منذ أول لحظة لاندلاع أحداث السودان ووقوع الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السوداني في 15 أبريل الماضي، قامت المملكة بدورها السياسي والإنساني لاحتواء الأزمة، من خلال إجلاء رعاياها ورعايا الدول الصديقة وكلك تقديم مساعدات إنسانية للسودان، إضافة إلى رعايتها لمباحثات بين طرفي النزاع في مدينة جدة.

ومع احتدام وتيرة الاشتباكات في الخرطوم، اتخذت معظم دول العالم قرارا بإجلاء رعاياها، وهنا برز دور المملكة التي سخرت قواتها البحرية والجوية في رحلات مكوكية بين بورتسودان وحدة، لنقل الآلاف من رعايا الدول تمهيدا لعودتهم إلى بلادهم.

وتأتي استضافة مدينة جدة للقمة العربية العادية الـ32 ، بعد أيام قليلة من توقيع ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على «إعلان جدة» الذي وضع أول خطوة في محاولات إنهاء الأزمة السودانية، بعد جهود دبلوماسية سعودية جبارة لجمع الطرفين، وهو ما يعطي أملا في خروج القمة العربية بنتائج إيجابية حول الملف السوداني تمهد لحل سياسي للأزمة.

ـ عمليات الإجلاء:

أعلنت وزارة الخارجية في 22 أبريل الماضي عن بدء ترتيب إجلاء المواطنين السعوديين وعدد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان إلى المملكة

وأوضحت الخارجية في بيان لها، إنه إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بمتابعة ورعاية مواطني المملكة في جمهورية السودان، تُعلن وزارة الخارجية عن بدء ترتيب إجلاء المواطنين السعوديين وعدد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة من جمهورية السودان إلى المملكة.

واستقبل نائب وزير الخارجية المهندس وليد بن عبدالكريم الخريجي، في 22 أبريل الماضي، الدفعة الأولى من مواطني المملكة الذين تم إجلاؤهم من جمهورية السودان، وعدد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة، وذلك لدى وصولهم إلى قاعدة الملك فيصل البحرية قي الأسطول الغربي بجدة، على متن سفينة «جلالة الملك الجبيل».

واستمرت عمليات الإجلاء لأكثر من 20 يوما، حيث  وأعلنت وزارة الخارجية في 12 مايو الجاري، عن إنهاء عمليات الإجلاء من السودان التي استمرت على مدى عدة أيام، وشملت المواطنين السعوديين ورعايا الدول الشقيقة والصديقة، وجاءت بتوجيهات ومتابعة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسمو ولي العهد، واستجابة للطلبات التي تلقتها المملكة من العديد من دول العالم.

 وأوضحت الخارجية في بيان لها، الأعداد التي قامت المملكة بإجلائها من السودان والتي تضمنت (8455) شخصًا من بينهم (404) مواطنين، و(8051) شخصًا ينتمون إلى (110) جنسيات، وتم إجلاؤهم بواسطة مجموعة من سفن القوات البحرية الملكية السعودية وطائرات القوات الجوية الملكية السعودية.

 وأضافت وزارة الخارجية أن المملكة ساعدت دولاً شقيقة وصديقة في عمليات إجلاء (11,184) شخصًا من رعاياها إلى المملكة، ومن ثم إلى أوطانهم، وقدمت لهم كامل الرعاية والمتابعة طوال عمليات الإجلاء وبعد وصولهم إلى أراضيها ووجودهم فيها وحتى مغادرتهم لها.

وتكاتفت جميع المؤسسات والهيئات ذات الصلة بالمملكة في تسهيل عملية الإجلاء من السودان، وعلى رأسها المديرية العامة للجوازات، والتي كثفت  جهودها في إنهاء إجراءات دخول رعايا الدول القادمين من جمهورية السودان، وذلك عبر المنافذ البحرية والجوية المخصصة لاستقبالهم في محافظة جدة.

وجاء ذلك ضمن خطة إدارة الأزمة التي أعدتها الجوازات لمثل هذه الأوضاع، ونفذتها بإنشاء غرفة عمليات لدراسة ومعالجة أوضاع رعايا الدول الشقيقة والصديقة بالتنسيق مع ممثليات بلدانهم، ودعم منصاتها بقوة الإسناد البشري والتقني لتسريع إنهاء إجراءات دخولهم خلال عمليات الإجلاء.

وكذلك تخصيص منصات لخدمة كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والأطفال، امتداداً للخدمات الإنسانية التي تقدمها حكومة المملكة في عمليات الإجلاء من جمهورية السودان .

كما قام حرس الحدود بتقديم الدعم الأمني والتنظيمي للجهات المشاركة في مساعدة القادمين إلى المملكة من عملية إجلاء المواطنين ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من جمهورية السودان عبر ميناء جدة الإسلامي. وجاء ذلك ضمن المهام الأمنية المنوطة بالمديرية العامة لحرس الحدود في ميناء جدة، والإسناد للأعمال الإنسانية التي تقدم في عملية الإجلاء.

ـ دول ومنظمات تقدم شكرها للمملكة:

من جانبها، قدمت الدول شكرها إلى المملكة على إجلاء رعاياها، حيث أعربت وزارة الخارجية الأمريكية، عن شكرها وامتنانها للسعودية والإمارات على مساعدتهما في إجلاء رعايا الولايات المتحدة من السودان.

كما وجهت إيران على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، الشكر إلى المملكة، لإجلاء 65 مواطناً إيرانياً من السودان، ووصولهم إلى جدة.

فيما أعرب رئيس الوزراء الباكستاني محمد شهباز شريف، عن شكره لقيادة المملكة العربية السعودية على المساعدة في إجلاء الباكستانيين العالقين في السودان.

كما أشاد سفير دولة الكويت لدى المملكة الشيخ صباح ناصر صباح الأحمد الصباح، بدور المملكة بإجلاء الرعايا الكويتيين العالقين في السودان في أول طليعة للبواخر الملكية السعودية، معبراً عن تقدير بلاده وامتنانها على التسهيلات التي قدمتها المملكة لتسهيل إجلاء المواطنين الكويتيين وتأمين وصولهم إلى مدينة جدة سالمين.

وأعربت وزارة الخارجية اليابانية، عن شكرها للسعودية والإمارات على المساعدة في إجلاء 45 شخصا من السودان. كما أوضحت وزارة الخارجية العراقية أنها نسقت مع المملكة لإجلاء رعاياها من السودان، موجهة الشكر للرياض على نجاح إجلاء الطاقم الدبلوماسي في السفارة العراقية بالخرطوم إلى مواقع آمنة. فيما أعربت سلطنة عمان عن جزيل شكرها للمملكة، على تسهيل عملية إجلاء مواطنيها من السودان عبر مدينة جدة.

وأوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، تان كه في، أن الجيش الصيني أكمل مهمة إجلاء الصينيين من السودان، موجها شكره إلى المملكة، حيث نقلت سفن البحرية الصينية (940) مواطنا صينيا و(231) أجنبيا من السودان إلى ميناء جدة السعودي في عمليتي إجلاء.

وأشادت منظمات دولية بدور المملكة في عمليات الإجلاء، حيث أشاد الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، جاسم بن محمد البديوي، بالدور الدبلوماسي واللوجستي الكبير الذي قدمته المملكة في عملية إجلاء رعاياها ورعايا عددٍ من الدول الخليجية والشقيقة والصديقة، وعددٍ من المدنيين والدبلوماسيين والمسؤولين الدوليين.

وثمَّنتْ رابطة العالم الإسلامي الدورَ الإنساني والدبلوماسي الكبيرَ الذي تواصل المملكةُ الاضطلاعَ به خلال الأزمة في السودان، وقدم الأمين العام رئيس هيئة علماء المسلمين فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، خالص الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ، على متابعتهما المباشرة لعملية إجلاء الرعايا العالقين في السودان جراء النزاع المسلح، حتى وصولهم بسلامٍ وأمانٍ إلى المملكة، وتوفير متطلباتهم كافةً تمهيدًا لمغادرتهم إلى أوطانهم.

كما قدمت منسقة الأمم المتحدة لدى السعودية، د. ريتا كولومبيا، الشكر إلى المملكة، على مساعدتها في إجلاء رعايا عدة دول من السودان.

وقدم ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)، الطيب آدم، الشكر إلى خادم الحرمين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، على الدعم الذي قدمته المملكة لإجلاء 600 من موظفي الأمم المتحدة بما فيهم موظفي اليونيسيف.

ـ مساعدات للسودان وحملة شعبية عبر «ساهم»:

ولم يكتف دور المملكة على إجلاء الرعايا من السودان فقط، بل شمل تقديم مساعدات إنسانية ومالية للمتضررين بالسودان، ففي 8 مايو الجاري، وجه خادم الحرمين الشريفين وولي العهد، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، بتقديم مساعدات إنسانية متنوعة (إغاثية، إنسانية، طبية) بقيمة 100 مليون دولار

وشمل توجيه القيادة، تنظيم حملة شعبية عبر منصة «ساهم»، لتخفيف آثار الأوضاع التي يمر بها الشعب السوداني حالياً، حيث يأتي التوجيه الكريم امتداداً للدور الإنساني للمملكة بالوقوف مع المتضررين والمحتاجين في جميع أنحاء العالم في مختلف الأزمات والمحن. وانطلاقاً من حرص خادم الحرمين الشريفين، وولي عهده، على الوقوف إلى جانب أبناء الشعب السوداني الشقيق، والتخفيف من آثار الأزمة التي تشهدها السودان.

ـ إعلان جدة:

أثمرت جهود المملكة السياسية على جمع ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في مدينة جدة، لإجراء مباحثات في محاولة لرأب الصدع، وقد تم توقيع ممثلي الطرفين على «إعلان جدة».

وذكرت وزارة الخارجية في بيان لها: «يسر المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية أن تعلنا أنه في (11مايو 2023م) في جدة، المملكة العربية السعودية، وقع ممثلو القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع على إعلان الالتزام بحماية المدنيين في السودان، يقر إعلان الالتزام، التزام كلا الجانبين بموجب القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في تسهيل العمل الإنساني لتلبية الاحتياجات الطارئة للمدنيين».

وأضاف البيان أنه: «سيوجه إعلان الالتزام نشاط القوتين لتمكين إيصال المساعدات الإنسانية بأمان، واستعادة الخدمات الأساسية، وانسحاب القوات من المستشفيات والعيادات، والسماح بدفن الموتى باحترام».

وتابع البيان «عقب التوقيع، ستركز محادثات جدة على التوصل إلى اتفاق بشأن وقف فعال لإطلاق النار لمدة تصل إلى قرابة عشرة أيام، وذلك لتسهيل هذه الأنشطة، ستشمل الإجراءات الأمنية آلية لمراقبة وقف إطلاق النار، مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي».

 وأشار بيان الخارجية إلى أنه «تماشياً مع النهج التدريجي المعتمد والذي اتفق عليه الطرفان، ستتناول محادثات جدة الترتيبات المقترحة للمحادثات اللاحقة ـ مع المدنيين السودانيين والشركاء الإقليميين والدوليين ـ بشأن وقف دائم للأعمال العدائية، وبالتشاور مع القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، يتطلع المسهلون إلى المشاركة في مناقشات مع المدنيين السودانيين والشركاء الإقليميين والدوليين في الجولات القادمة من المحادثات».

فيما أكد وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، أن «إعلان جدة» هو خطوة أولى ستليها خطوات أخرى لتحقيق الاستقرار بالسودان.

وقال وزير الخارجية (عبر حسابه بموقع تويتر): «جمعت مدينة جدة ممثلو القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع في مبادرة لحل الأزمة.. المحادثات التي تمت وإعلان الالتزام بحماية المدنيين، يأتي كخطوة أولى، وستتبعها خطوات أخرى».

وأشار وزر الخارجية إلى أن «الأهم هو الالتزام بما تم الاتفاق عليه»، موضحًا أن «المملكة ستعمل حتى يعود الأمن والاستقرار للسودان وشعبه الشقيق».

ومن أهم البنود التي تضمنها إعلان جدة، هو ضمان حماية المدنيين في جميع الأوقات، ويشمل ذلك السماح بمرور آمن للمدنيين لمغادرة مناطق الأعمال العدائية الفعلية على أساس طوعي في الاتجاه الذي يختارونه.

وكذلك الالتزام باحترام وحماية وسائل النقل الطبي مثل سيارات الإسعاف والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية، والالتزام باحترام وحماية العاملين في المجال الطبي والمرافق العامة.

إضافة على تسهيل المرور الآمن والسريع دون عوائق للعاملين في المجال الإنساني عبر جميع الطرق المتاحة (وأي ممرات إنسانية قائمة) على النحو الذي تقتضيه الاحتياجات، إلى البلد وداخله، بما في ذلك حركة قوافل المساعدات الإنسانية، واعتماد إجراءات بسيطة وسريعة لجميع الترتيبات اللوجستية والإدارية لعمليات الإغاثة الإنسانية، والالتزام بفترات التوقف الإنسانية المنتظمة وأيام الهدوء حسب الحاجة.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version