في الأردن، وهذا يعطينا فرصة عمل تجارب سريرية خاصة بنا وبجينات شعبنا”.

خدمات الصحة النفسية في الأردن.. تغطية شاملة لكل من يحمل الرقم الوطني

أكد الدكتور محمد الطعاني، مدير المركز الوطني للصحة النفسية في الأردن، وأخصائي الطب النفسي وعلاج الإدمان، في حوار خاص مع “الجزيرة صحة”، أن خدمات الصحة النفسية في المملكة منتشرة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، تغطيها 52 عيادة موزعة على أرض الوطن، يعمل بها أخصائيون نفسيون من أفضل المستويات في العالم.

وقال الطعاني، إن “أي شخص يحمل الرقم الوطني الأردني مؤمّن تأمينا كاملا في علاج أي مرض نفسي يصيبه، ويغطي هذا التأمين بداية من زيارات العيادات؛ الأمراض النفسية المزمنة وغير المزمنة، فهو يغطي كل الأمراض النفسية بشكل عام من قبل وزارة الصحة بدون أي تكاليف تذكر، بما يشمل أيضا الخدمات النفسية في علاج الإدمان كاملا، ووضع المريض في المصحة النفسية بالمركز الوطني لعلاج الإدمان.

كما تشمل التغطية صرف الأدوية، حيث تم في الآونة الأخيرة دعم مطلق من وزارة الصحة لإدخال الأدوية الحديثة في علاج أمراض الذهان والاكتئاب، وبعض الأدوية تكلفتها عالية، إذ تتجاوز شهريا آلاف الدنانير، وهذه مغطاة بالكامل من وزارة الصحة، وحتى الأدوية التي تطرح في الأسواق الأميركية تتوفر لدينا، ورغم تكلفتها العالية يتم تأمينها بدون أي مقابل مادي للمواطنين إذا استدعى الحال”.

وأضاف الطعاني أن وزارة الصحة الأردنية “تتحمل تقريبا ما لا يقل عن 85% من العلاج النفسي، أي أن 85% من الأشخاص الذين يحتاجون إلى هذا العلاج يتعالجون في مستشفيات الوزارة”.

ما طريقة المراجعة للحصول على خدمات الصحة النفسية؟

يقول الدكتور الطعاني “فيما يخص طريقة المراجعة في وزارة الصحة للرعاية النفسية، إذا شعر أي شخص أنه بحاجة إلى رعاية نفسية أو حتى استشارة فقط، لدينا في الوزارة نظام الصحة الأولية، وبإمكان هذا الشخص أن يراجع أي مركز صحي قريب من بيته، وعادة ما يكون هناك طبيب أسرة أو طبيب عام، فيتم تقديم الشكوى النفسية إلى طبيب الأسرة الذي يكون على دراية كافية ببعض الأمراض النفسية أو كلها، حيث إن أطباء الأسرة يتم تدريبهم في الطب النفسي لفترة ثلاثة إلى ستة أشهر، فعادة عن طريق طبيب الأسرة يمكن أن تُحل مشكلة المريض”.

ويضيف أن “بعض العلاجات مثل مضادات الاكتئاب البسيطة يمكن أن تصرف عن طريق طبيب الأسرة، وإذا استعصى الأمر، يتم تحويله إلى أقرب عيادة في الطب النفسي، وكما ذكرت لك، عيادات الصحة النفسية منتشرة في جميع بقاع الأردن، وبعد تحويله يعاينه الطبيب أو الأخصائي النفسي ويشخص حالته، وإذا استدعى العلاج أو الإرشادات -أحيانا لا يشترط أن يوصف له العلاج مباشرة- فيمكن مثلا إعطاؤه بعض الإرشادات لتغيير أسلوب حياته، بممارسة الرياضة مثلا أو أن ينال قسطا جيدا من النوم، أو يعطيه بعض النصائح التي يمكن ممارستها في المنزل لتخفف من وطأة الحالة النفسية، فليس من الضروري أن يكون المرض نفسيا، بعد ذلك نراقب مدى استجابته بعد أسبوع، وهكذا نتابع المريض بشكل عام”.

على الصعيد الطبي النفسي.. هل الأردنيون سعداء؟

هذا السؤال توجهنا به إلى الدكتور علاء ضامن الفروخ، رئيس جمعية الأطباء النفسيين الأردنية، وعضو مجلس نقابة الأطباء الأردنية، فأجاب في حوار خاص مع “الجزيرة صحة”، بالقول “طبعا مثل هذه الأسئلة لا يجاب عليها، لأن السؤال الجمعي لا يمكن أن يكون دقيقا، فنحن لا نستطيع الحكم على كل الشعب الأردني إن كان سعيدا أو لا.. أعتقد أن كثيرا من الأردنيين ليسوا سعداء، وهذا لا يعني بالضرورة أن لديهم اكتئابا، لكنهم ليسوا سعداء لظروف كثيرة، جزء منها ظروف داخلية، مثل الضغوطات الاقتصادية الموجودة والمعروفة لدى الناس، وجزء منها التأثر بالظروف الإقليمية أو الحرب في غزة، بسبب حجم الارتباط بين الشعب الأردني والشعب الفلسطيني والمعاناة الموجودة، فلأسباب داخلية ولأسباب خارجية، أعتقد أن كثيرا من الأردنيين غير سعداء”.

وجوابا على سؤال “ما أكثر الأمراض النفسية انتشارا في المجتمع الأردني؟ وما نسبها مقارنة مع النسب العالمية؟”، قال الدكتور الفروخ “إجمالا، توزيع الاضطرابات النفسية في كل الشعوب متشابه تقريبا، أحيانا يكون هناك تفاوت من شعب لآخر في حجم انتشار مرض معين، لكن بالمجمل أعتقد أن النسب متشابهة أو متقاربة، فالاضطرابات المشهورة في الأردن هي ذاتها الاضطرابات المشهورة في بعض دول العالم الأخرى، قد تكون أقل قليلا، لأسباب يمكن ذكرها لاحقا، وبعض المشاكل قد تكون أكثر انتشارا، لكن إجمالا هي متشابهة.

للأسف، ليس لدينا إحصائيات في الأردن تبين حجم انتشار الأمراض النفسية بالضبط عند الشعب الأردني ونسبها الدقيقة، فبقدر ما أعرف أنا كمختص لي أكثر من 10 سنوات في هذا المجال، ليس لدي إحصائيات وأرقام معروفة، لكنْ بالمقارنة مع دول عالمية وتبعا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، نستطيع أن نقول إن أكثر الاضطرابات انتشارا في الأردن هي اضطرابات القلق والاكتئاب”.

وخلال تغطيتنا للواقع الصحي في الأردن، حصلنا على ملاحظات والتقينا بالعديد من الناس، وكان من الأمور التي سمعناها أن هناك شكوى من ارتفاع أسعار الأدوية بشكل عام، وارتفاع أسعار الأدوية النفسية بشكل خاص، هذا إلى جانب الشكوى من ارتفاع أسعار الكشفيات أو أجور الأطباء النفسيين، ونقلنا ذلك إلى الدكتور الفروخ، الذي أجاب بالقول “إجمالا، يعتبر الطب النفسي من التخصصات ذات الكلفة العالية، بسبب حاجة الطبيب إلى قضاء وقت طويل مع المريض، مثلا عند المقارنة بين جلسة الطبيب النفسي مع المراجع، وجلسة الطبيب في أي اختصاص آخر، ستجد أن الطبيب النفسي يراجع مريضا واحدا خلال نصف ساعة أو ساعة، بينما طبيب التخصصات الأخرى يمكن أن يستقبل في المدة نفسها من 6 إلى 7 مرضى، لذلك يعتبر الطب النفسي من التخصصات التي لا يوجد عليها إقبال من الأطباء، لأنه يتطلب من الطبيب وقتا طويلا جدا مقابل مردود غير مواز. وإجمالا في كل العالم، تعتبر أجرة الطبيب النفسي أغلى من بقية الاختصاصات، لأنه ليس لديه إجراءات أخرى، أي ليس لديه عملية جراحية أو تدخلات إجرائية أو علاجية للمراجعين، ولذلك فإن مصدر دخله الوحيد هو سعر الكشفية التي تحتاج وقتا طويلا جدا مع المراجع، وبذلك يستطيع أن يؤمن دخلا ماديا قريبا من طبيب التخصصات الأخرى، على الأقل حتى يحفظ الحد الأدنى من الدخل الذي يحفظ حياة كريمة لأي طبيب يعمل في أي اختصاص آخر، لذلك  كان لا بد من تعويض الطبيب النفسي عن غياب الإجراءات وطول الساعات الطويلة التي يحتاجها المراجع، بأن تكون أجرته أعلى قليلا، وهذا أمر عالمي ولا يختص به الأردن”.

وتابع الفروخ “من ناحية أخرى، يعتبر الطب النفسي من التخصصات الصعبة لأنه يتطلب من الطبيب مجهودا ذهنيا ونفسيا عاليا جدا، حتى يستطيع التعامل مع مشاكل الناس الحساسة والخاصة جدا، وحتى يبقي على نوع من أنواع الحصانة النفسية لديه. لذلك مرة أخرى، هذا التخصص لا يوجد إقبال كبير عليه من الأطباء لأنه يشكل تحديا كبيرا جدا بالنسبة للطبيب، ويعتبر في بعض دول العالم من الوظائف الخطرة، حيث يحتاج إلى التعامل مع الناس ومشاكلهم وهمومهم والتحديات التي يتعرضون لها، لذلك فهو تخصص غير مرغوب عند كثير من الأطباء الذين يتخرجون من تخصص الطب العام. لكن في الحقيقة ومن خلال اطلاعي، بحكم المؤتمرات والزيارات وعلاقتنا بالزملاء في الإقليم أو في العالم -مثلا كنت قبل سنة في مؤتمر الجمعية العالمية للطب النفسي- فإن أجرة كشفية الطبيب النفسي في الأردن أقل بكثير من دول الجوار وباقي دول العالم”.

وقال الفروخ “لا يعتبر تخصص الطب النفسي من التخصصات ذات الدخل العالي، وأنا أعتقد أيضا أنه يُنظر إلى أجرة الطبيب النفسي على أنها مرتفعة لأن المجتمع حتى الآن لا يؤمن بأهمية الطب النفسي، وربما لو آمن بأن هذا الأمر مهم جدا جدا، لوجد أن أجرة الطبيب النفسي قليلة.. اسمح لي أقص عليك قصة، بما أننا في لقاء عام؟؟ (ألا يفترض أن هذا حوار خاص مع الجزيرة صحة؟؟)، الكثير من النساء -معذرة سيداتي- ينفقن على إجراءات تجميلية أكثر بكثير من العلاج النفسي لأنهن مؤمنات بأن هذا الشيء مهم لأسباب جمالية، وأنا لا أنفي ذلك بالنسبة لهن، لكن هل الصحة النفسية أقل أهمية من تجميل الشكل -مثلا- من الكثير من البوتوكس والفيلر وغيرهما من الإجراءات لدى أطباء الجلدية؟ هل العلاج النفسي أقل أهمية من كثير من التدخلات الجراحية، ومنها الجراحات التجميلية كجراحات السمنة مثلا؟ قد تكون هذه الإجراءات ضرورية أيضا لا أنفي ذلك، لكن الفكرة الأساسية مرة أخرى، أن إيمان الناس بأهمية الصحة النفسية سيجعلهم ينظرون إلى أجرة الطبيب النفسي نظرة عادية، مقابل المردود النفسي الإيجابي الذي يمكن أن يحصلوا عليه، وأنا دائما أقول في كل اللقاءات؛ إن كلفة المرض أعلى بكثير من كلفة العلاج، فمثلا، الشخص الذي لديه اكتئاب حاد، لو لم يتعالج من مرضه النفسي، فمن الممكن أن يخسر دراسته إذا كان طالبا في الجامعة، كما يمكن أن يفقد وظيفته إذا كان موظفا يتغيب بشكل متكرر عن عمله. وهناك أيضا تبعات اجتماعية ومشاكل أسرية تعود بتبعات سلبية جدا على الأسر والأطفال إذا لم تُعالَج هذه المشاكل النفسية، فكلفة المرض أعلى بكثير من كلفة العلاج في كل الأحوال”.

كلفة الأدوية النفسية المرتفعة في الأردن

وحول كلفة الأدوية النفسية، قال الفروخ “أما بالنسبة إلى كلفة الأدوية، فهذا خارج عن إطار مسؤولية الأطباء النفسيين، وتحدده في العادة مؤسسات الغذاء والدواء الموجودة في كل الدول، بالإضافة إلى شركات الأدوية أو الشركات المصنعة.. لا أنفي أن هناك بعض الأدوية النفسية مرتفعة السعر، لكن في الحقيقة هذا لا ينطبق على كل الأدوية النفسية.. اليوم لدينا أدوية نفسية أسعارها معقولة وفي متناول اليد، وبعض أدوية الاكتئاب سعرها 6 أو 7 دنانير، وقد يصل بعضها إلى 15 أو 20 دينارا، وحاليا الأدوية الجديدة الحديثة يمكن أن يصل سعرها إلى 50 أو 60 دينارا، مثل بعض أدوية الفصام العقلي. ولكن، إجمالا أصبحت هناك خيارات متعددة بسبب تنوع الأدوية وتعددها، وكثرة الشركات المصنعة، وبعض الأدوية قد لا تكون مكلفة للمريض.. تُراوح أجرة زيارة الطبيب حسب نقابة الأطباء ما بين 25 و50 دينارا، والأدوية تتراوح ما بين 10 إلى 20 دينارا في المتوسط، وأيضا زيارة الطبيب بالمراجعة على الأقل قد تكلف المريض ما بين 30 إلى 40 دينارا.. أعتقد أن هذا المبلغ إذا دُفع شهريا للحفاظ على الصحة النفسية فسيكون مبلغا جيدا ومقبولا، إذا كان هناك إيمان بأهمية العلاج النفسي”.

نقص تغطية التأمين الصحي للأمراض النفسية

وأضاف الفروخ “من الممكن أن نقلل تكلفة العلاج النفسي، سواء من أجرة الطبيب أو حتى من العلاج، وذلك من خلال تبني شركات التأمين للعلاج النفسي.. للأسف، في الأردن لدينا معظم أو كل شركات التأمين، أي ما يقارب 99% من شركات التأمين لا تغطي العلاج النفسي، وتعتبره شيئا إضافيا، فيستثنى الطب النفسي والأسنان والتجميل من شركات التأمين، وأنا أعتقد أن هذا الأمر خاطئ، و هو جزء من الثقافة النفسية السلبية الموجودة في المجتمع اليوم، إذ يفترض أن تغطي شركات التأمين الطب النفسي على قدم المساواة مع بقية الاختصاصات”.

وٍسألنا الدكتور الفروخ “هل تعتقد أن المجتمع الأردني لا ينظر بشكل مناسب إلى أهمية العلاج النفسي وأهمية الصحة النفسية ويحتاج شوطا كبيرا لتوعيته بذلك؟”، فأجاب “هذا كلام صحيح حتى على مستوى العالم، فمنظمة الصحة العالمية تعتبر أن هناك مشكلة في الثقافة النفسية لدى كل الشعوب، وفي تقديرات منظمة الصحة أنه فقط ثلثُ الأشخاص الذين يجب أن يتلقوا علاجا نفسيا؛ يراجعون الأطباء النفسيين، أي أن ثلثي هؤلاء المرضى لا يتلقون العلاج النفسي، وحتى في العالم المتقدم قد يصل المعدل إلى نصف الحالات التي تحتاج إلى علاج نفسي ولا تراجع الأخصائيين النفسيين، فالثقافة النفسية تعتبر سلبية في كل العالم، لكن في مجتمعاتنا تُعد النسبة أقل، لأسباب كثيرة صراحةً، وأنا ألاحظ أنه في الفترة الأخيرة أصبح لدينا زيادة في الوعي، الحقيقة يوجد تحسن جيد، هل هو بالمستوى المطلوب الذي نأمله نحن كمتخصصين؟ لا، لكنه في تصاعد، هناك تصاعد في الوعي، وهناك تحسن في الثقافة العامة تجاه الطب النفسي، لكن ما زال الموضوع يحتاج إلى حملات كبيرة من التوعية، ومن المؤكد أن الإعلام -ونشكر الجزيرة على هذا اللقاء- شريك أساسي للمتخصصين في إثارة الرأي ونشر الوعي بمثل هذه المواضيع، وفي تقرير ثقافة العيب تجاه الطب النفسي والأمراض النفسية لدى الناس”.

في مستشفى الأميرة بسمة في إربد

زرنا مستشفى الأميرة بسمة التعليمي، أكبر المستشفيات الحكومية في محافظة إربد شمالي العاصمة عمان، وهو الركيزة الأساسية داخل مدينة إربد، حيث يستقبل المراجعين على مدار الساعة، خاصةً أنه يقع في موقع يشهد اكتظاظًا سكانيا، ليخدم شريحة كبيرة من أبناء المحافظة التي يتجاوز عدد سكانها مليوني نسمة.

المستشفى الذي بدأ تقديم خدماته في عام 1953 بسعة 50 سريرًا، مرَّ بمراحل عديدة تهدف إلى تعزيز خدماته الصحية وبنيته التحتية، سواء على صعيد الإمكانيات الطبية مثل الأسرّة والأقسام، أو على صعيد المساحة التشغيلية من خلال عمليات التوسعة، خاصةً المرحلة التي تضمنت بناء مبنى جديد وجسور رابطة مع المبنى القديم، وإضافة طوابق علوية. وفي 2016 بلغ عدد الأسرة في المستشفى 230 سريرا.

الأرقام الكبيرة التي يستقبلها المستشفى في كل يوم، إضافةً إلى ظروف أخرى، قد تحول بين المراجعين وحصولهم على الرعاية الطبية اللازمة، مما يزعج المواطنين، حيث تتعدد المشكلات والشكاوى التي تتردد إلى مسامع الزائر لمستشفى الأميرة بسمة من قبل المراجعين.

البنية التحتية والموقع

تُشكل البنية التحتية لمستشفى الأميرة بسمة عائقًا أمام المراجعين نتيجة عدم انسجام المداخل والمخارج في المستشفى، مما دفع الجهات المعنية إلى توسعة مدخل الطوارئ، بحيث يحد من التقاء المراجعين على الأبواب بأسر المرضى، وهو ما كان يحد من قدرة الكوادر الطبية على ممارسة عملهم دون إزعاج المواطنين على المداخل.

المواطنون يُعانون من صعوبة إيجاد مواقف لمركباتهم، خاصةً في ساعات عمل العيادات المختصة، مما يشكل صعوبة في الوصول في الوقت المناسب، إضافةً إلى وجوده في منطقة مجاورة لمناطق تشهد ازدحامًا مروريًّا بسبب قربه من الأسواق الشعبية، الأمر الذي يجعل الوصول إلى المستشفى قد تحتاج إلى مدة زمنية طويلة تسبب إزعاجًا للمراجعين، خاصةً في ساعات عمل عيادات الأقسام التابعة له.

خصوصية المرضى وأعداد الزوار

يضم مستشفى الأميرة بسمة التعليمي غرفا منفصلة داخل الأقسام، في كل منها 4 أسرة، مما يحد من خصوصية المرضى، وما يزيد من هذه المشكلة أعداد الزوار الكبيرة في الغرفة الواحدة، مما يسبب إزعاجًا للمرضى أيضا. وهذه العوامل كانت تتضاعف تأثيراتها في فصل الصيف تحديدًا نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، لكن ما شهده المستشفى في المرحلة الأخيرة من تطورات تضمنت إضافة أجهزة تكييف، حدّ من مشكلة ارتفاع درجة الحرارة أو صعوبة التعامل مع الأجواء الباردة.

وقال العديد من المواطنين في حديث لـ”الجزيرة صحة” إن عملية تنظيم الزيارة في غاية الصعوبة، وهذا ما كان ملاحظا عند القادمين من مناطق بعيدة، حيث لا يتمكنون في نهاية المطاف من زيارة مرضاهم، الأمر الذي ينظر إليه الكثيرون على أنه أمر يمكن التعامل معه في حالة إيجاد آلية تنظيم لدخول الزوار دون إزعاج المرضى.

المواعيد الزمنية المتباعدة

تسبب أعداد المراجعين الكبيرة جدًا، وتقديم المستشفى خدماته لشريحة كبيرة من المواطنين مشاكل عديدة، ومن أبرزها المواعيد الطبية لفترات زمنية متباعدة، وخاصةً مواعيد صور الرنين المغناطيسي، والصور الطبقية، مما يزيد من انزعاج المواطنين، خاصةً لمن يعانون من أعراض الانزلاق الغضروفي (الديسك) حيث قد لا يحصل المريض على العلاج اللازم بسبب تأخر تشخيص حالته الطبية، رغم أنّ مركز الأشعة في قسم الطوارئ في المستشفى يقدم الخدمات الاضطرارية للمراجعين وفقًا لتوصية الأطباء في فترة زمنية سريعة.

مواعيد الأقسام والعيادات التابعة لمستشفى الأميرة بسمة تُعد مشكلة للمراجعين وباتت مكمن شكوى، حيث يفضل الكثير منهم زيارة مستشفيات أخرى بعيدة عن مناطقهم السكنية للحصول على مواعيد مراجعة ليست بعيدة، أو قد يؤول بهم المآل إلى التوجه نحو القطاع الخاص.

الأدوية والمستلزمات الطبية في الأقسام

يضم مستشفى الأميرة بسمة التعليمي صيدليتين رئيسيتين، الأولى صيدلية الطوارئ، والثانية هي صيدلية الأقسام. تحتوي الأولى على العقاقير الطبية والمستلزمات الخاصة بمراجعي قسم الطوارئ مثل أدوية محددة يحتاج الطبيب إلى وصفها للمرضى بشكل متكرر، أما صيدلية الأقسام فهي معنية بالعلاجات التي يحتاجها المرضى الذين اضطرت حالاتهم الصحية إلى الدخول والمبيت في أقسام المستشفى، أو العلاجات التي يتم وصفها لمراجعي الأقسام وعياداتها.

هناك مشكلة تحدث في أيام نهاية الأسبوع -وفقا لما نقله لنا مراجعون- والحديث هنا عن يومي الجمعة والسبت تحديدًا، حيث يُعاني المرضى من عدم القدرة على الحصول على أدوية تمَّ وصفها لهم من قبل الطبيب نتيجة إغلاق الصيدلية، وتلك الأدوية أو العقاقير الطبية لا توجد في صيدلية الطوارئ، مما قد يضطر المريض إلى الحصول عليها من خارج المستشفى، الأمر الذي يشكل عائقًا أيضًا للكوادر الطبية في المستشفى.

الكراسي المتحركة عند بوابة الطوارئ

عند الوصول إلى بوابة قسم الطوارئ في مستشفى الأميرة بسمة التعليمي يمكن للمراجع الحصول على كرسي متحرك، خاصة كبار السن وحالات السقوط وعدم الاتزان الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، إلا أنَّ أعداد تلك الكراسي لا تتناسب مع حجم المراجعين للمستشفى.

العوامل المتعددة التي باتت عائقًا أمام المراجعين في الحصول على الرعاية اللازمة دفعت أصحاب القرار إلى افتتاح مستشفى جديد في منطقة أقل اكتظاظًا بالسكان، وعلى مقربة من مستشفى الأميرة بديعة للولادة ومستشفى الأميرة رحمة للأطفال وبنك الدم، بحيث تقدم الخدمات الطبية في مجمع أبنية متقارب، إضافةً إلى تعزيز الخدمات المرتبطة بالرعاية الصحية من خلال البنية التحتية الحديثة والمرافق العامة المتطورة.

وتعمل وزارة الصحة على مشروع مستشفى الأميرة بسمة الجديد، الذي بلغت نسبة إنجازه نحو 85%، ومن المفترض إنهاء العمل وتسليمه إلى وزارة الصحة نهاية سبتمبر/أيلول المقبل، وفقا لتقرير لقناة المملكة نشر في مايو/أيار الماضي.

ووفقا للتقرير “تبلغ كلفة المشروع 110 ملايين دولار وهو مموّل جزئيا بمنحة من الصندوق السعودي للتنمية بقيمة 70 مليون دولار في حين تمت تغطية بقية المبلغ من خزينة الدولة”.

وتبلغ مساحة المشروع 85 ألف متر مربع ويتكون من 9 طوابق، منها 3 طوابق تسوية للخدمات الطبية والمساندة، وطابق أرضي يحتوي على قسم الأشعة والصيدلية الرئيسية، والأول خاص بغرف العمليات وغرف العناية الحثيثة والمتوسطة، وطابق الخدمات، و3 طوابق عليا للعناية بالمرضى، وتبلغ طاقته الاستيعابية 566 سريرا منها 60 سريرا للعناية الحثيثة.

واقع السرطان في الأردن

حول واقع مرض السرطان في الأردن، كان لنا حوار خاص مع المدير العام لمركز الحسين للسرطان في الأردن الدكتور عاصم منصور، الذي قال “عندما نتكلم عن نسب السرطان عادة ننسبها إلى كل 100 ألفا نسمة. في الأردن، وفقا لآخر إحصائية للسجل الوطني للسرطان، هناك 99 حالة جديدة سنويا لكل 100 ألف نسمة، هذا يجعل عدد الحالات التي شخصت عام 2019 -وهو آخر تقرير بين يدينا- حوالي 10 آلاف حالة جديدة، منها 7 ألاف بين الأردنيين و3 آلاف بين غير الأردنيين، سواء الأخوة الضيوف اللاجئين على الأرض الأردنية أو من يأتي إلى الأردن طلبا للعلاج. أما بالنسبة للرجال والنساء فحوالي 53% من هذه الحالات هي للإناث و47% للذكور”.

هل نسب السرطان في الأردن أعلى من بقية دول العالم؟

سألنا الدكتور منصور “هناك مقولة يتم تداولها من قبل الكثير من الأردنيين بأن نسب السرطان في البلد هي عالية جدا أو إنها الأعلى في العالم، ما مدى دقة هذا الكلام؟”، فأجاب “في الحقيقة نحن نسمع هذه المقولة كثيرا، ولا يخلو مجلس إلا نسأل هذا السؤال، لكن برأيي هذا انطباع أكثر منه حقيقة، عندما نعود للأرقام، ذكرنا أنه في الأردن يشخص سنويا حوالي 100 حالة لكل 100 ألف، بينما إذا أخذنا الدول الغربية أو حتى أستراليا ونيوزلندا التي تعتبر هي الأكثر نسبة في العالم، هنالك يشخص ما بين 300-350 حالة جديدة لكل 100 ألف”.

وأضاف أن سبب هذه المغالطة هو “انطباع نظرا لأن مجتمعاتنا الشرقية والعربية مجتمعات مترابطة، وإذا أصيب شخص ما في العائلة أو في القرية فإن الجميع يسمع بها، فيكون هناك انطباع عند العامة بأن هناك كثيرا من الحالات تشخص بالسرطان، هذا هو الواقع. في رأيي الشخصي، هذا لن يستمر طويلا، الدور أصبح الآن على دول العالم المنخفضة والمتوسطة الدخل مثل دولنا التي ستشهد تزايدا متسارعا في نسب السرطان وفي عدد الحالات المشخصة به خلال العقود الثلاثة القادمة”.

السرطان في الأردن سيرتفع

وحول أسباب الارتفاع المتوقع في إصابات السرطان في الأردن، قال منصور إن لذلك عدة أسباب، “أحدها حميد ويصعب التحكم به وهو زيادة الأعمار، كنا قبل 30 أو 40 سنة من يعمر إلى الـ50 عاما نقول إنه معمر أو نقول عنه شيخ، الآن أصبح متوسط الأعمار في دولنا حوالي 74 إلى 76 عاما، وهي نسبة معقولة لكنها تعتبر أقل بكثير من الغرب، ونحن نعلم أنه كلما زاد العمر، زاد احتمال الإصابة بالسرطان، وهذا سبب محمود ينتج عنه أعراض جانبية (Collateral damage) وهي الإصابة بالسرطان. السبب الثاني الذي بين أيدينا ونستطيع أن نتحكم به هو زيادة عوامل الخطورة التي أصبحت منتشرة كثيرا في مجتمعاتنا، وهي متعددة، وفي تزايد للأسف”.

متوسط تكلفة علاج مريض السرطان

قال الدكتور منصور “تكلفة العلاج مختلفة حسب نوع السرطان، وحسب عمر المريض، وحسب درجة السرطان عند التشخيص، وهي في تزايد سنوي، نحن نعتقد أن كلفة علاج مريض السرطان حوالي 40 ألف دينار، تشمل الرحلة العلاجية كاملة. في أول سنة، يكلف مريض السرطان حوالي 20 ألفا، في السنة الثانية حوالي 10 آلاف، ثم في السنوات اللاحقة التي تحتاج فيها متابعة فقط فالتكلفة نحو 1000-1500 دينار سنويا، هذه التكلفة لليوم، لكن في السنة القادمة ستكون أعلى وهكذا في العام الذي يليه، لأن الدراسات تشير إلى أن تكلفة علاج السرطان تزيد بنسبة 6% إلى 8% كل سنة، لأنه دائما هناك أدوية جديدة، وهذه الأدوية مكلفة جدا، وهذا ما يؤثر بشكل كبير على تكلفة علاج السرطان، حيث إن فاتورة السرطان نسبة 40%-45% منها تذهب إلى العلاجات”.

التأمين الصحي لعلاج السرطان في الأردن

قال منصور “هنالك في الأردن عرف بقوة القانون أن كل شخص يشخص بالسرطان هو مؤمن ويعالج على حساب الدولة، لذلك لدينا عدة فئات من الأردنيين، الفئات المؤمّنين مدنيا وهم العاملون في الحكومة وعائلاتهم والمتقاعدون، أولئك مؤمّنون على حساب التأمين ضد السرطان، ويتم علاجهم إذا ما أصيبوا بالسرطان. الفئة الثانية المؤمّنون العسكريون ينطبق عليهم أيضا ما سبق ويعالجون في الخدمات الطبية للسرطان إذا ما أصيبوا به. الآن يبقى هناك فئة مختلف بشأن نسبتها قد تكون 30% إلى 40%، هم الذين لا يملكون تأمينا صحيا مدنيا ولا عسكريا، وللأسف معظم شركات التأمين الخاصة لا تؤمّن ضد السرطان، وإذا أمنتهم يدخل المريض في شريحة أخرى لها رسومها، وفي الغالب تؤمن المريض لمدة سنة واحدة، لكن في السنة القادمة سيصبح مصابا سابقا بالسرطان، ولا يوجد ضمان بأن شركات التأمين ستقبل بتأمينهم. هؤلاء يمكنهم أن يذهبوا إلى وزارة الصحة للتأمين الصحي ويشتركون في “برنامج بطاقة شفاء” بدفع مبلغ بسيط، ويصبح مؤمّنين في المستشفيات الحكومية، هذا بشكل عام. الآن إذا كان السؤال عن مركز الحسين للسرطان، فمركز الحسين للسرطان له وضع خاص، فنحن لدينا برنامج خاص يسمى “برنامج رعاية” هو اشتراك اختياري تكافلي، إذا أصيب الشخص بالسرطان يعالج حسب السقف الذي اشترك به، هنالك سقف بقيمة 20 ألفا أو 40 ألفا أو 50 ألفا. هناك شريحة ثانية من المرضى، هم المرضى الذين تحولوا إلى مركز الحسين للسرطان من خلال الديوان الملكي أو من خلال وزارة الصحة، أولئك إذا ما قبلت حالاتهم للعلاج في المركز يعتبرون مؤمّنين على حساب الجهة المحولة”.

هذا يعني أنه من ناحية الفعلية تقريبا جميع الأردنيين لديهم تغطية لعلاج السرطان في البلد، سواء كانوا مؤمّنين تأمينا مدنيا أو عسكريا أو ليس لديهم هذا التأمين.

وقال منصور “كل من يحمل الرقم الوطني الأردني له الحق بأن يعالج على حساب الدولة من مرض السرطان”.

وجهة للسياحة العلاجية لمرضى السرطان

قال منصور إن الأردن يمثل وجهة لعلاج مرضى السرطان القادمين من الخارج، “ففي مركز الحسين للسرطان يشكل الإخوة العرب جزءا من المرضى، لدينا مرضى من مختلف الدول، تقريبا لدينا مرضى من كل الدول العربية لكن بنسب متفاوتة، يشكل هؤلاء حوالي ربع المرضى أي 25% من مرضانا في المركز”.

أسعار علاجات السرطان في الأردن

سألنا الدكتور منصور “هناك شكاوى من ارتفاع أسعار الأدوية في الأردن مقارنة بالدول المجاورة، هل ينطبق هذا الأمر أيضا على علاجات السرطان؟”، فأجاب “للأسف، هذا ينطبق بالدرجة الأولى على علاجات السرطان، فهي الأكثر كلفة، والسرطان أكثر مرض من بين كل الأمراض يوجد في كل يوم تقريبا تحديث جديد على علاجاته، حيث إن كل الموارد تتجه نحو السرطان، ففي الاكتشافات التي تمت خلال الخمس سنوات الماضية في مجال العلاجات بشكل عام، يحتل السرطان النصيب الأوفى منها، ولذلك أدويته مكلفة جدا، نعم الأدوية بشكل عام بكل العالم مكلفة وغالية، لكن بالأردن للأسف أيضا هي أغلى من عدد من الدول المجاورة، ونحن نعاني من هذه المعضلة للأسف، وهذا أحيانا يحرم المرضى من الاستفادة من هذه العلاجات”.

وحول أسباب ارتفاع الأسعار، قال منصور “المشكلة والمسؤولية مشتركة، شركات الأدوية ليست بريئة، فهي تأخذ في الاعتبار أنها من بين عشرات الأدوية التي تدرس، أو من بين 100 دواء يدرس؛ يصل إلى المستشفى أو الصيدلية دواء واحد، فيتم تحميل هذا الدواء كلفة الأبحاث العلمية على كل الأدوية التي لم يكتب لها النجاح، ونحن قد نتفق معهم جزئيا، لكن الدراسات التي أجريت وجدت أن هنالك مبالغة في تقدير حجم ما ينفق على الأبحاث، فلذلك ما يحمل على هذا الدواء أكثر بكثير مما يحتمل، فأنا برأيي المسؤولية بالدرجة الأولى هي على شركة الأدوية، لكن هذا لا يعفي الحكومات والجهات المسعرة للأدوية من المسؤولية، لدينا في الأردن نعاني من أن السوق لدينا صغير، كلما كان السوق أكبر، كانت قدرتنا على المفاوضات مع شركات الأدوية أكثر، مثلا في مصر عدد السكان 110 ملايين لا يقارن بالأردن الذي لا يتجاوز عدد سكانه 10 ملايين، فينظر إلى السوق، وبعض الأسواق تعتبر هامشية لذلك لا يلقون اعتبارا لها، لذلك إذا شئنا أن نقوم بتخفيض فاتورة الدواء على الحكومات وعلى الأشخاص، لا بد أن يكون هنالك جهد تعاوني بين المؤسسات والدول، ولدينا تجربة مهمة في العالم، تجربة أدوية نقص المناعة (الإيدز)، هذه الأمراض كانت أكثر ما تصيب عادة الدول الفقيرة والمرضى الفقراء، وكانت الكلفة على المريض الشهرية بالآلاف، عندما تعاونت الدول مع بعضها بمشاركة منظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة والدول الغنية، أجبروا شركات الأدوية، وسمحوا لدول مثل الهند وغيرها بإنتاج أدوية جنسية منخفضة التكلفة، أصبحت كلفة العلاج الآن بدولارات قليلة، 3-4 دولارات كلفة العلاج الشهرية، وأصبح بمقدور الدول الأفريقية والدول الفقيرة أن تعالج المرضى. أنا برأيي أدوية السرطان، إذا لم يتم اتباع ذات الإستراتيجية، سينقسم المرضى في المستقبل القريب إلى طبقتين دول غنية ومرضى أغنياء يحصلون على أحدث ما توصل إليه العلم من أدوية، ودول فقيرة تبقى على الهامش، أي دول سيشفى فيها المريض من السرطان، ودول يموت المريض فيها من السرطان”.

و”عادة شركات الأدوية عندما تقوم بالأبحاث وتقوم باختراع جزء معين للعلاج، تحصل مقابل ذلك على حماية لبراءة الاختراع أو حماية الملكية الفكرية، وتتراوح هذه الفترة ما بين 10 و15 سنة، تمنع القوانين أي شركة أخرى أن تقوم بتصنيع الدواء حتى تتمكن هذه الشركات التي حصلت على براءة الاختراع من استرداد ما أنفقته على إنتاج العلاج. الآن، عندما تنتهي براءة الاختراع، يصبح من السهل على أي دولة لديها مصانع أدوية معقولة، وخاصة الهند التي تعتبر صيدلية العالم في هذا المجال، أن تصنع هذا الدواء بكلفة منخفضة جدا، حتى أعطيك مثالا؛ بعض أدوية السرطان عندما بدأنا باستخدامها كانت تكلفة المريض الشهرية قبل 6-7 سنوات حوالي 5 آلاف و7 آلاف و8 آلاف دولار شهريا، الآن عندما دخلت الشركات التي تصنع الدواء الجنيس، الدواء المماثل، لكنه ليس من الشركة الأم التي صنعته لأول مرة، أصبحت تكلفته 50 دولارا أو 60 دولارا أو 100 دولار، من ثمن آلاف شهريا إلى 50 دولارا”.

وأضاف منصور “نحن نريد أن نصل إلى معادلة أن لا نظلم الشركات التي تكلفت على البحث لأن هذه الشركات إذا لم تربح قد تخسر وتغلق، ولن يتبقى شركات تقوم بالأبحاث، نحن ندعم ربحهم وأن يكون لديهم حد من الربح يجب أن يتحقق، لكن ضمن العقل والمنطق، وفي الوقت ذاته أريد أن أمنح المريض الفقير والدول النامية الفرصة لكي يحصل مريضها على علاج السرطان”.

عدد مرضى مركز الحسين للسرطان

قال الدكتور عاصم منصور “عالجنا سنة 2023… 6100  مريض جديد في المباني الرئيسية، حيث إن مركز الحسين للسرطان يتشارك مع وزارة الصحة، فنحن أيضا ندير ونعالج الآن في قسم للأورام في أكبر مستشفى عام في الأردن، مستشفى البشير يقع في منطقة الأشرفية في شرق عمان، هنالك قسم للأورام، نحن نديره ونعالج فيه، فإذا اعتبرنا المستشفيين معا فنقول إننا عالجنا في العام الماضي 7 آلاف مريض جديد، لكن في المركز الرئيسي 6100”.

وأضاف “هنالك ضغط كبير، فلو أردنا أن نعالج ونحن مرتاحون أو أن نقوم في كثير من الأمور مثل الصيانة، أحيانا تعجز عن إغلاق غرفة واحدة بسبب وجود قائمة انتظار طويلة، لذلك، حتى نكون مرتاحين، يجب أن يقل هذا الرقم بنسبة 20%-25%، حيث إن المركز غير مصمم لاستقبال هذا العدد الكبير، لكن أحيانا نقوم بالموازنة بين استقبال مريض جديد مع زيادة عدد المرضى الذين تقدم لهم الخدمة عن طريق بعض التأخير المقبول وغير الضار علميا في لائحة الانتظار، أو أن ترفض عددا متزايدا من المرضى، حتى تكون مرتاحا أكثر في العمل والخدمات متوفرة بشكل أفضل، لذلك، أحيانا نقول كما في المثل الشعبي “ضربة على الحافر وضربة على المسمار” بحيث تقبل عددا معقولا من المرضى مع تأخير الناس تأخيرا مقبولا تكافليا، فلو تأخر موعد صورة الرنين المغناطيسي 3-4 أيام مقابل أن أقبل مريضا إضافيا وأعالجه، ولكن إذا أردنا أن تكون العملية أكثر راحة يجب أن يقل هذا الرقم بنسبة 20%”.

المساءلة الطبية والأخطاء الطبية.. القانون والتطبيق

التعامل مع الأخطاء الطبية من القضايا المهمة في واقع الرعاية الصحية في الأردن، إذ يقول الدكتور مؤمن سليمان الحديدي، الأستاذ في جامعة البلقاء التطبيقية في الأردن وأول مدير عام للمركز الوطني للطب الشرعي، -في حوار خاص مع “الجزيرة صحة”- إن الأخطاء الطبية تحدث، و”كل من يعمل في موضوع مثل الطب والطب هو مهنة خطيرة ليست مهنة سهلة والطب مهنة تهدف إلى شفاء الإنسان والحفاظ على كرامته وتنمية القدرات، ولكن في طبيعة الحال ما دام عند أخذ المشرط والمقص وتم البدء في تقديم إعطاء الأدوية من المتوقع من الممكن حدوث حوادث وشيء من هذا القبيل”.

وأضاف الحديدي أن “الطب مهنة مهمة جدا على تماس بحياة الإنسان وجسده ونفسيته وحتى الأمور الخاصة التي لها علاقة بالأجزاء الحميمية من جسده وكرامته كل هذه الأمور قد يحدث فيها خلل، وهذا يسمى في منظور الناس بأنه خطأ ويجب الانتباه للمصطلحات بأن الخطأ هو خطأ طبي لكن أيضا هناك مخالفة إذا الطبيب يعمل دون ترخيص في مكان ليس مجهزا وليس مرخصا ويكون هذا مخالف وهناك كذلك عدم وجود أخلاقيات طبية لطريقة تعامل الطبيب مع المريض، ويقول الطبيب للمريض كلاما غير لائق على سبيل المثال يقول الطبيب للمريض (حل عني).. وممكن يكون الخطأ بالأجور بأخذ مبلغ كثير”.

هل هناك بيانات عن عدد الأخطاء الطبية التي تسجل في الأردن سنويا؟

قال الحديدي “نعم يوجد، أنا كنت نائب نقيب الأطباء في الأردن ورئيس اللجنة لضبط المهنة والشكاوى وأيضا كنت في لجان المسؤولية الطبية في اللجنة العليا في بحث الأخطاء الطبية التي تشكلت بموجب القانون الصادر عام 2018، يوجد بيانات مختلطة مع بعضها البعض إذا حدث هناك مخالفة.. وأيضا الانحراف في جزء بسيط عن الأخلاقيات مثل العصبية في الكلام، وهذا شيء من القبيل يعتبر أيضا في طبيعة الحال خطأ طبيا.. يجب عمل سجل وطني نحدد ما هي الأخطاء الطبية؟ وكم عددها؟ وللأسف ليست كاملة هذا الأمر لم يكتمل”.

ما أكثر الأخطاء الطبية شيوعا في الأردن؟

قال الحديدي “أكثر الأخطاء هي لا يتحدث الطبيب مع المريض، ولا يخبر المريض عن تفاصيل العملية المقدمة له.. هذا خاصة إذا كانت العملية خطيرة بالتالي عدم إخبار المريض بأن العملية خطيرة”.

أين وصلتم في تطبيق قانون المساءلة الطبية؟ وما مدى الرضى الحالي عن تطبيقه؟

قال الدكتور الحديدي “في عام 2018 أُصدر القانون ونحن الآن في عام 2024 ولم يتم الوصول إلى نتائج مرضية، ومع هذا لا يجوز أن نيأس، وهذا مسار مهم جد”ا.

هل تم تفعيل صندوق التأمين التكافلي ضد الأخطاء الطبية بالأردن، بوصفه أحد الخيارات للتعامل مع هذه الأخطاء؟

قال الحديدي “هذا الصندوق مهم جدا في نص المادة 17 من قانون المسؤوليات الطبية في الأردن وتم تسميته بتكافلي، وفي السعودية والدول الأخرى تم تسميته تعاونا.. هذا الصندوق مهم جدا ووضع له نظام وآليات وسقف للتعويض ليصل إلى 50 ألف دينار، وفي العام 2018 من المفترض أن يجمع على الأقل 8 ملايين دينار في السنة، ومن المفترض مشاركة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة في هذا الصندوق وكل منهم لديه نسبة تحمل لا تصل في حالات عالية الخطورة إلى 160 دينارا في السنة، وفي بريطانيا تصل الأرقام للآلاف وقسم التمريض إلى 20 دينارا في السنة بحيث إن عدد المشاركين المتوقع 180 ألفا، ومن المفترض أن يجمع على الأقل من 8 إلى 9 ملايين دينار في السنة”.

وأضاف الحديدي “نسبة عدد المشاركين الفعليين حاليا رقم متواضع جدا والمبلغ الذي جمع خلال ست سنوات سابقة حوالي نصف مليون دينار فقط، والسبب أن الصندوق لم يتول إدارته موظفون محترفون في وزارة الصحة، وأنا كطبيب إذا أريد التحدث عن موظف في وزارة الصحة وقد يكون من الرائع الحديث عنهم في تنظيم الموظفين وفي بناء المستشفيات وتقديمهم الخدمات ولكن ليس جيدا في إدارة قضايا التأمين، وهذا يعتبر أمرا جديدا في حقل الطب ولا يفهمه إلا شركات التأمين، وشركات التأمين الناس ينظرون إليها نظرة مصالح، وبالتالي تمت تسميته تكافلا. لابد من وضع هذا الموضوع في إطاره الصحيح، ويفترض أن يكون ما تم تحصيله من 8 إلى 9 ملايين في السنة على مدار الست سنوات السابقة، وعلى الأقل يفترض أن يكون لدينا 54 إلى 55 مليونا، ولكن للأسف لم يُجمع إلا نصف مليون أو 600,00 دينار، وهذه الأرقام في مرحلة البداية، أنا أعتقد نحن الآن لا نزال في البدايات ونحتاج إلى مرور فترة كافية حتى يتم بناء هذا المشروع الوطني الكبير”.

حقوق المريض الأردني

قال الكاتب والمحامي محمد العودات -في حوار خاص مع “الجزيرة صحة”- إنه تم تشريع قانون المساءلة الطبية في الأردن في عام 2018، وقبل ذلك كانت القوانين التي تحكم الأخطاء الطبية هي قانون العقوبات الأردني، والنصوص العامة في قانون العقوبات الأردني، والقانون الإيذاء غير المقصود المتسبب بالوفاة، لكن نتيجة للتطور التشريعي في الأردن، تم تشريع قانون المساءلة الطبية لعام 2018.

وأضاف العودات أنه في هذا القانون تم تحديد حقوق المريض وواجباته، وتم تنظيم العلاقة ما بين المريض ومقدم الخدمة، وهنا عندما نتحدث عن مقدم الخدمة نتحدث عن الطبيب وعن الصيدلي والممرض وطبيب الأسنان، القانون عرف مقدم الخدمة بهذه الفئات، وكل من يمارس الأعمال الطبية، ومرخص من وزارة الصحة.

فمن الحقوق التي يتمتع بها المريض:

  • تسجيل حالته عندما يتقدم إلى دار الرعاية الطبية أو المستشفى، أو يراجع الطبيب
  • استخدام وسائل التشخيص المقرة وفق الأعراف الطبية
  • تقديم العلاجات المعتمدة
  • إخبار المريض بحالته الطبية
  • إخبار المريض بطرق العلاج المتاحة
  • أيضا من أهم الحقوق الطبية أن يعلم المريض بمرضه وبخطورة مرضه، ويستثنى من ذلك أحيانا الحالات الطارئة، فوضع المريض النفسي لا يسمح له بأن يتم إخباره بحالته الطبية، بمرضه وبخطورة مرضه، في هذه الحالة يتم إبلاغ ذوي المريض بمرضه وخطورته.

وسألنا العودات “هذا بالنسبة للمريض، ما الشأن بالنسبة للطبيب؟”، ليجيب “القانون تعرض للواجبات التي يجب على الطبيب التقيد بها، ومعظم مواد القانون جاءت لتحدد مسؤوليات الطبيب، أهم مسؤولية من مسؤوليات الطبيب أن يقوم بتأدية عمله وفقا لما تقتضيه أخلاقيات المهنة، ودقة المهنة وأمانة المهنة، طبعا أخلاقيات المهنة جاءت منصوص عليها في نظام خاص، أي إن الأمر لم يترك للاجتهاد، وإنما جاءت نصوص بشأنها في نظام خاص لعام . 01، أهم شيء أيضا تأدية عمله وفقا للأصول العلمية المتعارف عليها في مهنة الطب، الأصول العلمية، هنالك لجنة يتم تشكيلها بموجب قانون المسؤولية الطبية تسمى “لجنة المعايير الطبية”، وهذه اللجنة يتفرع عنها أيضا لجان فرعية لتحديد المعايير الطبية العلمية، وما هو وفقا للأصول المهنية وما هو خارج عن أصول المهنة. أيضا من واجبات الطبيب أيضا تحقيق وتقديم العناية اللازمة للمريض، وتستطيع أن تقول عدم استغلال حاجة المريض لتحقيق منفعة للطبيب أو لأحد الأشخاص القريبين منه”.

هل هناك قانون للمساءلة الطبية في الأردن؟ وهل هذا القانون يشمل الأخطاء الطبية؟

قال العودات “نعم، تم تشريع قانون المساءلة الطبية في عام 2018، ونعم، يشمل الأخطاء الطبية، المسؤولية الطبية منقسمة ما بين العقوبات أو النصوص الناظمة في قانون المسؤولية الطبية، وما بين نصوص عقوبات القانون الأردني، فلذلك أحيانا بعض الأخطاء الطبية مثل التسبب في الوفاة ينطبق عليها المادة 343 من قانون العقوبات الأردني، بعض الأخطاء الطبية ينطبق عليها قانون المساءلة الطبية”.

من الأمور الملاحظة أن كثيرا من الناس ليسوا على دراية بأن هناك قوانين تنظم وتحمي من الأخطاء الطبية. وعلق المحامي العودات عن ذلك قائلا “الثقافة القانونية مقبولة إلى حد معين في المجتمع الأردني، أيضا توفر مراكز الخدمات القانونية التي تقديم الخدمات القانونية خدماتها مجانا أحيانا، وأيضا يوجد بها المحامون.. يستطيع أي شخص يتعرض إلى خطأ طبي أو يشك في أنه حصل له خطأ طبي أن يذهب إلى المحامي ويطلب الاستشارة القانونية، لكن كثقافة قانونية تستطيع أن تقول مقبولة، قادرة على أن تصل بالشخص إلى المراكز المختصة، أو إلى المحامي الذي يقدم الاستشارات الطبية”.

إذا قرر المريض رفع قضية على طبيب، هل هذه القضية مكلفة؟

قال العودات “يجب أن نفرق فيما بين الشق الجزائي والشق المدني، فيما يتعلق بالشق الجزائي تحركها النيابة العامة، يقدم شكوى أمام المدعي العام، هذه غير مكلفة ماديا، لكن إذا ما أراد المريض وكان فعليا هنالك خطأ طبي وأراد المريض أن يطالب بالتعويض عن الضرر المادي، الضرر المعنوي، التعويض عن الكسب الفائت نتيجة هذا الخطأ الطبي، هنا، نعم، رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض عليها رسوم قانونية وفقا لنظام رسوم المحاكم الأردنية، لكن هنالك في نظام رسوم المحاكم، القانون أجاز لرئيس المحكمة إذا ما أثبت المدعي فقره وعدم قدرته على دفع الرسوم، أن يؤجل دفع الرسوم”.

وحول الفترة الزمنية المتوقعة أو متوسط الوقت الذي تتطلبه هذه القضايا للبت فيها وإصدار الحكم، قال العودات “يختلف حسب الضغط على الجهاز القضائي، ولكن في العادة من سنة ونصف السنة إلى سنتين وخاصة إذا كان هناك شق جزائي، وتحتاج إلى خبرات تقدم من اللجنة الفنية العليا في وزارة الصحة، فالموضوع يحتاج من سنة ونصف السنة إلى سنتين”.

ما أبرز أنواع القضايا الطبية في أروقة المحاكم الأردنية؟

أجاب المحامي العودات “أبرز هذه القضايا التسبب بالوفاة، الأخطاء الطبية التي تؤدي إلى التسبب بالوفاة، والأخطاء الطبية التي تؤدي إلى الإيذاء، الإيذاء البسيط أو البليغ، والأخطاء الطبية التي تؤدي إلى حدوث عاهة جزئية أو كلية، هذه معظم الأخطاء، طبعا والمطالبة بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن هذه الأخطاء”.

من التساؤلات أنه إذا ثبت الخطأ الطبي على الطبيب، ما أقصى عقوبة يمكن أن تقع عليه، سواء كان على الصعيد المادي أو على صعيد السجن أو العقوبات الأخرى؟ وهنا أجاب العودات “في قانون العقوبات الأردني، المادة 343 جعلت عقوبة التسبب بالوفاة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، وهي جنحة، لكن في قانون المساءلة الطبية لعام 2018 في المادة 21، جعلت أقصى العقوبات ليس على الأخطاء الطبية، أي عندما ينص القانون على أن العقوبة من خمسة إلى عشر سنوات وبغرامة من 10 آلاف دينار أردني إلى 50 ألف دينار أردني على إجراء عمليات الاستنساخ، القانون جرّم إجراء عملية الاستنساخ أو إجراء أبحاث فيما يتعلق بقصد استنساخ كائن بشري، أو الأعمال التي يتم بها إجراء تدخلات طبية بقصد قطع نسل امرأة، طبعا يستثنى من ذلك الحالات الطارئة أو موافقة المرأة على قطع نسلها، لكن هذا العمل تم تجريمه بالقانون وجعل عقوبته مغلظة. ثاني أقسى العقوبات التي نص عليها قانون المساءلة الطبية، العقوبة فيما يتعلق باستخدام أدوات تشخيص غير مقررة طبيا، أو تقديم أدوية غير مقررة طبيا وفق أصول المهنة، وجعل العقوبة من ثلاث سنوات إلى عشر سنوات، وتعتبر هذه أقصى عقوبة في الخطأ الطبي، وقد ضاعف القانون الأردني العقوبات حتى يمنع الإهمال ويمنع الاستهتار بحياة المريض، فقد ضاعف العقوبات بالسجن خاصة إذا ما كان الطبيب ارتكب الخطأ الطبي تحت تأثير مادة مخدرة أو مادة مسكرة”.

كم عدد القضايا المتعلقة بالأخطاء الطبية التي تشهدها المحاكم سنويا في المتوسط؟

قال العودات “في الإحصائيات المنشورة يتحدث ما بين 150 و200 قضية سنويا، لكن هناك بعض القضايا تعتبر من قضايا الإيذاء غير المقصود التي يطبق عليها قانون العقوبات، لذلك أعتقد أن العدد أكبر من ذلك”.

ما إجراءات التقدم بشكوى حيال علاج طبي؟

سألنا العودات “لنفترض أن مريضا تلقى معالجة ويعتقد أن هذه المعالجة غير مناسبة -سببت له مضاعفات أو مشاكل- نريد أن تخبرنا بطريقة منهجية، خطوة بخطوة، ما هي الإجراءات التي يجب على المريض أن يتبعها للوصول إلى حقه وتنفيذ شكوى أو قضية في نظام القضاء الأردني؟”، ليجيب “بداية المساعدةُ القانونية التي يقدمها المحامي أو مراكز الدراسة أو المراكز القانونية، أولا أنصح المريض بالتوجه إلى الجهات المختصة لتبصير المريض إذا ما كان الإجراء إجراء صحيحا أو إجراء خطئا”.

و”أولا يستطيع المريض أن يقدم شكوى أمام وزارة الصحة، لوزير الصحة، ويستطيع أن يقدم شكوى إلى النقابة التي يدفع لها مقدم الخدمة الطبية، سواء كانت نقابة الممرضين أو أطباء الأسنان أو الأطباء، أو نقابة الصيادلة، ويستطيع المريض أن يتوجه إلى القضاء مباشرة، ويحرك شكوى جزائية، أو يطالب بدعوة حقوقية عن الأضرار التي أصابته، لكن أنا أنصح الإخوة متلقي الخدمة، المريض أن يذهب إلى المحامي مباشرة، المحامي هو الأقدر على تحديد الضرر ومساعدته في الحصول على حقوقه، كما يستطيع أن يقدم الشكوى أمام القضاء مباشرة، وإذا أراد أن يطالب بالتعويض عن الأضرار المادية، لا بد أن يذهب إلى المحامي”.

وأضاف “المحامي يستطيع أن يحرك شكوى جزائية، سواء كان هناك تسبب مثلا في الوفاة، إذا حدثت وفاة، يستطيع الورثة، إذا كانت الجريمة أو الخطأ الطبي واقعا على قاصر يستطيع وليه أو وصيه أن يوكل المحامي، أيضا المريض نفسه يستطيع الذهاب للمطالبة بتوكيل محام من أجل تحريك القضية الجزائية أو المطالبة الحقوقية”.

الكثير من الصيدليات والصيادلة في الأردن

في تغطيتنا للواقع الصحي في الأردن التقينا نقيب الصيادلة الأردنيين الدكتور محمد عبابنة، الذي قال -في تصريحات خاصة لبوابة “الجزيرة صحة”- إنه منذ تأسيس نقابة الصيادلة لغاية اليوم تجاوز عدد الصيادلة 31 ألف صيدلاني، والموجودون الآن على مقاعد الدراسة من السنة الأولى وحتى السنة الخامسة عددهم يتجاوز 22 ألف صيدلاني، هذا يعني أنه خلال الخمس سنوات القادمة عدد الصيادلة سيتجاوز عدد الصيادلة 50 ألفا، وهذه الأعداد هائلة.

ويعتبر الأردن رقم واحد في عدد خريجي الصيدلة، مثال في قطاع الصيدليات تقريبا وصل العدد إلى 5 آلاف صيدلية، حسب المعايير العالمية يجب أن لا يكون لدينا أكثر من 1500 صيدلة، المفترض أن يكون لكل 8 آلاف من عدد السكان صيدلية (هذه الأرقام فيها تضارب، لأن عدد سكان الأردن كبير، مما يعني أن عدد الصيدليات قليل).

ويضيف عبابنة أنه يوجد بطالة تتجاوز 5 آلاف صيدلاني وصيدلانية، وهي أكثر شيوعا بين الإناث، 80% من خريجي الصيدلة هن من الإناث، وتطالب النقابة بتوجيه الطلبة للتخصصات المهنية التي يحتاجها السوق الأردني.

وفيما يتعلق بدخل الصيدلاني، فهو يعتمد على مكان عمله، مثلا لو تحدثنا عن المندوبين يكون متوسط الدخل بين 600 و800 دينار، وذلك يشمل باقي مصاريف العمل، وفي حين أن الرواتب في المصانع تبدأ من 400 دينار، يبلغ الحد الأدنى في الصيدليات 350 دينارا، ولكن الحقيقة أنه في بعض المناطق لا يتجاوز راتب الصيدلاني 200 دينار، العملية كأنها عرض وطلب.

ويضيف نقيب الصيادلة أن الرواتب ضعيفة والأهل يستثمرون بمبالغ تتراوح بين 20 و30 ألف دينار في تعليم ابنهم الذي سيكون راتبه في المستقبل 250 دينارا. وهذه القضية موجودة في كل المهن، ولكنها في قطاع الصيادلة نشعر بها بكل ألم.

لماذا تتغير أسعار بعض الأدوية؟

ردا على هذا السؤال، قال الدكتور عبابنة إنه فيما يتعلق بتغيير أسعار الأدوية، في الأردن تحكم مؤسسة الغذاء والدواء هذه التسعيرة ضمن أسس واضحة جدا، سعر الدواء لا يتغير إلا إذا غيرت الشركة الأم سعر الدواء زيادة ونقصانا، لا سيما إذا كان يتم الاعتماد بنسبة لا بأس بها على الاستيراد.

ما الدور الذي يلعبه قطاع الصناعات الصيدلانية في الاقتصاد الأردني؟ وما تأثيره على المنطقة؟

قال نقيب الصيادلة الأردنيين إن الصناعة الوطنية المحلية حقيقة هي صناعة نفتخر فيها، تقوم بتوريد (هل تقصد تصدير؟) 70 دولة حول العالم، وصلت لأميركا وأوروبا.

على المستوى الوطني والمحلي تستطيع هذه الصناعة أن تغطي بين 60% و70% من الأدوية التي نحتاج إليها. نحن نسعى لتطوير هذه الصناعة ويجب أن تدعم من كافة الجهات حتى يكون عندنا اكتفاء ذاتي من كافة الأصناف الدوائية التي يحتاجها المواطن وحتى نخفض التكلفة عليه.

عملية البحث والتطوير التي تحدث في شركات الأدوية لا بد أن يكون لها الدعم حتى نستطيع أن نكون من الصناعات الرائدة ونحقق الأمن الدوائي على مستوى الوطن كله.

يا طلاب الأردن لا تدرسوا طب الأسنان

قال نقيب نقابة أطباء الأسنان الأردنية الدكتور عازم القدومي -في حوار خاص مع “الجزيرة صحة”- إن “تعداد أطباء الأسنان في الأردن لا شك بأنه عدد عال جدا بالمقارنة مع عدد السكان، لدينا ما يقارب 12 ألفا 500 طبيب أسنان مسجلين في نقابة أطباء الأسنان، ولدينا 10 ملايين نسمة عدد سكان الأردن، وبالتالي هذه النسبة نحن نعلم أنها من أعلى النسب في العالم ونسبة غير صحيحة ويجب معالجتها، وإن كان هناك بعض التحركات المناسبة ضمن الأطر التشريعية والقانونية مع صاحب القرار سواء في وزارة التعليم العالي أو في وزارة الصحة، إننا بحاجة إلى تخفيض عدد الخريجين من كليات طب الأسنان”.

وأضاف “يجب أن تكون النسبة بحدها الأقصى، طبيب أسنان لكل 250 ألف مواطن، ولكن لدينا اليوم في الأردن تقريبا طبيب أسنان لكل 80 ألفا مواطن، ولو أخذنا بعين الاعتبار عدد المواطنين الذين يتم خدمتهم من خلال قطاع القوات المسلحة الأردنية وقطاع وزارة الصحة والجامعات، وهي حالات تأمينية، هذه النسبة ترتفع إلى طبيب لكل 40 ألف مواطن، وأعتقد أنها من النسب العالية جدا جدا، والتي من شأنها أن تترك أثرا سلبيا واضحا على الطبيب وعلى المهنة وعلى المواطن”.

هل نشهد بطالة في قطاع أطباء الأسنان أو صعوبات مادية في الممارسة عندما يفتح طبيب الأسنان عيادته؟

أجاب القدومي “بكل وضوح، نعم، نعم كبيرة، نعم بالصوت العالي، نعم هنالك بطالة واضحة في قطاع طب الأسنان، وهنالك معاناة حقيقية لخريجي كليات طب الأسنان في الأردن”.

وأضاف “نركز دائما في مخاطبة الشباب على أن دراسة طب الأسنان اليوم دراسة غير مجدية، وهذا لسببين، أولا لارتفاع الأعداد، ثانيا لقلة فرص الاختصاص.. وأعتقد أن من الحكمة أن يبتعد أبناؤنا الطلبة عن دراسة طب الأسنان”.

وقال القدومي “البطالة في قطاع طب الأسنان هي الأعلى على مستوى المهن كافة في الأردن”.

هل تحول طب الأسنان في الأردن إلى تجارة؟

أجاب الدكتور القدومي “في المطلق هذا الكلام أنفيه بشكل قاطع، أولا هناك أمر يجب أن نفهمه جميعا، الطبيب، طبيب الأسنان، الصيدلي هو مواطن، أولا هو مواطن ثم تأتي بعدها المهنة، نحن ندرس الطب وطب الأسنان لنضمن لنا حياة كريمة، ندفع ثمنها غاليا من عدد سنوات الدراسة، هذا حتى يضمن الإنسان حياة كريمة”.

وأضاف “أنا أعتقد أن المسؤولية الأخلاقية والأدبية والمهنية تقع على أي طبيب، هنالك الكثير من العمليات التي تجرى لأسباب تجميلية غير ضرورية.. هذا الموضوع يعود مرة أخرى إلى ضمير الطبيب، نحن في نقابة أطباء الأسنان لدينا لجنة متخصصة بالشكاوى، إذا تم رصد إجراءات علاجية لم تكن ضرورية، نحن نحاسب الطبيب ونقر بأن هذا خطأ طبي، ونوجه القضاء بأن هذا الإجراء خطأ طبي، لا نجامل أحدا”.

ما أبرز الأمراض الفموية التي تسجل في المجتمع الأردني؟

أجاب القدومي “في المجتمع الأردني وفي كل العالم، أعلى نسبة انتشار مرض بكتيري في العالم هو تسوس الأسنان، هذا ليس في الأردن فقط، بل في العالم مسجل بأن أكثر مرض منتشر في العالم هو تسوس الأسنان، أي هذه إحصائية عالمية، فهو بالمطلق تسوس الأسنان، ثم يأتي في المرحلة الثانية التهابات اللثة، وفي مراحل غياب الوعي بالصحة السنية، أي العوامل الواجب اتباعها من قبل المواطن للحفاظ على سلامة الفم والأسنان من خلال الزيارات الدورية لطبيب الأسنان وعمل التنظيفات المناسبة وكل هذه الأمور التي تعلمها، ولكن للأمانة أيضا من الأمور التي نعتز بها أن هناك وعيا متطورا في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي كل محافظات المملكة، بأهمية المحافظة على الأسنان، وهذا من خلال نوعية العلاجات التي تقدم سواء في القطاع العام أو في القطاع الخاص، كانت قبل 15 سنة أعلى نسبة إجراء داخل العيادات هي قلع الأسنان، اليوم من أعلى نسب الإجراءات هي زراعة الأسنان، وهذا مؤشر على وعي المواطن الأردني في موضوع سلامة الفم والأسنان”.

وقال الدكتور القدومي “كلمة أخيرة أوجهها للمشاهدين ونحن نتكلم عن ارتفاع ضغط أطباء الأسنان، لا أملك إلا أن أتوجه إلى أبنائي الطلبة خريجين الثانوية العامة، وإلى أولياء الأمور، نحن عندما نقول إن هنالك بطالة حقيقية في قطاع طب الأسنان، نحن نعتمد على الأرقام وعلى الواقع.. ابحثوا لأبنائكم المتفوقين عن دراسة أخرى غير طب الأسنان، على الأقل في العشر سنوات القادمة سوق طب الأسنان سوق مشبع، عدد أطباء الأسنان عدد أكبر بكثير من حاجة الأردن، والمشاكل الحقيقية في هذا القطاع سيشهدها القاصي والداني في المملكة خلال الثلاث سنوات القادمة بارتفاع عدد الخريجين. أرجوكم أن تفكروا جيدا قبل أ0ن تقرروا دراسة طب الأسنان”.

واقع السياحة العلاجية في الأردن

قال رئيس جمعية المستشفيات الخاصة والمدير العام لمستشفى الإسراء الدكتور نائل زيدان -في تصريحات خاصة للجزيرة صحة- “أعتقد أن السياحة العلاجية في الأردن تأثرت تأثرا سلبيا كبيرا منذ 2016 عندما تم فرض جنسيات مقيد دخولها إلى الأردن على معظم الدول التي ترسل مرضاها إلى الأردن مثل ليبيا والسودان وجنوب السودان واليمن والعراق، بالتالي بدأت توجهات الناس منذ ذلك الوقت للبحث عن دول بديلة، وللأسف يعني نافست الأردن دول أخرى واستقطبت جزءا كبيرا من المرضى الذين كانوا يختارون الأردن كخيار أول. تفاقمت المشكلة في اللحظة التي بدأت فيها جائحة كورونا واستمرت الجائحة سنتين”.

وأضاف “حقيقة حاولنا بذل جهد مكثف في استرجاع الدول التي تم توجيهها إلى دول أخرى، لكن ما إن عملنا على الموضوع بضعة أشهر حتى بدأت الأزمة تتفاقم بعد العدوان الصهيوني على غزة، وبالتالي ما زلنا نعاني حتى هذه اللحظة من تراجع حاد في السياحة العلاجية. حقيقة هذا هو السبب الرئيسي وليس له علاقة قط بسمعة الطب في الأردن، بالعكس في الأردن مراكز طبية علاجية متقدمة، نحن نتحدث عن مركز الحسين للسرطان كمركز إقليمي، نتحدث عن الخدمات الطبية الملكية وتقدم المجالات الطبية فيها بشكل واسع والجامعات وكثير من المستشفيات الخاصة المعروفة إقليميا بسمعتها الطبية سواء على صعيد الإمكانيات المتوفرة أو هي فعلا مجهزة بأحدث التكنولوجيا لاستقبال الحالات الصعبة وخاصة من خارج الأردن، وكذلك وجود كفاءات طبية المشهود لها عالميا بقدراتها على استيعاب كل تقدم في الطب من كل أنحاء العالم وإمكانية إجراء العمليات الجراحية العلاجية في الأردن”.

كم عدد المستشفيات الخاصة في الأردن وعدد كوادرها؟

أجاب زيدان “عدد المستشفيات الخاصة في الأردن 71 مستشفى خاصا، من مختلف الأحجام، مستشفيات متخصصة بالعيون مثلا، ومستشفيات عامة تستقبل كل أنواع الحالات. عدد المستشفيات الخاصة أكبر من عدد المستشفيات العامة، المستشفيات العامة عددها 61 مستشفى، وتشمل جميع القطاعات الأخرى مثل الخدمات الطبية الملكية ومستشفيات وزارة الصحة والجامعات والمؤسسات الخيرية، نحن نشغل في المستشفيات الخاصة ما لا يقل عن 40 ألفا من الكفاءات الطبية والفنية والمساندة، وطبعا هذه الكوادر من ضمن الكوادر الفنية المؤهلة على مستوى عال، ويدعم المستشفيات الخاصة أيضا كوادر طبية مستقلة مثل الأطباء الاستشاريين غير العاملين في هذه المستشفيات، وكذلك الشركات المزودة -ما لا يقل عن 60 ألفا من الكوادر-، بالتالي هذا القطاع حقيقة يستثمر ما لا يقل عن 4 مليارات دينار أردني، لكنه أيضا يشغل طاقات بشرية تعتبر كبيرة وهائلة”.

وصلتنا شهادات من موظفين في عدة مستشفيات خاصة تحدثوا عن عدم استلامهم رواتبهم منذ أشهر، وعن ما وصفوه بتعسف من الإدارات، ما تعليقكم؟

أجاب زيدان “حقيقة هي مسألة تتعلق بالأمور الراهنة والطارئة، نحن لا شك نواجه تراجع السياحة العلاجية ونعاني من مشكلة شح السيولة، وهذا بسبب الظروف الراهنة بشكل رئيسي والمديونيات العالية على بعض الجهات الخارجية وبعض الجهات داخل الأردن، وهذا يتسبب بتأخير الإيفاء بهذه الالتزامات ومنها دفع حقوق العاملين، وبالعادة الكلف التشغيلية في المستشفيات لا تقل عن حوالي نصفها أجور عاملين، وبالتالي إذا تأخرت السيولة يتأخر الإيفاء بالدفع وتظهر بعض المشاكل ولكنها طارئة ومؤقتة وممكن التغلب عليها لو عادت الأمور إلى سابق عهدها قبل الأزمة.

أنا تحدثت عن الصعوبات المالية، كلف التشغيل عالية جدا مقابل الأجور العلاجية التي تعتبر متواضعة، وكثير من الأمور مسعرة من قبل وزارة الصحة، وشركات التأمين قائمة على أسعار مخفضة، وأمام انخفاض السياحة العلاجية أكيد سوف يخلق صعوبات مالية، وكثير من المستشفيات في ظل الأزمة والظروف الراهنة تحقق خسائر”.

هل هناك دعم حكومي للمستشفيات الخاصة؟

أجاب زيدان “المستشفيات الخاصة تعتمد على ذاتها وليس هناك دعم حكومي. بالعكس، الجهات الحكومية وشبه الحكومية تطالب بمستحقاتها قبل ما دفع حقوق الموظفين والعاملين وألا يترتب عليك إجراءات قانونية صارمة قد تصل إلى حد الحجز على ممتلكات المستشفيات وحسابتك بالبنوك وأماكن وجود أموال المستشفيات من شركات تأمين وآخرين”.

هل أثرت حركة السياحة العلاجية في دول مجاورة سلبيا على الأردن؟

أجاب زيدان “ذكرت أن الدول المنافسة أعطت تسهيلات مغرية لكثير من المرضى ومنافسة للأردن، وأعتقد أن هناك محاولات جادة لمحاولة استثمار ارتفاع الأسعار في بعض الدول، وبالتالي توجه المرضى نحو الدول العربية للبحث عن علاج أفضل وأقل كلفة، والأردن جاهز لهذا الأمر وبالتالي نحن نحاول أن نعمل على تسويق الأردن في كثير من البلدان، وخصوصا هناك أسواق واعدة في أفريقيا، وإن شاء الله أنه يكون هذا الجهد مخطط له سينطلق انطلاقة جديدة بعد تحسن الأحوال والظروف في المنطقة، بحيث إنه فعلا الأردن هو مناسب جيد ويستطيع أن يضع نفسه في مصاف الدول التي تستطيع تقديم خدمة علاجية متميزة وبكلف معقولة ومنطقية”.

توصيات لتطوير القطاع الصحي في الأردن

يقدم تقرير منتدى الإستراتيجيات الأردني في عام 2022 توصيات لتطوير القطاع الصحي في الأردن، تشمل:

  • إنشاء وتمكين هيئة حوكمة للإشراف على القطاع وتعزيز نموه وقياس أدائه وتحديد معاييره.
  • تعزيز جودة وكفاءة القوى العاملة في مجال الرعاية الصحية.تعزيز نظام الرعاية الصحية الأولية وتمكينه ليكون بوابة للإحالة السليمة.
  • تصميم وتطوير وتنفيذ نظام تحسين الجودة وخطط التمويل التعاوني للاستفادة من القطاع الخاص القوي وتخفيف العبء على القطاع العام.
  • التعلم من جائحة كوفيد-19 حول أهمية رقمنة الصحة وتمكين مثل هذه الأنشطة.
  • الاستعانة بمصادر خارجية وتعزيز إدارة المستشفيات العامة من خلال الشراكات مع القطاع العام وأهداف أداء محددة.
  • إنشاء مراكز التميز في المجالات المتخصصة في تقديم الرعاية الصحية.
شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version