أسامة أبو السعود

كشف رئيس لجنة إعداد خطبة الجمعة المذاعة والموزعة بقطاع المساجد بوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية د.بدر الضفيري عن ان الوزارة عممت خطبة الجمعة لهذا الأسبوع تحت عنوان: (حرمة الغش والخديعة) بمناسبة بداية اختبارات أبنائنا وبناتنا الطلاب والطالبات في المدارس والجامعات.

وأكد الضفيري انه تم تسليط الضوء على ما يمكن ان يتسبب به الغش في الاختبارات من نتائج سلبية تضر البلاد والعباد والأسباب التي من اجلها حرم الإسلام الغش.

وجاء في الخطبة «إن الأمر يجب أن ينظر إليه نظرة فاحصة واقعية، لا نظرة عاطفية سطحية، حيث إن بعض الناس ينساق وراء العاطفة أو بحكم الصلة والقرابة، فيستسهل الغش ويستسيغ الخداع بزعم رحمة الطلاب والتيسير عليهم، وهذا زعم مكذوب ورحمة موهومة، فإن وراء الغش ما وراءه من الآثار الخطيرة والشرور المستطيرة، إذ ان من ينجح بالغش سيكون داهية دهياء ومصيبة عمياء، فهو إن تخرج فيما بعد طبيبا فقد يكون جزارا لأبدان المرضى لا جراحا، ومسبرا قاتلا لا مشخصا فاعلا، وإن تخرج مهندسا فقد تنهدم البنايات على رؤوس ساكنيها، فيكون مهدما لا مهندسا، وإن تخرج معلما فسيكون معلما فاشلا ولا يخرج إلا أجيالا فاشلة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهكذا قس على ذلك كل الحرف والمهن والوظائف.

فهذه هي النتيجة المرة والحقيقة المستقرة للغش في الامتحانات: أجيال فاشلة، وأيد عاطلة، ونفوس متثاقلة، وعقول جامدة خاملة، بحيث تكون نتيجته حصول الممتحن على شهادات لا يستحقها، ويتبوأ مراكز ليس أهلا لها، أو يتقلد وظائف غير كفء لمثلها، عندها حدث ولا حرج عن الفساد والإفساد، وعن خراب البلاد وتخلف العباد.

فاتقوا الله – عباد الله – في الأجيال، واتقوا الله في العملية التربوية والتعليمية، فإنها الحصن المنيع المصون، الذي إذا تصدع أو انهدم – لا قدر الله – تتابعت بعده سائر الحصون.

وفيما يلي نص الخطبة كاملا:

الحمد لله الذي أحل الحلال وحرم الحرام وبين أصول الديانة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالنصح والوفاء والأمانة، ونهى عن الغش والغدر والخيانة، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، حثنا على مكارم الأخلاق وأوضح لنا محاسن الشريعة، ونهانا عن مساوئ الأخلاق من الكذب والمكر والخديعة، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أولي المكرمات والشمائل الرفيعة.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعملوا بطاعته ورضاه، فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، وكفى بالله وكيلا (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب) [الطلاق:2-3].

أيها المؤمنون:

إن من كمال شريعتنا الغراء، ومن محاسنها وفضائلها على الخليقة جمعاء: أن شرعت لهم كل ما يجلب النفع وينميه، ودرأت عنهم كل ما يأتي بالضرر ويغذيه، فقد أمرت بكل طيب وزانته، ونهت عن كل خبيث وشانته، فأوجبت على المسلمين النصيحة، وحرمت عليهم الغش والفضيحة، لأن الغش يناقض الصدق والأمانة، ويروج للمكر والخداع والخيانة، ولهذا نهت عنه الشريعة نهيا أكيدا، وحذرت منه تحذيرا شديدا، فعدته من أفحش العيوب، وجعلته من كبائر الذنوب ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) [الأنفال:27]. وأثنى الله تعالى على الذين يؤدون الأمانات، ويجتنبون الخيانات، فقال سبحانه: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) [المعارج:32]، وعن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة» قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله وكتابه ورسوله، وأئمة المؤمنين، وعامتهم، أو أئمة المسلمين، وعامتهم» [أخرجه أحمد وأبو داود وصححه الألباني].

معشر المسلمين:

إن الغش من أعظم الحرام، وهو إجرام في حق الأنام، فهو سبيل يودي بصاحبه إلى النار، ويورده موارد الهلاك والبوار، عن عبدالرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عبد الرحمن، إن الله أبى علي أن يدخل الجنة لحما نبت من سحت، فالنار أولى به» [أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي].

والغش يحرم صاحبه من إجابة الدعاء، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا،… ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟» [أخرجه مسلم]. وكذلك الغش يخرج صاحبه من هدي سيد المرسلين، ومن سيرة أهل الاتباع من المؤمنين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا» [أخرجه مسلم]. والغش من الخديعة، وليست الخديعة من أخلاق أهل الشريعة، عن قيس بن سعد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المكر والخديعة في النار» [أخرجه البيهقي في الشعب، وصححه الألباني].

إخوة الإيمان:

إن أعظم الغش وأخطره، وأكثره ضررا وأكبره: الغش في الدين، وذلك بالتلاعب بدين الله وأحكام شريعته، وتشويه هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتمييع سنته، (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون [النحل:116]. وكذا غش أئمة المسلمين وعامتهم، ويكون بعدم إرشادهم لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم.

ألا وإن الغش – يا عباد الله – لا ينحصر في ميدان، ولا يقتصر على زمان أو مكان، فإنه يمارس في التجارة والصناعة، ويدخل في الحرف والمهن والزراعة، ويكون في الوظائف والمناصب، وفي العلاقات والتواصل والتكاتب، وفي الزواج والطلاق وفي المعاملات، وفي كل شأن من شؤون الحياة.

لقد استمرأ أهل الطمع والجشع أموال الناس بأساليب من المكر والخداع، فكذبوا وزوروا، وبدلوا وغيروا، لا يكترثون بعاقبة فعالهم، ولا يأبهون بسوء صنيعهم، ولا يحسبون حسابا لحلال ولا لحرام، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: «ليأتين على الناس زمان، لا يبالي المرء بما أخذ المال، أمن حلال أم من حرام» [أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه].

معشر المؤمنين:

ومن صور الغش – وهي كثيرة -: الخلط بين البضاعة الجيدة والبضاعة الرديئة، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام وقد حسنه صاحبه، فأدخل يده فيه، فإذا طعام رديء فقال: «بع هذا على حدة، وهذا على حدة، فمن غشنا فليس منا» [رواه أحمد وحسنه الألباني].

ومنها: تبديل علامات تسجيل البضائع، أو يضع الجيد من البضاعة في الأعلى ويخبئ الرديء في أسفلها، ليغري بها غيره، أو يغير تاريخ فترة صلاحية المنتج المدونة عليه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا فقال: «ما هذا يا صاحب الطعام؟» قال أصابته السماء – يعني المطر – يا رسول الله، قال: «أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني» [أخرجه مسلم].

ويجب على المسلم إذا باع بيعا وفيه عيب أن يبينه للمشتري كائنا من كان، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «المسلم أخو المسلم، ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له» [أخرجه ابن ماجه وصححه الألباني].

ومن صور الغش: الغش في الانتخابات، بغية الوصول إلى المناصب عن طريق الكذب والاحتيال والتزوير.

اللهم وفقنا لهداك، واجعل أعمالنا الصالحة في رضاك، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الصادق الأمين، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على طاعته بما رزقكم، واشكروه على نعمه كما أمركم، يزدكم من فضله كما وعدكم.

عباد الله:

ومن صور الغش الخطيرة، التي تجلب شرورا مستطيرة، وتحدث آثارا في المجتمع وتدميرا: ما يحصل من غش في الاختبارات المدرسية، وهو في حقيقته خيانة للأمانة الشرعية، وتخريب للتعليم وتعدّ سافر على المؤسسات التعليمية.

ولا يشك ذو عقل أن الغش في الاختبارات ظلم وعدوان، وهو بغي وتعسف وبهتان، إذ كيف يستوي من فرط وأهمل وتكاسل مع من وصل ليله بنهاره بجد ومثابرة، وقام بواجبه بتعب ومصابرة؟! أليس هذا دعوة إلى التثاقل والتقاعس، بدلا من الجد والصبر والتنافس؟! أليس هذا ظلما لمن جد واجتهد؟! ومحاباة لمن أهمل واتكل وقعد؟!

إن الأمر يجب أن ينظر إليه نظرة فاحصة واقعية، لا نظرة عاطفية سطحية، حيث إن بعض الناس ينساق وراء العاطفة أو بحكم الصلة والقرابة، فيستسهل الغش ويستسيغ الخداع بزعم رحمة الطلاب والتيسير عليهم، وهذا زعم مكذوب ورحمة موهومة، فإن وراء الغش ما وراءه من الآثار الخطيرة والشرور المستطيرة، إذ إن من ينجح بالغش سيكون داهية دهياء ومصيبة عمياء، فهو إن تخرج فيما بعد طبيبا فقد يكون جزارا لأبدان المرضى لا جراحا، ومسبرا قاتلا لا مشخصا فاعلا، وإن تخرج مهندسا فقد تنهدم البنايات على رؤوس ساكنيها، فيكون مهدما لا مهندسا، وإن تخرج معلما فسيكون معلما فاشلا ولا يخرج إلا أجيالا فاشلة، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وهكذا قس على ذلك كل الحرف والمهن والوظائف.

فهذه هي النتيجة المرة والحقيقة المستقرة للغش في الامتحانات: أجيال فاشلة، وأيد عاطلة، ونفوس متثاقلة، وعقول جامدة خاملة، بحيث تكون نتيجته حصول الممتحن على شهادات لا يستحقها، ويتبوأ مراكز ليس أهلا لها، أو يتقلد وظائف غير كفء لمثلها، عندها حدث ولا حرج عن الفساد والإفساد، وعن خراب البلاد وتخلف العباد.

فاتقوا الله – عباد الله – في الأجيال، واتقوا الله في العملية التربوية والتعليمية، فإنها الحصن المنيع المصون، الذي إذا تصدع أو انهدم – لا قدر الله – تتابعت بعده سائر الحصون.

إخوة الإسلام والإيمان:

وليعلم كل من يعين على الغش أو يسمح به أو يروج له: أنه يأتي بابا من أبواب الحرام، ويرتكب إثما من أكبر الآثام، وأنه يدمر أجيالا ويفسد أحوالا، ويحطم مستقبلا ويخرب دولا، ويخون الأمة ويحرمها بلوغ الغاية والقمة، من حيث يظن – وهو يسيء صنعا – أنه يسدي جميلا ويقدم خيرا ومعروفا جليلا، وليؤد كل حق الأمانة كما استحفظ عليها بلا تلاعب ولا خيانة، قال الله تعالى (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا [النساء:58].

فالطلاب أمانة ورعية، فلنحافظ عليها ولا تأخذنا بالإثم عزة أو حمية، عن الحسن قال: عاد عبيد الله بن زياد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه، فقال معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو علمت أن لي حياة ما حدثتك، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة» [أخرجه البخاري ومسلم].

وقد أفتى العلماء بحرمة الغش في الاختبارات، ومنهم العلامة الشيخ ابن باز -رحمه الله-، إذ قال في جواب له عمن سأله عن حكم الغش في الامتحانات، فقال: (الغش محرم في الاختبارات، كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أي مادة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة).

اللهم إنا نسألك العافية في الأبدان، والأمن في الأوطان، والرحمة بالأهل والإخوان، والفوز بالنعيم والرضوان، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، اللهم إنا نسألك التوفيق للقيام بحق الأمانة، ونعوذ بك من التفريط والإضاعة والخيانة، اللهم وفق أميرنا لهداك، واجعل أعماله في رضاك، وألبسه ثوب الصحة والعافية، اللهم وفقه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version