قضت محكمة الاستئناف في الشارقة بإلغاء حكم الإعدام الصادر بحق متهم في قضية قتل، بعدما ثبت لها – بناءً على تقرير طبي معتمد – أنه كان فاقداً الإدراك والتمييز وقت ارتكاب الجريمة.
وقضت ببراءته من المسؤولية الجنائية، مع إلزامه الدية الشرعية، البالغة 200 ألف درهم وإبعاده عن الدولة عقب السداد.
وبيّنت المحكمة في حيثياتها أن المتهم كان يعيش حالة اضطراب نفسي حاد، دفعته إلى الاعتقاد بأنه تلقّى «رسالة سماوية» عبر طائر، تطلب منه تنفيذ «تضحية»، وأن ما أقدم عليه كان «فعلاً صالحاً» لا اعتداءً على إنسان، كما كشفت التقارير أنه كان مقتنعاً بأن كيانات خفية تعبث بهاتفه، وأن حساباته الإلكترونية مخترقة، إضافة إلى اعتقاده بأنه صاحب تصميم أحد أشهر المعالم في الدولة، وهي مؤشرات وصفها الأطباء بأنها «هلاوس ضلالية» وانفصال تام عن الواقع وقت ارتكاب الجريمة.
وتشير أوراق القضية إلى أن المجني عليه كان نائماً في مقر العمل عند وقوع الحادثة، حين استخدم المتهم أداة حديدية ووجه ضربة قوية إلى رأسه، أسفرت عن وفاته فوراً.
وأظهرت التحقيقات الأولية أن الواقعة بدت في ظاهرها اعتداءً مباشراً، قبل أن يتبين لاحقاً وجود عامل نفسي مؤثر غيّر تقدير المحكمة للركن الجنائي.
وكانت محكمة أول درجة قضت بإعدام المتهم قصاصاً، استناداً إلى الاعترافات والأدلة الفنية وتقارير الطب الشرعي، قبل أن يتقدم دفاعه باستئناف، طالب فيه بإعادة تقييم أهليته العقلية، مستنداً إلى ملاحظات سلوكية ظهرت على المتهم منذ لحظة توقيفه.
وقدّم الدفاع مذكرة ذكر فيها أن المتهم يعاني اضطراباً نفسياً حاداً، وأن تصرفاته غير منضبطة، وأن حالته العقلية تستوجب إخضاعه لتقييم طبي متخصص، مطالباً بإحالته إلى لجنة معتمدة في أحد المستشفيات النفسية لتقييم قدرته على الإدراك وقت ارتكاب الفعل. واستجابت المحكمة للطلب، وأمرت بإحالة المتهم إلى لجنة طبية مختصة لإجراء تقييم شامل لحالته، بما في ذلك فحص التفكير والإدراك والتمييز، وتحليل المؤشرات المرضية وارتباطها بسلوكه وقت الجريمة.
وأفاد التقرير الصادر عن اللجنة الطبية المختصة بأن المتهم يعاني اضطراباً ذهنياً شديداً من نوع الفصام، وهو اضطراب عقلي مزمن ينعكس مباشرة على قدرته على التفكير المنطقي وتمييز الواقع، ويؤدي إلى ظهور أفكار وهلاوس سمعية وبصرية لا أساس لها، تجعله غير قادر على ضبط سلوكه أو تقييم أفعاله تقييماً واعياً.
وبيّن التقرير أن المتهم كان يسمع أصواتاً غير موجودة، ويعتقد أن أشخاصاً يسعون لإيذائه، وأن بعض الأحداث تُدار من حوله بطرق خارقة للطبيعة، ما يعكس حالة انفصال إدراكي حاد.
وأكد أن المتهم كان يعاني أفكاراً ضلالية مستقرة تتعلق بقدرات خاصة يمتلكها، وبوجود قوى تسيطر على أجهزته الإلكترونية، وتتحكم في هاتفه، وترسل له إشارات وتوجيهات، موضحاً أن هذه الأفكار كانت جزءاً من المرض، وليست معتقدات حقيقية ناشئة عن إرادة واعية.
وأشار التقرير إلى أن الاضطراب الذهاني الذي يعانيه المتهم بلغ درجة تؤثر بشدة في قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ، وفي إدراكه لطبيعة فعله ونتائجه، وأن حالته النفسية وقت ارتكاب الواقعة كانت سبباً كافياً لفقدان الإرادة والإدراك، وبالتالي زوال القصد الجنائي بشكل تام.
وأكدت اللجنة أن المتهم كان، لحظة ارتكاب الجريمة، في حالة انعدام إدراك فعلي تجعل سلوكه ناتجاً عن المرض العقلي وليس عن قرار واعٍ، وأنه غير قادر على توجيه إرادته أو التحكم في أفعاله، بسبب الاضطراب الذي يسيطر على تفكيره وانفعالاته.
وبمواجهة المتهم بتفاصيل الحادثة خلال المحاكمة عبر الاتصال المرئي، بدت ردوده غير مترابطة، وتخللتها إشارات غير مفهومة، ما أكد للمحكمة وجود اضطراب ذهني فعلي يؤثر في الإدراك. وأوضحت أوراق القضية أن سلوك المتهم في محبسه كان غير مستقر، وأن محاضر الضبط سجلت عليه لحظات تشتت وارتباك، ما دعم استنتاج الدفاع بأن القضية لا يمكن الفصل فيها دون تقييم نفسي شامل.
وبينت المحكمة في حيثياتها أنها استندت إلى التقرير الصادر عن اللجنة الطبية المختصة، الذي أكد أن المتهم يعاني اضطراباً ذهنياً من نوع الفصام، وهو اضطراب عقلي مزمن وشديد يؤثر في التفكير والشعور والسلوك، وتصاحبه هلاوس وأفكار ضلالية تجعله غير قادر على التمييز بين الصواب والخطأ. وأوضحت اللجنة أن أعراض الفصام الذهاني ظهرت على المتهم بدرجة شديدة وقت ارتكاب الجريمة، وأثرت في إدراكه وقدرته على توجيه إرادته، بحيث فقد الوعي بحقيقة أفعاله ونتائجها.
وخلصت المحكمة إلى أن الاضطراب الذهني حال دون توافر القصد الجنائي، وأسقط المسؤولية الجنائية عن المتهم لعدم وجود الإدراك السليم الذي يتطلبه القانون والشرع لقيام الجريمة، موضحة أن فقدان الإدراك، كما ثبت في التقرير الطبي، يرفع العقوبة الجنائية ولا يؤثر في الحق المدني، إذ تظل الدية الشرعية واجبة على من تقع منه الجناية، سواء كان مدركاً أو فاقداً الإدراك عند ارتكاب الفعل، عملاً بأحكام الشريعة الإسلامية والمادة 241 من قانون الإجراءات الجزائية.
وقضت المحكمة بإلغاء حكم الإعدام الصادر عن محكمة أول درجة، والبراءة من المسؤولية الجنائية لانعدام القصد، مع إلزام المتهم الدية الشرعية (200 ألف درهم)، وأمرت بإبعاده عن الدولة بعد إيداع الدية في خزينة المحكمة، وحددت مبلغ 5000 درهم كأتعاب المحامية المنتدبة، تدفع لها من الخزينة العامة.
. المتهم كان يسمع أصواتاً غير موجودة ويعتقد أن أشخاصاً يسعون لإيذائه، وأن بعض الأحداث تدار من حوله بطرق خارقة للطبيعة.

