تتبادر صورة أهرامات الجيزة الثلاثة إلى أذهان الكثيرين لدى ذكر مصر، إذ تعد رمزًا للحضارة الفرعونية القديمة وأحد أعظم الإنجازات الهندسية في تاريخ البشرية.

ورغم شهرة خوفو وخفرع ومنقرع، فإن هناك أهرامات أخرى -أقل شهرة- فإنها لا تقل أهمية، وعلى رأسها أهرامات دهشور التي كانت الأساس الهندسي لبناء تلك الواقعة في الجيزة.

كانت الأهرامات جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المصريين القدماء، تجسيدًا لعقيدتهم العميقة حول الموت والخلود. تم بناؤها كقبور للفراعنة لضمان انتقالهم إلى الحياة الأبدية، ولعبت دورًا حاسمًا في حماية أجسادهم وأرواحهم.

داخل هذه الهياكل الرائعة، نجد ممرات معقدة وغرفًا للدفن حيث وُضعت المومياوات مع كنوزها الشخصية، في إشارة إلى اعتقاد المصريين القدماء بأن الروح تعود إلى الجسد المحفوظ بعد الموت.

بدأت فكرة بناء الأهرامات في مصر كمحاولة لتحويل الكتلة الترابية فوق القبر إلى هيكل دائم يحميه من التلف. من هذا المنطلق، تطورت “المصطبة”؛ وهي هياكل بسيطة مصنوعة من الطوب اللبن أو الحجر، استخدمها الملوك والنبلاء في فترات ما قبل الأسرات، حيث تُبنى غرفة دفن تحت الأرض، وفوقها الهيكل الخارجي الذي يُعد شكلا ابتدائيا للأهرامات التي نعرفها اليوم.

تجارب في دهشور سبقت أهرامات الجيزة

في القرن الـ27 قبل الميلاد، أدخل المهندس المعماري إمحوتب -مستشار الملك زوسر- ثورة في فن العمارة ببناء أول هرم مدرج في منطقة سقارة. يُعد هذا الهرم أول بناء حجري ضخم في التاريخ، وقد مثل نقطة تحول جوهرية مهدت الطريق لبناء أهرامات الجيزة. كان الهدف من هذه الابتكارات الهندسية هو خلق هياكل أكثر ثباتًا واستدامة، ما عكس عبقرية المصريين القدماء وإبداعهم في تخطيط المباني وتصميمها.

بعد نصف قرن من بناء هرم زوسر، قرر الملك سنفرو، مؤسس الأسرة الرابعة، بناء مقبرة ملكية جديدة في منطقة ميدوم. في البداية، كانت الأهرامات في ميدوم تتألف من 7 مصاطب مدرجة، مثل هرم زوسر.

ولكن مع تطور التصميم تم تغطية المصاطب لتحويله إلى هرم كامل بزاوية ميل مثالية. ويعتبر هرم ميدوم أول هرم حقيقي مغطى في التاريخ المصري، ويُعد خطوة مهمة نحو إتقان تقنية بناء الأهرامات.

الهرم المنحني الذي بُني بأمر من الملك سنفرو يُعتبر من أكثر الأهرامات غرابة في تصميمه. بُني الهرم في البداية بزاوية ميل حادة، ما أدى إلى مشاكل هيكلية، فتم تعديل الزاوية في منتصف البناء إلى زاوية أكثر اعتدالاً. هذه التجربة ساعدت المهندسين المصريين في اكتشاف الطريقة المثالية لبناء الأهرامات المستقيمة، مما أتاح لهم تحقيق النجاح في بناء أهرامات الجيزة لاحقًا.

لم يكن سنفرو راضيًا عن الهرم المنحني، فقرر بناء هرم آخر يُعرف اليوم بالهرم الأحمر، والذي يُعد أول هرم كامل الجوانب بجدران ناعمة وزاوية ميل مثالية تبلغ 44 درجة. ويُعد الهرم الأحمر من أهم معالم دهشور وواحدًا من أفضل الأهرامات المحفوظة، حيث يبلغ ارتفاعه 101 متر وكان أطول بناء في العالم قبل بناء هرم خوفو.

أهرامات دهشور وأثرها على أهرامات الجيزة

بنى سنفرو 3 أهرامات في دهشور، وكان لكل منها دور مهم في تطوير تقنيات البناء التي ساعدت في تشييد أهرامات الجيزة. وكانت أهراماته تجارب هندسية ساعدت المهندسين في تحسين تصاميمهم واستقرارها، ليتمكنوا فيما بعد من بناء أهرام خوفو وخفرع ومنقرع، بحسب قناة “هيستوري” الأميركية.

وكان هرم خوفو، ابن سنفرو، هو تتويج لهذا التطور المعماري، حيث أصبح أعظم أهرامات مصر وأعجوبة من عجائب الدنيا السبع القديمة.

وعلى الرغم من أن أهرامات سنفرو ليست معروفة على نطاق واسع مثل أهرامات الجيزة، فإن دهشور تُعد من أكثر المواقع الأثرية إثارة للإعجاب، حيث يمكنك مشاهدة تطور بناء الأهرامات عن قرب.

أهرامات دهشور هي شاهد على التطور المعماري المصري القديم، وتُظهر كيف أسهمت تجارب المهندسين الأوائل في تحقيق هذا الإعجاز الهندسي الذي نراه اليوم في أهرامات الجيزة.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version