قبل 80 عاما، وصف الكيميائي السويسري ألبرت هوفمان اكتشافه عقار “إل إس دي” (LSD) صدفةً بأنه “تجربة رائعة”، وذلك بعد تناوله العقار لاختبار مفعوله.
ففي العام 1943 تحديدا، كان هوفمان يجري التجارب في مختبره بحثا عن طريقة لاستقرار الدورة الدموية في الجسم؛ فابتكر “مادة حمض اللايسرغيك” (Lysergic Acid Diethylamide) -التي تعرف حاليا باسمها الشائع “إل إس دي” (LSD)- من حمضٍ استخرجه من فطر الأرجوت.
وفي 16 أبريل/نيسان من نفس العام، ابتلع الكيميائي السويسري هذه المادة عن طريق الخطأ بعد أن أخفق في تحقيق تقدم يذكر، قبل أن يلاحظ حدوث تغيرات في وعيه بالأشياء المحيطة به.
وفي وقت لاحق قال هوفمان عن تجربته للعاقر، “كلما تخيلت شيئا، بدا أمامي بصورته، ما جعلني أشعر بالرضا البالغ”. وبعد 3 أيام، أعاد التجربة وتناول جرعة كبيرة، لكن النتائج جاءت سيئة هذه المرة؛ ففجأة ظهر جاره وكأنه ساحر شرير، بينما اتخذ أثاث منزله أشكالا مخيفة.
استخدام “إل إس دي” في العلاج
ومع ذلك ظل هوفمان مقتنعا، بالإمكانات العلاجية لعقار “إل إس دي”، حال تناول الجرعة المناسبة.
وبالفعل، طوّرت شركة “ساندوز لابوراتوريز” التي يعمل فيها هوفمان -ومقرها مدينة بازل السويسرية- المادة المكتشفة إلى دواء يستخدم في علاج الأمراض النفسية والاكتئاب وإدمان المشروبات الكحولية.
لكن بعد ظهور حركة الـ”هيبيز” في ستينيات القرن الـ20، واستخدامهم عقار “إل إس دي” في ممارسة الرحلات التخيلية هربا من ضغوط الحياة اليومية، شهدت شعبية العقار هبوطا سريعا، وحفلت عناوين الصحف وقتذاك بقصص مرعبة، عن القتل والانتحار نتيجة هذه الرحلات التي يستخدم فيها العقار.
وفي نهاية ذلك العقد، تم حظر العقار في الولايات المتحدة الأميركية أولا، ثم بعد ذلك في جميع أنحاء العالم.
هل يعود عقار “إل إس دي”؟
وبعد مرور 80 عاما على اكتشافه، لا يزال الخبراء يتساءلون، عما إذا كان “إل إس دي” دواء معجزة حقا.
ويشهد العقار حاليا نوعا من الإحياء العلمي، إذ أصبحت مدينة بازل السويسرية مركزا عالميا رائدا للأبحاث حوله في تطور يتناسب مع كون المدينة شهدت بداية رحلة هوفمان مع العقار من مختبره الواقع فيها.
وقدم باحثون من بازل ومن شركة “مايندمد” الأميركية مؤخرا، دراسة مشتركة حول استخدام “إل إس دي” لعلاج الاكتئاب.
وقال فيلكس موللر رئيس قسم الأبحاث السريرية للعلاج باستخدام المواد المساعدة بجامعة بازل، إنه تبين للباحثين أن تناول جرعتين من هذا العقار، بقوة متوسطة أو عالية، يمكن أن تقلل بشكل كبير من الأعراض، في حالة الاكتئاب المعتدل أو الحاد، بعد مرور من أسبوعين إلى 3 أشهر من تناول الجرعة الثانية.
أبحاث موللر أظهرت في العام 2022، أن تناول جرعتين من عقار “إل إس دي” يمكن أن يوفر سكينة وعدم الشعور بالقلق.
وشارك 61 مريضا في الدراسة الخاصة بالاكتئاب، بحلول نهاية عام 2022، ولم تكن البيانات المتعلقة بالفعالية طويلة الأجل متاحة بعد، كما لم يكن قد تم مراجعة الدراسة بشكل مستقل من جانب الخبراء ونشرها.
علاج الصداع العنقودي بـ”إل إس دي”
ولا تزال دراسة أخرى مستمرة حول تأثير عقار “إل إس دي” على الصداع العنقودي، الذي يسبب آلاما مبرحة في الرأس.
وكتبت مجلة “سيل” العلمية عام 2020، عما سمته “ثورة في المواد المخدرة في العلاج النفسي”، حيث يركز المزيد والمزيد من الأبحاث على المواد المهلوسة، مثل مادة بسيلوسيبين، وهي المكون الفعال فيما يعرف باسم الفطريات السحرية التي تسبب الهلوسة، أو عقار “إل إس دي” الذي يمكن أن يحدث تغييرات في الوعي.
ونظرا لأهمية هذه الأبحاث، أنشأت جامعات عالمية مرموقة، مثل جونز هوبكنز الأميركية، وإمبريال كوليدج في لندن، مراكز لأبحاث المواد المخدرة المستخدمة في العلاج.
ووصف روبن كارهارت هاريس رئيس مركز إمبريال عند افتتاحه في العام 2019، مجال هذه الأبحاث بأنه “أحد أكثر مجالات العلوم الطبية إثارة للاهتمام”.
الجانب السلبي لـ”إل إس دي”
ومن ناحية أخرى تحدث موللر الباحث من بازل، لوكالة الأنباء الألمانية، قائلا إن “المواد المؤثرة على العقل والجهاز العصبي، تتجه إلى معالجة الأعراض، وينبغي أن يتناولها المريض كل يوم، وإذا توقف عن تناولها يعود المرض في الغالب مرة أخرى، أما المواد المهلوسة فتعمل بدرجة أكبر مثل العلاج النفسي”.
وأضاف إنه بعد تناول عقار “إل إس دي”، يخبرنا معظم المرضى بأنه جرى تحسن لوعيهم بالعالم الخارجي وبمشاعرهم.
ومع ذلك يوضح الباحث موللر أن الجانب السلبي للعلاج بهذا العقار، يتمثل في أنه يتطلب نوعا من المواجهة مع المرض، مما يجعل بعض المرضى يشعرون بالاستنزاف الذهني.
كما يوضح موللر أن نتائج الأبحاث الحالية، لا توحي بأن المواد المستخدمة يمكن أن تمثل علاجا لكل مريض.
ويقول إن هناك شركتين أميركيتين للأدوية، تعملان على إنتاج أدوية مشتقة من مادة بسيلوسيبين وعقار “إل إس دي”، ويتوقع أن تستغرق عملية البحث والإنتاج، سنوات قبل عرض هذه الأدوية في السوق.