• تشكيل لجنة مصغرة لإدارة الشؤون الصحية من الكويتيين واجتماعها كان أسبوعياً لتبادل الآراء وتنسيق المواقف في رفع المعنويات وتوحيد المواقف ضد الإدارة العراقية

عبدالكريم العبدالله

عاش أبناء الكويت أياما عصيبة خلال فترة الاحتلال العراقي الغاشم للبلاد، والذي بدأ صبيحة الثاني من أغسطس عام 1990، إلا أن إرادة المواطنين وثقتهم الكبيرة بانتصار الحق وبحكمة القيادة السياسية وتضحياتهم ووقوف الدول الشقيقة والصديقة ومجلس الأمن وأحرار العالم مع الحق الكويتي، كانت وراء التحرير واندحار المحتل الذي لم يكن منه إلا الغدر لدولة طالما وقفت معه في أوقات المحن وكانت تمد كل العون والمساعدة لجار الشمال الذي لم يأت منه ومن طاغيته «صدام» إلا الغدر.

ومن الأمور التي تسجل لأبناء الكويت تكاتفهم وحرصهم على العمل والتعاون فيما بينهم في سبيل التخفيف من آثار الاحتلال والثبات والصمود في وجه المحتل، وهذا ما لمسه المواطنون والمقيمون على أرض الكويت في الجانب الصحي الذي كان للأطباء والكوادر الصحية الكويتية الدور الأساسي في الثبات حتى التحرير، ومن بين كوادرنا الطبية المتميزة آنذاك كان د.يوسف النصف الذي تحدث لـ «الأنباء» عن بعض الأمور والأحداث التي عايشها خلال فترة الاحتلال.

وتحدث د.يوسف النصف عن بعض الأحداث التي عايشها خلال فترة الاحتلال وما حدث معه من أمور، وكيف صمد الجسم الطبي أثناء الغزو عندما كان مديرا لمستشفى مبارك الكبير «مستشفى الفداء أثناء الغزو العراقي الغاشم»، قائلا: استقبلت نبأ الغزو من اتصال جاءني فجرا من نائب مدير الطوارئ الطبية د.محمد الشرهان آنذاك ابلغني فيه باختراق القوات العراقية للحدود الشمالية للبلاد.

خطة طوارئ

وأضاف د.النصف: بعد ذلك توجهت مباشرة إلى مستشفى مبارك الكبير حيث تم إبلاغي بوجود شاب كويتي جريح «مدني» وعمره 15 عاما، حيث أصيب بطلق ناري في الكتف، وذلك عند مجمع الإعلام في الساعة الرابعة والربع صباحا وكان برفقته اثنان من أصدقائه، واخبروني بإطلاق النار عليهم من قبل القوات العراقية الغازية، وبعدها جاءني عريف كويتي مصاب أيضا بطلق ناري في فخذه واستطاع ان يقود سيارته من «مجمع الإعلام» إلى مستشفى مبارك وهو ينزف بعد مواجهته مجموعة من أفراد الجيش العراقي المتمركزة حول مجمع الإعلام وتم تفتيشه وإطلاق النار عليه في سيارته في فخذه، وللتعامل مثل هذه الحالات الحرجة بدأت بتطبيق «خطة الطوارئ» في المستشفى في الوقت الذي انقطعت جميع اتصالاتنا مع قيادات وزارة الصحة بسبب التضييق من القوات الغازية.

أدوية ومواد غذائية

وأفاد د.النصف بأن المستشفى استقبل 190 إصابة منهم 150 جريحا من الجيش الكويتي و40 حالة من المعتدين العراقيين، كما بلغت حالات الوفاة التي وصلت المستشفى عدد 6 منها 4 حالات كويتية وحالتان عراقية وقد تم إجراء عدد 60 عملية جراحية كبرى.

وأشار إلى انه في ذلك الوقت تم ملء المستشفى بالأدوية والمواد الغذائية وذلك لغرض التخزين لأكبر كمية ممكنة تحسبا لأي طارئ مستقبلا، وكذلك لأن المستشفى لم يكن به أي مخزون للمواد الغذائية بسبب التعاقد مع المقاول المحلي لتوفير المواد الغذائية، حيث كان التوريد يصلنا أسبوعيا من هذا المقاول وبالتالي نفدت جميع المواد الغذائية في الأسبوع الأول من الغزو.

جهود المخلصين

وتابع د.النصف: بفضل الله وجهود المخلصين رجالات الكويت قام الهلال الأحمر الكويتي ومجموعة من رجالات الكويت من أمثال د.عبدالرحمن السميط ود.إبراهيم بهبهاني واحمد فلاح وعبدالقادر العجيل وعبدالكريم جعفر وعبداللطيف الهاجري ود.إبراهيم ماجد الشاهين وناصر العثمان، بتغطية نقص المواد الغذائية، حيث قاموا بالاتصال بالتجار الكويتيين وجمعوا كمية كبيرة من المواد الغذائية وتم توزيعها على جميع المستشفيات، وكذلك كان التبرع المباشر من بعض التجار إلى المستشفيات مثل عبدالوهاب الوزان وأنور السلطان وغيرهم من تجار الكويت الذين لا تحضرني أسماؤهم الآن ولم يقتصر الأمر على المواد الغذائية فقط ولكن امتد إلى توفير السيولة النقدية لنتمكن من تغطية احتياجاتنا الضرورية الأخرى مثل تصليح السيارات الخاصة بالمستشفى وتوفير الوقود لها.

لجنة مصغرة

وبين د.النصف انه تم كذلك تشكيل لجنة مصغرة لإدارة الشؤون الصحية في البلاد من المديرين الكويتيين الذين كانوا على رأس عملهم بعد غياب وانقطاع مع المسؤولين في وزارة الصحة، وقد بدأت اجتماعات هذه اللجنة منذ الأسبوع الثاني من أغسطس 90 في منزل د.سليمان العلي في اليرموك بصورة منتظمة أسبوعيا، وذلك بعد صلاة العصر من كل ثلاثاء وكان الغرض من الاجتماع تبادل الآراء وتنسيق المواقف والاستفادة من خبرات بعضنا البعض وكان لهذه اللجنة وانتظام اجتماعاتها الأثر الكبير في تثبيت جميع أعضائها ورفع معنوياتها وتوحيد مواقفهم للوقوف ضد الإدارة العراقية.

سرقة العيادات

وأشار د.النصف إلى أن القوات العراقية الغازية قامت بسرقة 129 عيادة أسنان كاملة من جميع العيادات والمستشفيات في الكويت، وسرقة 130 سيارة إسعاف موجودة بإدارة الطوارئ الطبية ولم يتبق في الكويت أي سيارة إسعاف لنقل المرضى وتم إغلاق 36 مركزا صحيا بالكويت وسرقة جميع محتوياتها ونقلها إلى المحافظات المختلفة في العراق وتمت سرقة جميع الأدوية الموجودة في المستودعات الطبية بمنطقة صبحان وكذلك جميع الأدوية التي وصلت الكويت عن طريق ميناء الشويخ، حيث نقلت إلى ميناء «أم قصر» وكذلك تمت سرقة قطع الغيار الخاصة بصيانة الأجهزة الطبية والأجهزة الفنية الموجودة في منطقة الشيوخ الصحية ونقلوها إلى بغداد وأيضا تمت سرقة المركز الإعلامي الصحي الموجود في مستشفى العدان، حيث كان هذا الاستديو يعتبر سابقا مركزا إعلاميا للوزارة.

إعدام الكوادر الصحية

وعن حالات الإعدام بين صفوف الكوادر الصحية، قال د.النصف انه تم 22 سبتمبر 1990 إعدام نائب مدير مركز السرطان عبدالحميد عبدالرحمن البلهان (50 عاما) مع اثنين من العاملين في «العلاقات العامة» بنفس المركز، وكانت آثار التعذيب بادية على أجسامهم جميعا، وقد بدأ الخوف يدب في قلوب بعض الإداريين، حيث خسرنا الكثير منهم في ذلك اليوم، ويوم 3/10 أحضر د.هشان العبيدان 35 سنة في الساعة 12.30 ظهرا إلى المستشفى بعد أن تم إعدامه أمام منزله وقد كان، رحمه الله، من الأطباء الذين كان لهم دور بارز في إنشاء جناح الولادة في مستشفى مبارك، وكذلك ساهم مساهمة كبيرة في مساعدة العاملين في مستشفى الولادة عن طريق توفير المواد الغذائية بالاتصال المباشر بالهلال الأحمر الكويتي، وأيضا في نقل المواد الغذائية بسيارته الخاصة، وكان لإعدامه الأثر البالغ في نفوس جميع الأطباء الكويتيين حيث انقطع عن العمل مجموعة منهم وخرج الآخرون إلى المملكة العربية السعودية الشقيقة فرارا بحياتهم لأنه كان أول طبيب يتم إعدامه، ولأن المحتلين لا يراعون أي مواثيق دولية أو إنسانية تتعلق بالجانب الصحي وعدم التعرض للكوادر الطبية من منطلق إنساني وقانوني ضاربين عرض الحائط بجميع المواثيق.

أسر واعتقال

كما تحدث د.النصف عن قصة أسره، قائلا: تم اعتقالي وكنت خارجا من منزلي في طريقي إلى المستشفى وذلك يوم جمعة، وكنت احمل خطاب عدم ممانعة وبطاقة عمل عراقية أصدروها لي، ولكن صدرت الأوامر للاستخبارات العراقية بإلقاء القبض على كل من يقابلونه في الشوارع فأوقفوني وطلبوا مني الذهاب إلى المخفر، ثم نقلنا إلى سجن الأحداث فكانت ليلة تعيسة جدا لا أكل ولا شرب ولا نوم فقد كنا 112 شخصا في غرفة مساحتها 6×6 أمتار، فلم نكن نستطيع النوم من كثرة الازدحام حتى ان بعضنا نام في الممرات والحمامات، فالعدو غدار ولا يحترم أي التزامات أو مواثيق دولية أو إنسانية تجاه المعتقلين والأسرى.

«أبوصخيل» والرشيد

وتابع د.النصف: وفي تاريخ 23/2/1991 تم نقلنا إلى سجن أبوصخيل في البصرة لمدة يومين، ومن ثم نقلنا إلى «سجن الرشيد» في بغداد وذكروا لنا انه سيتم إطلاق سراحنا وطلبوا منا ركوب السيارات، فإذا بهم ينقلوننا إلى «الموصل» التي وصلنا إليها فجرا وظللنا فيها لمدة أسبوعين، حيث كنا نعطى مياه قذرة للشرب وطعامنا كان شوربة عدس في منتصف النهار وفي العصر كوبا من الرز أو الصمون الأسمر الناشف كالحجر، ولا شيء غير هذا، كذلك لم نعط أي ملابس لتقينا من البرد، ولم تكن هناك أي خدمة طبية فكنا كأطباء نشرف على جماعاتنا ونظرا لقذارة المكان وعدم نظافة مياه الشرب انتشرت بيننا «النزلات المعوية الحادة»، فأرسل إلينا طبيب عراقي لمعالجة المرضى منا فطلبنا منه نقلنا إلى المستشفيات، فقال لنا انها أقذر من المكان الذي أنتم به الآن فطلبت منه أدوية لأعالجهم فأحضر كرتونة صغيرة فيها بعض الأدوية البسيطة التي لا تفي بالغرض المطلوب، حيث إن عددنا كان نحو 500 أسير ونحتاج إلى كمية كبيرة من الأدوية فلم نكن نعالج إلا الحالات الحادة. وأضاف: وبعد نحو 10 أيام عندما حضر إلينا أطباء من «الصليب الأحمر» أعطونا كرتونة كبيرة من الأدوية المتنوعة استطعنا بواسطتها علاج جماعتنا الأسرى، وبعد ان مكثنا أسبوعين في الموصل قالوا لنا ستذهبون إلى الكويت ولكن في الواقع انه عندما بدأت تظاهرات المعارضة في الموصل وشمال العراق خشي ان يكون هناك من يخرج ويطلق سراحنا، كما حدث في البصرة فتم نقلنا جميعا (الـ 500 أسير) إلى سجن الرمادي.

وفي يوم 26/3 تم إطلاق سراحي من «الرمادي» ونقلي إلى مدينة «عرعر» السعودية، حيث نقلنا بالباصات ومن هناك عدنا إلى الكويت بالطائرات، والحمد لله على كل حال.

تضحيات كبيرة

وأكد د.النصف أنه كانت للقطاع الصحي أثناء فترة الغزو بطولات وتضحيات كبيرة ومشهودة من أجل ضمان استمرار تقديم الخدمات الطبية على اختلاف أنواعها في المستشفيات لعلاج المواطنين والمقيمين وأفراد المقاومة خاصة الذين كنا نعالجهم بالسر لكي لا تعلم عنهم القوات العراقية شيئا، لأن ذلك قد يعرض حياتهم وحياتنا للخطر، ولكن الكوادر الصحية من أبناء الكويت أصروا على الاستمرار بتضحياتهم، وبذلوا الغالي والنفيس من أجل هذا الوطن الحبيب، حتى كانت فرحة التحرير والنصر بفضل الله وبصمود قيادتنا والتفاف شعبنا حولها وبمواقف الأشقاء العرب والأصدقاء من جميع دول العالم مع الحق الكويتي.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version