• كتبت مقالاً في 2007 أدلل فيه على رغبة الكويتيين في العيش الهادئ كأسرة واحدة فكانوا على وئام دائم واتصال لا ينقطع والسمع والطاعة للأمير
  • أبت الإرادة الأميرية إلا اتباع جانب الحزم ووضع الأمور في نصابها فأعادت مسيرة وطننا إلى الطريق السليم الذي يكفل تقدمه ورقيه
  • سمو الأمير وضع أصابعه الكريمة على جروح المخلصين من أبناء الكويت وحدّد البلسم الشافي فضمنوا زوال ذلك الكابوس المفتعل
  • صاحب السمو رعى أمانة الحكم خير رعاية وقام بما رأى أنه من مصلحة الوطن من أجل صدّ التيار المظلم السياسي لهدم كل ما بناه الآباء

عاشت الكويت – مؤخرا – فترة من أقسى فترات الحياة، ولم يشهد تاريخها مثيلا لما حدث، ولم يرتفع عن قلوب المواطنين ما حل بهم إلا بعد أن استمعوا إلى خطاب صاحب السمو أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، فقد رعى أمانة الحكم خير رعاية، وقام بما رأى أنه من مصلحة الوطن أن يقوم به من أجل صد هذا التيار المظلم الذي يهدف إلى هدم كل ما بناه الآباء، وجاء بزعامة أناس لم يكونوا في مستوى المسؤولية الوطنية التي انتخبهم ناخبوهم من أجل القيام بها. ولذا فقد أبت الإرادة الأميرية إلا اتباع جانب الحزم، ووضع الأمور في نصابها، فأعادت مسيرة وطننا إلى الطريق السليم الذي يكفل تقدمه ورقيه. ولقد سبقت منا الإشارة إلى مثل هذا الظلام الذي قام بتبديده صاحب السمو الأمير، وكان ذلك في مقال نشر في اليوم العاشر من شهر يناير لسنة 2007م، وكان نشره في جريدة الوطن. هذا المقال يشير إلى بداية ما وصلنا إليه مؤخرا من تفاقم التطاول على النظام، والعمل على اكتساب المصالح الشخصية عن طريق التصرفات الرعناء التي شهدناها مؤخرا وقد زاد طغيانها عن ذي قبل. وكان المقال المشار إليه يدعو – على الرغم من إشاراته إلى ذلك البلاء – إلى التفاؤل وكان عنوانه يدل على ذلك، فهو يعلن أن الكويت بخير. وهو يدل على أن أهل الكويت لا يعبأون بمثل هؤلاء، ويعلمون نواياهم وانتماءاتهم،

ويعلمون أن الوقت الذي يوقفهم عند حدهم قادم لا محالة. ومن أجل ذلك، وجهت قصيدة إلى أخي الشاعر خالد المنشرح العجمي قلت له فيها:

جانا الأذى من ناس ما هي بعيدة

ما همها أرض ولا من وطاها

كل أيدوّر في الوطن ما يريده

نفسه، وما عنده عزيز سواها

حتى غدت لكويت مثل الطريده

يركض وراها صايد ما حواها

هو يحسب الصرخة عليها تفيده

ما يدري إن الكل يحمي حماها

وقلت له في قصيدة أخرى في هذا الغرض:

علت أصواتهم حتى كثر منها لنا التكدير

وغطتنا سحابة حقد هم بالأمس يخفونه

عرفنا النية القشرة إيغطيها غطا التزوير

وعرفنا إنهم أصحاب غاية، وهي ملعونه

يبون اللي الخيال إيصوره لنفوسهم تصوير

وهم يدرون ان الدار بان الله مكنونه

ومنها:

ترى الديرة لها حاكم أبد ما خانه التدبير

ولها شعب ايفديها، وأنتم ما تهمونه

أما المقال الذي مرت بنا الإشارة إليه، فقد كان يعرض صورة عن الوضع في وقت نشره، فيقول:

تتردد على أفواه الناس في الكويت نغمات من الحزن، وتسيطر عليهم نظرة تشاؤمية واضحة، ومن يستمع إلى ما يدور من أحاديث في بعض الدواوين، أو الأماكن الأخرى التي يلتقي فيها الناس يفاجأ بذلك التشاؤم، والناس في ذلك لا يلامون فإن ما يقرأونه في الصحف يوميا، وما يثار من مناقشات في مجلس الأمة يثير هذه النزعة ويزيد من وقعها، بالإضافة إلى الآثار النفسية التي خلفها الغزو العراقي الغاشم في نفوس المواطنين، وهي ظواهر لا تخفى على أحد.

ولا شك في أن الكويت تحتوي على أشياء جميلة، وفيها أناس يعملون باستمرار من أجلها، وهناك، مبادرات متعددة جديرة بأن تثير روح التفاؤل بدلا من التشاؤم، ثم إن أغلب ما يثار من أمور أشياء مبالغ فيها، أو غير حقيقية، وعلى أبسط قواعد حسن الظن فإن فيها تحويل للحقائق عن مسارها.

والكويت الجميلة، ذات الإنجازات المتعددة على مستوى الحكومة أو على مستوى الأفراد حري بها أن ترفع عن كواهل أبنائها هذا الهم الذي يسيطر عليهم، وأن تطلعهم على حقائق الأمور بصورة غير مباشرة تشرح صدورهم بالحق، وتدفعهم إلى التفاؤل بمستقبل كريم.

ثم يشير المقال إلى أمور تتعلق بالكويت وأهلها وحكامها منذ نشأت، وذلك مع الاستعانة بما أورده الشيخ يوسف بن عيسى القناعي في كتابه «صفحات من تاريخ الكويت» الذي صدر في سنة 1946م، وقد ذكر فيه أمورا كثيرة تدل على طبيعة الكويتيين وصلتهم الحميمة بحكامهم، وعمق العلاقات التي تربطهم ببعض وتجعلهم إخوة متحابين.

ومما ذكره فيما يتعلق بالنزعة إلى الاستقلال محاربتهم لبني كعب في معركة الرقة الشهيرة في عهد الشيخ عبدالله بن صباح المتوفى سنة 1814م، وانتصارهم على أعدائهم بفضل حسن إدارة المعركة التي كانت في عرض البحر، ومن ذلك – أيضا – بناء السور التي قام ببنائه الناس تلبية لنداء الوطن وتلبية لحث الحاكم لهم على ذلك، ولم يشترك في الإعداد والبناء أحد من غيرهم على الرغم من الادعاء الكاذب بمشاركة أبناء جنسية غريبة في بناء البوابات، فقد كان في الكويت رجال ماهرون في البناء تشهد لهم المباني التي كانت قائمة منذ ذلك التاريخ.

وأفرد الشيخ يوسف بن عيسى فصلا كاملا عن القضاء في البلاد، فذكر أن هذا المرفق من أقدم مرافق العمل في الكويت وأن الكويتيين كانوا يتولونه ما عدا فترات محدودة اضطر ولي الأمر فيها إلى إحضار قاض من الخارج واستمرت حالهم هذه إلى ان تم تنظيم القضاء في السنوات الأخيرة وصار له وضع مختلف عن الوضع السابق.

ثم تطرق الشيخ يوسف إلى علماء الدين في الكويت، فذكر 13 رجلا منهم، أولهم السيد أحمد عبدالجليل الطبطبائي المتوفى في سنة 1878م، وآخرهم الشيخ يوسف بن حمود المتوفى في سنة 1946م، وقد استفاد أبناء الكويت كثيرا من هؤلاء العلماء الذين تصدى أكثرهم لتدريس بعض طلاب العلم، فكان هؤلاء يتلقون من أساتذتهم دروس التفسير والحديث والفقه والنحو وما شابه ذلك.

أما الشعراء، فقد كان لهم نصيب من كتاب «صفحات من تاريخ الكويت» فذكر منهم عبدالله الفرج ومحمد الفوزان وحمود الناصر البدر وآخرين، ويلاحظ أن من قدمهم الشيخ يوسف بن عيسى هنا هم من شعراء الشعر النبطي، وهذا دليل على أن الشيخ يضع هذا النوع من الشعر في مكانة خاصة.

وفي فصل تميز به تحدث عن مناقب الكويتيين، فذكر أن من ذلك حرصهم على التآلف ونشر المودة فيما بينهم فكأنهم بيت واحد، وعلى عكس ما هو موجود الآن ذكر أنك لا تجد التحاسد والتدابر والمشاغبات بينهم، وإذا جرى خلاف بين بعض السفهاء يتوسط خيارهم لإزالة هذا الخلاف، ومن ذلك – أيضا – مساعدات بعضهم لبعض وهي متواصلة للمنكوبين والمعوزين، وإكرام الضيف، وعدم التكبر وعدم احتقار الناس، وهم يعملون أعمالهم الخيرة سرا دون إشهار ولا تفاخر.

لقد خاض في كثير من جوانب الحياة في الكويت، وقد لاحظنا كم هي متشعبة، وكم هي شديدة الحركة، وهذا التنوع والنشاط هما اللذان دفعا بالبلاد وأهلها إلى مزيد من التقدم فيما لحق من سنين.

ولقد مرت أمور كثيرة مما تميزت بها الكويت، وما تميز به أهلها من حركة قوية نحو التقدم والازدهار، وتبين لنا منها كم في الكويت من أمور تدعو إلى الدهشة، فقد أدهش الرجال العاملون في هذا الوطن زوارهم الأجانب منذ القدم، وقد رأينا اندهاش لويس بيللي ممثل بريطانيا في الخليج لما رآه في الكويت عندما زارها في سنة 1863م، فقال عنها ضمن تقرير مفصل «فهنا مدينة نظيفة، تعج بالنشاط، لديها سوق كبير مفتوح»، وقال: «وقد جذبت تلك المدينة التجار العرب والفرس من جميع الأنحاء، وذلك بسبب عدالة الحكم وحرية التجارة».

وكذلك قال ستكويلر في سنة 1831م، وازداد الرحالة الأميركي أ. لوثر في سنة 1868م عجبا لما رأى، وراقه المظهر العام الذي تتميز به البلاد.

ولا ننسى انطباعات اللورد كيرزون الحاكم البريطاني للهند الذي زار الكويت في سنة 1903م، وتعلق ألن فاليارس صاحب كتاب «أبناء السندبات» بالكويت وأهلها، وثناءه على بحارتها وذكره لمشاهداته وما تركت زيارته في نفسه من آثار، وغيرهم آخرون لا يتسع المجال لذكرهم.

فهذا الوطن نابه الذكر منذ سنة 1820م وهي من السنوات الأولى التي استطعنا أن نصل إلى ذكر أحد زوارها الأوائل وهو الميجر كولبروك فنطلع على ما كتب في تقريره عن تلك الزيارة.

والكويت قديما وطن موصوف بالانفتاح على التجارة يملك الكثير من السفن، شديد النظافة، قوي الاتصال بالعالم الخارجي يطلع على أخباره ولا تغيب عنه حركة الأعمال في الخارج بكل نواحيها.

وقد توالت شهادات الرحالين القدماء الذين مروا بالكويت وكتبوا عنها وعن أهلها، وكان إعجابهم شديدا بنظافتها وحسن تعامل أهلها مع الأجانب، وقدرة بحارتها على خوض الصعاب، وتمكن تجارها من عملهم إضافة إلى مينائها الممتاز.

هذا في الماضي، وأما في أيامنا هذه، فإن الكويت لا تزال بخير رغم كل المنغصات التي تعرضت لها ممن يعرفهم القراء جيدا، ففي الكويت أناس نذروا أنفسهم للعلم وانتجوا فيه، وآخرون نذروا أنفسهم للأدب وبرعوا فيه إلى حد كبير، واليوم تنتشر مؤسسات المجتمع المدني بجميع أنواعها وتنتشر الهيئات المشرفة على الشباب والرياضة وعلى الزراعة والثروة الحيوانية، وفي الكويت مؤسسة للتقدم العلمي وأخرى للأبحاث العلمية ومركز علمي متميز وشباب بارزون في مختلف مجالات الحياة، فهناك من أبناء الكويت أطباء ماهرون وفنانون بارزون ورياضيون على مستوى كبير من الإجادة، ولدينا إنجازات يومية نفخر بها، كما أن عددا من أبنائنا يحصلون باستمرار على أعلى الجوائز في المناسبات والمهرجانات المختلفة، وكثير منهم متفوق في دراساته العليا.

نفخر بقضائنا وقضاتنا، ونفخر بمدرسينا وأساتذتنا، ونعتز بالمهندسين والأطباء الذين أنجبتهم هذه الأرض الطبية، كما نفخر بتجربتنا الديموقراطية التي هي – على علاتها – تجربة فريدة من نوعها وسباقة لغيرها في منطقتنا.

بكل ذلك نفخر، وبأشياء أخرى تصعب الإحاطة بها، ولا تزال بلادنا تنجب النجباء من أبنائها، وتقدم كل جديد ممتع ومفرح مع طلوع كل صباح دعك مما يتردد على بعض الألسنة، ويغيظ المخلصين من أبناء هذا الوطن، فإن هذه الأمور السيئة إلى زوال، إذ إن المواطنين يعرفون جيدا مصلحتهم ومصلحة وطنهم وسوف يضعون حدا لكل ما يسيء من أي نوع كان.

وكما نفخر برجالنا، فإننا نفخر – كذلك – بنسائنا اللواتي طرقن كل مجالات الخدمة الوطنية وبرزن حتى على مستوى العالم بصفتهن متفوقات لا يترددن في خوض كل المجالات التي ترفع شأن وطنهن، وتكفل تحقيق آمالهن في الرقي والتقدم.

وفي هذا الذي اقتطفنا من المقال الكفاية من حيث الدلالة على رغبة الكويتيين في العيش الهادئ الذي يضمهم كأسرة واحدة، فكانوا على وئام دائم، واتصال لا ينقطع وتقدير للنظام الحاكم والسمع والطاعة للأمير.
**

عاشت الكويت ليلة مباركة هانئة، هي الليلة التي جاء في صباحها يوم الأحد الحادي عشر من شهر مايو لهذا العام. فقد استمع المخلصون من أبنائها – وهم في سعادة غامرة – إلى خطاب أميرهم الذي وضع أصابعه الكريمة على جروحهم، ثم وضع بعد ذلك البلسم الشافي، وذلك بعد أن قام سموه بخطوات عديدة، ومحاولات لا حصر لها محاولا علاج هذا الجرح الذي أفرز عدة جروح، كادت تؤثر في مسيرة البلاد – لا قدر الله – لولا حنكة القائد، وقدرته على تحويل دفة سفينتنا إلى الطريق السليم المؤدي إلى بر الأمان. ومن أجل ذلك نام الأهل ليلة ذاك هانئين، ضامنين زوال ذلك الكابوس الذي افتعله أولئك الذين لم يكونوا موضع الثقة التي وضعها فيهم ناخبوهم.

وكان خطاب صاحب السمو الأمير خطاب والد لأبنائه، وفيه إشعار بالحرص على مستقبلهم، واستقرارهم، وعلى حماية الوطن من كل ما يعترضه من عقبات يسببها المخالفون لمقتضى المصلحة العامة، وفيه – كذلك – التأكيد على عدم رضاه بما حدث، ورغبته المؤكدة في قطع الطريق على المفسدين من أجل منعهم من التمادي في دورهم الذي قاموا به على الرغم من علمهم بالأضرار التي قد تلحق بالوطن لإصرارهم عليه فكانت الأنانية ديدنهم، والمصلحة العامة آخر ما يفكرون به.

ولقد اتضح للجميع أنهم قد اتفقوا – مهما تعارضت توجهاتهم – على القيام بهذا الدور الهادم لما بناه الآباء والأجداد، وكانت لهم في ذلك أسباب متعددة تأخذ منها كل مجموعة بطرف.

تناول الخطاب في بدايته عرض الحال التي عاشتها الكويت في ظل تلك الظروف التي أشرنا إليها، وكان عرضا صريحا ووافيا وواضحا، يتصف بصدق الرؤية، والعزم على وضع الأمور، حيث ينبغي أن توضع. ويؤكد على تنامي الفساد الذي طال كثيرا من المرافق، وذلك لكثرة التدخلات التي يقوم بها بعض أعضاء مجلس الأمة، فأدى ذلك إلى نشوء عدم ثقة المواطنين ببعض الأجهزة الحكومية، ما أدى إلى التمادي في مثل هذه التصرفات، وإلى شل حركة الحكومة.

وأشار صاحب السمو الأمير إلى بدايات تجربة الكويت الديموقراطية، فقال:

«لقد حرص أهل الكويت المؤسسون للديموقراطية على إيجاد دستور يخدم مصالح الأمة، ويرعى حقوق وحريات الشعب، ولم نجد منهم في مناقشاتهم في المجلس التأسيسي أو في المجالس التي تلت ذلك إلا قمة الاحترام في الخطاب والرقي في ممارسات الوسائل الدستورية المتاحة لهم في مكانها السليم أو زمانها الصحيح، لكننا نرى الآن عكس كل ذلك، فهنالك إساءة بالغة في استخدام هذه الوسائل وفي أسلوب الخطاب الذي لا يتفق مع عادات وتقاليد أهل الكويت الطيبين الأصليين، وغدت قاعة عبدالله السالم بدلا من أن تكون مكانا لممارسة ديموقراطية حقيقية سليمة مسرحا لكل ما هو غير مألوف وغير مستحب أو مقبول من الألفاظ والعبارات، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدى إلى الإفراط في استخدام حق الاستجواب في كل صغيرة وكبيرة، ما أهدر القيمة الحقيقية لهذا الحق بوصفه أداة راقية للمساءلة والمحاسبة، وليس وسيلة للابتزاز والتهديد أو طريقا للحصول على مكاسب أو منافع شخصية، فليس لهذه الأغراض أقر الدستور أداة الاستجواب، وإنما نص عليها لتكون وسيلة للإصلاح وتقويم الاعوجاج، إن وجد، وبغير ذلك تفقد هذه الأداة الراقية قيمتها ودوافع تقريرها، ومن الواجب علينا أن نعلن رفضنا لكل هذه الممارسات وأن نضع حلا لها بما ينهيها ليعود إلى قاعة عبدالله السالم بهاؤها رمزا للديموقراطية المعبرة عن شعور أهل الكويت متفقا مع عاداتها وتقاليدها الأصيلة التي تقدر وتحترم الكبير وتستمع إلى وجهات النظر الأخرى، لا أن تكون ساحة لمعارك كلامية غير مقبولة أو ممارسات غير دستورية خارجة عن نطاق المنطق والعقل».

ثم أضاف سموه يقول:

«اضطراب المشهد السياسي في البلاد وصل إلى مرحلة لا يمكن السكوت عنه. إن الواجب يفرض علينا أن نبادر إلى اتخاذ جميع الوسائل الضرورية لتحقيق المصلحة العليا للبلاد».

وأشير هنا إلى ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية، فبعد تعيين رئيس مجلس الوزراء وتكليفه بتشكيل الحكومة تم التواصل مع عدد من أعضاء مجلس الأمة لتأمين مشاركة البعض منهم في تشكيل الحكومة امتثالا والتزاما بأحكام المادة 56 من الدستور، ومع ذلك وحرصا على إتاحة كل الوقت الممكن لتشكيل الحكومة رغم كل العراقيل التي وضعت، فقد أصدرنا المرسوم رقم 67 لسنة 2024 بتأجيل اجتماعات مجلس الأمة لدور الانعقاد الأول للفصل التشريعي الثامن عشر إلى يوم الثلاثاء الموافق 14 مايو 2024م إعمالا لنص المادة 106 من الدستور وإيذانا ببدء مرحلة جديدة من التعاون الإيجابي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية والعمل المشترك لتحقيق الإصلاح المنشود والإنجاز المأمول تلبية لطموحات وآمال المواطنين الذين يتطلعون لغد أفضل ومستقبل أكثر إشراقا، إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل لوجود تداعيات أسفرت عن عدم استكمال الحكومة في ظل ما صدر من عدد من أعضاء المجلس من تباين تجاه الدخول في التشكيل الحكومي ما بين إملاءات وشروط البعض للدخول فيها، حيث اشترط بعضهم شغل حقائب معينة بأعداد لا يمكن قبولها، كما فرض بعضهم أسماء محددة ما وضعنا أمام موقف دستوري لا بد من العمل على معالجة أسبابه والحيلولة دون تكرارها في المستقبل حرصا على مصالح البلاد والعباد».

وبعد، فإن ما ورد في هذا القسم من الخطاب يدل دلالة واضحة على أن مجموعة من أعضاء مجلس الأمة وقبل أن يقسموا اليمين الدستورية قد عزموا على عرقلة مسيرة البلاد، وأول سبيل لهم إلى ذلك هو عرقلة تشكيل الحكومة لأغراض خاصة كامنة في نفوسهم.

ومع كل هذه المعيقات التي مرت في وجه سير العمل الحكومي وفق الطرق النظامية التي يكفلها الدستور وتحيط بها القوانين، فإن الإيمان بالديموقراطية لم يتزعزع في نفس صاحب السمو الأمير، ولا في نفوس أبناء الشعب الكويتي المخلصين، ولكن الأمر يستلزم وقفة لا بد منها بعد تلك الزوابع المغبرة التي أثارها المغرضون.

وهذا هو ما أكده صاحب السمو، وهو – أيضا – ما دعاه إلى وقف بعض مواد الدستور وحل مجلس الأمة، وهذا حق من حقوقه لا ينازعه فيه أحد مهما كان، ومن دون هذه الإجراءات لن يتمكن من اتخاذ ما يلزم من أجل تعديل ما اعوج من مسيرتنا ولئن كان ذلك الإجراء صعب الوقع، فإنه أمر لا مناص منه أولا، وإنه – ثانيا – تم بسبب ما قام به أولئك الذين أضروا بالبلاد في سبيل مصالحهم الخاصة.

**

وأرى نفسي الآن في موقف يوجب علي حرصا على وطني وأبنائه. وتقديرا لموقف سمو الأمير أن أذكر بعض ما أظن أنه من المصلحة أن يضاف إلى التطلعات التي صرنا نتطلع إلى تحقيقها بناء على الخطاب الأميري الشامل وما تضمنه من إجراءات.

إن المعاناة التي عاناها أبناء البلاد جراء تصرفات البعض لا ينبغي أن تنسى، كما أنه لا ينبغي أن تتاح الفرصة لعودة أمثالها، لأن ما جرى من الفئة المتسببة في كل ما وصلنا إليه كاف للضرب على أيدي المخربين باسم الديموقراطية، الذين استغلوها لمصالح مادية وفئوية. لذا، فإن الأمل كبير في أن تزيل السنوات الأربع التي حددها صاحب السمو الأمير لوقف انتخابات مجلس الأمة آثار تلك المعاناة وأسباب تلك الآثار، فتعود الأجواء الكويتية صافية كما كانت، ويبقى أبناء الكويت أسرة واحدة لا يفرقها أحد مهما كان ولأي غرض كان.

وهذه هي المقترحات التي أومأت إليها في السطور التي مرت أرجو أن تجد سبيلها إلى النظر:

– إيقاف نقل الموظفين بين الوزارات بصورة نهائية إلا بموافقة مجلس الوزراء بعد النظر إلى ضرورة ذلك على أن يبحث الأمر بصفة فردية، وأن يكون ذلك مما تقتضيه ضرورة العمل، لأن هذا الأمر قد استغل في الواسطات لأسباب انتخابية بحتة مع ما فيه من مخالفة للنظام العام، وضياع فرص الترقية على الموظفين في جهات عملهم التي طال عملهم فيها وصارت لهم خبرة في مجاله، مما يلغي مبدأ تكافؤ الفرص، وتفويت حق العاملين في الترقيات وبخاصة حين يكون المنقول سيتولى منصبا قياديا ليست له خبرة سابقة فيه، فيأتي لكي يكون رئيسا على من هو أكثر دراية بالعمل وأحق منه بالمنصب. وهذا الأمر فيه فساد للعمل كله لأنه يورث الإحباط لدى العاملين مما سوف يكون له تأثير سلبي وتوقف عن الإنتاج.

– العناية بدور ديوان المحاسبة، ومتابعة توصياته واكتشافاته، وإجراء اللازم بشأنها، فإنه لا يكفي أن يكون لدينا جهاز من هذا النوع، ثم لا نمنحه العمل لكي يؤدي واجبه، وذلك بأن نهمل ما يقدمه لنا من بيانات.

– متابعة تنفيذ المشروعات متابعة تتيح للجهة التي تكلف بها إبداء الرأي في طبيعة كل مشروع، واكتشاف المقصرين في الإنجاز أو المستفيدين منه ماليا دون وجه حق.

ومن الملاحظ وجود مشروعات كثيرة في البلاد منها ما هو في الطرق ومنها ما هو في المباني الحكومية وقد مضى زمن طويل على البدء بها، ولكنها الآن متوقفة أو شبه ذلك. ومما يلاحظ أن هذه المشروعات قل أن نجدها مكتملة مطابقة للمواصفات حتى لو جرى إنجاز أي منها، وذلك لعيوب في التنفيذ لا يسأل عنها أحد، ولا يعاقب من يتسبب بها. والأمثلة على ذلك كثيرة.

– الاهتمام بالتدريب الدائم لجميع الموظفين، لأن الأعمال تتطور ولا بد أن يواكبها الموظفون لأنهم إذا لم يدركوا الجديد فلن ينجزوا شيئا، وسوف تبقى الأمور على حالها بينما العالم كله يتقدم يوما بعد يوم.

– تحريم الوساطات في مجال العمل الوظيفي وغيره، وذلك لأن فيها هدما للأنظمة وتدخلا في الأعمال الحكومية، وبخاصة أنها تجلب غير الأكفاء إلى مناصب لا ينبغي أن يتولاها إلا من يستحقها من حيث الخبرة والدراية.

– دراسة كل مشروع تقوم به الحكومة دراسة دقيقة من أجل التأكد من ملاءمة تكلفته المالية مع حجمه، وما أقيم من أجله، وذلك دون إهمال وتجب ملاحظة عدم المبالغة في مظاهر الإنشاءات ومراعاة الحاجة لا المظهر.

– منع العمل من الباطن في المشروعات الحكومية الإنشائية، فقد دأب بعض المقاولين على بيع العقود التي يحصلون عليها في المناقصات بأسعار تكفل لهم ربحا كثيرا ليس من حقهم، إذ لم يكن دورهم إلا دور الوسيط الذي تقدم على ورقه الخاص بالأسعار التي يعرف أنها ستجلب له عائدا مهما إذا كلف بالتنفيذ غيره من صغار المقاولين الذين ينتظرون مثل هذه الفرصة، وهذا عمل يفقد الدولة مالا، ويعرض الجهات المعنية إلى تدخل المفسدين.

– من الملاحظ أن كثيرا من المشروعات التي أقامتها الدولة وصرفت عليها مبالغ طائلة، وقامت الجهات المشرفة على التنفيذ بتسلمها لم تكن ملائمة أو صالحة، وبعضها مضت عليه سنوات دون أن يستعمل للغرض الذي بني من أجله لعدم كفاءتها، ويضاف إلى هذا مشروعات المباني والطرق التي بدئ بها العمل، ولكنها بقيت متوقفة حتى صرنا نرى عوائق للمرور في كثير من طرق العاصمة لأن الطريق تحت الإنشاء أو تحت الصيانة وبعض هذه الطرق مرت عليها سنوات وهو في حال التوقف.

– لا نجد اهتماما بمسألة متابعة الاستدامة لكل ما يتم البدء به من مشروعات على اختلاف أغراضها، مما يعرضها إلى التوقف بعد وقت قصير من بدء العمل. ويمكن ضرب الأمثال لمثل ذلك. ولهذا فإن متابعة مسألة استدامة المشروعات وبخاصة ذات المردود النافع في مختلف النواحي أمر لا بد منه.

– ويلاحظ أن هناك أعدادا كبيرة ممن حصلوا على الجنسية الكويتية، وهم يعيشون في خارج البلاد، ولا تعرفهم الكويت إلا عند تسلم التموين والمعونات وما يقدم هنا وهناك للمحتاجين، لذا فإن من المهم أن يصدر تشريع ألا تشمل المعونات أيا كان شكلها حامل الجنسية الكويتية إذا كان لا يقطن في الكويت، لأنه وقد اختار غيرها فليس له الحق في خيراتها.

**

وبعد، فإن الأمل كبير في صاحب السمو أمير البلاد، حفظه الله، وستجد الكويت ما يسرها بفضل وفائه لها وحرصه على مصالحها. وفي آخر المطاف أدعو الله عز وجل الدعاء الذي كان يردده آباؤنا وأمهاتنا من قبل: يا الله لا تغيرنا ولا تغير علينا.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version