طوّر العلماء في معاهد غلادستون في الولايات المتحدة الأميركية تقنية تمكنهم من تعديل فيروسات تهاجم البكتيريا بطريقة مبسطة وفعالة للغاية، مما يمنحهم القدرة على هندسة فيروسات جديدة ودراسة كيفية الاستفادة من هذه الفيروسات لاستهداف بكتيريا معينة والقضاء عليها، وذلك في محاولة للبحث عن آلية جديدة لحل مشكلة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.

البحث عن بديل للمضادات الحيوية

الفيروسات آكلة البكتيريا، أو العاثيات، هي فيروسات تستهدف البكتيريا بشكل طبيعي وتقتلها. وعلى الرغم من وجود الآلاف من هذه الفيروسات، فإن استخدام العاثيات كعلاجات لمكافحة أنواع معينة من البكتيريا أثبت أنه تحد صعب. ولتحسين العلاج بالعاثيات وجعله قابلا للتوسع لعلاج الأمراض البشرية، يحتاج العلماء إلى طرق لتعديلها وتحويلها إلى آلات فعالة لقتل البكتيريا. هذه الطريقة يمكن أن توفر بديلا لعلاج العدوى البكتيرية التي تقاوم المضادات الحيوية التقليدية.

يقول الدكتور سيث شيبمان، الباحث المساعد في غلادستون والمؤلف الرئيسي للدراسة التي نُشرت في مجلة “نيتشر بيوتكنولوجي” في الخامس من سبتمبر/أيلول الجاري، “في النهاية، إذا أردنا استخدام العاثيات لإنقاذ حياة الأشخاص المصابين بالعدوى المقاومة للعديد من الأدوية، فإننا بحاجة إلى طريقة لتصنيع واختبار العديد من نسخ العاثيات للعثور على الأفضل، تتيح لنا هذه التقنية الجديدة إدخال تعديلات مختلفة على جينومات العاثيات بسرعة ونجاح حتى نتمكن من إنشاء العديد من النسخ”.

مصنع الحمض النووي

تعتمد الطريقة الجديدة على جزيئات تسمى “الريترونات”، التي تنشأ من أنظمة المناعة البكتيرية وتعمل كمصانع لإنتاج الحمض النووي داخل الخلايا البكتيرية. وقد وجد فريق شيبمان طرقا لبرمجة الريترونات بحيث تنتج نسخا من تسلسل الحمض النووي المطلوب. عندما تصيب العاثيات مستعمرة بكتيرية تحتوي على الريترونات، باستخدام التقنية الموضحة في الدراسة الجديدة، تدمج العاثيات تسلسل الحمض النووي الذي تنتجه الريترونات في جينوماتها الخاصة.

أرادت مجموعة شيبمان إيجاد طريقة لتعديل جينوماتها العاثيات لإنشاء مجموعات كبرى من العاثيات التي يمكن فحصها للاستخدام العلاجي، بالإضافة إلى جمع البيانات حول ما يجعل بعض العاثيات أكثر فعالية أو ما يجعلها أكثر أو أقل تخصصا للأهداف البكتيرية.

تقول كلوي فيشمان، الباحثة السابقة في معاهد غلادستون والمؤلفة المشاركة الأولى للدراسة الجديدة والتي تتابع الآن دراساتها العليا في جامعة روكفلر، “تلعب العاثيات دورا مهما في تشكيل المجتمعات الميكروبية بصفتها مفترسات طبيعية للبكتيريا. من المهم أن يكون لدينا أدوات لتعديل جينوماتها لدراستها بشكل أفضل. كما أنه مهم إذا أردنا هندستها بحيث نتمكن من تشكيل المجتمعات الميكروبية لصالحنا، على سبيل المثال، لقتل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية”.

بدأ شيبمان وزملاؤه بإنشاء ريترونات تنتج تسلسلات حمض نووي مصممة خصيصا لتعديل العاثيات، وهو نظام أطلق عليه الفريق “ريكمبيتريون”، ثم وضعوا هذه الريترونات في مستعمرات من البكتيريا. وأخيرا، تركوا العاثيات تصيب هذه المستعمرات البكتيرية. ومع إصابة العاثيات لبكتيريا تلو الأخرى، اكتسبت وأدمجت الحمض النووي الجديد من الريترونات، مما أدى إلى تعديل جينوماتها.

أظهر الفريق البحثي أنه كلما طال الوقت الذي تصيب فيه العاثيات مستعمرة بكتيرية تحتوي على الريترونات، زاد عدد جينومات العاثيات التي تم تعديلها. علاوة على ذلك، تمكن الباحثون من برمجة بكتيريا مختلفة داخل المستعمرة باستخدام ريترونات مختلفة، مما سمح للعاثيات باكتساب تعديلات متعددة مع إصابتها للمستعمرة.

يقول شيبمان -وفقا لموقع يوريك أليرت- “عندما تتحرك العاثيات من بكتيريا إلى أخرى، تكتسب تعديلات مختلفة. إجراء تعديلات متعددة في العاثيات كان أمرا صعبا للغاية في السابق؛ لدرجة أن العلماء لم يقوموا بذلك في أغلب الأحيان. الآن، يمكنك ببساطة إلقاء بعض العاثيات في هذه البكتيريا المزروعة، والانتظار لبعض الوقت، والحصول على العاثيات المعدلة المتعددة”.

عدو عدوك

على عكس المضادات الحيوية التي تقتل أنواعا عديدة من البكتيريا في وقت واحد، فإن العاثيات مخصصة للغاية لأنواع معينة من البكتيريا. ومع تزايد معدل الإصابات البكتيرية المقاومة للمضادات الحيوية، والتي تقدر بنحو 2.8 مليون إصابة في الولايات المتحدة سنويا، ينظر الباحثون بشكل متزايد إلى إمكانات العلاج بالعاثيات كبديل لمكافحة هذه العدوى.

يقول شيبمان، الذي يعمل أيضا أستاذا مشاركا في قسم الهندسة الحيوية والعلوم العلاجية في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو وباحثا في معهد تشان زوكربيرغ، “يقولون إن عدو عدوك هو صديقك. أعداؤنا هم هذه البكتيريا الممرضة، وأعداؤها هم العاثيات”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version