إعداد: دارين العلي

عندما تسلق سور مدرسة 25 فبراير في الرميثية للدخول إلى مختبراتها لم يكن يدرك أنها المرة الأخيرة التي سيحاول فيها إيجاد السبل للدفاع عن وطنه وعلمه وأهل ديرته.

الشهيد البطل حسام السيافي لم يكن يتوقع أن هناك عيونا تترصد به وصديقه عندما كانا يحاولان الحصول على مواد كيميائية لاستخدامها في تصنيع القنابل اليدوية وتزويد مجموعات المقاومة الكويتية بها في مواجهة الاحتلال الغاشم.

أطلقوا عليه في المعتقلات العراقية اسم «ابو التيزاب» وهي المادة الكيميائية التي رصدت معه وصديقه جمال العطار عند اعتقاله إلى مخفر الجابرية ثم إلى مبنى بلدية الجهراء بعدها إلى البصرة ومنها إلى جهة غير معلومة، ثم إيجاد رفاته في إحدى المقابر الجماعية في العراق.

الشهيد البطل

الشهيد البطل حسام السيافي، كان يمتلك شخصية حيوية تتميز بروح المغامرة، كان بطلا في رياضة القفز بالمظلة وفي سباق الزوارق، ورفع علم الكويت عاليا في كثير من البطولات التي شارك فيها، بالإضافة إلى انه كان يشغل وظيفة نائب المدير في شركة السيافي للتجارة والخدمات البحرية التي كان يمتلكها والده.

الصباح الأسود

في ذلك الصباح الأسود، لم يصدق الشهيد السيافي ما رأته عيناه وهو يقوم بعمله في الشركة، دبابات تجوب الشوارع، وطائرات تحلق على ارتفاع منخفض، وأصوات إطلاق النار تملأ المكان، فما كان منه إلا أن عاد إلى منزله برفقة والده ليبدأ رحلة المواجهة والدفاع عن وطنه.

تصنيع القنابل

تواصل الشهيد البطل مع أصدقائه وأقرانه ومنهم صديقه المقرب جمال العطار، وكان حسام يتمتع بشبكة واسعة من المعارف والعلاقات ما سمح له بالانخراط في صفوف المقاومة منذ اليوم الاول للاحتلال، وساهم في ذلك أيضا معرفته الواسعة بأسرار الكهرباء وكيفية صناعة المتفجرات.

بعد أيام من الاحتلال بات لحسام علاقات متشعبة مع اكثر من مجموعة للمقاومة، وانضم إلى خلية مهمتها تصنيع القنابل اليدوية المحلية، ونقل الاسلحة إلى مجاميع المقاومة، وقد شارك في عدد من العمليات من أبرزها عملية بالقرب من دوار العظام.

المهمة الأخيرة

كانت مختبرات المدارس في ذلك الوقت مصدر المواد الكيميائية التي يستخدمها المقاومون في تصنيع القنابل، وفي صباح احد أيام النضال، يوم الخميس 27 سبتمبر، كان على حسام وصديقه جمال القيام بمهمة جلب تلك المواد من مدرسة 25 فبراير في الرميثية، إلا أن حسام فضل الذهاب منفردا وتسلق سور المدرسة ودخل مختبراتها واحضر جميع المواد، إلا أنه ولسوء الحظ نسي مادة كيميائية رئيسية يروى انها كانت مادة «التيزاب» وهي مادة حارقة كانت تستخدمها المجموعة في صنع القنابل اليدوية المحلية، فاضطر للعودة، ولكن هذه المرة برفقة صديقه جمال دون أن يدركا أن أعين الاحتلال تتربص بهما، فكانت رحلة العودة الأخيرة.

فبعد حصولهما على المادة ونقلها إلى السيارة التي يستقلانها وكانت من نوع سوزوكي خضراء اللون يمتلكها جمال، أوقفتهما احدى نقاط التفتيش العراقية، وعثرت داخل السيارة على المادة وعلى صاعق تفجير كان مخبأ في خزانة المقعد الأمامي، فتمت مصادرتها وإحالة الصديقين إلى الحجز في مخفر الرميثية لتبدأ رحلة الاعتقال والتعذيب.

العائلة المقاومة

عندما علم والد حسام بالأمر توجه إلى مخفر الرميثية، وتأكد من وجود ابنه هناك من المسؤولين العراقيين، إلا انه واجه مشكلة أبعدته عن المخفر، حيث تعرف عليه أحد الضباط وواجهه بحقيقة توزيعه المياه على سكان الحي الذي يقطن فيه، وقيام ابنته أي شقيقة حسام بتصوير تجمعات القوات العراقية بين الحين والآخر، طالبا منه إحضار ابنته في اليوم التالي ومعها الكاميرا.

وطبعا لم يكن والد حسام ليخاطر بابنته فما كان منه إلا أن استخرج الافلام من الكاميرا ونقل ابنته إلى بيت أخته في الرقة لحمايتها.

وبعد بضعة أيام توجه مجددا لمخفر الرميثية، وكان يملؤه خوف اللقاء مع الضابط الذي سأل عن الكاميرا، ولكنه تنفس الصعداء عندما علم بأنه غير موجود، إلا انه بالمقابل سمع نبأ نقل ابنه إلى مبنى بلدية الجهراء واحتجازه في قبوها مع بقية المعتقلين.

رحلة الاعتقال

في قبو بلدية الجهراء كان هناك عدد كبير من المعتقلين ومن بينهم حسام الذي لقبه المسؤول عن المعتقلات العراقية في الكويت «ابو درع المرعب» المعروف بين المعتقلين بقسوته وطرقه المبتكرة بالتعذيب، بـ «ابو التيزاب» نسبة للمادة التي رصدت معه وقت اعتقاله.

وكان في المعتقل أيضا الشاهد حبيب حيدر شهوار الذي اتصل هاتفيا بوالد حسام بعد خروجه من معتقل بلدية الجهراء مقابل رشوة منحت للمحتل، ان حسام تم نقله إلى مبنى استخبارات مدينة البصرة العراقية في منتصف اكتوبر مع عدد كبير من المعتقلين.

جهة مجهولة

سجن البصرة كان شديد القسوة، حيث كان يمنع على النزلاء الحديث فيما بينهم، إلا أن أبطال الكويت الأسرى استطاعوا التأقلم مع الظروف، وكان صغار السن ينامون وقوفا لإفساح المكان لكبار السن للاستلقاء، وكان القرآن هو سلاحهم والصلاة جماعة هي صبرهم إلى انه تم منعهم من الصلاة جماعة خوفا من تآلفهم.

وبقي مصير حسام وصديقه جمال مجهولا في ذلك المعتقل، إلا مما ذكره الشاهد المقدم عبدالمحسن القطان الذي سأل أحدا ممن كانوا معه في معتقل بعقوبة عن مصير البطلين، فأخبره بأن القوات العراقية أخذتهما ذات ليلة بعد أن أوسعتهما ضربا وتنكيلا، وأركبتهما في حافلة ونقلتهما إلى جهة غير معلومة.

يقين الشهادة

واستمرت رحلة الغموض والتعتيم المطبق على أخبار حسام، إلى ما بعد حرب تحرير العراق وانكشاف المقابر الجماعية التي عثر فيها على الكثير من رفات أسرى الكويت، وكان الأسير الشهيد حسام السيافي واحدا من هؤلاء، حيث أثبتت التحاليل المخبرية في 24 أغسطس 2004 العثور على رفاته في مقبرة جماعية غرب مدينة كربلاء.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version