حذّر مختصّون من مخاطر إدمان الأطفال المقاطع المصورة القصيرة (الريلز) على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأكدوا لـ«الإمارات اليوم» أنها تعرّضهم لمحتويات عشوائية وغير مناسبة، لافتين إلى صعوبة فهم الأطفال المخاطر التي تحيق بهم نتيجة التعرض لمحتويات غير آمنة.

وشرحوا أن المقاطع القصيرة العشوائية تترك آثاراً مختلفة، سلوكية وصحية، إذ قد تقودهم إلى الإدمان وتثير في أنفسهم العدوانية والتشويش والقلق والاكتئاب، وتالياً الاضطرابات النفسية.

وتتضمن شروط الخدمة على بعض مواقع التواصل أن يكون الحد الأدنى لعمر المستخدم 13 عاماً إلا أن هذا الشرط لا يتضمن آلية للتحقق من العمر، ما يسهل على الأطفال دون هذه السن التسجيل والوصول إلى محتوى غير مناسب، وقد يكون خطراً.

تغيير شامل

وتفصيلاً قالت الاختصاصية في الصحة النفسية، الدكتورة هند الرستماني، إنه على الرغم من أن وسائل التواصل الاجتماعي أحدثت تغييراً شاملاً في تواصلنا مع بعضنا بعضاً، ومع العالم من حولنا، إلا أنها تركت أيضاً آثاراً سلبية نحتاج أن نتوقف عندها، ونتابع الدراسات الحديثة التي بدأت تتزايد وتؤكد المخاطر المتوقعة، وأولها الإدمان، لاسيما أن هذا الجيل هو الأول الذي تنتشر لديه وسائل التواصل الاجتماعي منذ الولادة.

المكافآت والعقوبات

وأضافت الرستماني أن «بعض الدراسات الإحصائية في أميركا تشير إلى أن 42% من الأطفال في سن العاشرة لديهم هواتف ذكية وترتفع النسبة إلى 91% في سن المراهقة (14 عاماً). وتشير إلى أن من يتصفحون هذه المنصات منهم بشكل معتاد لديهم تغيرات في أجزاء الدماغ التي تتحكم في المكافآت والعقوبات الاجتماعية، كما أن هناك دراسات أخرى تفيد بوجود ارتباط بين كثرة استخدام هذه الوسائل وارتفاع مستوى الاكتئاب بين طلبة المدارس، وهذا ما عزز تخوف الآباء أو المربين من سلامة السماح للأطفال باستخدام الهواتف».

وأوضحت أن خطورة منصات التواصل على الأطفال والمراهقين تكمن في وجود محتوى غير لائق، وعدم استيعاب وجود أطراف خارجية تستهدفهم لأغراض استغلالية.

وقالت الرستماني إن إدمان «الريلز» أو «الفيديوهات القصيرة» في منصات التواصل الاجتماعي قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الأطفال من الناحية الجسدية والعاطفية والنفسية والاجتماعية.

ولفتت إلى أن «الخطورة تكمن في الوقت والمحتوى؛ فزيادة وقت الشاشة يمكن أن يقلل من سلامة بعض مناطق الدماغ التي تدعم القراءة والكتابة المبكرة لدى الأطفال دون سن الخامسة، وقد تحدث تأخيرات في اكتساب اللغة ومشكلات في الانتباه المستمر والقيام بمهام متعددة».

وقت الشاشة

وذكرت أن «الفئة العمرية دون خمس سنوات تعد فترة حرجة لنمو الدماغ لأنها تشهد اكتساب اللغة والتحليل والمنطق وتعلم التعبير، وحين يقضي الطفل وقتاً طويلاً أمام الشاشات فقد يحد ذلك أو يعيق تطور بعض المناطق الحيوية في الدماغ، ولهذا السبب توصي الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال والأكاديمية الأميركية للطب النفسي للمراهقين بعدم قضاء وقت أمام الشاشة قبل بلوغ عمر 18 إلى 24 شهراً، ثم إدخال وقت الشاشة تدريجياً مع تقدمهم في السن».

وحددت سبعة مخاطر لإدمان «الريلز» لدى الأطفال، منها التنمر بين الأقران، الذي يمكن أن يسبب نتائج نفسية واجتماعية عميقة، بما في ذلك الاكتئاب والقلق والعزلة الشديدة والانتحار بشكل مأساوي.

«اكتئاب الفيس بوك»

وأكدت أن هناك ظاهرة جديدة اقترحها الباحثون تسمى «اكتئاب الفيس بوك»، وتم تعريفها على أنها «اكتئاب يتطور عندما يقضي الأطفال المراهقون وقتاً طويلاً على مواقع التواصل الاجتماعي، مثل فيس بوك»، إذ يبدأ ظهور الأعراض الكلاسيكية للاكتئاب عليهم، ما يعرضهم لخطر العزلة الاجتماعية، وقد يلجأون أحياناً لطلب المساعدة من منصات ومواقع محفوفة بالمخاطر، تشجع على التعاطي أو السلوكيات العدوانية أو التدمير الذاتي.

وأضافت أن العالم الرقمي لوسائل التواصل الاجتماعي يسمح بالاتصال السريع وواسع النطاق إلا أنه يفتقر غالباً إلى العمق، وكلما زاد قضاء الوقت في هذا العالم الافتراضي قلّ اكتساب مهارات التواصل وجهاً لوجه، مثل تفسير لغة الجسد والنبرة العاطفية في المحادثة، ما قد يعيق تطوير علاقات أعمق.

نسخ مثالية

ونبّهت إلى أنه «مع نمو الأطفال يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تلعب دوراً حاسماً في تكوين الهوية، إذ تتيح وسائل التواصل تصوير نسخ مثالية للأطفال، وتكوين شخصيات تتعارض مع شخصياتهم وتجاربهم في العالم الحقيقي. ما قد يؤدي إلى خلق صراعات نفسية داخلية لدى الطفل للتوفيق بين الشخصية الافتراضية والواقعية».

وأوضحت أنه «من بين المخاطر تشويه وسائل التواصل الاجتماعي تصوّر الأطفال للواقع؛ فالتصفح المستمر والمتكرر لعالم مثالي غير واقعي يؤدي إلى تشويه تصورهم لما هو نموذجي أو مرغوب فيه، ما قد يؤدي إلى شعور بعدم الرضا عن ظروف حياتهم أو مظهرهم»، كما لفتت إلى أن «الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها الدماغ في فترات قصيرة يعد أمراً مُربكاً لعقول مازالت في طور النمو، وقد ينتج عن ذلك تشوش وتشويه وعدم قدرة على تخزين المعلومات بصورة منتظمة ومنطقية».

وأكدت أن الوقت الذي يقضيه الطفل مع الأجهزة الذكية يحرمه النوم المبكر، فيتأثر نمو الجسم سلباً، ويستيقظ الطفل بصعوبة، ويقاوم الذهاب إلى المدرسة. وفي الفصل يكون مشتتاً بسبب قلة النوم، ولا يستطيع التركيز على دراسته، وتتولد لديه مشاعر مختلطة من الغضب والتوتر والقلق، ما يؤدي إلى التأخر الأكاديمي.

 

أخطار اجتماعية وقانونية

كما يفتقر الأطفال إلى الوعي بقضايا الخصوصية في الرسائل والصور ومقاطع الفيديو، فقد تكون غير لائقة، وما ينشر قد يبقى دون حذف، ما يعرضهم وعائلاتهم لأخطار اجتماعية وقانونية.

وكذلك يمكن أن يجعل استهداف الأطفال والمراهقين أسهل بالنسبة للمسوقين والمحتالين.

وقالت إن منصات التواصل الاجتماعي تعطي الطفل شعوراً بالرضا بسبب عدد الإعجابات التي يتلقاها، ولكنها قد تؤدي أيضاً إلى القلق والاكتئاب عند مواجهة ردود فعل سلبية، أو عندما لا تتحقق توقعاته من المشاركة.

وحين يستمر في التصفح يتنقل بين البحث عن الفرح والهروب من الألم لساعات متواصلة، ويقع في الدائرة المفرغة والمتكررة بين الفرح وخيبة الأمل والقلق والخوف، وقد يدخل في دائرة الإدمان.

التنمر والابتزاز العاطفي

ونبهت الرستماني إلى أن الأطفال ليس لديهم بعد حس إدراك الزمن، ويستمرون في البحث عما يخفف آلامهم وخوفهم، كما أنهم مازالوا في عمر مبكر ليميزوا بين ما هو منطقي وما هو خطر من المواد التي يتصفحونها، خصوصاً إذا لم يكن هناك متابعة من المربين لما يرونه.

وقالت: «حين يعاقب الأطفال بالحرمان من الوصول إلى هذه المنصات قد تجتاحهم موجات غضب قوية، ولا يستطيعون التحكم في مشاعرهم، وقد يلجأون إلى سلوك عدواني ومندفع، وفي بعض الأحيان يسجلون أكثر من حساب حتى لا يرى الأهل الحسابات التي يتابعونها، ما يعرضهم لخطر التنمر والابتزاز العاطفي».

بدوره، قال رئيس جمعية الإمارات لحماية الطفل، المستشار فيصل الشمري، إن التغير السلوكي الناجم عن إدمان التقنيات الحديثة لا يقتصر على ارتفاع نسب السمنة والأمراض المزمنة (السكر والقلب وغيرهما)، أو تحديات التغذية والنمو مقرونة بتغير أنماط السلوك، كالانطوائية وضعف التواصل الاجتماعي وغيرهما، بل يضاعف مخاطر المحتوى اللاأخلاقي، ومنها ما يمس الدين والثقافة والأمن الوطني والسلوك الاجتماعي القويم والعادات والتقاليد، ناهيك بمخاطر التواصل مع الأشخاص الخطرين من متطرفين أو متحرشين أو مجرمين (وهو الأمر الذي يقع بشكل متكرر ومتزايد في عالم اليوم).

وأوضح أن التنمر والابتزاز العاطفي يعيد برمجة سلوك الطفل ويحرفه عن الطريق القويم بسبل ملتوية تجعل الممنوع مرغوباً، ويحرف الميول القويمة بما يسهّل المعرفة المنحرفة ويشجع عليها، وهو ما يهدم قواعد الأخلاق الحسنة والسلوكيات الحميدة.

الوعي المجتمعي

ولفت إلى أن الرقابة الأبوية تتطلب توفير ممكنات تقنية غير متوافرة أو تحتاج إلى تطوير وتوعية وبناء قدرات وتدريب، وتتطلب مساهمة أكبر من القطاع التقني الخاص لتوفير الممكنات اللازمة مقرونة بمبادرات حكومية لصياغة تشريعات أشد إلزاماً وضوابط محكمة وعقوبات مشددة عند قصور الممكنات التقنية من الشركات المعنية.

وقال إن الجمعية تشارك في بناء الوعي المجتمعي اللازم لضمان تحقيق المستهدفات النبيلة، ويتم التعاون مع الوزارات والهيئات الحكومية والقطاع الخاص وأولياء الأمور بهدف بناء الوعي المطلوب وتحليل الفجوات وتطوير المبادرات والمشاريع الاستراتيجية اللازمة، ومنها ما يتعلق بتطوير منظومة حماية الطفل في البيئة المدرسية مع وزارة التربية قبل أعوام وتطوّر اليوم ليشمل البدء مع هيئة تنمية المجتمع في دبي بالتعاون مع هيئة الصحة لتحقيق مستهدفات تطبيق أفضل الممارسات الدولية لحماية الطفل في القطاع الصحي؛ الأمر الذي يعكس الجاهزية المؤسسية المتنامية والاحترافية والمهنية والعزم القيادي لتعزيز الريادة الدولية وحماية المكتسبات الوطنية بما يخص الطفل واليافع.

تقييم الخطورة

من جانبها، قالت عضو اللجنة التربوية والصحة النفسية في جمعية الإمارات لحماية الطفل، الدكتورة هند البدواوي، إنه من المهم تحديد الفئة العمرية في تقييم مستوى الخطورة أو التأثير، فحينما نتكلم عن عمر السنتين، يبدأ تكوّن خارطة المعارف والمفاهيم لدى الطفل، وينشأ لديه النمو المعرفي والعقلي بدءاً من مرحلة التمييز، وإدراك ما هو صحيح وما هو خطأ، أما المرحلة التي تسبقها فهي إشباع الحاجات العاطفية كالنوم والحب والأكل.

وأضافت: «تشكّل المدخلات الخارجية خارطة المعارف والمفاهيم لدى الطفل ويكون تأثيرها كبيراً، لأنه يبدأ بالبحث وراء أي شيء لاستكشافه، وحينما ننتقل إلى الإلكترونيات، نجد أن تأثيرها سيظهر كاملاً، سلباً أو إيجاباً، ويعتمد بالأساس على الأبوين، إما من خلال الحوار أو المقاطع التي يتعرض لها، وهذه الجوانب يطلق عليها (الضوابط الخارجية)».

وأكدت أن تعرُّض الأطفال لمقاطع عشوائية يسهم في تكوين خارطة تعريفية عن أي شيء موجود في المقاطع القصيرة، ومع التكرار تصير هناك رغبة في التجربة أو عيش هذه اللحظة أو التقليد، فالمقاطع القصيرة تسبب «هيمنة دماغية على الطفل»، بحيث يسعى إلى التجربة أو الوصول إلى مستوى الإثارة؛ لاسيما أن «الريلز» تتميز باستخدام مؤثرات صوتية وضوئية مركّزة، وبالتالي يكون مستوى التنبيه والإثارة عالياً.

نظام أسري

وتابعت: «أما في حال إبعاد الهاتف عن الطفل بشكل مفاجئ فيحدث له تشنج وغضب، وبعدم وعي يضطر الآباء إلى إعادته إليه، لكن من الأفضل التحكم بشكل غير مباشر في ما يتعرض له الطفل من مؤثرات تجعل الاستثارة لديه عالية، وتدفعه إلى إدمان تفاصيل مثل الصوت والإضاءة العشوائية والمقاطع السريعة».

وقالت البدواوي: «هناك خطورة أخرى يتعرض لها الطفل من التكرار ووحدة ونوعية المقاطع التي يتابعها، بما يؤثر سلباً في التركيز والاستيعاب وتشكيل مفاهيم غير صحيحة وغير واضحة وردود أفعال كالانطواء والعزلة وفقد التواصل الاجتماعي مع الآخرين، بما يستتبعه من صعوبة اكتشاف أولياء الأمور لإصابة أبنائهم باضطرابات مثل العزلة أو التوحد».

ولفتت إلى أن المنع ليس حلاً صحيحاً لأنه يخلق رغبة أكبر لدى الطفل، لكن لابد من وضع قانون ونظام أسري يعتمد على مراقبة ومتابعة ما يشاهده، ومناقشته فيه لمعرفة ما وصله واستفاد منه، لتوظيف المعلومة بطريقة صحيحة في إطار الحلال والحرام والعادات والقيم والتقاليد والنمط المجتمعي والأسري بحيث يكون الحوار واعياً.

وواصلت: «في الوقت الذي يقلّد فيه الطفل مع معرفته بأن هذا خطأ ولا يجوز وغير مسموح، أؤكد عليه – كولي أمر – بعدم المشاهدة وأفرض قائمة عقوبات، لكن المنع من دون سبب واضح خطأ».


دور الأسرة

حددت الدكتورة هند الرستماني احتياجات الوالدين أو المربين إذا كان لديهم أطفال ومراهقون يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة في:

– أن يكون لديهم معرفة واطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي للأطفال.

– التسجيل في منصات دليل المتابعة للمواقع التي تتيح إشرافاً آمناً على حسابات الأطفال.

– إعداد الطفل وتحضيره قبل أن يستلم أي جهاز ذكي والإشراف على التسجيل في المواقع الآمنة.

– الحوار المفتوح مع الأبناء عن فوائد ومخاطر هذه المنصات.

– مشاركة الأطفال في تصفحهم للمنصات يعطي الأهالي فكرة عن عالم أطفالهم.

– تحديد الأوقات للتصفح حسب الأعمار.

– مشاركة الأطفال في هواياتهم ما يعزز التواصل الاجتماعي وينمي لديهم الشعور بالانتماء.

– ملاحظة ومتابعة التغيرات السلوكية لدى الأطفال خصوصاً العزلة والرغبة في البقاء في غرفهم طوال الوقت.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © الإمارات اليوم. جميع حقوق النشر محفوظة.
Exit mobile version