امتدت التخفيضات الموسمية أخيراً إلى غرف العمليات، عبر حملات ترويجية لعمليات تجميلية وجراحية، من بينها تكميم المعدة وشفط الدهون، تزامناً مع مواسم محددة مثل رأس السنة والأعياد، ما لفت الانتباه إلى أسلوب «الإعلان الطبي» وحدود التسويق، في قطاع يرتبط مباشرة بصحة الإنسان.
وتواصلت «الإمارات اليوم» مع أربع عيادات تجميلية روجت لتنزيلات وعروض على عمليات جراحية عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أبدت العيادات استجابة سريعة للاستفسارات، شملت الرد الفوري، وشرح تفاصيل العروض، وتحديد مواعيد قريبة للاستشارة، إلى جانب توضيح الأسعار المخفّضة وفترات سريان الخصومات.
وفي مقابل هذا الانتشار الإعلاني، أفاد أطباء وجراحون بأن التوسع في تسويق العمليات الجراحية عبر تنزيلات وعروض موسمية يثير إشكاليات مهنية وأخلاقية، مؤكدين أن القرار الطبي يجب أن يبقى قائماً على الحاجة العلاجية لا على الحوافز التسويقية.
وأكدوا أن بعض العمليات، وعلى رأسها تكميم المعدة، تعد تدخلات جراحية كبرى وتتطلب فحوصاً دقيقة وتقييماً شاملاً للحالة الصحية والنفسية للمريض، ومتابعة طويلة بعد الجراحة، محذرين من أن ربطها بمواسم التخفيضات قد يقلل من وعي بعض المرضى بمخاطرها المحتملة.
وشددوا على ضرورة إقرار تشريعات واضحة وأنظمة تنظيمية تضبط الإعلان عن الخدمات الصحية، بما يضمن عدم تضليل الجمهور أو استغلال المناسبات للتأثير في قرارات علاجية حساسة.
وتفصيلاً، أكد استشاري جراحة عامة وجراحة السمنة، الدكتور علي خماس، رفضه القاطع تحويل الطب إلى سلعة، مشيراً إلى أن «هذا النهج يسيء للمهنة ويغير نظرة المجتمع للطبيب».
وقال: «أنا ضد أن يتحول الطب إلى تجارة، المريض ليس زبوناً ولا عميلاً، وإنما إنسان يحتاج إلى علاج، وبعض الإعلانات الحالية تتعامل مع الإجراءات الطبية كأنها سلع استهلاكية».
وأضاف أن «اللجوء إلى أساليب تسويقية قائمة على التخفيضات والإغراءات الموسمية في المجال الطبي يسيء إلى المهنة»، داعياً الجهات المعنية إلى التدخل لوضع ضوابط تمنع أي إعلان ينتقص من مكانة العمل الطبي أو يتعامل مع الإجراءات الطبية والجراحية بمنطق التنزيلات، حتى إن لم يكن هذا الأسلوب محظوراً قانوناً في الوقت الراهن.
وأوضح أن «خفض الأسعار أمر ممكن، لكن من دون استخدام أساليب دعائية رخيصة تشجع على إجراء عمليات جراحية كما لو كانت ملابس أو أثاثاً، أو ما يعرف بعروض الـ(بلاك فرايدي)».
وطالب خماس بإخضاع الإعلانات الطبية لنظام ترخيص ورقابة صارمة، مع وجود فرق مختصة تتابع المحتوى المنشور في وسائل التواصل الاجتماعي، وتمنع أي دعاية تمس كرامة المهنة أو تضغط على المرضى لاتخاذ قرارات علاجية غير مدروسة.
من جهتها، أفادت رئيسة قسم الجراحة التجميلية والترميمية في مستشفى هيلث بوينت بأبوظبي، الدكتورة نهلة المنصوري، بأن «انتشار التخفيضات على العمليات الجراحية لم يعد مجرد تسويق عيادي بسيط، بل أصبح جزءاً من استراتيجيات تسويق رقمي متقدمة تعتمد على المحتوى المرئي لجذب المرضى وزيادة الطلب».
وبينت أن «تسليع الإجراءات الجراحية وربطها بعروض موسمية يخلق إشكالات إكلينيكية، من أبرزها طمس مبدأ الاستطباب الطبي، حيث يجب أن يتخذ القرار الجراحي بناءً على حاجة طبية واضحة لا على عامل سعري، إضافة إلى اختلال التوازن بين الفائدة والمخاطر نتيجة تضخيم النتائج وتقليل الحديث عن المضاعفات».
وأكدت أن «هذا الأسلوب التسويقي قد يضعف مفهوم القرار العلاجي المشترك، ويحول الجراحة من عملية طبية منظمة إلى استجابة لضغط خارجي»، مشيرة إلى أن «العديد من الجمعيات الطبية العالمية تشدد على تجنب الإعلانات التي تقدم وعوداً غير واقعية أو تستخدم عبارات ضغط مثل: عرض لفترة محدودة».
وأضافت أن «الإعلانات الطبية يجب أن تحترم المبادئ الأخلاقية الأساسية، منها استقلالية المريض، وتقديم المنفعة، وعدم الإضرار، والعدالة، محذرة من أن ربط الجراحة بخصومات زمنية قد يقلل وقت التقييم والمشاورة، ويضعف الموافقة المستنيرة، ويؤدي إلى اختيار غير مناسب للمرضى».
وفي السياق ذاته، ذكر استشاري طب الأسرة في دبي، الدكتور عادل سجواني أن «العمليات الطارئة والضرورية لا تخضع بطبيعتها لأي تنزيلات، وغالباً ما تكون مشمولة بالتأمين الصحي»، موضحاً أن «الجدل يتركز على العمليات التجميلية وغير الضرورية».
وقال: «في القطاع الخاص، هناك تكاليف تشغيلية ورواتب وإيجارات، ولا أرى مشكلة في وجود عروض على إجراءات تجميلية غير ملزمة طبياً، بشرط أن تكون بطريقة صحيحة وواضحة»، مشيراً إلى أن الإشكالية الحقيقية تكمن في الترويج لإجراءات أو علاجات لا تستند إلى دليل علمي، مثل بعض العلاجات التجميلية أو الفيتامينات الوريدية التي تسوق على أنها حلول سحرية.
وشدد استشاري أطفال متخصص في أمراض الجهاز الهضمي والكبد والتغذية، الدكتور نافع الياسي، على ضرورة التفريق بين الطب العلاجي والتجميلي، موضحاً أن الخصومات قد تكون مقبولة في مجال التجميل، لكن الطب العلاجي، بما في ذلك عمليات مثل تكميم المعدة، يجب أن يبقى بعيداً عن منطق التسليع والتجارة.
وأكد أن الطبيب، بحكم مهنته، مؤتمن على صحة الإنسان، ولا ينبغي أن يقارب عمله عقلية البيع والترويج، مشيراً إلى أن «القرار الطبي يجب أن يظل قائماً على الحاجة العلاجية وحدها».
وأوضح أن هذا الحراك المهني يتزامن مع تصاعد الدعوات إلى تنظيم الإعلان الطبي، بما يحقق التوازن بين حق المنشآت الصحية في التعريف بخدماتها، وحق المرضى في اتخاذ قرارات علاجية آمنة تستند إلى تقييم طبي وأخلاقي، بعيداً عن ضغوط المواسم والعروض الترويجية.
جولة ميدانية
في جولة ميدانية لـ«الإمارات اليوم»، تواصلت الصحيفة مع أربع عيادات تجميلية، روجت لتنزيلات وعروض على عمليات جراحية، عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أبدت العيادات استجابة سريعة للاستفسارات، شملت الرد الفوري، وشرح تفاصيل العروض، وتحديد مواعيد قريبة للاستشارة، إلى جانب توضيح الأسعار المخفّضة وفترات سريان الخصومات.
وأظهرت الجولة أن بعض العيادات سارعت باقتراح مواعيد خلال أيام قليلة، فيما ركزت أخرى على إبراز الخصومات المرتبطة بالمناسبة، في وقت تفاوت مستوى التطرق إلى الجوانب الطبية الدقيقة، وآليات التقييم الصحي ومتطلبات المتابعة قبل الإقدام على أي إجراء جراحي.

