إعداد: دارين العلي

لم يكن الشهيد وليد أيوب يدرك أنه سيكون بطلا من أبطال المقاومة، فقبل حدوث الغزو العراقي الغاشم كان الشهيد موجودا في مصر، وعندما سمع بالنبأ، ثار وغضب وأصر على العودة إلى الوطن وعزم أن يكون عنصرا فاعلا في المقاومة ضد الغازي. انتقل وليد مع عائلته من مصر إلى البحرين، حيث أقام في منزل نسيبه نحو شهر قبل أن يرجع إلى الكويت مع صديقه صالح الخنة، بعدما ساعدهما الجيش الكويتي على الدخول إلى البلاد.

مجموعة الصليبخات

بعد ذلك تعززت العلاقات بين صالح الخنة ووليد أيوب، وتمثل ذلك في إشراك صالح لصديقه وليد في كثير من الأعمال التي كان يقوم بها، ومنها ذهابه إلى الحدود الكويتية – السعودية ومساعدته للأهالي الذين اضطرتهم الظروف إلى مغادرة الكويت والرحيل إلى المملكة العربية السعودية.

وكان صالح الخنة يذهب عادة بمفرده إلى ديوان المانع في منطقة الصليبخات، وما لبث أن اصطحب معه وليد أيوب الذي أصبح عضوا في ذلك الديوان الذي تجمع فيه الرفاق وشكلوا «خلية الصليبخات» التي كانت تضم أيضا أبناء المانع الثلاثة وليد وعدنان وهاني، إضافة إلى صالح حمود منصور ومنصور حمود منصور، تلك الخلية التي ذاع صيتها في منطقة الصليبخات وبعض مناطق الكويت بعدما تميزت عملياتها وأشغلت جنود الاحتلال بشدة تأثيرها وإيقاعها الخسائر الفادحة في صفوفهم.

وقد شارك وليد أفراد «خلية الصليبخات» في غالبية ما قاموا به من عمليات، ومن ذلك عمليات تفجير في بعض نقاط التفتيش في منطقة جليب الشيوخ ومنطقة كيفان وغيرهما مع التخطيط لنسف بعض نقاط تجمع القوات العراقية مثل المطعم الكائن في منطقة الصليبخات.

مهمات خطرة

شارك وليد صديقه صالح الخنة في ذهابه ومجيئه لإحضار المساعدات المالية للصامدين داخل الكويت، فضلا عن نقل أخبار الوطن في الداخل، وخاصة تحركات القوات العراقية وما تصدره من أوامر إدارية، بل شاركه في مهمات معينة خطرة كلفتهما بها الحكومة الكويتية المتواجدة بالمملكة العربية السعودية، ومن ذلك ما نقله علي شقيق وليد عن جارتهم أم سليمان أنها اتصلت به وطلبت منه المجيء إليها لإخباره بخبر مهم عن شقيقه وليد، فجاء فأخبرته بأن وليد جاءها مرة وهو خائف وجل، ولما سألته عن خبره لم يجبها ولم يخبرها بحقيقة خوفه، ولما سأله شقيقه علي أجابه بأنه وصالح الخنة تمكنا من إخراج اثنين من كبار رجال المخابرات العراقية اللذين شاركا في الحرب العراقية – الإيرانية وأبديا تعاطفهما مع القضية الكويتية وهما يحملان معهما خرائط دقيقة فيما يتعلق بتحركات القوات العراقية على مسرح العمليات العسكرية وتكشف بعض الخطط.

وشارك وليد صديقه صالح الخنة في كثير من العمليات الخطرة عبر الحدود كنقل السلاح من المملكة العربية السعودية، ونقل بعض المعلومات للحكومة الكويتية هناك، ثم تكليفهما بعد ذلك من قبل الحكومة الكويتية توصيل بعض المعلومات إلى أحد رموز المقاومة الكويتية ويدعى عبدالله الجيران، وقد نجحا في ذلك ثم طلب منهما عبدالله الجيران نفسه أن يقوما بتوصيل رائد في الجيش العراقي أظهر تعاطفه مع عدالة القضية الكويتية فأوصله وليد وصالح للاستخبارات السعودية بغية الاستفادة من معلوماته وقد نفذا المهمة بنجاح.

مهمة إنسانية لم تتم

في إحدى المرات جلب وليد وصديقه صالح الخنة أدوية لمرضى الكويت وبخاصة الذين يعانون من الفشل الكلوي زودتهم بها الحكومة الكويتية، لكن القوات العراقية صادرتها واقتادتهما مع مجموعة من السيارات الكويتية التي أرادت العودة إلى البلاد وكانت التهمة الموجهة لهما هي جلب أدوية دون تصريح، لكن ذكاء البطلين أنقذهما من هذا الموقف الخطر، فعمدا إلى إلقاء الأدوية وهما في طريقهما إلى مكان الاستجواب حتى إذا ما وصلا لم يكن بحوزتهما أي دواء، وعند الاستجواب أنكرا وجود الأدوية معهما وأصرا على ذلك فاضطر المحققون إلى تفتيش سيارتهما ففتشوا ولم يجدوا شيئا فأطلقوا سراحهما وبذا تخلصا من موقف عصيب.

ترصد ومراقبة

بدورها، كانت القوات العراقية تراقب وليد أيوب وصالح الخنة وفي إحدى المرات التي حاولا فيها اجتياز الحدود الكويتية- السعودية وضعت لهما كمينا واعتقلتهما وحققت معهما ثم أفرجت عنهما على أن تضعهما تحت المراقبة، ويجدر بالذكر أن وليد أصيب خلال اشتباك مع القوات العراقية في يده، وبدت عليها آثار الحرق كما أن رجله أصابها مثل ذلك، وهو ما يرويه شقيقه علي، ويذكر أيضا أنه حذر وليد من المبيت مع صديقه في منزلهم بالروضة وأظهر له مخاوفه من كونهما تحت مراقبة القوات العراقية، ولكن وليد لم يأخذ ذلك على محمل الجد.

اعتقال وليد

وكان حدس الشقيق علي في محله، فالعراقيون كثفوا تحرياتهم واستطاعوا تحديد مكان وليد أيوب وصالح الخنة بدقة، كما حددوا ساعة تواجدهما في المنزل.

وتخبر شاهدة العيان منى شقيقة وليد أيوب عن تفاصيل عملية الاعتقال بدقة متناهية، حيث قالت إنه في مساء يوم الرابع من أكتوبر 1990 دخل شقيقها وليد ومعه صديقه صالح الخنة إلى بيتهم فقامت منى بإعداد العشاء لهما، وبعد الانتهاء من العشاء دخلت مع شقيقها في نقاش وسألته عن انتمائه للمقاومة لكنه لم يجبها وأخبرها بعزمه على السفر صباح غد، بعدها خلد وليد وصديقه صالح إلى النوم في غرفة الخادمة.

أسلحة في المناهيل

عند الساعة السادسة صباحا قرعت القوات العراقية باب المنزل ففتحت لهم مني الباب وكان عددهم كبيرا مدنيين وعسكريين، سألها الضابط عن اثنين قد هربا من المنزل فعلمت أنهما يقصدان وليد وصالح، ثم أمر الجنود العراقيون منى بدخول غرفة والبقاء فيها لحين الانتهاء من تفتيش المنزل إلا أنها رفضت وأخذت تتابعهم ثم اعتقلوا زوجها قدير عبد الرزاق القديري وأخذوا يستجوبونه ويضربونه، بينما عكف الآخرون على تفتيش المنزل تفتيشا دقيقا وبشكل همجي فبحثوا في الثلاجة وأخرجوا ما بها من أطعمة كما بحثوا في الحمامات ومجاري الصرف الصحي، ووجد أحدهم أسلحة مخبأة في أحد مناهيل المجاري، لكنه لم يعلم الضابط بذلك وهذا دليل على أن من بينهم من هو على قناعة برفض ما يفعله قادته.

وتضيف منى أن الجنود أخرجوا زوجها قدير إلى فناء المنزل ومعه وليد وصديقه صالح الخنة، وكان الضابط يسأل وليد عن سلاحه، ووليد يجيب بعدم امتلاكه للسلاح، وقالت منى للضابط إن شقيقها صغير السن ولا تصدر من مثله هذه الأفعال إلا أنه أجابها بغلظة بوجود إخبارية تفيد بضرورة اعتقاله، ثم قام الضابط باتصال هاتفي وذكر شقيقها وليد، ثم أجبرت القوات العراقية منى على الدخول إلى غرفة وأخذوا يفتشون المنزل غرفة بعد أخرى. وبعد مضي نصف ساعة تقريبا خرجت منى من غرفتها ولم تجد زوجها قدير ولا شقيقها وليد ولا صديقه صالح فأخذت تصرخ وتبكي وخرجت أمام المنزل وهي على هذه الحال فخرج جارهم صلاح وأدخلها المنزل وطلب منها أن تتصل بأخيها الأكبر علي فاتصلت به ثم جاء وهدّأ من روعها ووعدها بالبحث عنهم.

وليد في محبسه

أفرج العراقيون عن قدير بعد أربعة أيام، ولما استفهمت زوجته عن المكان الذي احتجزته فيه القوات العراقية ذكر لها أنهم احتجزوه مع شقيقها وليد وصديقه صالح الخنة في مخفر العديلية، ثم تم ترحيلهم إلى مبنى نادي كاظمة الرياضي في المنطقة ذاتها، وبعدها إلى سجن الجهراء بالدوحة ثم أفرجوا عنه، ولما سأل عن وليد وصالح أجابه المحققون بأن الإفراج عنهما سوف يكون في اليوم التالي لكنهم لم يفعلوا. وهجر أهل وليد بيتهم بعد الحادثة لمدة شهر بعدما أصابهم الخوف والهلع من اعتقال وليد وصديقه صالح ثم رجعت جدة وليد إلى المنزل وهي تظن أنه سوف يفرج عنه، إلا أن آمالها ذهبت أدراج الرياح، فلم يفرج عنه البتة ومكثت الجدة في المنزل إلى أن تم تحرير الكويت من الاحتلال الصدامي. وفي نوفمبر 1990 اعتقلت القوات العراقية علي شقيق وليد، وأودعوه سجن الأحداث وسأله أحد العراقيين عن اسمه فأخبره، ثم سأله إن كان له أخ اسمه وليد فأجابه بنعم، عندها نزع العراقي قميصه وقال هذا قميص شقيقك وليد منحه لي، ثم أخذ يكثر المديح لوليد ويصفه بالرجولة، ثم ذكر له أن القوات العراقية اعتقلت عشرة رجال من بينهم شقيقه وليد وكان أصغرهم سنا وذكر له أيضا أن شقيقه وليد كان من المقاومة، وهو ما أنكره في الحديث وذكر أن القوات العراقية أخذت وليد وعلقته في الباب ثم في المروحة، لكنه لم يعترف بانتسابه للمقاومة ولم يخبر بشيء عن أفراد خليته، ثم أخذوا يضربونه ويعذبونه وأحدثوا إصابة بليغة برجله إلا أنه لم يعترف بشيء.

وفي نهاية الأمر أخبره أحد من كان معه في محبسه أن هذا الشخص العراقي هو ضابط استخبارات أراد أن يعرف منه حقيقة انتماء وليد للمقاومة الكويتية وذكر أنه رأى وليد في هذا السجن ومعه رفاقه وكانوا سمر اللون يقصد أبناء المانع الثلاثة وليد وعدنان وهاني.

المصير المجهول

عند سجن الأحداث تتوقف المصادر عن معرفة مصير وليد أيوب كما هو الحال بالنسبة لصديقه صالح، وربما كان مصيره وصديقه مثل مصير أولاد المانع الثلاثة الذين تم ترحيلهم من سجن الأحداث إلى استخبارات مدينة البصرة ثم إلى بغداد.

وهكذا غيب الطغاة وليد أيوب كما غيبوا أفراد خليته من الرفاق الذين تفانوا في الذود عن الوطن وبذلوا كل الجهد في سبيل أن ينعم غيرهم برغيد العيش وفرحة التحرير، فحق للوطن أن يفخر بأعمال أولئك الأبطال من أبنائه ويحسن إكرامهم ويجازي أهلهم عزا وفخرا.

تم العثور على رفات الشهيد البطل وليد أيوب إسماعيل بندر في مقبرة جماعية تقع في مدينة كربلاء العراقية، وقد أثبتت التحاليل الطبية المخبرية تطابق رفات الشهيد مع الجينات المأخوذة وتحددت الوفاة بإصابته بعيار ناري أو أكثر.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version