في حلقة جديدة من برنامج “أنت” يكشف الدكتور خالد غطاس التأثيرات العميقة للضغط المزمن على جسم الإنسان، في رحلة تشريحية مثيرة داخل معارك بيولوجية صامتة تدور في أجسادنا.

ويشير غطاس إلى أن الجهاز العصبي البشري ينقسم إلى نظامين: الأول هو نظام “التأهب” الذي يجعل الإنسان متيقظا وحذرا باستمرار، والآخر هو نظام “الاسترخاء” الذي يسود في لحظات الشعور بالأمان.

وبينما يعد الضغط أمرا طبيعيا ومهما لمواجهة تحديات الحياة فإن استمراره لفترات طويلة يحول الجسم إلى ساحة حرب حقيقية.

وكما تصرف الدول المنخرطة في حروب طويلة كل مواردها على المجهود الحربي دون الاهتمام بالتنمية والتعليم والصحة يصرف الجسم تحت الضغط المزمن كل طاقته على حالة التأهب، مما يضعف وظائفه الأخرى الحيوية.

ويوضح غطاس أن التأثيرات تطال أنظمة الجسم المختلفة، بدءا من الجهاز الهضمي الذي يتجلى تأثره في جفاف الفم عند التحدث أمام الجمهور، مرورا بجهاز المناعة الذي يستنزف طاقته في حالة اليقظة المستمرة، وصولا إلى الجهاز التناسلي حيث تتأثر القدرة الجنسية لدى الرجال والدورة الشهرية لدى النساء.

والأخطر من ذلك -كما يؤكد غطاس- هو تأثير الضغط على الأجنة في بطون أمهاتهم، فرغم وجود إنزيمات في رحم الأم تكسر هرمون التوتر (الكورتيزون) فإن استمرار الضغط يتجاوز قدرة هذه الإنزيمات، مما يؤثر على نمو الجنين وقدرته المستقبلية على التحكم في مشاعره.

تجربة إنسانية وخبرة علمية

وشاركت نورهان قنديل المؤثرة عبر منصات التواصل الاجتماعي تجربتها الشخصية مع الضغط النفسي، إذ فقدت خالها ووالدها في فترة قصيرة، مما جعلها تشعر كأن “الأرض تهتز من تحتها”، وتصف كيف واجهت تحدي الحفاظ على توازنها النفسي فيما كان عليها أن تكون قوية من أجل بناتها الثلاث ووالدتها.

وتروي قنديل كيف وجدت نفسها في موقف بالغ الصعوبة، إذ إنها مع مسؤولياتها الاجتماعية هي محاضرة جامعية عليها الاستمرار في عملها، وقالت “لم أكن أملك رفاهية الانكسار الكامل”، في إشارة إلى التحدي المزدوج في التعامل مع الفقد والحفاظ على التوازن في حياتها المهنية والشخصية.

وتتحدث نورهان عن تحدٍ آخر يواجه المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو الصورة المثالية التي يتوقعها الجمهور، مشيرة إلى أن الإيجابية المفرطة قد تكون فخا يمنع الشخص من العمل على تطوير نفسه.

بدوره، يلفت الدكتور عبد الله حبيب -وهو طبيب نفسي إكلينيكي- إلى أن سرعة الحياة المعاصرة تفوق قدرة الإنسان على التأقلم، مما يحول الضغوط اليومية إلى قلق مزمن، محذرا من خطورة مواقع التواصل الاجتماعي التي تدفع الناس إلى مقارنة أسوأ لحظاتهم بأفضل لحظات الآخرين.

ويضرب حبيب مثالا برجل شرطة كان شغوفا بعمله ودقيقا في أداء مهامه، لكن تحت وطأة الضغوط تحول أداؤه إلى مجرد “إنهاء الواجب” دون الاهتمام بالجودة التي كان يتميز بها سابقا، مؤكدا أن المقارنة الحقيقية ليست بين الشخص وغيره، بل بين أدائه قبل الضغوط وبعدها.

ويختم البرنامج برسالة مهمة مفادها أن الحل لا يكمن في محاولة السيطرة على كل شيء، بل في تقبّل ما لا نستطيع تغييره والتحلي بالشجاعة لتغيير ما نستطيع، والحكمة في التمييز بينهما، وكما يقول غطاس “إدراك العجز عين القوة”، فقبول حدودنا قد يكون أول خطوة نحو استعادة توازننا النفسي والجسدي.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version