يستقبل سوق “سينترال دي أباستو” في العاصمة المكسيكية مكسيكو سيتي -أحد أكبر أسواق الجملة الغذائية في العالم- عشرات الآلاف من الأطنان من الفواكه والخضروات الطازجة.

وبينما يصل معظم هذا الغذاء إلى المطابخ ومن ثم إلى بطون الناس، يفسد حوالي 420 طنا يوميا قبل بيعه، وينتهي به المطاف في مكب النفايات شأنه شأن الكثير من الطعام حول العالم.

غاز الميثان وهدر الغذاء

يُهدر حوالي ثلث الغذاء المنتج على المستوى العالمي، أي أكثر من مليار طن سنويا، ما يؤدي إلى تفاقم أزمة تغير المناخ. فعندما تتحلل المواد العضوية، تطلق غاز الميثان، وهو غاز دفيئة أقوى بكثير من ثاني أكسيد الكربون من حيث تأثيره على الاحتباس الحراري.

وتُقدّر الأمم المتحدة أن ما يصل إلى 10% من الغازات الدفيئة الناتجة عن البشر تأتي من فقد وهدر الغذاء. هذا الرقم يعادل 5 أضعاف الانبعاثات الناتجة عن صناعة الطيران.

ورغم أن العلماء وصانعي السياسات ركزوا لسنوات على معالجة أسباب رئيسة أخرى لتغير المناخ، مثل حرق الوقود الأحفوري، فإن هدر الغذاء بدأ يحظى باهتمام عالمي مؤخرا.

ففي القمة المناخية للأمم المتحدة التي عُقدت الشهر الماضي في أذربيجان، وُضعت قضية هدر الغذاء لأول مرة على جدول الأعمال. ووقع القادة إعلانا يدعو الدول إلى وضع أهداف محددة لتقليل انبعاثات الميثان الناتجة عن النفايات العضوية.

لكن، وفقا لمؤسسة “برنامج العمل حول النفايات والموارد” البريطانية، فإن عددا قليلا فقط من الدول الـ196 الموقعة على اتفاقية باريس للمناخ دمجت التزامات خاصة بهدر الغذاء في خططها الوطنية.

دول أخرى، مثل المكسيك، بدأت فقط بتقييم كيفية تقليل 20 مليون طن من الغذاء المُهدر سنويا، في حين حدد تقرير حديث للبنك الدولي “نقاطا ساخنة” للهدر في المكسيك، ومنها سوق “سينترال دي أباستو”، الذي يمتد على مساحة 800 فدان جنوب العاصمة.

مبادرات للحد من الهدر

في السوق، تُعرض أجود الفواكه والخضروات، في المقدمة موز وليمون وصفوف منظمة من البروكلي والهليون. وفي الخلف، توجد المنتجات التي بدأت تفقد جاذبيتها مثل البابايا الطرية، والسبانخ الذابلة، والطماطم المتضررة.

وقبل بضع سنوات، أطلق منظمو السوق مبادرة لجمع المنتجات التي تبدو قديمة جدا للبيع لكنها لا تزال صالحة للاستخدام. ويتبرع بهذه المنتجات لبنوك الطعام ومطابخ الحساء. ويقول المنظمون إنهم قللوا كمية الطعام المُهدر بحوالي 25% منذ عام 2020، وهذا أدى إلى تقديم وجبات لعشرات الآلاف من الجياع.

“التبرع أفضل بكثير”، يقول فرناندو بريغاس توريس، الذي يبيع الموز في السوق منذ أكثر من 4 عقود، “فهذا الطعام لا يزال له قيمة”.

هدر الغذاء.. حل عملي لأزمة المناخ

يعتبر النشطاء البيئيون تقليل هدر الغذاء أحد أكثر الحلول المناخية القابلة للتنفيذ، لأنه أقل إثارة للجدل سياسيا.

ويُعد طلب تقليل الطعام الذي يُلقى في مكبات النفايات أقل حساسية مقارنة بالدعوة لتقليل استهلاك اللحوم، أو تقليل استخدام الطاقة، أو السيارات العاملة بالوقود.

ويقول الباحث في مركز سياسات الغذاء بجامعة سيتي في لندن كريستيان رينولدز: “سواء كنت يمينيا أو يساريا، فإنك ستشعر بالسوء حيال إهدار الموارد”. ويضيف: “تقليل الهدر ليس حلا سحريا، لكنه واحد من الأولويات التي يجب حلها، وهو وسيلة فعّالة لفتح الأبواب حول قضية تغير المناخ”.

لماذا يعد تقليل الهدر مهما؟

ويؤكد العلماء أن تقليل الهدر ذو قيمة كبيرة لأن الميثان يحبس الحرارة بمعدل أعلى بكثير من ثاني أكسيد الكربون.

ويمثل الميثان حوالي 30% من الزيادة الأخيرة في درجات الحرارة العالمية. ويعتبر قادة المناخ في الأمم المتحدة أن تقليل انبعاثاته هو بمثابة “فرامل طوارئ” حيوية للمساعدة في الحد من الظواهر الجوية المتطرفة التي يشهدها العالم اليوم.

ويأتي حوالي 20% من انبعاثات الميثان من فقد وهدر الغذاء، وهو مصطلح يشمل كل الطعام المنتج ولكنه غير مستهلك.

بيانات مذهلة عن هدر الغذاء

  • يتطلب زراعة الغذاء الذي يُهدر سنويا مساحة بحجم الصين.
  • حوالي 13% من الغذاء المنتج عالميا يُفقد بين الحصاد والسوق، بينما يُهدر 19% إضافيا من قِبل الأسر، المطاعم أو المتاجر.
  • يشغل هدر الغذاء حوالي نصف المساحة في مكبات النفايات العالمية.

ما الحلول المتاحة؟

رغم أن بعض هدر الغذاء لا مفر منه، إلا أن هناك طرقا للحد منه على طول السلسلة الغذائية:

  • الحد من الإنتاج الزائد: إنتاج كميات أقل من الطعام الزائد منذ البداية.
  • تحسين البنية التحتية: إصلاح الآلات الزراعية المعيبة، وتحسين الطرق لمنع تلف الأغذية أثناء النقل، وتحسين العبوات لحفظ الطعام لفترات أطول.
  • تدريب العاملين في المطاعم: لتقليل الفاقد أثناء إعداد الطعام.
  • تغيير سياسات البيع بالتجزئة: تجنب الإفراط في الشراء أو التركيز على المنتجات المثالية شكلا.
  • توعية المستهلكين: بتناول ما يشترونه وخفض درجات حرارة الثلاجات لإطالة عمر الطعام.

جهود لإعادة التوزيع

تتجه الجهود نحو استعادة الطعام وإعادة توزيعه بدلا من هدره. ففي كل عام، يعاني 783 مليون شخص حول العالم من الجوع، مع مواجهة ثلث سكان العالم لانعدام الأمن الغذائي.

وتقول الناشطة في شبكة بنوك الطعام العالمية آنا كاتالينا سواريز بينا: “بدأ قادة العالم يدركون الرابط بين التأثير المناخي والاجتماعي لهدر الغذاء”.

وطورت منظمتها مؤخرا أداة تتيح لبنوك الطعام والشركات قياس كمية الميثان التي تم تجنبها بفضل تقليل هدر الغذاء.

وفي المكسيك والإكوادور، منعت 6 بنوك طعام محلية حوالي 816 طنا متريا من الميثان خلال عام واحد، أي ما يعادل منع 5436 سيارة من السير على الطرق لمدة عام.

ورغم التقدم الذي أُحرز في قمة المناخ الأخيرة، يؤكد الخبراء أن هناك حاجة إلى خطط وطنية شاملة تعتمد على البيانات لمعالجة الهدر الغذائي.

يقول مستشار نظم الغذاء في قمة المناخ أوليفر كامب: “نحن بحاجة إلى إستراتيجية وطنية شاملة تعتمد على بيانات دقيقة حول أماكن حدوث فقد الغذاء، والتدخلات المبنية على الأدلة لتجنبه”.

أما بالنسبة لأدريانا مارتينيز، البائعة في سوق “سينترال دي أباستو”، فإن التغيير هو تكريم لوالدها، الذي كان يكره إهدار الطعام قائلا “لقد عرفت طعم الجوع”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version