لم يكن دكان الراحل حارب محمد بن مسعود الطنيجي، في مدينة الذيد التابعة لإمارة الشارقة، مجرد مكان للبيع والمكسب، بل كان منذ إنشائه في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي مساحة للتلاقي اليومي بين الجيران، يجدد بينهم الألفة والمحبة، فضلاً عن توفيره المواد المنزلية لأهل المنطقة نظراً لصعوبة تنقل الأهالي بين الذيد وقلب الإمارة التجاري في الشارقة، وذلك لعدم توفر مركبات لدى الجميع، فكان الطريق في الذهاب والعودة يستغرق ما يقارب خمسة أيام، ولكن اليوم يذهب المتسوق لدكان حارب ليعيش تجربة الماضي الذي انتقل للحاضر، ويسعد الكثيرون بمرافقة أطفالهم لشراء المشروبات والحلويات التي تناولوها عندما كانوا صغاراً.
«دكان حارب» الذي يقع الآن في المنطقة التي أعيد ترميمها وتطويرها في الذيد، مرّ بثلاث مراحل، حيث يتناغم ترميم المنطقة مع تكوينها التراثي.
ومن داخل السوق الذي أخذ طابعاً معمارياً تراثياً تحدثنا مع الحفيد ناصر بن خميس بن حارب الطنيجي الذي ذكر أن الدكان كان يقع في منطقة أخرى في عام 1946، وبني آنذاك بمواد من سعف النخيل على هيئة عريش أو خيمة سعفية، وكان مؤسسه الراحل حارب محمد بن مسعود الطنيجي يذهب إلى الأسواق البعيدة ليحضر الدقيق والأرز والقهوة والسكر والملح البحري، وبعد أن أقيمت البيوت الشعبية انتقل الدكان إلى المكان الحالي وقام ببناء غرف ومخازن للتمر ومدبسة للدبس والمواد الغذائية، وفيما بعد أدخل المعلبات والمشروبات الغازية، واليوم المحل في السوق التراثي خلف حصن الذيد يعد رمزاً للاستدامة من الماضي للغد، وتم منح الأسرة محلاً لينتعش بشكل أفضل.
بعد أن رحل حارب كان لا بد من المحافظة على سيرته حية، وحارب لم يكن مجرد تاجر أو بائع ولكنه المعين الاجتماعي، حيث كان يقايض من لا يملك مالاً بمواد غذائية أو استهلاكية.
أكد الطنيجي على أهمية الاعتناء بإرث الأجداد لأنه لم يكن حينذاك سهلاً، حيث لم تكن هناك الطاقة الكهربائية والمواصلات الحديثة، ولأن الأهالي في الإمارات يوقنون بأهمية تراثهم فهم ما زالوا يستثمرون فيه، ويأتي هذا الاستثمار تجارياً وأيضاً الترويج له لأنه مرآة تعكس الجهد والبذل، ومن الجميل أن تقوم الجهات الحكومية لمختلف الإمارات بدعم وتشجيع الإماراتيين على المضي قدماً، فكما نعمل أيضاً بالطرق الحديثة بالمحافظة على الموروث، ولا عجب في كمية الإعجاب التي تظهر سواء عند إقامة المعارض الخارجية، وصولاً إلى إقامة أقسام خاصة بالتراث في المهرجانات والمؤتمرات المحلية، وتعمل الجهات في الدولة بإضافة أقسام وأجنحة تحتضن جزءاً كبيراً من حفظة التراث والحرفيين وتجار المنتجات التراثية.