حذّر خبراء في التربية والأمن السيبراني من المخاطر الرقمية المتنامية المرتبطة باستخدام الطلاب للألعاب الرقمية خلال إجازة الشتاء، مؤكدين أن الألعاب الرقمية تمثل متعة آسِرَة، لكن وراءها مخاطر خفية قد تهدد السلامة النفسية والاجتماعية للطلاب.
وتشير إحصاءات حديثة من استطلاع «كاسبرسكي» ومجلس الأمن السيبراني الإماراتي، إلى أن 91% من الأطفال يمارسون الألعاب الرقمية في أوقات فراغهم، ويمارس 52% منهم اللعب عبر الهواتف الذكية، بينما يعتمد 40% على الحواسيب.
وأظهر الاستطلاع أيضاً أن 33% من أولياء الأمور يعتقدون أن أطفالهم يلعبون ألعاباً غير مناسبة لأعمارهم، فيما اعترف 30% من الأطفال بذلك بأنفسهم.
وأشار تقرير «اليونيسف» لحماية الأطفال 2025 إلى احتمال استغلال الألعاب الجماعية من قبل شبكات إجرامية وجماعات عنف لاستدراج الأطفال، ما يؤكد أهمية التوجيه والإشراف المستمر لضمان سلامتهم الرقمية.
وأعرب ذوو طلبة لـ«الإمارات اليوم»، عن قلقهم من تنامي إقبال أبنائهم على هذه الألعاب في ظل غياب الرقابة، محذرين من التعرض للتنمر الإلكتروني والمحتوى غير الملائم وسلوكيات مالية ضارة. وتساءلوا: «هل تكفي التوعية النظرية أم أن الإشراف المباشر من الأسرة والمعلمين بات ضرورة لتفادي الفخاخ الرقمية؟».
وتفصيلاً، قال خبراء لـ«الإمارات اليوم» إن الإفراط في الألعاب الرقمية يؤدي إلى اضطرابات النوم، وتشتت الانتباه، وانخفاض النشاط البدني، ومشكلات في القدرات الإدراكية بسبب التحفيز البصري والسمعي المكثف، كما يواجه الطلاب مخاطر التنمر الإلكتروني والتفاعل مع محتوى غير ملائم أو مجهولين، إضافة إلى احتمال الانغماس في عمليات شراء داخل التطبيقات تؤدي إلى سلوكيات مالية غير صحية.
يقول طالب الصف التاسع، سراج الدين عمر، إنه تعرض لمحاولات ابتزاز مالي عبر إحدى الألعاب الرقمية، ما أدى إلى تدخل أسرته والمدرسة لتوجيهه نحو كيفية حماية نفسه رقمياً.
وحذر خبير الأمن السيبراني الأستاذ المساعد بكلية العلوم الرياضية والحاسوب الدكتور فادي الحدادين، من غياب الرقابة الأسرية والتربوية، إذ إن بعض التطبيقات تعتمد تصميمات جاذبة ومضلّلة تدفع الطلبة للاستخدام المفرط وعمليات شراء داخلية قد تخلق أعباء مالية وسلوكيات غير صحية.
وأشار إلى أن الألعاب الجماعية متعددة المشاركين تشكل خطورة أكبر، إذ قد تعرّض الطلاب للتنمر الإلكتروني، والمحتوى غير الملائم والتفاعل مع مجهولين، مع تهديدات محتملة للخصوصية.
وتشير نتائج تحليل بيانات مسوح أولياء الأمور ودراسات تربوية، ولقاءات مع خبراء مختصين إلى تباين المخاطر الرقمية بحسب الفئة العمرية للطلاب:
يفضل الأطفال من ست إلى 12 سنة الألعاب التعليمية والبسيطة مثل Minecraft في الوضع الإبداعي وRoblox المفلتر للأطفال، وتقول الطالبة هند محمود من الصف الرابع: «أحب لعب Minecraft مع أصدقائي، لكن أمي تحدد لي وقت اللعب حتى لا أشعر بالتعب أو أنسى واجباتي». وفي هذه المرحلة، تتركز المخاطر على الإفراط في الاستخدام وتأثيره في التركيز والنشاط البدني، ما يستدعي إشراف الأهالي المستمر.
وينجذب المراهقون من 13 إلى 15 سنة إلى الألعاب المفتوحة ومتعددة اللاعبين مثل Fortnite وRoblox بوضع Survival، حيث تزداد مخاطر التنمر الإلكتروني والمحتوى العنيف الخفيف.
ويقول عمر، طالب في الصف التاسع: «أحياناً أواجه مضايقات من لاعبين مجهولين، لكن نصائح المدرسين وأصدقائي تساعدني على تجنبهم والإبلاغ عن أي محتوى ضار». ويميل المراهقون من 16 إلى 18 سنة إلى الألعاب التنافسية والعنيفة مثل PUBG وFree Fire وCall of Duty، حيث تظهر مخاطر الإفراط في اللعب وعمليات الشراء داخل التطبيقات، وتوصي الدراسات بدمج الأنشطة الواقعية، وتعزيز التفكير النقدي، وتطبيق قواعد الصحة الرقمية ضمن الروتين اليومي لهذه الفئة لضمان التوازن النفسي والمعرفي.
وأطلقت وزارة التربية والتعليم، هذا العام برامج متكاملة لتعزيز السلامة الرقمية والأمن السيبراني للطلاب، حيث تركز الحلقة الأولى (الصفوف من الأول إلى الرابع) على المفاهيم الأساسية مثل البقاء آمناً على الإنترنت، وفهم الإنترنت، والعالم الرقمي، وصولاً إلى مشروع STREAM: «كيف تحمي نفسك للصف الرابع، بهدف تعريف الطلاب بأساسيات الاستخدام الآمن للتقنيات الرقمية بطريقة مبسطة».
وفي الحلقتين الثانية والثالثة (الصفوف من الخامس إلى الـ12)، يتدرج التركيز من الأمان في الإنترنت والسلامة السيبرانية للصفوف من الخامس إلى الثامن، إلى الشبكات والأمن السيبراني للصفوف التاسع إلى الـ12، بهدف بناء معرفة متدرجة تمكن الطلاب من استخدام التكنولوجيا بثقة وأمان، مع تعزيز التفكير النقدي وحماية البيانات الشخصية بما يتناسب مع أعمارهم ومستوى نضجهم الرقمي.
وقال التربوي المشرف على البرامج في إحدى المدارس، وليد فؤاد لافي: «دمج البرنامج عملياً في الصفوف الدراسية، وإشراف أولياء الأمور، هما أساس تجربة رقمية آمنة ومسؤولة، فالطلاب يتعلمون القواعد النظرية ويطبقونها عملياً في الوقت نفسه، ما يعزز وعيهم الرقمي ويجعلهم أكثر استعداداً لمواجهة المخاطر».
ويتباين الرأي بين الأهالي والمعلمين حول حرية استخدام الألعاب الرقمية، إذ يرى بعض الأهالي أن منح الأطفال حرية معتدلة مصحوبة بالتوعية الرقمية يعزز مهارات الاعتماد على النفس، وقدرتهم على اتخاذ القرارات، ويقوي ثقتهم بأنفسهم.
وتؤكد والدة طالبة في الصف الثامن، سارة مصطفى: «أشجع ابنتي على اختيار الألعاب بنفسها، مع مراقبة خفية، لأرى كيف تتعامل مع المواقف المختلفة وتتخذ قراراتها بشكل مستقل».
في المقابل، يحذر المعلمون من ترك الطلاب من دون إشراف مباشر، لما قد يترتب عليه من مخاطر مثل التنمر الإلكتروني، والتعرض لمحتوى عنيف أو غير ملائم، أو الابتزاز المالي داخل التطبيقات.
وأفاد معلم التكنولوجيا في مدرسة ثانوية، أحمد حمزة، بأن «حالات عدة لطلبة تعرضوا لمضايقات من لاعبين مجهولين، وأحياناً تحولت التجربة الرقمية إلى مصدر قلق نفسي كبير»، موضحاً أن الإشراف الواعي لا يعني منع اللعب، بل توجيهه بطريقة آمنة.
وذكر خبراء تربية أن التحدي الأكبر يكمن في إيجاد توازن بين الحرية والإشراف، إذ قالت الخبيرة التربوية، منى جابر، من كليات التقنية العليا، إن إشراك الطلاب في وضع قواعد استخدام الألعاب بأنفسهم يمنحهم شعوراً بالمسؤولية ويشجعهم على الالتزام بالحدود، بينما يبقى الإشراف قائماً لضمان السلامة.
وأضافت أن «هذه المقاربة تساعد على دمج التعلم الذاتي مع الحماية من المخاطر، ما يجعل التجربة الرقمية أكثر أماناً وفاعلية».
مجموعة من التدابير
شدد خبراء التربية والأمن السيبراني على مجموعة من التدابير العملية لحماية الطلاب من المخاطر الرقمية، تبدأ بوضع حدود واضحة لاستخدام الشاشات، ودمج فترات نشاط بدني منتظمة، إلى جانب تطبيق قاعدة 20-20-20 لتخفيف إجهاد العين الناتج عن الاستخدام الطويل للشاشات.
وأكدوا أهمية تفعيل أدوات الرقابة الأبوية وإعدادات الخصوصية المناسبة لكل فئة عمرية، وتعليم الطلاب التفكير النقدي والإبلاغ عن أي محتوى ضار أو مريب، كما أكدوا ضرورة دمج الأنشطة الواقعية والهوايات والمناقشات العائلية ضمن الروتين اليومي للطفل، لتعزيز وعيه وحمايته.
وقالوا: «تمثل الألعاب والتطبيقات الرقمية متعة وإبداعاً للطلاب، لكنها تحتاج إشرافاً مستمراً، وتكامل جهود الأسرة والمدرسة، لضمان تجربة رقمية آمنة ومتوازنة بين التعلم والاستمتاع».

