في قلب شمال قطاع غزة، حيث اشتدت وطأة العدوان الإسرائيلي، يقف مستشفى كمال عدوان شاهدا على بطولات لا تصفها الكلمات، وصمود طاقم طبي يواجه الموت والدمار يوميا.

ويروي الفيلم الوثائقي “تحت الركام” الذي بثته منصة 360 قصة المستشفى في ظل ظروف عمل مستحيلة، ويقدم شهادات مؤلمة من كوادره، في محاولة لإظهار شجاعة طواقم طبية قررت ألا تستسلم رغم كل التهديدات والقصف المستمر.

وقبل اندلاع الحرب الإسرائيلية، كان مستشفى كمال عدوان واحدا من أفضل المستشفيات في القطاع، إذ يقول مديره حسام أبو صفية إنه كان متميزا في تقديم خدمة طب الأطفال بكافة تخصصاتها، لافتا إلى أن المستشفى نجح في وضع بروتوكول لطب الأطفال تم اعتماده وتعميمه على باقي المستشفيات في قطاع غزة.

وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تغير كل شيء مع سماع دوي القذائف والانفجارات، وهرعت الطواقم الطبية إلى المستشفى، وتم إعلان حالة الطوارئ، وكأن الجميع يعلم أن القادم سيكون أسوأ، حسبما قال عيد صباح، مدير التمريض.

ومع توافد المصابين بشكل غير مسبوق، بدأت الطواقم الطبية في تقديم الإسعافات الأولية، لكن المستشفى كان يعاني من نقص حاد في الإمدادات الطبية، والوقود، وحتى الكوادر الطبية.

وأفاد الممرض في قسم الجراحة أحمد معروف “بدأت المنظومة تنهار”، واصفا الوضع بأنه كان فوق طاقة المستشفى على التعامل معه، في حين أظهرت الصور التي عرضها الفيلم حجم الدمار والدماء المتناثرة داخل المستشفى والتي كانت تجسد الألم الحقيقي.

وفي هذا السياق، يقول أبو صفية إن الفريق الطبي كان يعمل بنظام المفاضلة، موضحا “من نعتقد أن لديه فرصة للنجاة نحاول إنقاذه، بينما نضطر لترك الآخرين”.

وكانت أشد اللحظات قسوة حين كانت الطواقم الطبية تتخطى المصابين الممدين على الأرض بأعداد كبيرة، بعضهم كان يفارق الحياة قبل أن تصلهم الرعاية.

معاناة يومية

وعكست القصص التي روتها الطواقم الطبية المعاناة اليومية، حيث تحدث أحمد سالم، وهو ممرض في قسم العناية المركزية، عن اضطراره لترك بعض المرضى الذين لم يكن لديهم أمل في النجاة لإنقاذ آخرين، الأمر الذي كان يقابله الأهالي بالغضب والرفض.

ويضيف سالم بصوت يملؤه الألم “المئات من المرضى ماتوا بين أيدينا دون أن نستطيع تقديم شيء”.

ولم يتوقف العدوان عند الحدود الخارجية للمستشفى، حيث استهداف الاحتلال أروقة المستشفى ومحيطه، في حين عمد مئات المدنيين للالتجاء إلى المستشفى اعتقادا منهم أنه سيكون أكثر أمانا من الشوارع، لكنهم كانوا مخطئين.

حالات الوفاة بين النساء الحوامل، وموت الأجنة داخل بطون أمهاتهم، وكذلك استشهاد الأمهات بينما أجنتهم أحياء، كانت مشاهد مروعة تعكس مدى الكارثة التي واجهها القطاع الصحي.

وكان استهداف الطواقم الطبية واضحا، حيث استشهد العديد منهم أثناء محاولتهم إسعاف المصابين، وكانت لحظة استشهاد أحد المسعفين مشهدا مؤلما نقلته عدسات الفيلم.

ولم تكن الأزمة مقتصرة على القصف والاستهداف المباشر، فمع نقص الوقود والأكسجين والأدوية، كانت الأقسام الحيوية مثل الحضانات تواجه خطرا حقيقيا، ويعلق أبو صفية “كان الوضع مأساويا”.

ونقل الفيلم صورا مروعة عن الحصار الذي فُرض على المستشفى، حيث تم اقتحامه وتجريد الأطباء والمرضى من ملابسهم في محاولة لإظهارهم كمقاتلين.

وبعد انسحاب الجيش الإسرائيلي، كانت المستشفى بلا ملامح، وقال أبو صفية “بدأنا بإعادة التأهيل والترميم، واستحداث بعض الأقسام”.

وحتى لحظة إنتاج هذا الفيلم، قدّم مستشفى كمال عدوان 25 شهيدا من طاقمه الطبي، و10 آخرين ما زال مصيرهم مجهولا بعد اعتقالهم، لكن رغم كل شيء، يستمر الكادر الطبي في رسالته الإنسانية، متحديا الموت والدمار.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version