مقتل الشاب السوري صالح السباكة بمدينة إسطنبول

قال الناشط السوري والمهتم بشؤون اللاجئين السوريين في تركيا طه الغازي أنه وفي صباح اليوم السبت، توفي الشاب السوري ” صالح العبد السباكة ، 28 عاماً ” نتيجة تعرضه للطعن بأداة حادة .

وتابع الغازي في بيان تفصيلي حول مجريات الجريمة، الواقعة كانت في المدينة الصناعية في منطقة BayramPaşa في إحدى المعامل المخصصة لصناعة الجوارب .

مُلّاك المعمل و العاملون فيه و بعد لقائنا معهم أشاروا في إفاداتهم إلى جوانب القضية ، قائلين :

” جرّت الواقعة صباح اليوم قرابة الساعة 10 و النصف ، اليوم كان هو اليوم الأول في تواجد صالح معنا في المعمل ، حيث كان قد أبلغنا قبل يومين بحاجته الماسة للعمل وفق نظام ( اليوميات ) و ذلك في سبيل تقديم الدعم المالي لعائلته في سوريا ، أحد العمال الأتراك ( الجاني ) تسبب في نشوب جدالٍ لفظيٍ مع المغدور ( بذريعة تنظيف الحمام ) ، الجدال الكلامي انتقل إلى عراك بالأيدي ، قام العمال المتواجدون في المعمل بإخراج ( الجاني ) من المعمل ، توجه ( الجاني ) بعد ذلك إلى أحد المطاعم المجاورة لمكان العمل و أخذ سكيناً بيده ، دخل إلى المعمل و قام بطعن صالح طعنة مباشرة في منطقة القلب ، و قام بطعن شاب آخر من الجنسية الأوزبكية ( لاجئ ) ، نقلنا المصابين إلى مستشفى Kolan ، و بالرغم من كل التدخلات و الإسعافات الطبية التي قدمت للشاب السوري صالح إلا أنّه فقد حياته متأثراً بإصابته المباشرة في منطقة القلب ، الشاب الآخر ما زال في العناية المشددة و ذلك بعد تعرضه لطعنة حادة في منطقة الرقبة ، تم توقيف ( الجاني ) من قبل عناصر الشرطة ، و تم نقله إلى إحدى المراكز الأمنية في المنطقة ” .

لدى سؤالنا لصاحب المعمل و للعمال الأتراك عن دوافع الجناية و عن وجود مشاحنات أو خلافات سابقة بين القاتل و الضحية ، الكل أجمع على أنّ الشاب صالح كان حسن الخُلق طيب المعشر محبوباً من قبل الجميع ، و كان يتنقل بين المعامل كعاملٍ يبحث عن العمل وفق نظام ( اليوميات ) ، و يومه الأول في هذا المعمل ينفي أي علاقة أو خلاف سابق بينه و بين الجاني .

الجثة تم نقلها إلى مركز الطب العدلي في منطقة BakırKöy و ذلك لإتمام إجراءات التقرير الطبي المقترن بواقعة الوفاة ، و ستتم عملية نقلها إلى الداخل السوري ( بناءً على رغبة عائلته ) صباح الغد بإذن الله .

الشاب المغدور ” صالح العبد السباكة ” هو من مواليد مدينة معدان ( ريف الرقة ) ، كان يمتلك بطاقة الحماية المؤقتة الصادرة عن دائرة الهجرة في ولاية ŞanlıUrfa ، و كان قد قدِم إلى تركيا في عام 2018 .

▪︎خلال الأشهر المنصرمة ، زادت حدة المشاعر و السلوكيات العنصرية تجاه اللاجئين السوريين في تركيا ، الأمر الذي كان عاملاً محرضاً في وقوع جرائم كان ضحيتها عدد من الشبان و الأطفال السوريين .

على مر السنوات الفائتة ، عاش المجتمع السوري اللاجئ في تركيا وقائع جُرمية جمّة كان الدافع في معظمها ( عنصرياً ) ، و لعلّ أبرز تلك الوقائع في سياق تعدادها كانت واقعة مقتل الشبان السوريين حرقاً في منطقة Güzelbahçe ( في 16 من شهر تشرين الثاني من عام 2021 ) ، و لا سيما و أنّ القاتل أقرّ بجرمه و قيامه بحرق الشبان و هم نيام فقط لأنهم ( سوريون ) .

بعد نهاية العقد الأول زمنياً من تواجد السوريين كلاجئين ( مجازاً ) في تركيا ، و بعد تواتر و تسلسل الوقائع ذات السمة أو الدوافع العنصرية التي تستهدفهم ، بات جليّاً للعيان بأنّ هنالك أطرافاً و عوامل أخرى هي شريكة مع ( الجُناة ) في جرائمهم العنصرية ضد اللاجئين السوريين ، و قد تكون هذه الشراكة بصيغة / تأثير مباشر أو غير مباشر ، يمكن حصر تلك الأطراف بثلاثة عوامل / مسببات أولية ، هي وفق تراتبية تأثيرها و دورها :

• شخصيات و تيارات و أحزاب في المعارضة السياسية التركية ، و التي كانت / ما زالت منذ سنوات تحرّض على خطاب الكراهية و التمييز العنصري ضد اللاجئين السوريين ، و تستغلهم كورقة انتخابية في ميدان الصراعات السياسية الداخلية ضد الحكومة .

ساسة كأمثال Kemal Kılıçdaroğlu و Ümit Özdağ و Tanju Özcan و İlay Aksoy و Meral Akşener و Sinan Oğan ، هؤلاء هم شركاء في معظم الوقائع الجُرمية التي استهدفت / تستهدف اللاجئين السوريين ، و ذلك لفاشيتهم و عنصريتهم ( المقيتة ) تجاه اللاجئين السوريين .

هؤلاء هم المؤثرون و الفاعلون و المحرضون لكل المشاعر و السلوكيات و الجرائم ذات الطابع العنصري و التي كان / ما زال المجتمع السوري اللاجئ يعيشها بشكل شبه يومي .

سياسيون كأمثال Ümit Özdağ و Kemal Kılıçdaroğlu نجحوا مؤخراً في نقل خطاب الكراهية و التمييز العنصري إلى مرحلة ( الخطاب الشعبوي ) ، و باتوا يسعون إلى ربط مشاعر العداء ضد اللاجئين السوريين و الأجانب بالقومية التركية و الولاء للوطن ، و أصبحوا يرسخون فكرة ( الصفاء العرقي ) ، الأمر الذي بات جلياً في افتخار العنصريين بسلوكياتهم العنصرية ، و ظهور مجموعات عنصرية تنشر اعتداءاتها العنصرية في وسائل التواصل الإجتماعي ( Ataman Kardeşliği ، Özgürlük Postası ).

هؤلاء الساسة ( العنصريون ) يبدو و أنهم في مسار ممنهج في ميدان تحريضهم على اللاجئين السوريين ، إذ أنّ مشاعر الكراهية و التمييز العنصري لم تعد تقف عند صفة ( اللاجئ ) ، بل باتت تقترن بكل ما هو سوري أو يتعلق بسوريا ، و هذه الأيدلوجية باتت تسمى في ميدان الإعلام التركي Anti- Suriyelizm ( كراهية السوريين ) ، و هي موازية و تماثل فكرة Anti- Arap ( كراهية العرب ) و التي ما زالت متجذرة لدى فئات من المجتمع التركي منذ ما يناهز القرن من الزمن .
و لو أردنا التأكيد على ذلك ، فإنّ كراهية ( بعض ) الأتراك في دول الإتحاد الأوربي للسوريين المتواجدين معهم في تلك الدول ، هي خير مثالٍ و يقينٍ على ذلك ، إذ لم تعد الكراهية ضد ( السوريين ) مقترنة لكونهم لاجئين في الجغرافية التركية ، بل بات الأمر أبعد من ذلك و بات مرتبطاً بهويتهم السورية في كل مكان .

• الحكومة التركية ، بصمتها و سكوتها و عدم رغبتها بمساءلة و محاكمة كل من يحرّض على مشاعر الكراهية و التمييز العنصري .

في 2 من شهر شباط من العام الماضي ، تقدّمنا مع عدد من الشخصيات و الهيئات الحقوقية و الأكاديمية التركية بدعوى قضائية ضد Tanju Özcan رئيس بلدية Bolu .

قبل أسابيع ، أصدرت النيابة العامة في ولاية Bolu قرارها المقيد بالرقم ( 7834 / 2022 ) المتعلق بالدعوى ، و جاء القرار ب ( عدم الملاحقة القضائية ) ، و هذه الصيغة من القرارات يتخذها المدعي العام في حال ” عدم كفاية الأدلة ” ، و يغدو المُشتكَى عليه قانونياً ( غير مشتبهٍ به ) ، و يتم إغلاق الدعوى القضائية ضده .

في 14 من شهر كانون الأول من العام المنصرم ، أصدر القضاء التركي حكماً بالسجن على رئيس بلدية إسطنبول الكبرى Ekrem imamoğlu لمدة عامين و7 أشهر و15 يوماً ، و ذلك بتهمة إهانة أعضاء اللجنة العليا للانتخابات ( في عام 2019 قال Ekrem في إحدى خطاباته ” إن من ألغوا انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول هم حمقى ” ) ، المحكمة وجهت إلى Ekrem تهمة“ إهانة موظفين عموميين يعملون كمجلس بشكل علني بسبب واجباتهم ” ، و ذلك لاستخدامه كلمة ” حمقى ” !

خطاب الكراهية و التمييز العنصري ضد اللاجئين السوريين و الأجانب و الذي تصدره Özcan رفقة بعض الساسة العنصريين في تيارات من المعارضة التركية كان سبباً ( غير مباشر / محرّض ) لأحداث و وقائع ذات طابع عنصري أودت بحياة عدد من اللاجئين السوريين ، و بالرغم من كل ذلك ، أصدرت المحكمة قرارها بعدم ( ملاحقته ) قضائياً و بات هذا القرار كبيان تبرئة له من كل مواقفه و سلوكياته العنصرية ، في الوقت الذي يتم فيه فرض عقوبة السجن على رئيس بلدية إسطنبول فقط لأنه استخدم كلمة ” أحمق ” !!

بين Özcan و Ekrem ، ما هي جوانب التباين في صدور القرار في كلا الحالتين ؟ و لا سيما وأنهما يتماثلان في موقعهما الوظيفي ( رؤساء بلديات ) !

واقع اللاجئين السوريين في تركيا خلال الأعوام المنصرمة اقترن مع تنامي حدة خطاب الكراهية و التمييز العنصري ضدهم ( لدى شخصيات سياسية في تيارات من المعارضة التركية ) ، و توازى واقعهم هذا مع غياب دور ( عدم رغبة ) الحكومة التركية في ردع هذه الشخصيات عن خطابها العنصري أو مساءلتها و محاكمتها وفق المسار القانوني القائم على مبادئ حقوق الإنسان و مناهضة التمييز العنصري .

نأي الحكومة بنفسها عن مساءلة الساسة العنصريين بات يرسخ فرضية ( دعمها و تشجيعها ) الضمني و توفيرها بيئة حماية لهم ، و ذلك في ظل اقتصار دورها على دعم اللاجئين السوريين معنوياً ( عبر تصريحات كلامية ) .

لماذا ( تُغيّب ) الحكومة دورها الصارم في مساءلة هؤلاء العنصريين ؟ ألا يجاز لنا أن نعتقد بأنّ صمت الحكومة في هذا الصدد فيه جانبٌ من القبول بالأمر الواقع ؟ هل من المنطق أن يكون دعم الحكومة لقضايا اللاجئين السوريين متوقفاً و مقترناً ( في معظم الأوقات ) ببعض السجالات و التراشقات الكلامية و وصف العنصريين ( بالعنصرية ) ؟

في جانبٍ آخر ، إن كانت شخصيات سياسية في تيارات من المعارضة هي من تتصدر المشهد في تحريضها بخطاباتها العنصرية ضد اللاجئين السوريين ، إلا أنّ بعض التصريحات من قبل قيادات و مسؤولين في التحالف الحاكم كان لها الأثر نفسه في تحريض المجتمع التركي على اللاجئين السوريين .

ففي شهر كانون الأول من عام 2019 ، و أثناء كلمته أمام وزراء الشؤون الإجتماعية بمنظمة التعاون الإسلامي ، أشار الرئيس التركي Recep Erdoğan بأنّ ” بلاده صرفت على اللاجئين السوريين 40 مليار دولار ” ! ، دون أن يقدم أي بيان عن كيفية صرف هذه الأموال و متى و أين ؟

كذلك ، و في 23 من شهر تشرين الثاني من العام الماضي ، صرحت وزيرة الأسرة و الشؤون الإجتماعية Derya Yanık بأنّ ” تركيا صرفت من مواردها الخاصة 45 مليار دولار على اللاجئين السوريين ” !

في كل واقعة ذات طابع عنصري ، يتم تحجيم المسألة بإلقاء اللوم على أطياف المعارضة ، و الإكتفاء ببعض التصريحات و الزيارات ذات السمة المعنوية .

مراكز و هيئات و مؤسسات أنشأتها الحكومة التركية مؤخراً في سبيل مناهضة البيانات و الإدعاءات الكاذبة ( في 13 من شهر تشرين الأول من العام الفائت ، أقرّ البرلمان التركي قانون ” التضليل الإعلامي ” ، و الذي يقضي بسجن الذين ينشرون معلومات مضللة لمدة تصل إلى ثلاث سنوات ، كذلك ، و في العام الماضي ، أعلن مدير دائرة الإتصال في رئاسة الجمهورية Fahrettin Altun عن إنشاء مركز ضمن هيكلية المديرة و ذلك في سبيل مناهضة المعطيات و الأنباء المضللة ) ، ما دور هذه المراكز و الهيئات ؟ أين هذه المراكز من خطابات Ümit Özdağ و Özcan و Kılıçdaroğlu ؟ .

غياب سُلطة القانون بات يمثل دافعاً لدى فئات أُخرى في المجتمع التركي في توجهها العنصري تجاه اللاجئين السوريين ( الصورة النمطية التي باتت تترسخ في عقلية المواطن التركي عن الإنسان السوري لاجئاً أكان أم مجنساً ، غدت مقترنة بعجز الإنسان السوري و ضعفه في الدفاع عن حقه أو صون كرامته ) ، و الحكومة مطالبة بتأمين البيئة القانونية الناظمة لحقوق السوري ( الإنسان ) قبل السوري ( اللاجئ ) .

• مؤسسات المعارضة السورية و الهيئات و المنظمات و اللجان الملحقة بها ، و التي غابت عن معظم الوقائع التي تعرض لها اللاجئون السوريون في تركيا .

هذه المؤسسات و المنظمات كانت / ما زالت تقدم صورة الإنسان السوري اللاجئ وفق نمطية الإنسان ( المحتاج ، الفقير ) ، و هذه سياسة ممنهجة لدى ( معظم ، و ليس كل ) هذه المؤسسات و المنظمات و ذلك في سبيل إستدامة منابع و قنوات الدعم ( على حساب اللاجئ السوري ) .

هذه المؤسسات و المنظمات نأت بنفسها عن جلّ القضايا العنصرية التي وقعت على اللاجئين السوريين ، و تركت اللاجئ السوري وحيداٍ في مصابه و نائبته .

غياب هذه المؤسسات و المنظمات عن تمثيل واقع اللاجئين السوريين و الدفاع عن حقوقهم ، كان سبباً مباشراً في عدم وجود جهات أو هيئات تقدم الدعم لهم و تصون كرامتهم الإنسانية ، الأمر الذي توازى كما أسلفنا سابقاً بترسيخ صورة / نمطية الإنسان السوري لدى وعي المجتمع التركي ، تلك الصورة / النمطية التي اقترنت بالإنسان العاجز ، المستضعف ، غير القادر على المطالبة بحقه و كرامته ، مما أعطى ذلك دافعاً لدى ( بعض ) أفراد المجتمع التركي في التمادي و الإعتداء على اللاجئ السوري ، و ذلك في ظل علمهم و يقينهم بعدم وجود أي جهة ستنصر ذلك اللاجئ ، و كونه الحلقة الأضعف في المجتمع .

هذه المؤسسات و المنظمات هي المسبب الرئيسي لإنهيار القيمة المجتمعية للإنسان ( السوري ) في المجتمعات التي يعيش فيها ، و هي المسؤولة عن كل جوانب التمايز ضد ( الإنسان ) السوري في معظم دول اللجوء .

هذه المؤسسات و المنظمات نأت بنفسها / امتنعت عن تشكيل هيئات قانونية مكونة من كوادر حقوقية ( سورية مجنسة أو تركية ) بحيث يقع على عاتق هذه الهيئات دور دعم اللاجئين السوريين قانونياً و متابعة قضاياهم في مختلف الميادين .

كان بإمكان هذه المؤسسات و المنظمات إنشاء تلك الهيئات القانونية ، و لا سيما و أنّها تمتلك قنوات التمويل و الدعم المالي ، و لا سيما و أنها كذلك تمتلك مديريات مخصصة لتوثيق الإنتهاكات ( مديرية توثيق الانتهاكات و حقوق الإنسان في هيكلية الحكومة المؤقتة ) .

في علم النفس الجنائي ، و عندما يتم التحقيق مع ( الجاني ) توّجه إليه أسئلة محددة ، من بينها ( ما الذي دفعك لاختيار هذه الضحية دون غيرها ) ، هذا السؤال يؤكد في معظم الأوقات وجود دوافع ضمنية في قيام ( الجاني ) بجرمه ، و في واقع اللاجئ السوري في تركيا ، فإنّ معظم الجناة يختارون اللاجئين السوريين كضحايا لهم ، إيماناً منهم بعدم قيمة و كرامة الإنسان السوري ، و ضعفه و عدم وجود جهات تطالب بحقوقه ، و هو ما يوثق الجانب العنصري الضمني في جناياتهم ، هذا الجانب الذي ساهمت فيه الأطراف الثلاثة التي ذكرناها آنفاً .

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version