لأسابيع ظل المطر يهطل بغزارة في التلال المحيطة ببحيرة فيكتوريا شرقي أوغندا، متحديا الأنماط العادية لهطول الأمطار، مما ينذر بحدوث كارثة محتملة تضرب الاقتصاد المحلي لهذه الدولة.

يقول كريستوفر بيغامو، وهو مزارع للبن يبلغ من العمر 83 عاما ويقيم في قرية ناموجولو الصغيرة التي تبعد 35 كيلومترا عن العاصمة الأوغندية كمبالا، “في الماضي كانت تزرع كميات كبيرة من البن، وكنا نحصده ونقيس حجمه بالأكياس، ولكن ذلك لم يعد ممكنا في الوقت الحالي”. كما يقول مزارعون آخرون في المنطقة إنهم تعرضوا لخسائر فادحة في المحصول الموسم الماضي.

ويمثل انخفاض المحصول ضربة للحكومة الأوغندية، إذ تريد زيادة إنتاج البن ليبلغ 20 مليون كيس سنويا بحلول عام 2030، كما تسعى لأن تحل محل إثيوبيا كأكبر منتج للبن في أفريقيا، غير أن العلماء ينظرون إلى خطط أوغندا في هذا المجال بتشكك، لأن تراجع حجم المحصول يشير إلى مشكلة خطيرة بعيدة المدى.

البن والتغير المناخي

ويقول رومان غروتر، وهو عالم أحياء بجامعة زيوريخ للعلوم التطبيقية، “نحن نلاحظ أن التغير المناخي يزيد الضغوط على مزارعي البن تقريبا في كل مناطق زراعته في العالم”. وهذه المخاطر انعكست منذ فترة طويلة على أسعار البن في الأسواق العالمية، وفي العام الماضي حذر مكتب الإحصاء الأوروبي “أوروستات” (Eurostat) من أن البن يمكن أن يصبح من السلع الترفيهية الفاخرة، وبغض النظر عن التضخم العام، تم تحديد تراجع المحاصيل بسبب الظواهر المناخية المتطرفة على أنه السبب الأساسي لارتفاع أسعار البن.

وفي البرازيل لم تعد هذه التطورات ظاهرة جديدة، وفي هذا الصدد يقول رئيس رابطة مصدري البن في البرازيل مارشيو فيريرا “بإمكاننا أن نحدد بعض الكوارث المناخية الكبرى التي شهدناها خلال السنوات الأخيرة”، ويوضح أن موجة شديدة من الجفاف بولاية إسبيريتو سانتو، التي تعد منتجا رئيسيا لبن “روبوستا” في البرازيل، تسببت في انخفاض حجم المحصول من 13 مليون كيس إلى 8.35 ملايين كيس خلال الفترة من 2014 إلى 2016.

هذه الأحداث من وجهة نظر علمية لا تثير الدهشة، وأشارت دراسة أجراها غروتر وفريقه البحثي إلى أن محصول البن يعاني من التغير المناخي بدرجة أكبر من المحاصيل التصديرية الأخرى، مثل الأفوكادو والكاجو. ويقول الخبير غروتر إن “حبوب بن أرابيكا بشكل خاص تتفاعل بحساسية شديدة مع درجات الحرارة المرتفعة”.

وتفضل نباتات البن المناخ الدافئ الرطب الشائع في المناطق الاستوائية، ولكنها أيضا لها متطلبات عالية للغاية من بيئتها الزراعية، وتنعكس أي تغييرات في أحوال التربة ودرجات الحرارة على الفور على المذاق والجودة.

وعلى المدى الطويل، يؤدي ارتفاع درجة الحرارة أيضا إلى خلق بيئة خصبة لانتشار الآفات الزراعية، مثل خنفساء حبوب البن أو إصابة نباتاته بالأمراض، حتى ولو كانت مزروعة على ارتفاعات كانت تعد من قبل آمنة.

تحديات أمام مزارعي البن

وبالإضافة إلى ذلك، أصبح يتعين على مزارعي البن في مختلف أنحاء العالم أن يعدوا أنفسهم لمواجهة الظواهر الجوية القاسية ذات المدى القصير، مثل موجات الجفاف والعواصف والفيضانات. فمثلا نجد أن هندوراس التي تعد دولة بارزة في تصدير البن لدول الاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا، تأثرت بالفعل ومعها البرازيل وفيتنام، باثنين من التداعيات الواضحة للتغير المناخي. ويوضح نابليون ماتوتي، وهو خبير بمعهد البن بهندوراس، أن “إنتاج البن في هندوراس آخذ في التراجع منذ 5 سنوات”.

في حين يشير عالم الأحياء غروتر إلى أنه توجد خيارات بديلة قليلة وبضع مناطق جديدة لزراعة البن، ويقول إنه من المرجح أن تنجح إثيوبيا ومنطقة جنوب غربي كينيا، على سبيل المثال، في اكتساب مناطق جديدة لزراعة البن.

غير أن كريستوف جورنوت، رئيس قسم تحليل تأثير النظام البيئي على الزراعة بجامعة كاسل بألمانيا ومعهد بوتسدام لأبحاث التأثير المناخي، يرى أن هذه المساحات الجديدة المرجح زراعتها بنباتات البن لا تعطينا أسبابا للتفاؤل.

ويقول جورنوت إنه “يكاد يكون من المستحيل نقل الإنتاج الزراعي إلى ارتفاعات أعلى على سبيل المثال”، حتى لو كانت درجات الحرارة المناسبة لزراعة البن متوافرة هناك، لأن ظروف التربة يمكن أن تحد من جودة البن.

ويضيف جورنوت أن حبوب البن تحقق أعلى معدلات الجودة في حالة زراعتها في تربة منخفضة الحموضة وخصبة، وثمة معوقات أخرى في مناطق الزراعة الجديدة، مثل نقص الخبرة والمعرفة والافتقار إلى البنية التحتية.

ويتوقع جورنوت أن تواجه حتى شركات البن الكبرى مشكلات في المستقبل، ويقول إن السبب في ذلك يرجع إلى أن هذه الشركات تخلط أنواعا مختلفة من البن من أجل تحقيق مذاق أفضل، وسيؤدي تغير المناخ إلى صعوبة متزايدة في تحقيق الجودة والكمية المنتجة نفسهما من البن في المستقبل، وبالتالي هناك ضرورة الآن لاتخاذ إجراءات للتكيف مع التغير المناخي.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version