يوسف غانم

«طالما أغمضت عيني وتخيلت بلادي مثلما صور ظني وتمناها فؤادي»، بهذا البيت للشاعر أحمد رامي، استهل د.يوسف حمد الإبراهيم كتابه «سيرة في بناء الوطن.. آمال وتطلعات» الصادر عن «ذات السلاسل»، والذي يؤكد فيه أن الإنسان قادر على الإنجاز مهما كانت صعوبة الظروف المحيطة به، داعيا الشباب إلى التفاؤل بمستقبلهم ومستقبل وطننا الغالي، وأن ينظروا إلى رحلة الحياة، هبة رب العالمين لنا على أنها رحلة جميلة، رغم ما فيها ببعض الأحيان من حزن وألم، وزادها جمالا انتماؤنا إلى هذه الأرض الطيبة.

وجاء الكتاب بـ «بداية محيرة»، وثمانية فصول وخاتمة، ويقول د.الإبراهيم في البداية: قبل الشروع في كتابة هذه الصفحات راودتني عدة أفكار حول كيفية تناول محاور الكتاب وتحديد مساره ومحتواه، هل أكتب سيرة ذاتية أم مذكرات في رحلة الحياة التي خضت غمارها، أم وقفات أمام قضايا تنموية واقتصادية وحتى سياسية تشغل بال كثيرين منا؟

ويضيف د.الإبراهيم: على مدى أربعين عاما من العمل للمساهمة في تحقيق تطلعات وآمال الكويت التنموية الاقتصادية، ومن مواقع مختلفة مررت بتجارب ثرية أحاول سردها للاستفادة منها في فرص التنمية ومواجهة تحدياتها. وبالرغم من رغبتي في الابتعاد وعدم الميل للتحدث عن حياتي الشخصية، باعتبارها شأنا يعني صاحبها ولا يهم الناس والمجتمع، فإنني وجدت نفسي مدفوعا بسرد أوجه النشأة والبيئة المحيطة بي لما لهما من ارتباط وثيق بتكوين مبادئي وقناعاتي وبتشكيل ثقافتي وأفكاري، وبالتأكيد كان لها تأثير إلى حد كبير في آرائي وأسلوب تعاملي مع قضايا التنمية وما يتصل بها من شؤون وأحوال سياسية عامة في الدولة. وربما كان لما تلقيته من علوم أكاديمية، ومن تجارب حياتية وعملية ومناصب مختلفة الصدى الواضح في توجهاتي ومواقفي.

ثم ينقلنا المؤلف في رحلة شيقة تحمل الكثير من المعلومات والتجارب والأحداث التي يضعها د.الإبراهيم بين أيدينا بأسلوب مختصر وأشبه بالتوثيقي خصوصا لما تتضمنه الصفحات من معلومات موثقة وصور ووثائق ورسائل، عبر فصول الكتاب الثمانية، ففي الفصل الأول «النشأة وسنوات الدفء» يعيدنا د.الإبراهيم إلى طفولته وما فيها من ذكريات جميلة في منطقة «الوسط»، بين جبلة وشرق وما في هذه البيئة من ترابط مجتمعي، والبيت الجديد في القادسية ومحيطه الذي يعكس العلاقة المميزة في «الفريج» بين الإخوة الشركاء في التجارة والجيرة وكل مناحي الحياة.

وفي الفصل الثاني «رحلتي الدراسية من الروضة إلى التعليم العالي»، يعتبر المؤلف نفسه ومن يماثله في العمر من جيل المحظوظين، مع البدايات الأولى في التعليم، إلى أستاذ اللغة العربية وطرائف «بيت بلا رجل»، وأنا والناصرية والتحول الفكري، والثانوية.. مواقف غيرت مجرى حياتي، والجامعة..أفضل مراحل العمر، وفي رحاب عالم أوسع.

وفي الفصل الثالث «مرحلة جديدة في حياتي» يتحدث د.يوسف الإبراهيم عن التجنيد وتلاحم النسيج الاجتماعي، وعالم الزواج وتكوين أسرته الصغيرة، ثم التدريس والبحث العلمي.. الملاذ الآمن، فانتقال سلس.. لم يتم، وعن الاستثمار في البشر بواشنطن، حتى العودة للوطن وأجمل السنوات.

وفي الفصل الرابع «الميدان الوطني والسياسي» ينقلنا المؤلف عبر طيات الكتاب إلى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وحالة التوتر السياسي والاجتماعي التي شهدها المجتمع الكويتي، ومجموعة الـ 45 والحل غير الدستوري، وأغسطس الأسود والبقاء في حضن الوطن، وظنوا أن الكويت لن تعود، والمديونيات وكارثة الاحتلال، حيث يتناول الأحداث والمهام بموجز مكثف لكثير من الملفات والوقائع.

أما الفصل الخامس فجاء بعنوان «العمل التطوعي والبعد الإنساني والمدني»، وفيه عناوين فرعية كأن نعطي أشياء من روحنا، وشريك فاعل في التنمية، والنهج الاقتصادي..خيمتي الأولى، والأكثر تفاعلا على الساحة، إلى الانغماس في العمل الجماعي وصولا إلى «إنجاز» الكويت.

وفي الفصل السادس «العمل الوزاري..عالم مختلف»، حيث يقدم د.الإبراهيم للقارئ شيئا من تجربته مع «عالم التوزير» وتتبعه بعين المراقب ثم تولي حقيبة وزارة التربية والتعليم العالي بين عامي 1999 و2001، والمواءمة بين السياسي والإداري، والكتب المدرسية وجودة المحتوى، والبيئة المدرسية كركيزة للتعليم، ومهنة التدريس، والمركز الإقليمي لتطوير البرمجيات، وآخر لقياس وتطوير التعليم، والشفافية والعدالة الإدارية، ووقفية دعم التعليم الأولى في الوطن العربي، والجامعات الخاصة بين جودة التعليم والربحية، وبعثات المتميزين، والجامعة العربية المفتوحة واختيار الكويت مقرا لها.

بعدها يتحدث د.الإبراهيم عن اختياره ليكون وزيرا للمالية ووزيرا للتخطيط ووزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية في 2001، وعن المبادرات المتنوعة لإعادة هيكلة الميزانية العامة، وفتح الملفات الشائكة، والتأمينات الاجتماعية بين الحاضر والمستقبل والتحدي الأكبر، وتشوه القوانين التي كانت تعاني منه وزارة المالية وغيرها من الجهات الحكومية، والإصلاح الاقتصادي وتحديات الاقتصاد الكويتي، ثم الاتحاد الجمركي والعملة الخليجية الموحدة، ووزارة التخطيط التي أضحت جهازا متخما بالأعمال والاختصاصات التي تخرج عن اداء أعمالها إلى اعمال أخرى بعيدة نسبيا عن جوهر وظيفتها الأساسية.

وفي الفصل السابع من الكتاب يعرض د.الإبراهيم «الاستجواب وتصفية الحسابات السياسية» عبر عناوين رافقت مسيرته، أهمها: الترغيب والترهيب، دغدغة المشاعر، خضت التجربة حتى نهايتها، إعدام سياسي، كيف اندلعت شرارة الاستجواب، الإعلام، تصالح المصالح ومعادن الرجال، مدد السماء، قارئة الفنجان، العودة إلى الاستجواب.. المؤيدون والمعارضون، من يحمي الدستور، الكويت ليست رخيصة، خطاب المنصة في الرد على الاستجواب، دعوة للتأمل والموضوعية، التحدي الاقتصادي، المثالب الدستورية للاستجواب، تجاوزات محاور الاستجواب، جلسة التصويت على طلب طرح الثقة، كلمة للتاريخ لم أقرأها، نيل الثقة، استقالتي، ووقفة مع الممارسة الديموقراطية.

ثم يصل بنا المؤلف إلى الفصل الثامن «المستشار ورعاية الأمير»، والذي يوضح فيه الكثير من الأمور والأحداث التي مر بها بعد استقالته من الحكومة بتاريخ 11 يناير 2003 وشعوره بالراحة والهدوء والانسجام مع النفس، في صحبة سمو الرئيس والعمل مستشارا في ديوان رئيس الحكومة سمو الشيخ صباح الأحمد (رحمه الله تعالى)، والنهج الجديد، ثم «تجربتي مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم»، وعادات رمضانية، ومن هو «الحاكم الخفي»؟، والانفتاح على شرق آسيا، وبم تتميز شخصية الشيخ صباح الأحمد؟، إلى مدينة الحرير وكيف انبثقت فكرتها أساسا وما لها من أبعاد استراتيجية، ومركز صباح الأحمد للموهبة والإبداع، و«الكويت تسمع» لاستغلال طاقات جميع الشباب، والتعرف على الكفاءات الوطنية من خلال «كفو الشباب»، والنموذج الملهم.. بيل غيتس في الكويت، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي ورحلة جديدة، ثم تباطؤ عجلة الإصلاح الاقتصادي والتفكير بنهج يضمن استمرار تنفيذ برامج تهدف لاستدامة المسار التنموي، و«القلق على المسار» وتأخر عجلة التنمية بسبب الأزمات المتكررة بين البرلمان والحكومة وانعكاساتها السلبية على المجتمع وعلى تنمية الوطن، وأيضا العراق.. على رأس الملفات الشائكة التي أولاها سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، اهتماما بالغا، واستضافة الكويت اول قمة عربية للتنمية الاقتصادية في يناير 2009، وكذلك القمة العربية الأفريقية الثالثة في الكويت عام 2013، وإطلاق صاحب السمو مبادرات إنسانية متلاحقة كان لها دور كبير في تعزيز صورة الكويت ومكانتها في العالم.

أما الخاتمة فحرص د.يوسف الإبراهيم أن تكون بعنوان «مسار التنمية والاقتصاد السياسي»، مبينا أنه حاول في صفحات الكتاب أن يسرد تجربته الشخصية وبعض المحاولات والمبادرات للتغيير والتطوير في مجال التنمية البشرية والاقتصادية من خلال المناصب التي تقلدها وعمله البحثي والأكاديمي، وما تم إنجازه منها وما صاحبها من ظروف وأوضاع سياسية، مشيرا إلى أنه على يقين بأنه قد سبقه العديد ممن تولوا هذه المناصب في محاولات مماثلة، أو ربما محاولات أفضل للتغيير والتطوير، كما لا يدعي لها الكمال فهناك بالتأكيد وجهات نظر أخرى ربما مغايرة.

ويؤكد د.الإبراهيم «أن ما هو مدون في هذا الكتاب ليس بالضرورة هو الصحيح القاطع والطريق الوحيد، ولا أدعي القول إن هذا السرد للأحداث والمواقف يلم بجميع الأطراف المشاركين في الحدث أو يعكس رأيهم أو رؤاهم، فهذه صفحات من تاريخ مسيرتي في الحياة العملية التي كرستها للمساهمة في تنمية وازدهار وطني الكويت، حاولت فيها أن ألتزم الأمانة بالنقل وإبداء الرأي من واقع تجربتي الخاصة».

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version