شافعي سلامة
هي قصة عن الندم الذي يحل مجسدا شعورا بالفوات بسبب ترك الفرص خوفا من تبعاتها. هذا ما يتراءى لنا من السطور الأولى من رواية «إساف ونائلة»، بل حتى من تقديم صاحبها الأديب د. خميس منيف الذي يتضح الكثير من إهدائه الخاص بالرواية إلى «من يعتقدون أن ثمة تاريخا لم يرو بعد وأرضا عطشى لحكاياتها».
يستهل الكاتب فيض كلماته بتوضيح أن الفوات «حالة تمر بنا فنتجاوزها إن شئنا أو نصنع منها عذرا مقنعا لنلعن الأحداث ونستعيد اللحاف ثم نعود لغفوتنا».
«إساف ونائلة»، التي تأتي في 445 صفحة من القطع المتوسط من إصدارات دار آفاق، هي محاولة لقراءة صفحة غامضة من صفحات كتاب التاريخ، فهي قصة متخيلة توظف رمزية الحب في أسطورة شاعت في أرض العرب فترة الجاهلية قبل الإسلام، يتخللها عرض لمرحلة هيمنة الفرس على دول كبرى في المنطقة شملت العراق والشام ومصر، وكيف تشكل هذا الواقع.
تدور أحداث الرواية المتخيلة في زمن حقيقي هو القرن الخامس قبل الميلاد حيث قصة الحب بين بطلي الأسطورة «إساف ونائلة» في ذلك الزمن السحيق الذي ظهرت فيه ملامح مملكة عظيمة في أفكارها وعزيمة ملكها، هذا الحاكم الذي بلغت همته عنان السماء، وأحب تراب أرضه وكل من يحل بها أو يقيم عليها.
كانت الأوضاع في مملكته يسودها الهدوء، بل الركود، حتى جاء الملك نزار ليتمرد على ذلك الركود ويتجاهل حكمة زعمها رجال المعبد ويشمر عن ساعديه، ليستفز باطن الأرض فتهيج وتموج رافضة ما يحدث فوقها، فتثور ثائرتها لتأتي على كل شيء إلا من قلة قليلة تنجو لتروي الحكاية.
تبدأ هذه الأحداث بين البطلين اليافعين، إساف ابن الملك نزار ونائلة البنت الوحيدة لجذيمة، كبير فلاحي الملك، بين الحرات في شمال الجزيرة العربية.
يصطدم ذلك الحب بالفوارق الاجتماعية، وتحدث كارثة طبيعية بعد طرد جذيمة وابنته ونفيهم إلى تيماء لرعاية ضيعة يملكها الملك نزار هناك. هذه الكارثة تأتي على المدينة بأكملها لتمسحها عن بكرة أبيها إلا من 4 ناجين فقط هم ربيعة كبير الكهنة وتابعه دريد وإساف الذي يطوف رغما عنه مدنا عديدة ويستقر في أثينا، فيما الرابع هو مالك أشد فتيان المدينة بأسا.
رغم ما يمر به من أهوال يتذكر البطل إساف من حين إلى آخر محبوبته نائلة لكن عراقيل وعداوات تحول بينهما ليتأجل اللقاء حتى اللحظات الأخيرة.
تأخذ الظروف مالك رغما عنه إلى عاصمة الفرس الأخمينيين حيث يعلو نجمه ويكون له قدم في البلاط الملكي.
أما نائلة ذات الجمال الأخاذ والشخصية القوية فتفقد والدها بعد صراع مع المرض، ثم يعلو شأنها وترفض كل طارق لباب قلبها متمسكة بخيط الأمل، لاسيما بعدما علمت بنجاة إساف من الكارثة الطبيعية، وهكذا تشكل نائلة العمود الأساسي لأسطورة الحب التي تقوم عليها الرواية من بدايتها حتى حلول النهاية.
تتناول الرواية مشاهد من أماكن عدة متباعدة بين عمريت وصور وإسبرطة وممفيس، وهكذا تصور أنماطا من الحياة وطبائع للعيش ومظاهر اجتماعية مختلفة ومشاعر إنسانية متباينة ومتداخلة.
وبعيدا عن تناول سيطرة الفرس على العراق والشام ومصر، تحتل بابل مساحة بارزة من الحيز الجغرافي للأحداث ثم تليها صور وأثينا التي تصدت لطموحات ملك الفرس قورش الكبير وابنه قمبيز الثاني ثم داريوس الأول الذي تدور أحداث رواية «إساف ونائلة» في زمنه، كما توثق الرواية تأثير رجال المعابد في الحياة السياسية.