ما كان لرؤية عبر التاريخ أن تواصل نجاحها دون أن يلعب الفلاسفة دورًا محوريًا ونشطاً ومهماً؛ لبث روح الحياة فيها، فهم يطورون بعدًا نقديًا ومنطقيًا قد لا تشمله الخطط الاقتصادية والتنفيذية. كما يمتد عملهم الفلسفي على ربط أفكار القيادة بالشعب.

ومن هذا المنطق فرؤية السعودية 2030: هي رؤية شاملة استخلصت أفكارها من مختلف التوجهات الفكرية، لتقدم نموذجاً فريداً يعبر عن الثقافة السعودية بجميع أطيافها، وتحتاج لدور فلسفي يعزز من قوتها وحضورها.

وعبر التاريخ، ساهم العديد من الفلاسفة في تشكيل رؤى وطنية، مثل جون لوك الذي قدم أفكارًا عن الحرية الفردية والملكية الدستورية، وجان جاك روسو الذي طرح مفهوم الإرادة العامة والمساواة في فرنسا، وفي الصين، أثرت فلسفة كونفوشيوس في القيم السياسية والاجتماعية، أما توماس هوبز فقد أسس لنظرية الدولة المركزية القوية لضمان الاستقرار.

إنَّ الرؤية السعودية لم تتكئ على فكرة يمينية أو يسارية أو اشتراكية أو شعبية بل انطلقت من مبادئ سعودية خالصة، تحقق التوازن بين التحديث والحفاظ على القيم الأصيلة، مع مراعاة احتياجات كل مكونات المجتمع دون إهمال أي جزء من نسيج هذا الوطن؛ ما يجعلها مشروعًا وطنيًا يعكس التنوع والانسجام السعودي، ويمكن استنساخ التجربة مع أفكار شعوب الشرق الأوسط خصوصًا، وتساهم في صناعة أوروبا جديدة كما صرح بذلك سابقًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – .

ومن هذا المنطلق تحتاج الرؤية لمفكرين وفلاسفة يلعبون دورًا محوريًا في تعزيز الحوار الفكري داخل المجتمع، ويقدمون  إطارًا قيميًا يدعم أهداف الرؤية. إنهم يمتلكون القدرة على تحليل الأفكار الكبرى، وتأصيل قيم العدالة والاستدامة، وتعميق فهم التنمية بشكل إنساني وشامل، كما يمكنهم أيضًا تعزيز لغة الحوار بين القيادة والشعب من خلال التفكير النقدي والمنطقي، وتشجيع النقاش العام حول أهداف الرؤية ووسائل تحقيقها. كذلك، يُمكن للفلاسفة المساهمة في صياغة سياسات توازن بين التطور التكنولوجي والقيم الثقافية، مع مراعاة احتياجات الأجيال الحالية والقادمة.

بقي القول، إنه لإثراء رؤية 2030، يمكن إنشاء مجالس استشارية فلسفية، تعمل على تعزيز الثقافة الفلسفية في المجتمع، وإشراك الفلاسفة في صنع السياسات، وهذا يؤدي إلى تعزيز القيم الإنسانية، ويُعمّق الحوار بين القيادة والمواطن، مما يجعل الرؤية أكثر شمولية وإنسانية وارتباطًا بحياة الناس وقيمهم.

باحث دكتوراه في الإعلام الرقمي بجامعة كمبلوتنسي مدريد، إسبانيا

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version