تسبّب سماسرة عقارات غير مرخصين، يعملون بشكل غير قانوني، في انتشار الوحدات السكنية غير النظامية (التأجير من الباطن) وارتفاع أسعار السكن، والإضرار بسوق العقارات بشكل عام، في تحدٍّ صريح للقوانين واللوائح الخاصة بتنظيم العقارات والوحدات السكنية، حيث يشكلون مجموعات تعمل معاً من أجل تحقيق أعلى ربح ممكن، ويكونون المستفيد أولاً من ذلك، ثم مالك العقار.
ووفقاً لسكان في مناطق مختلفة في أبوظبي والعين، فقد تسببت عودة ظاهرة السكن غير النظامي في ارتفاع الإيجارات بنحو 40% عن قيمتها الفعلية.
وأكد السكان لـ«الإمارات اليوم» أن السماسرة غير القانونيين أوجدوا سوقاً عقارية سوداء، مشيرين إلى سيطرتهم على مناطق بعينها وتحديد الأسعار فيها بما لا يتناسب مع القيمة السوقية للعقار، وساعدهم في ذلك قلة المعروض في السوق حالياً ولجوء مُلاك للتعامل معهم من الباطن لتحقيق مكاسب أكبر في مقابل السماح لهم بإعادة تأجير العين بعد تقسيمها إلى غرف وحمامات صغيرة ومطابخ داخل الغرفة نفسها (حوض ودولاب صغير معلق على الحائط).
وقال محمد شحاتة: «أسكن بمنطقة المناصير في أبوظبي، والشركة التي تدير العقار أنذرتني بالإخلاء قبل انتهاء عقدي بشهرين، وطوال هذه المدة حاولت العثور على سكن بديل في المنطقة، إلا أنني فوجئت بأن كثيراً من البنايات التي كانت تحت التجديد تم تحويلها إلى غرف مستقلة، لتأجيرها لعدد أكبر من السكان، وبدلاً من أن يسكن في البناية المكونة من ثلاثة أدوار ست أسر، حيث يضم الدور شقتين، تحول الدور الواحد إلى ست غرف مستقلة، يسكن في كل غرفة أسرة أو مجموعة من العزاب»، مشيراً إلى تواصله مع الشركة مرة أخرى لحثها على تجديد العقد، فوافقت على ذلك بشرط زيادة الإيجار من 55 ألف درهم سنوياً إلى 80 ألفاً.
إلغاء الخصوصية
وأشارت ولاء سعد إلى أنها كانت تبحث عن شقة من غرفة وصالة، وتواصلت مع سماسرة، وفوجئت بأن كل الشقق المعروضة في فلل غير نظامية بمنطقة المشرف، وأن إيجار الشقة (غرفة وصالة) يراوح بين 5000 و6000 درهم شهرياً.
ونتيجة التقسيم العشوائي، لاحظت أن الفواصل بين الشقق من الجبس ورفيعة جداً، حتى لا تأخذ حيزاً من المساحة، ما يلغي فكرة الخصوصية بين السكان.
وأكد سكان في مدينتي «خليفة» و«محمد بن زايد»، عودة ظاهرة تقسيم الفلل، وأن عدداً كبيراً من الفلل أصبح ملجأ لعزاب من جميع الجنسيات، مشيرين إلى أن المنطقة التي كانت تتسم بالهدوء والسكينة، صارت مكتظة بالسكان.
وأكد بطي عبدالرحمن، ويوسف حسين، ومنصور البلوشي، وهاشم مطر، وطلال إسماعيل، أن تقسيم الفلل ظاهرة أوجدها عبث سماسرة العقارات في كثير من مناطق الدولة بعد أن باتت مصدر ربح كبير لهم، ما يتطلب تدخل الجهات المعنية بمنع هؤلاء السماسرة غير القانونيين، خاصة أن التقسيم له العديد من الأضرار الاجتماعية والصحية على المجتمع، منها عدم احترام خصوصية الجار، وتشكيل ضغط على البنية التحتية والخدمات التي تتعلق بالماء والكهرباء والمواقف، إضافة إلى أن التكدس قد يسبب انتشار الأمراض، مطالبين بفرض عقوبات مشددة على المؤجرين والمستأجرين ممن يخالفون القانون بتقسيم الفلل.
كما لاحظ سكان في مدينة العين، خصوصاً المناطق السكنية القديمة، تقسيم المساكن الشعبية والفلل إلى وحدات عدة، بهدف تأجيرها لأكبر عدد ممكن، ومن دون وجود عقد إيجار موثق، مشيرين إلى أن هذا الأمر يسبب تكدس العزاب بشكل كبير في الوحدة السكنية، فضلاً عن زيادة أحمال الكهرباء والأجهزة على المسكن، ما قد يسبب مشكلات وحدوث حرائق.
وأشار المسؤول في شركات تأجير عقاري، عمر بخيت، إلى أن الغرض الأساسي من تأجير فلل بعد إعادة تقسيمها وتسكينها من الباطن بعقود غير موثقة، هو استغلال أزمة قلة المعروض حالياً من الشقق النظامية في تحقيق أعلى قدر من الربح، لافتاً إلى أن الفيلا تؤجر بعقد نظامي مقابل مبلغ يراوح بين 150 ألف درهم و180 ألف درهم بحسب مساحتها وعدد غرفها، فيما لو تم تقسيمها وتأجيرها لأكثر من أسرة ستحقق عائداً يتخطى 350 ألف درهم سنوياً.
مخالفة المالك والمستأجر
وشرح المستشار القانوني الدكتور يوسف الشريف، أن ظاهرة السكن غير النظامي وتقسيم الفلل السكنية تُعد مخالفة قانونية في إمارة أبوظبي وتواجهها التشريعات المحلية، خاصة قانون تنظيم إشغال العقارات والوحدات السكنية، وينطبق هذا القانون على جميع العقارات والوحدات السكنية في الإمارة، ويمتد تطبيقه على المالك والمستأجر والشاغل على حد سواء، إذ إن القانون يمنع السكن الجماعي في غير الوحدات المرخَّصة لذلك.
وقال إن القانون يفرض غرامات إدارية على مختلف أشكال الانتهاكات، منها: إشغال أو تأجير أو استغلال العقار بطريقة مخالفة، من 50 ألف درهم إلى 100 ألف درهم أو أكثر في حال التكرار، وتأجير العقار كمساكن جماعية (مثل تقسيم الفيلا غير المرخَّص) من 100 ألف درهم إلى 200 ألف درهم عند تكرار المخالفة خلال سنة.
ووفق قانون تنظيم القطاع العقاري في أبوظبي، فإن ممارسة الوساطة العقارية من دون ترخيص تُعد جريمة يُعاقَب عليها بالحبس لمدة تصل إلى ستة أشهر و/ أو غرامة مالية من 50 ألف درهم حتى 200 ألف درهم، وهذا ينطبق على السمسار غير المرخَّص الذي يسهّل مثل هذه الممارسات.
وأشار إلى أن العقوبة تقع عن هذه الممارسات على كل من السمسار / وسيط غير مرخَّص، وهؤلاء مسؤوليتهم جنائية ومدنية، كما أن المستأجر الذي يقوم بالتقسيم أو التأجير الجزئي غير المصرَّح به مسؤول بشكل مباشر عن مخالفة إشغال العقار، وقد تُفرض عليه غرامات إدارية كبيرة، ويتعرض لإجراءات قضائية تعويضية أو إخلاء، ويعتبر مالك الفيلا أو العقار مسؤولاً إذا كان يعلم أو شارك أو لم يتخذ إجراءات لمنع المخالفة مثل عدم إبلاغ الجهات المختصة.
صلاحيات الضبط القضائي
وحمّلت المحامية، هادية حماد، مسؤولية تقسيم الفلل السكنية إلى وحدات أو غرف أو استوديوهات وتأجيرها من دون ترخيص من الجهات المختصة، أو استخدامها في غير الغرض المخصص لها، بالدرجة الأولى على مالك العقار، كونه صاحب الحق في التصرف بالعقار، والمسؤول عن التأكد من الالتزام بالاشتراطات التخطيطية والسكنية وتسجيل عقود الإيجار لدى البلدية، وقالت: «يُعاقب المالك بالغرامات المالية، وإزالة المخالفة، وقد يصل الأمر إلى إخلاء العقار أو إغلاقه، مع تحميله تكاليف تصحيح الوضع».
وبيّنت أن المسؤولية القانونية تمتد إلى السمسار العقاري في حال ثبوت ممارسته النشاط من دون ترخيص، أو قيامه بالتوسط، أو الإعلان، أو التأجير لوحدات غير نظامية.
ويُعد ذلك مخالفة لمزاولة مهنة الوساطة العقارية، ويُعرّضه للمساءلة والغرامات والعقوبات الإدارية.
وذكرت أن البلدية تتمتع بصلاحيات الضبط القضائي واتخاذ الإجراءات الفورية بحق المخالفين من دون الحاجة لانتظار شكاوى.
ضياع الأموال
وأكد المحامي سالم عبيد النقبي، أن ظاهرة تقسيم الفلل وتحويلها إلى سكن غير نظامي لا تمثل فقط مخالفة تنظيمية، بل تمس جوهر جودة الحياة التي حرصت أبوظبي على ترسيخها، حيث يضغط التقسيم العشوائي على البنية التحتية ويشكل خطراً حقيقياً على السلامة العامة، ويخل بالتوازن الاجتماعي داخل الأحياء السكنية، مشدداً على أن القوانين المحلية في إمارة أبوظبي حاسمة في هذا الشأن.
وقال: «في حال تدخلت الجهات المختصة وأخلت العقار لمخالفته قوانين السكن يجد المستأجر نفسه أمام واقع قاسٍ، ففي كثير من الحالات لا يحق له المطالبة باسترداد المبالغ التي دفعها، لأن العقد من أساسه يكون مخالفاً للقانون وكأنه لم يكن، غير أن القضاء قد ينظر بعين مختلفة إذا ثبت أن المستأجر كان ضحية خداع أو تضليل من مالك العقار أو السمسار، وهو أمر تقدره المحكمة وفق الأدلة والملابسات».
وكررت دائرة البلديات والنقل تحذيراتها من مخاطر التكدس السكاني، التي تشمل الحرائق، وانتشار الأمراض، وضعف التهوية، إضافة إلى كونه مخالفة غرامتها 50 ألف درهم، فيما تبلغ غرامة عدم الالتزام بمعايير الصحة والنظافة 25 ألف درهم.
وتنفذ الدائرة حملة «سكنك مسؤوليتك» للحد من ظاهرة التكدس السكاني وآثارها السلبية، وذلك بالتزامن مع تكثيفها حملات التفتيش الميدانية.
حملات تفتيشية
أكدت البلدية عملها على ضمان الالتزام بتطبيق قانون تنظيم إشغال العقارات والوحدات السكنية، من خلال حملات التفتيش المكثفة على العقارات والوحدات السكنية المخالفة، لمواجهة ظاهرة التكدس السكاني وتطبيق الجزاءات الإدارية والغرامات التي تراوح بين 5000 درهم ونصف مليون درهم.
وفي حال تكرار المخالفة تُفرض غرامات تصل قيمتها إلى مليون درهم، ويتعرض المخالفون إلى عقوبات إضافية تشمل حجز المركبات غير المسجلة، بسبب الوقوف غير القانوني في المناطق السكنية المحددة ضمن نظام «مواقف».
وأشارت الدائرة إلى أنها تحتفظ بحقها في اتخاذ أي تدابير إضافية حسب الضرورة، ومنها تعليق عقود وحسابات «توثيق» للمُلاك والمستثمرين المخالفين.
الرقابة الاستباقية
أكد المستشار القانوني، الدكتور يوسف الشريف، أن مواجهة ظاهرة السكن العشوائي لا تنجح بالإجراءات القانونية وحدها، بل تتطلب مقاربة مجتمعية شاملة تجمع بين الردع والوقاية والمسؤولية المشتركة، مشيراً إلى أن القضاء عليها عملياً يمكن عبر 12 محوراً، تشمل الانتقال من «الضبط بعد المخالفة» إلى المنع المسبق من خلال الرقابة الاستباقية على الإعلانات العقارية في المنصات الرقمية ووسائل التواصل، وربطها بقاعدة بيانات الوسطاء المرخصين، ومنع توصيل الخدمات (الكهرباء، والمياه، والإنترنت) عن أي تقسيم داخلي غير معتمد، فالسكن العشوائي لا يعيش من دون خدمات، والربط الإلكتروني بين البلديات، وشركات المرافق، والجهات الشرطية لرصد الازدحام السكني مبكراً.
وتضمنت المحاور «الردع بالشفافية» عبر نشر أسماء المكاتب والوسطاء المخالفين وإيقاف نشاطهم علناً، وتجريم الإعلان والترويج للوحدات غير المرخصة، وليس فقط تأجيرها، ورصد مكافأة للمبلغين عن السماسرة غير المرخصين كحافز مجتمعي، وتوجيه حملات توعية بلغة بسيطة تشرح للمستأجر أن الإيجار الرخيص اليوم قد يكلفك خسارتك غداً، ومعالجة الجذر الاجتماعي وليس الظاهرة، لأن السكن العشوائي ليس مجرد مخالفة، بل نتيجة ارتفاع كلفة السكن النظامي لفئات الدخلين المتوسط والمنخفض، ونقص الخيارات القانونية المناسبة، وتشجيع نماذج السكن المشترك المرخص (Co-living) بمعايير واضحة، وتحفيز المستثمرين على تطوير وحدات صغيرة قانونية برسوم وتسهيلات، وإشراك القطاع الخاص في حلول إسكانية واقعية، إضافة إلى إشراك المجتمع المحلي وتمكين السكان من الإبلاغ من دون تخوف.

