إذا كنت من مستخدمي الكومبيوتر، فلا بد أنك جرّبت كيف يتعطل الجهاز أحيانا؛ عندما يتم استخدام أكثر من برنامج أو تطبيق في ذات الوقت.
هذه المشكلة الناجمة عن الضغط الزائد لا تحدث مع الأجهزة الذكية فحسب؛ بل يمكن أن يواجهها العقل البشري أيضا عندما يتم الضغط عليه بأكثر من مهمة في نفس الوقت.
إذ تتراكم المهام غير المكتملة في الخلفية، ما يضعف الأداء العام ويمثل ضغطا على الصحة العقلية والنفسية، فيما يُعرف بـ”تأثير زيغارنيك”.
ما هو تأثير “زيغارنيك”؟
أطلق اسم عالمة النفس الروسية بلوما زيغارنيك على هذا التأثير، والتي ألهمتها دراسة هذه الظاهرة عندما لاحظ أستاذها، عالم النفس كورت لوين، أن الموظفين في المطاعم عادة ما يكون لديهم ذاكرة أفضل حيال الطلبات غير المدفوعة، ووجد أنه بمجرد قيام العملاء بدفع الحساب، فإن العاملين يواجهون صعوبة في تذكر تفاصيل تلك الطلبيات، بل ربما ينسونها كليا في بعض الأحيان.
الباحثة في علم النفس توصلت إلى أن دماغ الإنسان مجهز لتذكر المهام غير المكتملة بشكل أفضل من تلك التي تم إتمامها والانتهاء منها. فعلى سبيل المثال، بمجرد الانتهاء من مهمة ما في قائمة المهام اليومية، يقوم الدماغ بتأكيد إكمالها، وتحرير مكانها لما هو أهم أو ما ينبغي الاهتمام به أو التفكير فيه.
ومن خلال هذه العملية العقلية، يتضح أنه كلما زاد عدد المهام غير المكتملة التي يفكر فيها الإنسان في خلفية ذهنه، زادت “الطاقة” المبذولة التي تخصصها أدمغتنا لتتبعها والانشغال بها لحين الانتهاء منها كما ينبغي، وفق موقع “سايكولوجي توداي”.
تكرار الظاهرة في حياتنا اليومية
ويستهلك هذا تعدد الوظائف ذهن الإنسان دون أن يلحظ، ويحدث ذلك على مدار اليوم تقريبا. فعلى سبيل المثال، عندما تبدأ العمل على مهمة ما دون أن تكملها، فمن المحتمل أن تستمر أفكار العمل غير المكتمل في الظهور في ذهنك، حتى عندما تنتقل إلى مهام أخرى. إذ تحثك هذه الأفكار على العودة وإنهاء المهمة التي بدأتها.
ويتسبب تأثير “زيغارنيك” في استمرارك بالتفكير في رواية مثيرة للاهتمام تتوقف عن القراءة في منتصفها، أو تجاه مسلسل تقوم بمتابعته، وهو التأثير الذي تستغله الأعمال الدرامية لزيادة “التشويق” وجذب متابعة المشاهدين.
من الشائع أيضا تجربة “تأثير زيغارنيك” في الدراسة. فقبل الامتحان، ربما يكون الطالب قادرا على تذكر قدر كبير من المواد التي كان يدرسها، ومع ذلك، بعد الامتحان، غالبا ما يصبح من الصعب تذكر الأشياء التي درسها، وكأنها مُسِحت من الذاكرة، بحسب تقرير نشره موقع “فري ويل مايند”.
كيف يفكر العقل أثناء إنجاز المهام؟
وبعيدا عن التأثير العقلي المرهق، فعندما تواجه مهمة معينة، عادة ما يحث العقل الباطن عقلك الواعي على وضع خطة مفصلة لإتمامها. وبمجرد أن تؤتي الخطة ثمارها، يتوقف العقل الباطن عن تذكير العقل الواعي بالعمل. والنتيجة: عقل هادئ قوي التركيز وأكثر قدرة على الاسترخاء، ومهمة مُنجزة.
في المقابل، عندما يعاني عقلك من تأثير “زيغارنيك”، فقد تقوم مرارا بتحديد الأهداف لنفسك، ولا يهدأ العقل عن وضع الخطط والتفكير في الحلول لإتمام المهمة المؤجلة.
وقد يكون الجانب السلبي الأولي لهذا التأثير هو أنه عندما يكون الشخص نشطا ومنخرطا في التركيز على عمل محدد، قد لا يتوقف أبدا عن تحديد الأهداف أو المهام، ووضع الخطط لإتمام مهام أخرى. أي أن العقل قد “يعلق” وينشغل بالبحث عن الإنجاز التالي الذي يجب إتمامه. وبدون راحة، قد يؤدي ذلك إلى الإرهاق المزمن، بحسب “سايكولوجي توداي”.
تأثير “زيغارنيك” والمعاناة من القلق المزمن
وتُعد خرافة “تعدد المهام” واحدة من مسببات تأثير “زيغارنيك”، إذ ما يسميه علماء النفس بـ”تبديل المهام”، هو في الواقع تبديل سريع للانتباه بين المهام المختلفة.
على سبيل المثال، لا يمكن قراءة رسائل البريد الإلكتروني والقيام بعملية حسابية في الوقت نفسه، بل في الواقع يتم حينها التبديل بسرعة بين قراءة عدد من رسائل البريد، ثم العودة مرة أخرى للعمل على مهمتك الحسابية.
لذا يُعد تأثير “زيغارنيك” أحد الأسباب التي تجعل الباحثين عن الكمال المثالية يعانون من القلق المزمن. فهم مهووسون بالتفاصيل ولديهم توقعات غير واقعية، مما يجعلهم محاطين بالمهام غير المكتملة، الأمر الذي يُبقي أدمغتهم غارقة في الالتزامات، ويضعف التركيز ويسبب التوتر.
كما أن صعوبة النوم والإجهاد المزمن قد يكونان أيضا من بين التداعيات السلبية على صحة الشخص الذي يعاني من تأثير “زيغارنيك” الذهني.
فبالنسبة للكثير من الناس، قد يكون النوم هو الوقت الوحيد الذي لا يكونون محاطين فيه بالمشتتات، لذلك تبذل أدمغتهم قصارى جهدها في نهاية اليوم، لبحث وتحليل الخانات العقلية التي ظلت مفتوحة طوال اليوم، عوضا عن الاسترخاء والراحة.
كيف تتعامل مع المشكلة؟
رغم احتمالية المعاناة من التوتر والإرهاق المزمن، فإن هناك بعض الفوائد لتأثير “زيغارنيك” التي من الممكن استخدامها لصالحك. فالظاهرة العقلية قد تساعدك على معالجة المماطلة والتسويف في المهام. ولتحقيق ذلك ينصحك موقع “سايكولوجي توداي” بما يلي:
- وضع خطة عمل لإتمام المهمة المحددة.
- البدء بخطوة أولى صغيرة وسهلة يمكن إنجازها.
- عدم محاولة إكمال المهمة على الفور دفعة واحدة.
وتكمن الفكرة ببساطة في تقسيم المهام غير المكتملة إلى خطوات ضئيلة يمكن إتمامها، والعمل تدريجيا وبتأني، مما يمكن أن يتيح لعقلك الفرصة على اتخاذ خطوات عملية ومؤثرة في الإنجاز والشعور بالراحة.
وعندما تنتهي من مهمة روتينية مؤجلة، ستشعر كأن حملا ثقيلا قد انزاح أخيرا عن كاهلك، الأمر الذي يعزز صحتك النفسية، ويؤدي لعقل أكثر هدوءا وذهن أكثر قدرة على التركيز.